فاز حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه رجب طيب أردوغان في الانتخابات البلدية التركية بحصوله على 45 في المئة من الأصوات، لكن أوباما لم يتصل به مهنئاً، بحسب ما نشر في الزميلة «السفير»!

دعم أردوغان علناً هجوم قطعان المتطرّفين على كَسب وتهجير الأرمن، وفاز في الانتخابات متوعّداً بالانتقام من معارضيه في الداخل، خصوصاً جماعة رجل الدين فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، لكن إعلام الأخيرة وإعلام حلفائها ومراكز أبحاثهما بدأت بنشر تسريبات استخبارية عن الدور السلبي لأردوغان في الملف السوري عموماً، وفي الكيميائي السوري خصوصاً، بدءاً من استذكار ما ورد في تقرير «بورتون تاون» مختبرات الدفاع في مدينة ويلتشاير في بريطانيا، مروراً بما نشره الصحافي الأميركي سايمور هيرش، وليس انتهاءً بمقال الكاتب البريطاني روبرت فيسك في «إندبندنت» البريطانية، والتقرير الذي نشرته نشرة «فيترانز توداي» حول ضلوع المخابرات الأميركية في الهجوم الكيميائي الذي حدث في الغوطة الشرقية من خلال توفير غاز السارين من جورجيا ونقله عبر الجيش التركي إلى مقاتلي القاعدة في سورية.

لماذا خرج ملف الدور الغربي في استخدام الكيميائي في سورية إلى العلن الآن، على رغم أن التعتيم كان الصفة الطاغية على مجرياته منذ استخدام الميليشيات المسلحة له في خان العسل في مدينة حلب في 19 آذار، وحتى تلفيق ملف استخدامه مرة أخرى في الغوطة الشرقية في آب 2013؟ لماذا تتقاطع كافة المقالات والتسريبات والآراء عند تركيا حزب العدالة والتنمية، وبمعنى أدق لماذا توجه كل هذه التقارير أصابع الاتهام إلى رجب طيب أردوغان وسياساته، خصوصاً السورية منها؟ لماذا يركز الإعلام الغربي هذه الحملة على أردوغان الذي انتقل من «نموذج للرجل القوي إلى ديكتاتور لا قيمة له» بحسب «إندبندنت»؟

إن تواتر نشر التقارير في الإعلام الغربي وتحرك مراكز الدراسات يعكس بشكل قاطع وجود حملة منسقة منظمة الكلمة الفصل فيها للأجهزة والقيادات السياسية لاستهداف رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان الذي يبدو واضحاً أنه هو الذي تجاوز «الخطوط الحمر» الأميركية هذه المرة وليس أي أحدٍ آخر، وذلك للأسباب التالية:

ـ عدم التقيد بالقائمة الأميركية للميليشيات العميلة الواجب تسليحها دون غيرها في سورية، فعلى رغم أن التسريبات التي تحدثت عن الدور التركي أشارت بوضوح إلى الإشراف الأميركي على عمليات تصنيع المواد الكيميائية وإعطاء أمر العمليات بإيصالها إلى سورية، إلا أن التوزيع في سورية وهوية الأطراف الحائزة على هذا السلاح النوعي كانت تترك أمانة لدى المخابرات التركية والسعودية، وبحسب تقرير نشرة «فيترانز توداي» التابعة للمحاربين القدماء الأميركيين فإن «الغاز السام السارين الذي مصدره وزارة الدفاع الأميركية والمصنع في جورجيا تسلمته المخابرات التركية لاستكمال تجهيزه، ثم نقله إلى قوى «المعارضة» السورية بتعاون كبير مع جهاز الاستخبارات السعودي وبعض رجال الأعمال اللبنانيين ذوي الصلات الوثيقة مع أجهزة الاستخبارات الأميركية والسعودية»، أما سايمور هيرش فيقول «لأشهر عدة اهتم القادة العسكريون وكذلك المجمع الاستخباراتي الأميركي بالدور الذي لعبه جيران سورية في الحرب الدائرة فيها وتحديداً تركيا. فمن المعروف أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كان يساند جبهة النصرة، كما معظم المجموعات المسلحة» وينقل هيرش عن ديفيد شيت مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية تأكيده أن «جبهة النصرة استطاعت تطوير خلية سرية لإنتاج السارين، إذ يعتبر هذا الغاز بمثابة المؤامرة الأكثر تطوراً للجهود التي تبذلها القاعدة في هذا المجال بعد أحداث الحادي عشر من أيلول».

ـ انخراط أردوغان في الأزمة السورية تجاوز في حجمه وانعكاساته على الأرض الاستراتيجية الأميركية المتّبعة في سورية. وهنا قد يقول أحد ما إن تركيا كما السعودية تأتمر بأوامر الولايات المتحدة الأميركية، وعملية نقل الكيميائي وتزويد المجموعات المسلحة في سورية بها ما كان لها لتتم لولا الموافقة الأميركية. هذا صحيح، لكن من المفيد هنا الإضاءة على وجود انقسام داخل النخب الأميركية. تعمل بيادق السياسة الأميريكية في المنطقة على اللعب على تناقضاته وترجيح كفة الطرف الذي يخدم مصالحها الوجودية في سورية، على كفة الطرف الآخر، وفي هذا السياق بالتحديد تندرج المحاولات التركية لتوريط واشنطن والأطلسي في صدام مباشر في سورية، محاولات لم تتوقف منذ إسقاط الطائرة التركية في الأراضي السورية ورد فعل الأطلسي المنضبط، وصولاً إلى مؤامرة الكيميائي السوري، وليس انتهاءً بالدعم اللوجيستي لقطعان الإرهابيين في كَسب ومحاولة استفزاز الجيش العربي السوري لدفعه إلى الرد وبالتالي جر الأطلسي تلقائياً إلى الحرب في سورية. وهنا يقول روبرت فيسك في «إندبندنت»: «إن الحكومة السورية أكدت أن غاز السارين الذي استخدم في هجوم الغوطة الشرقية في ريف دمشق في آب الماضي كان مصدره تركيا، واستخدمته جماعات المعارضة المسلحة محاولة لدفع الغرب لتحميل الأسد المسؤولية». في المقابل، وفي إطار مماثل، نقل سايمور هيرش عن ضابط سابق رفيع المستوى في الاستخبارات الأميركية قوله «إن الأتراك اعتقدوا أن باستطاعتهم إخضاع الأسد بافتعال أزمة غاز السارين داخل سورية بهدف إجبار أوباما على معاقبة متجاوزي الخطوط الحمراء».

إن توقيت تعويم ملف أخطاء أردوغان بعد فوزه في الانتخابات البلدية مباشرة يشكل إنذاراً أميركياً يدركه أردوغان جيداً، إنذار أساسه الأول والأخير ضرورة عدم الخروج عن «الخطوط الحمر» في سورية، وبحسب فيسك، فإن «قضايا أخرى تثير الريبة حول مصيدة أردوغان لإثارة غضب الغرب من سورية ودفعهم لإطاحة الرئيس الأسد. ويستمر التدخل التركي في الحرب السورية على رغم أن الرئيس الأميركي يعتقد بأن الثوار السوريين غير جديرين بالثقة وخطيرين ومهزومين».

وإضافةً إلى العامل السابق علينا هنا ألا نغفل الصراع الداخلي داخل تركيا وسياسات أردوغان الداخلية التي تزيد من حدة الانقسام داخل دولة تعدّ أساساً ومرتكزاً للنفوذ الأميركي في الإقليم تزداد أهميته كلما ارتفع منسوب التوتر مع موسكو، وهنا يقول معهد كارنيغي إن «مكانة تركيا الدولية أصيبت بأذى شديد من استراتيجية أردوغان في استقطاب الداخل وتلاشت آمال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي».

  • فريق ماسة
  • 2014-04-13
  • 11209
  • من الأرشيف

هل وقع أردوغان في «المصيدة» التي نصبها؟

 فاز حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه رجب طيب أردوغان في الانتخابات البلدية التركية بحصوله على 45 في المئة من الأصوات، لكن أوباما لم يتصل به مهنئاً، بحسب ما نشر في الزميلة «السفير»! دعم أردوغان علناً هجوم قطعان المتطرّفين على كَسب وتهجير الأرمن، وفاز في الانتخابات متوعّداً بالانتقام من معارضيه في الداخل، خصوصاً جماعة رجل الدين فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، لكن إعلام الأخيرة وإعلام حلفائها ومراكز أبحاثهما بدأت بنشر تسريبات استخبارية عن الدور السلبي لأردوغان في الملف السوري عموماً، وفي الكيميائي السوري خصوصاً، بدءاً من استذكار ما ورد في تقرير «بورتون تاون» مختبرات الدفاع في مدينة ويلتشاير في بريطانيا، مروراً بما نشره الصحافي الأميركي سايمور هيرش، وليس انتهاءً بمقال الكاتب البريطاني روبرت فيسك في «إندبندنت» البريطانية، والتقرير الذي نشرته نشرة «فيترانز توداي» حول ضلوع المخابرات الأميركية في الهجوم الكيميائي الذي حدث في الغوطة الشرقية من خلال توفير غاز السارين من جورجيا ونقله عبر الجيش التركي إلى مقاتلي القاعدة في سورية. لماذا خرج ملف الدور الغربي في استخدام الكيميائي في سورية إلى العلن الآن، على رغم أن التعتيم كان الصفة الطاغية على مجرياته منذ استخدام الميليشيات المسلحة له في خان العسل في مدينة حلب في 19 آذار، وحتى تلفيق ملف استخدامه مرة أخرى في الغوطة الشرقية في آب 2013؟ لماذا تتقاطع كافة المقالات والتسريبات والآراء عند تركيا حزب العدالة والتنمية، وبمعنى أدق لماذا توجه كل هذه التقارير أصابع الاتهام إلى رجب طيب أردوغان وسياساته، خصوصاً السورية منها؟ لماذا يركز الإعلام الغربي هذه الحملة على أردوغان الذي انتقل من «نموذج للرجل القوي إلى ديكتاتور لا قيمة له» بحسب «إندبندنت»؟ إن تواتر نشر التقارير في الإعلام الغربي وتحرك مراكز الدراسات يعكس بشكل قاطع وجود حملة منسقة منظمة الكلمة الفصل فيها للأجهزة والقيادات السياسية لاستهداف رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان الذي يبدو واضحاً أنه هو الذي تجاوز «الخطوط الحمر» الأميركية هذه المرة وليس أي أحدٍ آخر، وذلك للأسباب التالية: ـ عدم التقيد بالقائمة الأميركية للميليشيات العميلة الواجب تسليحها دون غيرها في سورية، فعلى رغم أن التسريبات التي تحدثت عن الدور التركي أشارت بوضوح إلى الإشراف الأميركي على عمليات تصنيع المواد الكيميائية وإعطاء أمر العمليات بإيصالها إلى سورية، إلا أن التوزيع في سورية وهوية الأطراف الحائزة على هذا السلاح النوعي كانت تترك أمانة لدى المخابرات التركية والسعودية، وبحسب تقرير نشرة «فيترانز توداي» التابعة للمحاربين القدماء الأميركيين فإن «الغاز السام السارين الذي مصدره وزارة الدفاع الأميركية والمصنع في جورجيا تسلمته المخابرات التركية لاستكمال تجهيزه، ثم نقله إلى قوى «المعارضة» السورية بتعاون كبير مع جهاز الاستخبارات السعودي وبعض رجال الأعمال اللبنانيين ذوي الصلات الوثيقة مع أجهزة الاستخبارات الأميركية والسعودية»، أما سايمور هيرش فيقول «لأشهر عدة اهتم القادة العسكريون وكذلك المجمع الاستخباراتي الأميركي بالدور الذي لعبه جيران سورية في الحرب الدائرة فيها وتحديداً تركيا. فمن المعروف أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كان يساند جبهة النصرة، كما معظم المجموعات المسلحة» وينقل هيرش عن ديفيد شيت مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية تأكيده أن «جبهة النصرة استطاعت تطوير خلية سرية لإنتاج السارين، إذ يعتبر هذا الغاز بمثابة المؤامرة الأكثر تطوراً للجهود التي تبذلها القاعدة في هذا المجال بعد أحداث الحادي عشر من أيلول». ـ انخراط أردوغان في الأزمة السورية تجاوز في حجمه وانعكاساته على الأرض الاستراتيجية الأميركية المتّبعة في سورية. وهنا قد يقول أحد ما إن تركيا كما السعودية تأتمر بأوامر الولايات المتحدة الأميركية، وعملية نقل الكيميائي وتزويد المجموعات المسلحة في سورية بها ما كان لها لتتم لولا الموافقة الأميركية. هذا صحيح، لكن من المفيد هنا الإضاءة على وجود انقسام داخل النخب الأميركية. تعمل بيادق السياسة الأميريكية في المنطقة على اللعب على تناقضاته وترجيح كفة الطرف الذي يخدم مصالحها الوجودية في سورية، على كفة الطرف الآخر، وفي هذا السياق بالتحديد تندرج المحاولات التركية لتوريط واشنطن والأطلسي في صدام مباشر في سورية، محاولات لم تتوقف منذ إسقاط الطائرة التركية في الأراضي السورية ورد فعل الأطلسي المنضبط، وصولاً إلى مؤامرة الكيميائي السوري، وليس انتهاءً بالدعم اللوجيستي لقطعان الإرهابيين في كَسب ومحاولة استفزاز الجيش العربي السوري لدفعه إلى الرد وبالتالي جر الأطلسي تلقائياً إلى الحرب في سورية. وهنا يقول روبرت فيسك في «إندبندنت»: «إن الحكومة السورية أكدت أن غاز السارين الذي استخدم في هجوم الغوطة الشرقية في ريف دمشق في آب الماضي كان مصدره تركيا، واستخدمته جماعات المعارضة المسلحة محاولة لدفع الغرب لتحميل الأسد المسؤولية». في المقابل، وفي إطار مماثل، نقل سايمور هيرش عن ضابط سابق رفيع المستوى في الاستخبارات الأميركية قوله «إن الأتراك اعتقدوا أن باستطاعتهم إخضاع الأسد بافتعال أزمة غاز السارين داخل سورية بهدف إجبار أوباما على معاقبة متجاوزي الخطوط الحمراء». إن توقيت تعويم ملف أخطاء أردوغان بعد فوزه في الانتخابات البلدية مباشرة يشكل إنذاراً أميركياً يدركه أردوغان جيداً، إنذار أساسه الأول والأخير ضرورة عدم الخروج عن «الخطوط الحمر» في سورية، وبحسب فيسك، فإن «قضايا أخرى تثير الريبة حول مصيدة أردوغان لإثارة غضب الغرب من سورية ودفعهم لإطاحة الرئيس الأسد. ويستمر التدخل التركي في الحرب السورية على رغم أن الرئيس الأميركي يعتقد بأن الثوار السوريين غير جديرين بالثقة وخطيرين ومهزومين». وإضافةً إلى العامل السابق علينا هنا ألا نغفل الصراع الداخلي داخل تركيا وسياسات أردوغان الداخلية التي تزيد من حدة الانقسام داخل دولة تعدّ أساساً ومرتكزاً للنفوذ الأميركي في الإقليم تزداد أهميته كلما ارتفع منسوب التوتر مع موسكو، وهنا يقول معهد كارنيغي إن «مكانة تركيا الدولية أصيبت بأذى شديد من استراتيجية أردوغان في استقطاب الداخل وتلاشت آمال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي».

المصدر : البناء /عامر نعيم الياس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة