دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لعبة أعصاب باردة تلك التي تدور حول الاستحقاق الرئاسي التركي. كلا المرشحين الأبرز يحاولان الوصول إلى جلسة المفاوضات الحاسمة بينهما بأكبر كم ممكن من نقاط القوة. يرقبان بعضهما البعض، يحاولان قدر الإمكان ألا يتسرعا، يمارسان مناوراتهما بصمت وبأقل قدر ممكن من الضجيج.
كان التصريح المتكرر لرئيس الجمهورية التركي "عبد الله غول" رداً على الأسئلة عن الاستحقاق الرئاسي هو أن المسألة لم تتطرح للتداول بعد. وكذلك كانت تصريحات رئيس الوزراء "رجب طيب أردوغان" من نفس القبيل. ولكن باقتراب الاستحقاق بدأت الأوراق تفتح شيئاً فشيء، وبات الافتراق بين الرجلين يتوضح أكثر فأكثر.
وأدلى "غول" مؤخراً بتصريحات هامة جداً، قال فيها: «لا توجد لدي خطط سياسية مستقبلية في الظروف الحالية»، ورفض تكرار سيناريو بوتين-ميدفيديف، الذين تبادلا منصبي رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية في روسيا، معتبراً هذا التصرف «لا يليق بالديمقراطية جداً»
وأبقى "غول" باب الحوار مفتوحاً حيث قال: «أنا لم أدخل السياسة أو آتي إلى سدة الرئاسة بشكل منفرد. وبالتالي فإننا سنبحث ونتناقش هذا الأمر مع الأصدقاء، وسنتخذ القرار اللازم»
ورفض "أردوغان" التعليق على تصريحات "غول"، قائلاً: «سأسأله أولاً. ولن أدلي بأي تصريح قبل أن اسأله»
تصريحات "غول" تسببت بموجة كبيرة من النقاشات على شاشات التلفزة، وفي أعمدة الصحف. ففسرها البعض أن "غول" يريد اعتزال السياسة، وفسرها البعض بأنها هجوم ضمني من "غول" على "أردوغان"، وقلل البعض الآخر من أهميتها معتبراً أنها لا تخرج عن الإطار العام للتصريحات السابقة من حيث تأجيل البت في الموضوع لأجل آخر.
وكان "أردوغان" قد قام في الأيام القليلة الماضية التي تلت الانتخابات بحملة عامة داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، حيث بدأ بارسال استبيان لكوادر الحزب في المركز والمحافظات حول من يرغبون برؤيته رئيساً للجمهورية، مطلقاً على المرحلة اسم "مرحلة الاستشارة". وتزامن ذلك بتهجم ضمني من عدد من الصحف التابعة لحزب العدالة على "غول"، معلنة أن المرشح الوحيد هو "أردوغان" نفسه. فيما تحدثت بعض الأقلام المحسوبة على الحزب الحاكم عن احتمال طرح نظام "الرئاسة الموازية" في الحزب، حيث يتشارك "غول" وشخص آخر الأمانة العامة للحزب عندما ينتقل "أردوغان" إلى مقر رئاسة الجمهورية في قصر "تشانكايا".
وتضع القوانين شرط عدم انتماء رئيس الجمهورية لأي حزب، ولذا فإن على "أردوغان" إذا رغب في الوصول لسدة الرئاسة أن يستقيل من حبه. ولكنه بنفس الوقت عازم على إدامة سيطرته على الحزب من خلال تسليم أشخاص تابعين وخاضعين له أمانة الحزب صورياً فيما يقود هو الحزب من قصر "تشانكايا" عبر وساطة هؤلاء. ونفس الأمر ينسحب على موقع رئاسة الوزراء، حيث يريد أن يكون رئيس الوزراء خاضعاً له ومؤتمراً بأمره.
وينقل "غوكتشر تاهنجي أوغلو"، في مقال له في صحيفة "ملليت"، عن كواليس العاصمة أن "غول" لا ينوي الصدام مع "أردوغان" في حال أراد هذا الأخير الترشح لرئاسة الجمهورية، وأنه لن يترشح بمواجهته أو يقوم بأي حملة لمنعه من الانتقال على قصر "تشانكايا".
ويشير "تاهنجي اوغلو" إلى أن "غول" منزعج من بعض التطورات في داخل حزب العدالة والتنمية. إذ تناهى إلى علمه أن "أردوغان" أخبر بعض النواب من حزبه أنه إن استلم الرئاسة فسيستخدم صلاحياته كاملة، وقد تبنى الحزبيون هذه النظرة. وبالتالي اضطر "غول" إلى إرسال رسالة مؤداها أنه ليس رئيس وزراء "حامل أمانة" بمعنى ليس مستعداً ليكون شخصاً صورياً يتلقى الأوامر وينفذها على أنه هو من أصدرها.
وتؤيد إشارة "غول" إلى ثنائي ميدفيديف-بوتين رفضه أن يكون مجرد واجهة لأحد ما.
ويشير "طه آكيول"، في مقال له في صحيفة "هرييت"، إلى مسألة أخرى تتعلق بالهندسة الداخلية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، حيث أن "أردوغان" قدم أعضاء الصف الثاني في الحزب وبوأهم مواقع هامة على حساب رفاق دربه الذين أسسوا الحزب معه. وهؤلاء الأعضاء الجدد يرتبطون بالولاء بشخص "أردوغان" وحده. وهذا يعني أن "غول" في حال عودته للحزب واستلامه رئاسة الوراء سيكون ضعيف التأثير في داخل حزبه. وهو برأيه أحد أسباب عدم رغبته بالعودة.
وإحدى المسائل الهامة المتصلة برفض "غول" أن يكون مجرد واجهة هي ما يسميه "آكيول" بـ"مسألة النظام"، ويشرحها بأن " وطبق مبدأ "الدائرة المصغرة"، فإنه بمعدل الأصوات التي نالها في الانتخابات الأخيرة يستطيع تحقيق أغلبية نيابية تمكنه من تغيير النظام السياسي إلى نظام نصف رئاسي أو نظام يكون رئيس الجمهورية فيه حزبياً. وفي كلا الصيغتين سيصبح موقع رئاسة الوزراء هامشياً وغير ذي تأثير. أما "غول" لا يجد في نفسه الرغبة لمجاراة هذه الأهواء كلها.
أما "أحمد هاكان" من "هرييت" فيرى أن أمام "غول" ثلاثة خيارات؛ أن يصبح مجرد رئيس وزراء تابع، أو أن يصطدم بـ"أردوغان"، أو أن يعود إلى البيت. وقرأ "هاكان" تصريحات "غول" بأنه يبغي العودة إلى البيت وخاصة أنه يرى أن لا مكان له في تركيا التي تزداد عزلتها الدولية شيئاً فشيء من الخارج، وتنزلق إلى نظام أوتوقراطي في الداخل.
"فهمي كورو" في صحيفة "ستار"، صديق "غول" الشخصي من أيام الشباب وزميله الذي اقتسم معه السكن أيام الدراسة الجامعية في "لندن"، رأى أن «على تركيا التأهب لصورة لا يكون فيها غول موجوداً في الحياة السياسية». ولكنه يستبعد وجود خلاف مع "أردوغان". ومعتبراً ان "غول" لن ينسحب بالمطلق من الحياة السياسية، بل قد يضطلع بمهام وملفات داخلية وخارجية مستفيداً من تجربته وخبراته.
"عمر شاهين"، من صحيفة "راديكال"، لفت الانتباه إلى أحد الاحتمالات التي لا زالت قائمة؛ وهي أن يؤسس "غول" حزباً جديداً اعتماداً على الشعبية التي يتمتع بها داخل حزب العدالة والتنمية نفسه.
ويلمح "مراد يتكين" في صحيفة "راديكال" إلى هذه النقطة، إذ يقول: «"غول" يقول أنه سيستشير رفاقه. يتحدث مستخدماً صيغة الجمع. يمكن لنا أن نستنتج أنه لن بستشير "أردوغان" وحده. وهذا يعني أن الجدل سيستمر بعد طويلاً. بالنتيجة نحن نتحدث عن "عبد الله غول" الذي وقف بوجه "نجم الدين أربكان" وفتح الطريق أمام تأسيس حزب العدالة والتنمية»
المصدر :
آسيا / سومر سلطان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة