لم يفلح رئيس الائتلاف المعارض أحمد الجربا في إحداث تغيير جذري في الموقف الأميركي. لا تزال واشنطن ترفض تسليم أسلحة مضادة للطائرات. كل ما يمكن انتظاره هو رفع الحظر عن فتح بعض المخازن في السعودية وتركيا لزيادة عدد صواريخ «تاو» المضادة للدبابات وأسلحة متوسطة أخرى. هذا الرفع يبقى، هو الآخر، مشروطاً بإشراف أميركي مباشر، خشية وقوع الاسلحة في أيدي مسلحين إرهابيين.

كل ما بقي، أي رفع مستوى التمثيل المعارض في واشنطن ولندن وغيرهما، لا يعدو كونه محاولة لرفع معنويات «الائتلاف». بات رفع المعنويات ضرورياً بعد تقدم الجيش السوري وحليفه حزب الله في مواقع استراتيجية، والاتجاه نحو السيطرة على كل المدن الكبرى.

ماذا يعني هذا؟

الجواب كان واضحاً في واشنطن. الجربا نفسه سمعه في لقاءاته مع المسؤولين الاميركيين. المؤسسة العسكرية الأميركية لم تعد راغبة في انتصار للمسلحين على الجيش السوري. صار هذا الجيش، كما نظراؤه في العراق ومصر ولبنان والأردن واليمن وغيرها، حاجة ملحّة في جبهة مكافحة الارهاب.

لم تستطع معارضة الخارج إقناع الادارة الاميركية، وخصوصاً العسكرية منها، بقدرتها على هزيمة الإرهابيين. صار مقاتلو «داعش» و«النصرة» القوة الأهم في المعارك الكبرى. إحداث تغيير على الأرض يتطلب، في الدرجة الأولى، إجراءات إقليمية ودولية، خصوصاً ضد النصرة. سيظهر ذلك قريباً جداً.

كل ما ستسمح به واشنطن، إذاً، هو رفع مستوى المساعدة للمسلحين «المعتدلين» بغية إحداث نوع من التوازن العسكري. الهدف من توازن كهذا هو التمهيد لمفاوضات مقبلة بين النظام والائتلاف وأطراف معارضة أخرى. بمعنى آخر الضغط على إدارة الرئيس بشار الأسد للعودة إلى طاولة التفاوض.

يعترف الغربيون بأن الجيش السوري وحلفاءه قلبوا جزءاً كبيراً من المعادلة على الأرض. يقولون، في المقابل، إن المسلحين لا يزالون قادرين على إحداث تغييرات في مناطق محدّدة، وخصوصاً في مناطق الشمال. انهيار المسلحين في المناطق الشمالية ممنوع هو الآخر. أمر كهذا سيكون خطيراً على كل صورة المعارضة وعلى الأدوار الاقليمية، وخصوصاً التركي منها. لذلك لا بد من تقديم مساعدات.

يخشى داعمو المعارضة، وفق ما ظهر في واشنطن وفي مداولات اجتماع أصدقاء سوريا في لندن أمس، قلب الصورة معنوياً. لا يتعلق الأمر فقط بالتقدم العسكري للجيش السوري وحلفائه. يتعلق، أيضاً، بصور الناس العائدين إلى المناطق التي يخرج منها المسلحون نتيجة المصالحات. يتعلق كذلك باحتمال إجراء الانتخابات الرئاسية في معظم المدن الكبرى.

لا بد، إذاً، من إبقاء المعادلة العسكرية في حدود معينة بحيث يصعب الحسم لأي طرف. لا بد أيضاً من تشويه صورة الانتخابات والرئاسة. هذا سيتكثف في الأيام القليلة المقبلة. هنا يكمن خصوصاً السعي الحثيث من قبل فرنسا وبعض الدول لتقديم مشروعين إلى مجلس الأمن الأسبوع المقبل؛ يتمحور الأول حول مشروع للمحكمة الجنائية الدولية، والثاني في شأن إقامة ممرات للمساعدات الإنسانية. تعتقد الدول الغربية بأن موسكو سترفض الأول وتلجأ إلى الفيتو، أما الثاني فقد تضطر إلى تمريره خصوصاً بعد تقليص الممرات إلى اثنين فقط. يعتقدون بأن الرئيس فلاديمير بوتين قد يقبل لسببين: أولهما لأن الممرين مقبولان عملياً، وثانياً لأنه يريد تحسين صورته الدولية بعد أوكرانيا.

في الحالتين سيكون المشروعان مهمين لجهة قياس حقيقة ومستوى الدعم الروسي الحالي للرئيس الأسد. يقال إن ضغوطاً مورست على موسكو أخيراً لإقناع الأسد بعدم الترشح. يقال، أيضاً، إن طلباً قدم إلى إيران على هامش المفاوضات النووية معها لإقناع الأسد بذلك. كان الجواب في دمشق واحداً: «الأسد سيترشح في المهلة الدستورية المعروفة، ولا إمكانية أبداً لتأجيل الانتخابات يوماً واحداً».

ثمة من يقول إن بعض الأفكار التي نوقشت مع طهران تتعلق باقتراح جديد مفاده: وقف لإطلاق النار، إيصال المساعدات الإنسانية وتبادل الأسرى والمخطوفين، إرجاء الانتخابات على أن يصار إلى تعديل الدستور وإجراء الانتخابات لاحقاً، ثم تعزيز صلاحيات الحكومة المقبلة.

يبدو أن الصورة في دمشق مغايرة تماماً. القيادة السورية تقول إن ما كان مقبولاً قبل وصول الحرب إلى مآلاتها الحالية ما عاد مقبولاً الآن. ثمة شعور بأن «الحسم الاستراتيجي تحقق ويبقى استكمال الحسم على الأرض». أقصى ما يمكن أن تقبله القيادة بعد عودة الأسد إلى ولاية ثالثة هو حكومة تضم «بعض أطياف» المعارضة المقبولة. خصومها يعملون أيضاً لإعادة تعويم المعارضة السياسية ورفع معنوياتها. قطر نفسها تعمل على خط مواز عبر اجتماعات جانبية للتأسيس لخيارات معارضة أخرى.

بين معارضة مقبولة وأخرى معتدلة، يبدو أن الحرب ليست قريبة الانتهاء. الذي تغير هو حاجة الجميع حالياً إلى أن يحقق الجيش تقدماً على الإرهاب حتى ولو تغيرت كل الأهداف السياسية التي كانت مرفوعة منذ ٣ سنوات بإسقاط الأسد ونظامه. كانت النتيجة أن الحرب المستعرة الآن بين «داعش» و«النصرة» قد قتلت ما لا يقل عن ١٠ آلاف شخص وفق مصادر عسكرية مطلعة. لا شك في أن النظام صار أقوى وفق اعترافات الغربيين أنفسهم.

ما الذي سيتغير لو تقاربت طهران والسعودية؟ لا بد أن ذلك أمر مهم من العراق إلى سورية واليمن وصولاً إلى رئاسة لبنان. لكن المسار لا يزال في بدايته والتعثر محتمل. الأهم وفق القيادة السورية الآن هو استكمال الحسم في المناطق الاستراتيجية.

  • فريق ماسة
  • 2014-05-15
  • 13370
  • من الأرشيف

أميركا للجربا: الانتصار على الجيش السوري ممنوع

لم يفلح رئيس الائتلاف المعارض أحمد الجربا في إحداث تغيير جذري في الموقف الأميركي. لا تزال واشنطن ترفض تسليم أسلحة مضادة للطائرات. كل ما يمكن انتظاره هو رفع الحظر عن فتح بعض المخازن في السعودية وتركيا لزيادة عدد صواريخ «تاو» المضادة للدبابات وأسلحة متوسطة أخرى. هذا الرفع يبقى، هو الآخر، مشروطاً بإشراف أميركي مباشر، خشية وقوع الاسلحة في أيدي مسلحين إرهابيين. كل ما بقي، أي رفع مستوى التمثيل المعارض في واشنطن ولندن وغيرهما، لا يعدو كونه محاولة لرفع معنويات «الائتلاف». بات رفع المعنويات ضرورياً بعد تقدم الجيش السوري وحليفه حزب الله في مواقع استراتيجية، والاتجاه نحو السيطرة على كل المدن الكبرى. ماذا يعني هذا؟ الجواب كان واضحاً في واشنطن. الجربا نفسه سمعه في لقاءاته مع المسؤولين الاميركيين. المؤسسة العسكرية الأميركية لم تعد راغبة في انتصار للمسلحين على الجيش السوري. صار هذا الجيش، كما نظراؤه في العراق ومصر ولبنان والأردن واليمن وغيرها، حاجة ملحّة في جبهة مكافحة الارهاب. لم تستطع معارضة الخارج إقناع الادارة الاميركية، وخصوصاً العسكرية منها، بقدرتها على هزيمة الإرهابيين. صار مقاتلو «داعش» و«النصرة» القوة الأهم في المعارك الكبرى. إحداث تغيير على الأرض يتطلب، في الدرجة الأولى، إجراءات إقليمية ودولية، خصوصاً ضد النصرة. سيظهر ذلك قريباً جداً. كل ما ستسمح به واشنطن، إذاً، هو رفع مستوى المساعدة للمسلحين «المعتدلين» بغية إحداث نوع من التوازن العسكري. الهدف من توازن كهذا هو التمهيد لمفاوضات مقبلة بين النظام والائتلاف وأطراف معارضة أخرى. بمعنى آخر الضغط على إدارة الرئيس بشار الأسد للعودة إلى طاولة التفاوض. يعترف الغربيون بأن الجيش السوري وحلفاءه قلبوا جزءاً كبيراً من المعادلة على الأرض. يقولون، في المقابل، إن المسلحين لا يزالون قادرين على إحداث تغييرات في مناطق محدّدة، وخصوصاً في مناطق الشمال. انهيار المسلحين في المناطق الشمالية ممنوع هو الآخر. أمر كهذا سيكون خطيراً على كل صورة المعارضة وعلى الأدوار الاقليمية، وخصوصاً التركي منها. لذلك لا بد من تقديم مساعدات. يخشى داعمو المعارضة، وفق ما ظهر في واشنطن وفي مداولات اجتماع أصدقاء سوريا في لندن أمس، قلب الصورة معنوياً. لا يتعلق الأمر فقط بالتقدم العسكري للجيش السوري وحلفائه. يتعلق، أيضاً، بصور الناس العائدين إلى المناطق التي يخرج منها المسلحون نتيجة المصالحات. يتعلق كذلك باحتمال إجراء الانتخابات الرئاسية في معظم المدن الكبرى. لا بد، إذاً، من إبقاء المعادلة العسكرية في حدود معينة بحيث يصعب الحسم لأي طرف. لا بد أيضاً من تشويه صورة الانتخابات والرئاسة. هذا سيتكثف في الأيام القليلة المقبلة. هنا يكمن خصوصاً السعي الحثيث من قبل فرنسا وبعض الدول لتقديم مشروعين إلى مجلس الأمن الأسبوع المقبل؛ يتمحور الأول حول مشروع للمحكمة الجنائية الدولية، والثاني في شأن إقامة ممرات للمساعدات الإنسانية. تعتقد الدول الغربية بأن موسكو سترفض الأول وتلجأ إلى الفيتو، أما الثاني فقد تضطر إلى تمريره خصوصاً بعد تقليص الممرات إلى اثنين فقط. يعتقدون بأن الرئيس فلاديمير بوتين قد يقبل لسببين: أولهما لأن الممرين مقبولان عملياً، وثانياً لأنه يريد تحسين صورته الدولية بعد أوكرانيا. في الحالتين سيكون المشروعان مهمين لجهة قياس حقيقة ومستوى الدعم الروسي الحالي للرئيس الأسد. يقال إن ضغوطاً مورست على موسكو أخيراً لإقناع الأسد بعدم الترشح. يقال، أيضاً، إن طلباً قدم إلى إيران على هامش المفاوضات النووية معها لإقناع الأسد بذلك. كان الجواب في دمشق واحداً: «الأسد سيترشح في المهلة الدستورية المعروفة، ولا إمكانية أبداً لتأجيل الانتخابات يوماً واحداً». ثمة من يقول إن بعض الأفكار التي نوقشت مع طهران تتعلق باقتراح جديد مفاده: وقف لإطلاق النار، إيصال المساعدات الإنسانية وتبادل الأسرى والمخطوفين، إرجاء الانتخابات على أن يصار إلى تعديل الدستور وإجراء الانتخابات لاحقاً، ثم تعزيز صلاحيات الحكومة المقبلة. يبدو أن الصورة في دمشق مغايرة تماماً. القيادة السورية تقول إن ما كان مقبولاً قبل وصول الحرب إلى مآلاتها الحالية ما عاد مقبولاً الآن. ثمة شعور بأن «الحسم الاستراتيجي تحقق ويبقى استكمال الحسم على الأرض». أقصى ما يمكن أن تقبله القيادة بعد عودة الأسد إلى ولاية ثالثة هو حكومة تضم «بعض أطياف» المعارضة المقبولة. خصومها يعملون أيضاً لإعادة تعويم المعارضة السياسية ورفع معنوياتها. قطر نفسها تعمل على خط مواز عبر اجتماعات جانبية للتأسيس لخيارات معارضة أخرى. بين معارضة مقبولة وأخرى معتدلة، يبدو أن الحرب ليست قريبة الانتهاء. الذي تغير هو حاجة الجميع حالياً إلى أن يحقق الجيش تقدماً على الإرهاب حتى ولو تغيرت كل الأهداف السياسية التي كانت مرفوعة منذ ٣ سنوات بإسقاط الأسد ونظامه. كانت النتيجة أن الحرب المستعرة الآن بين «داعش» و«النصرة» قد قتلت ما لا يقل عن ١٠ آلاف شخص وفق مصادر عسكرية مطلعة. لا شك في أن النظام صار أقوى وفق اعترافات الغربيين أنفسهم. ما الذي سيتغير لو تقاربت طهران والسعودية؟ لا بد أن ذلك أمر مهم من العراق إلى سورية واليمن وصولاً إلى رئاسة لبنان. لكن المسار لا يزال في بدايته والتعثر محتمل. الأهم وفق القيادة السورية الآن هو استكمال الحسم في المناطق الاستراتيجية.

المصدر : الأخبار/ سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة