دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
الرئيس السوري بشار الأسد سيبقى رئيساً لولاية ثالثة. ليس في الأمر مجال للجدل. خصومه، قبل حلفائه، يدركون أنه سيفوز بنسبة جيدة في تموز المقبل. أطراف معارضة، وأخرى غربية بينها أميركية، تقول بقدرته على الفوز بما بين 50 و65 في المئة. ليست هذه هي القضية. القيادة السورية وحلفاؤها ينظرون إلى الإنتخابات المقبلة على أنها مرحلة متقدمة من التحدي. صار بقاء الأسد في سدة الرئاسة، بالنسبة إليهم، عنواناً لمرحلة العبور صوب طريق ربح الحرب ضد المحور الآخر. كيف؟
تجري المرحلة الإنتخابية وسط محيط متحوّل بعمق. سقوط مشروع الإخوان المسلمين على يد الجيش المصري. تحوّل الجماعة إلى منظمة إرهابية على لائحة السعودية. تصدّع المنظومة الخليجية على وقع الخلاف المستحكم بين السعودية وقطر رغم محاولات إصلاح ذات البين. استفحال ظاهرة الإرهاب حتى باتت تهدد الدول المصدّرة لها. تفكّك المعارضة السورية على وقع الصراعات المؤلمة بين أركانها. تقهقر المسلحين أمام تقدم الجيش السوري وحليفه حزب الله في الغوطتين والقلمون والريف الدمشقي. استراتيجية «البطن العسكري الآمن» تتحقّق. مفاد هذه الاستراتيجيا السيطرة على الوسط والمدن الأساسية قبل الانتخابات، ومواصلة قضم المناطق الخطرة في الأرياف وغيرها. يتزامن ذلك مع عودة ضباط كبار من الجيش الحر، كان آخرهم العميد محمد أبو زيد مسؤول القضاء في هيئة الأركان.
وآخرون يستعدون للعودة قريباً إلى دمشق ستظهر أسماؤهم في الأيام القليلة المقبلة. يتزامن أيضاً مع غرق مناطق سورية في المذابح الدموية بين «داعش» و«النصرة» وغيرهما.
المشهد كله مريح للأسد قبل الانتخابات المقبلة. يرتاح، أكثر، حين يرى سقوط الربيع العربي بالاقتتال والقبلية والتقسيم والفدراليات في عدد من الدول، وفي مقدمها ليبيا واليمن. ينجح قادة آخرون بالوصول إلى السلطة في مواجهة هذا الربيع. في الجزائر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المُقعد بسبب المرض يفوز بنسبة عالية. قريباً يفوز الفريق عبد الفتاح السيسي في مصر. نوري المالكي، في العراق، باق رغم الصعوبات. ملك الاردن عبدالله الثاني في روسيا يبحث عن ضمانات. رجب طيب اردوغان يقيس بدقة متناهية كيفية تجنّب تأثير سياسته السورية على الانتخابات الرئاسية المقبلة.
على المستوى الأوسع المشهد مريح. فلاديمير بوتين أكثر تصلباً من أي وقت مضى بسبب أوكرانيا. نجحت خطته في ضم القرم. هي خطة يقال إنه مهّد لها منذ 5 سنوات. شبح الحرب الباردة يتطلب تعزيز أدوار الحلفاء وبينهم الأسد. أميركا تبحث عن نجاح في فلسطين وتتخلى شيئاً فشيئاً عن الملف السوري. روبرت فورد السفير الأميركي السابق تماماً كنظيره الفرنسي اريك شوفالييه باتا خارج اللعبة. التقارب الإيراني ــــ الأميركي يفتح الباب على احتمالات مريحة للرئيس السوري في المرحلة المقبلة. باختصار، تقهقرت كل المراهنات السابقة. لم يسقط النظام السوري. لم يتراجع الدعم الروسي والإيراني. حصلت تحوّلات في الرأي العام العربي والعالمي حيال ما يجري في سورية. بات كثيرون مقتنعين بضرورة ضرب الإرهاب. ولضربه لا بد من تعزيز الجيش السوري. ولبقاء الجيش السوري معززاً لا يوجد حتى الآن بديل عن الأسد. قد لا يوجد لاحقاً. بعد تسليم سورية للاسلحة الكيماوية، صارت احتمالات التفاهم اكبر من مخاطر الصراع. حركة حماس التي كان وجودها داخل سورية مشكلة حقيقية في التحاور الأميركي ــــ السوري صارت خارج سورية، وربما خارج المعادلة، بعد نقمة الخليج على الإخوان المسلمين. استبعاد التحاور المباشر الآن سببه خجل أميركي من تبرير التراجع. هذا هو السبب فقط.
ماذا عن الدستور؟
مجلس الشعب فتح باب الترشيحات. كل 10 أيام يعود لفتحها ما لم يتقدم مرشح للانتخابات، وذلك حتى منتصف تموز المقبل. يفرض الدستور السوري وجود مرشحين اثنين على الأقل لخوض الانتخابات. من المفترض ألا يترشح الأسد قبل أن يترشح آخرون. لو لم يترشح أحد غيره فهو لن يقدم ترشيحه. يعود مجلس الشعب للانعقاد ويفتح باب الترشيحات مجدداً. المهم في الأمر أن لا تمديد. لكن إذا انقضت فترة الترشيحات ولم يترشح أحد (وهذا مستبعد طبعاً)، يصبح الأسد في حكم الرئيس المنتهية ولايته، وهذه فترة يبقى فيها رئيساً لمدة سنتين. هذا صعب الحصول منطقياً. هناك مرشحون سيظهرون قريباً.
دستورياً، يمكن لمجلس الشعب أن يدعو إلى انتخابات مبكرة قبل انتهاء فترة السنتين. في الدستور شروط الترشّح بسيطة. بلوغ المرشح سن 40 عاماً. سجله العدلي نظيف، أي غير محكوم سابقا. حامل إجازة جامعية. مقيم في سورية في السنوات العشر الأخيرة. لا يحمل أي جنسية ثانية. أما قبول الترشح فينبغي أن يحصل على أصوات 35 نائبا من أصل 250، ولا يحق للنائب أن يعطي صوته لأكثر من مرشح. أما إذا حصلت بقدرة قادر معجزة الحوار الجدي بين السلطة ومن بقي موحّداً من المعارضة فيمكن تعديل الدستور. هذا بات شبه مستحيل الآن.
في اختصار، الطريق ممهدة لعودة الأسد إلى الرئاسة على نحو مريح، حتى ولو عنفت المعارك في أماكن أخرى للتأثير على الانتخابات. ربما الخطر على حياته يزداد في لحظات كهذه. لكنه لم يعر ذلك أهمية حين ذهب إلى معلولا. في حركته، كما في ترشحه، تحدٍّ واضح للمحور الآخر .
وفق المعلومات العسكرية، فان الانتخابات ستتم في معظم المدن، أي دمشق وحمص وحماه ودرعا والحسكة ودير الزور وحلب نفسها (طالما أن الجزء الأكبر من المدينة بيد الجيش). ربما الرقة ستبقى خارج الانتخابات. هذا هو الرهان الاهم.
يقول بعض زوار الأسد أنهم حين زاروه مؤخرا سألوه: «متى ستترشح؟»، قال متهكماً: «سأبعث بطلب ترشح إلى الأخضر الإبراهيمي لأعرف إذا ما كان سيسمح لي بذلك. لأني إذا لم اطلب منه فان لونه قد يصبح اصفر وليس اخضر»، وضحك. الرسالة واضحة للوسيط الدولي المشارف هو الآخر على الاستقالة بعدما عجز عن إيجاد حل تفاوضي لأنه قبل أن يحصر التفاوض بوفد «الائتلاف» الذي يعرف، كما الأميركيون وغيرهم، انه ما عاد يمثل حتى الائتلاف.
السؤال الأهم: هل تفتح عودة الأسد قريبا إلى ولاية ثالثة الباب أمام تعديلات جوهرية في النظام، أم يكتفي بتعديلات حكومية طفيفة تضم بعض أركان المعارضة «المقبولة» من قبل السلطة؟ يبدو أن الاتجاه الثاني هو المرجح.
المصدر :
الأخبار/ سامي كليب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة