من فوجئ باللاءات الروسية و(الصينية) في مجلس الأمن ضد قرارات المعسكر الغربي إزاء سوريا يمكنه ان يجد التفسير للموقف الروسي في الأزمة التي تجري حاليا في أوكرانيامن خلال تعامل أمريكا مع حاكم الكرملين.

موسكو رفضت مبدأ تغيير الأنظمة بالقوة بعد المسلسل الليبي وها هي تواجه بدورها ما كانت تتحسب منه وتحاربه فقد أخضعتها واشنطن وحلفاءها في الغرب الى عقوبات ولم يبق لواشنطن سوى اصدار “كوتشينا ” تضع عليها صور بوتين واقربائه واصدقائه واعضاء حكومته كما فعلت مع صدام حسين.

واشنطن اعلنت الحرب على موسكو وقررت تركيع روسيا بوتين، وما لم تقله الدبلوماسية الامريكية جهرا نطق به نائب الأمين العام للحلف الأطلسي السفير الأمريكي الأسبق في روسيا ألكسندر فيرشباو، وبما انه امريكي فهو الشخصية التي تقرر ضربات الناتو، قال للصحفيين في بداية الشهر الحالي ” ان روسيا لم تعد شريكا والحلف لم يعد مهتما بالتقارب منها ” وانما هي عدو وأضاف ” إن الحلف يستعد لنشر قوات دفاعية في المنطقة ” أي قوات هجومية في أوروبا الشرقية.

كنا سعدنا بالتفاهم الدولي الذي حصل بين واشنطن وموسكو على مستوى سوريا عندما وضعتا حدا للنزاع بينهما بالاتفاق الذي حصل بين وزري خارجية البلدين لافروف وكيري على الكيميائي السوري وحسبنا أن عجلة الدبلوماسية والتفاوض ولغة الحوار قد عادت لتطغى على الساحة الدولية وتتفوق على القرارات التعسفية في شن الحروب الهمجية.

لم تكن قضية اوكرانيا قد برزت ولم يكن احد قد فكر حينها بان مواجهة اخرى ستجري بين البلدين، وتعيدنا إلى أيام الحرب الباردة والمعسكرين الشرقي والغربي.

واشنطن قررت المضي في اشعال الحرب الأهلية في أوكرانيا للزج بروسيا رغما عنها في الأزمة بدفعها لحماية المواطنين الروس في الشرق الأوكراني واتهامها فيما بعد باحتلال أوكرانيا. بعد ان فشلت في ازاحة الاسطول البحري الروسي من البحر الاسود وترى واشنطن في هذه الأزمة فرصة سانحة لتوسيع الحلف الأطلسي شرقا بعد أن كانت كلا من كرواتيا وألبانيا آخر الدول المنضمة إليه.

لم يصدق الغرب مع روسيا فبعد انهيار جدار برلين في نوفمبر سنة 1989 تلقى غورباتشوف وعودا شفهية من جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي آنذال بألا يتمدد حلف شمال الأطلسي شرقا الى أكثر من أراضي ألمانيا وقد توحدت. لم يكن الأمر موثقا أو مكتوبا وتراجع بيكر فيما بعد عن هذا الوعد. تم حل حلف وارسو الذي كان مؤلفا من معسكر الدول الشرقية الخاضعة لسيطرة الاتحاد السوفيتي، لكن حلف شمال الأطلسي استمر بالتوسع شرقا وفرنسا التي كانت لا تشارك بالقيادة العسكرية للحلف اصبحت جزاءا منه مؤخرا وفقدت استقلالية القرار العسكري والسياسي.

كان الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك في التسعينيات اي فترة حكمه الأولى يردد ” حذارٍ من اذلال روسيا ” لكن هذا كان منذ أكثر من خمسة عشر عاما.

اليوم قليلة هي الأصوات التي تردد هذه المقولة، فقد بدأت عملية شيطنة شخص بوتين، ونظام بوتين، لا يخلو يوم من مقال يذكر بتاريخه في الـ ك ج ب ” المخابرات السوفيتية ” أو بتصريح له عن تأسفه لانهيار الاتحاد السوفيتي، فيما تحمل الأفلام الوثائقية عنه عنوان ” بوتين إلى الأبد “.

وعندما يحاول سياسي مخضرم مثل الاشتراكي جان بيير شوفنمان التذكير بالعلاقات التاريخية والثقافية التي تربط أوروبا بروسيا وأنه لا يجوز عزل روسيا عن أوروبا وإنما ” جذبها إلينا ” ينصت إليه الصحفيون المشحونون بالشيطان الروسي وكأنه كلام من عالم آخر..

منذ عامين وروسيا تبرز كقوة مناهضة للغرب استراتيجيا وعقائديا، حاول بوتين فتح آفاق تعاون مثمر مع أمريكا بلغ أوجه في الأزمة السورية، مايريده بوتين هو بناء دولة قوية لها سيادة في المعادلة الدولية تستعيد مكانتها وترفع رأسها بعد ثلاثين عاما من الاهانة والتفكك اثر الحرب الباردة.

سعى الروس إلى الابقاء على أوكرانيا موحدة بشقيها وكرروا أن ما حصل هو انقلاب على الشرعية في كييف وعلى الاتفاقيات المبرمة لكن واشنطن لم تكن ترغب بانتظار نتائج انتخابات ربما جاءت بحكومة متعاونة مع روسيا. وقد اعترف البيت الابيض الشهر الفائت بأن رئيس الاستخبارات الأمريكية جون برينان قد زار كييف في إطار جولة أوروبية وهي الزيارة التي شجبتها موسكو إذ تعتبر أن حكومة كييف تأتمر بأوامر أمريكا: المتظاهرون في الشرق الأوكراني إرهابيون بالنسبة إلى واشنطن، أما في غرب أوكرانيا فهم متظاهرون سلميون.

مازالت السياسة الأمريكية ترتكزالى عقيدة فولفوفيتز منظر المحافظين الجدد والتي تقوم على أساس مواجهة كل من الصين وروسيا ” كل قوة تخرج عن فلك واشنطن وارادتها سنتعامل معها كأنها قوى معادية. هدفنا هو الحد من بروز خصم يقف في وجهنا سواء كان ذلك على أرضنا أو في بقعة من دول الاتحاد السوفيتي سابقا، أو أي مكان في العالم نعتبره يهدد العلاقات الدولية “. تقوم عقيدة فولفوفيتز على القضاء على أية قوة إقليمية تعتبرها واشنطن مسيطرة على منابع الطاقة وذلك من أجل الحفاظ على أمريكا كقوة استثنائية وقطب أوحد يفرض هيمنته على ثروات الشعوب. هذا الأمر لم يعد يقتصر على الدول وبات الفكر الامريكي المحافظ يشمل الشركات المولدة للطاقة وأكبر مثال الجدل الذي أثارته شركة جنرال الكتريك في حيازة ثلاث أرباع شركة آلستوم الفرنسية التي تعتبر ذروة التكنولوجيا الفرنسية منذ القرن التاسع عشر والتي تقوم بتصنيع القطار الفرنسي السريع TGV .

ما يجري في أوكرانيا خطير جدا اللاعبون في ساحة ” ميدان ” هم نفسهم الذين كانوا في ليبيا وسوريا من برنارد ليفي الى جون مكين إلا إذا تخلت واشنطن على سياسة المحافظين الجدد وتذكر الغرب أن الجيش الروسي ضحى بخمسة وعشرين مليون مقاتل في الحرب العالمية الأولى التي غيرت معالم القرن العشرين وسمحت ببروز دول اوروبا الحديثة. وسط هذه الأجواء مازال هناك من يتحدث عن خلاف سني – شيعي في الأزمة السورية وفي منطقتا… يا الله مالي غيرك يا الله ؟.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-05-07
  • 9197
  • من الأرشيف

إذا أردت أن تعرف ما جرى في سورية .. تابع ما يحصل في أوكرانيا

من فوجئ باللاءات الروسية و(الصينية) في مجلس الأمن ضد قرارات المعسكر الغربي إزاء سوريا يمكنه ان يجد التفسير للموقف الروسي في الأزمة التي تجري حاليا في أوكرانيامن خلال تعامل أمريكا مع حاكم الكرملين. موسكو رفضت مبدأ تغيير الأنظمة بالقوة بعد المسلسل الليبي وها هي تواجه بدورها ما كانت تتحسب منه وتحاربه فقد أخضعتها واشنطن وحلفاءها في الغرب الى عقوبات ولم يبق لواشنطن سوى اصدار “كوتشينا ” تضع عليها صور بوتين واقربائه واصدقائه واعضاء حكومته كما فعلت مع صدام حسين. واشنطن اعلنت الحرب على موسكو وقررت تركيع روسيا بوتين، وما لم تقله الدبلوماسية الامريكية جهرا نطق به نائب الأمين العام للحلف الأطلسي السفير الأمريكي الأسبق في روسيا ألكسندر فيرشباو، وبما انه امريكي فهو الشخصية التي تقرر ضربات الناتو، قال للصحفيين في بداية الشهر الحالي ” ان روسيا لم تعد شريكا والحلف لم يعد مهتما بالتقارب منها ” وانما هي عدو وأضاف ” إن الحلف يستعد لنشر قوات دفاعية في المنطقة ” أي قوات هجومية في أوروبا الشرقية. كنا سعدنا بالتفاهم الدولي الذي حصل بين واشنطن وموسكو على مستوى سوريا عندما وضعتا حدا للنزاع بينهما بالاتفاق الذي حصل بين وزري خارجية البلدين لافروف وكيري على الكيميائي السوري وحسبنا أن عجلة الدبلوماسية والتفاوض ولغة الحوار قد عادت لتطغى على الساحة الدولية وتتفوق على القرارات التعسفية في شن الحروب الهمجية. لم تكن قضية اوكرانيا قد برزت ولم يكن احد قد فكر حينها بان مواجهة اخرى ستجري بين البلدين، وتعيدنا إلى أيام الحرب الباردة والمعسكرين الشرقي والغربي. واشنطن قررت المضي في اشعال الحرب الأهلية في أوكرانيا للزج بروسيا رغما عنها في الأزمة بدفعها لحماية المواطنين الروس في الشرق الأوكراني واتهامها فيما بعد باحتلال أوكرانيا. بعد ان فشلت في ازاحة الاسطول البحري الروسي من البحر الاسود وترى واشنطن في هذه الأزمة فرصة سانحة لتوسيع الحلف الأطلسي شرقا بعد أن كانت كلا من كرواتيا وألبانيا آخر الدول المنضمة إليه. لم يصدق الغرب مع روسيا فبعد انهيار جدار برلين في نوفمبر سنة 1989 تلقى غورباتشوف وعودا شفهية من جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي آنذال بألا يتمدد حلف شمال الأطلسي شرقا الى أكثر من أراضي ألمانيا وقد توحدت. لم يكن الأمر موثقا أو مكتوبا وتراجع بيكر فيما بعد عن هذا الوعد. تم حل حلف وارسو الذي كان مؤلفا من معسكر الدول الشرقية الخاضعة لسيطرة الاتحاد السوفيتي، لكن حلف شمال الأطلسي استمر بالتوسع شرقا وفرنسا التي كانت لا تشارك بالقيادة العسكرية للحلف اصبحت جزاءا منه مؤخرا وفقدت استقلالية القرار العسكري والسياسي. كان الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك في التسعينيات اي فترة حكمه الأولى يردد ” حذارٍ من اذلال روسيا ” لكن هذا كان منذ أكثر من خمسة عشر عاما. اليوم قليلة هي الأصوات التي تردد هذه المقولة، فقد بدأت عملية شيطنة شخص بوتين، ونظام بوتين، لا يخلو يوم من مقال يذكر بتاريخه في الـ ك ج ب ” المخابرات السوفيتية ” أو بتصريح له عن تأسفه لانهيار الاتحاد السوفيتي، فيما تحمل الأفلام الوثائقية عنه عنوان ” بوتين إلى الأبد “. وعندما يحاول سياسي مخضرم مثل الاشتراكي جان بيير شوفنمان التذكير بالعلاقات التاريخية والثقافية التي تربط أوروبا بروسيا وأنه لا يجوز عزل روسيا عن أوروبا وإنما ” جذبها إلينا ” ينصت إليه الصحفيون المشحونون بالشيطان الروسي وكأنه كلام من عالم آخر.. منذ عامين وروسيا تبرز كقوة مناهضة للغرب استراتيجيا وعقائديا، حاول بوتين فتح آفاق تعاون مثمر مع أمريكا بلغ أوجه في الأزمة السورية، مايريده بوتين هو بناء دولة قوية لها سيادة في المعادلة الدولية تستعيد مكانتها وترفع رأسها بعد ثلاثين عاما من الاهانة والتفكك اثر الحرب الباردة. سعى الروس إلى الابقاء على أوكرانيا موحدة بشقيها وكرروا أن ما حصل هو انقلاب على الشرعية في كييف وعلى الاتفاقيات المبرمة لكن واشنطن لم تكن ترغب بانتظار نتائج انتخابات ربما جاءت بحكومة متعاونة مع روسيا. وقد اعترف البيت الابيض الشهر الفائت بأن رئيس الاستخبارات الأمريكية جون برينان قد زار كييف في إطار جولة أوروبية وهي الزيارة التي شجبتها موسكو إذ تعتبر أن حكومة كييف تأتمر بأوامر أمريكا: المتظاهرون في الشرق الأوكراني إرهابيون بالنسبة إلى واشنطن، أما في غرب أوكرانيا فهم متظاهرون سلميون. مازالت السياسة الأمريكية ترتكزالى عقيدة فولفوفيتز منظر المحافظين الجدد والتي تقوم على أساس مواجهة كل من الصين وروسيا ” كل قوة تخرج عن فلك واشنطن وارادتها سنتعامل معها كأنها قوى معادية. هدفنا هو الحد من بروز خصم يقف في وجهنا سواء كان ذلك على أرضنا أو في بقعة من دول الاتحاد السوفيتي سابقا، أو أي مكان في العالم نعتبره يهدد العلاقات الدولية “. تقوم عقيدة فولفوفيتز على القضاء على أية قوة إقليمية تعتبرها واشنطن مسيطرة على منابع الطاقة وذلك من أجل الحفاظ على أمريكا كقوة استثنائية وقطب أوحد يفرض هيمنته على ثروات الشعوب. هذا الأمر لم يعد يقتصر على الدول وبات الفكر الامريكي المحافظ يشمل الشركات المولدة للطاقة وأكبر مثال الجدل الذي أثارته شركة جنرال الكتريك في حيازة ثلاث أرباع شركة آلستوم الفرنسية التي تعتبر ذروة التكنولوجيا الفرنسية منذ القرن التاسع عشر والتي تقوم بتصنيع القطار الفرنسي السريع TGV . ما يجري في أوكرانيا خطير جدا اللاعبون في ساحة ” ميدان ” هم نفسهم الذين كانوا في ليبيا وسوريا من برنارد ليفي الى جون مكين إلا إذا تخلت واشنطن على سياسة المحافظين الجدد وتذكر الغرب أن الجيش الروسي ضحى بخمسة وعشرين مليون مقاتل في الحرب العالمية الأولى التي غيرت معالم القرن العشرين وسمحت ببروز دول اوروبا الحديثة. وسط هذه الأجواء مازال هناك من يتحدث عن خلاف سني – شيعي في الأزمة السورية وفي منطقتا… يا الله مالي غيرك يا الله ؟.  

المصدر : رولا زيـن- راي اليوم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة