ابتسم أنت في حمص , اخلع عنك السواد وانتشي بطيبة أهلها , ابتسم حقاً كل ما هنا يدعو للفرح , شوارع مليئة بالمارة , ازدحام مروري والكثير من أشياء قد يبدو الحديث عنها الآن ضرباً من ذكريات لأيام قد لا تعود , فتحت حمص أبوابها قبل ثلاثة أعوام لتستقبل " ربيع العرب " بصدر رحب , أولى المدن التي بايعت ما كان حينها يبدو حراكاً شعبياً , ولكن المدينة بساكنيها سرعان ما انقسمت على نفسها , بين داعم ورافض لثورة كان حرياً بها أن تنطلق في بلاد الحجاز – يقول موالون - , فأضلت الطريق لتحط رحالها في سورية .

الكثير من التفاصيل مرت خلال الحرب على سورية , قد يحتاج ذكرها وتفنيد أهمها مئات الصفحات , لسنا هنا في صدد البحث والتدقيق فيما مضى ,  لا سيما أن حمص وصلت مرحلة متقدمة من المعارك بات يصعب معها فصل الأمور عن سياقها ومعالجة الاشكاليات فرادا .

دخلت حمص الحراك منفردة بوحشيته مذ بداية الأزمة , لتحلقها كبرى المدن السورية كحلب ودمشق بعد عام ونصف , وحين كان المشهد العسكري المتبدل في حمص يحتل واجهة الأخبار الميدانية , كانت تئن مدن سورية أخرى تحت صوت المفخخات والقتل والدم , لم يك يتخيل متابع أن تصبح حمص لاحقاً سيدة المشهد المفخخ في سورية , لتنال وبجدارة لقب " سيدة الحرب " .

أولى وقفات حمص مع التفجير كانت في نهاية شهر تشرين الثاني 2012 في حمراء حمص , وبعده بأيام تفجير الانشاءات , كلاهما تفجيران استهدفا أحياء معارضة , توقف بعده الحدث حتى عاد مجدداً ليحضر في عكرمة بحمص وبعده بأيام تفجير مزدوج في شارع الحضارة .

مجدداً نسيت حمص قصص التفجير ليعود من بوابة العام الحالي بوضوح أوسع ورسائل سياسية أدق في مرحلة حرجة تعيد سورية فيها التموضع الاقليمي برؤى أشمل وآلية واضحة في التعامل مع الجوار , لا سيما ان تركيا باتت أخيراً عدواً جبهوياً واضحاً للمتابعين .

تفجيران في الأرمن وواحد في الزهراء وأكثر من أربعة في عكرمة , هذه حصيلة الأشهر القليلة الماضية , هو استهداف عريض بمضامين واضحة لمراكز الثقل السياسي والاقتصادي في حمص , فضلاً عن التركيز على ضرب البيئة الحاضنة للنظام والجيش على حد سواء , في الأحياء التي صبرت وصابرت ظلماً عمره ثلاث سنين , في المناطق التي قدمت زهو عشرة آلاف شهيد ومثلهم من الجرحى أغلبهم مدنيون , الصبر هو الحل افتداء لحرب قدرية بات يؤمن بها السوريون .

 أكثر ما بات يؤرق المجتمع الحمصي تفجير هنا أو هناك , في مدينة تعيش على صفيح نار ساخن , يحقد من في حمص القديمة على من هم خارجها فيمطرونهم قذائف وسيارات مفخخة , والحقد عكساً بعكس , إلا أن الجزء الآخر جل ما يفعله أن يناصر الجيش حتى يسيطر على حمص القديمة , هكذا تكافئ المعادلة نسبياً لا إنسانيا , في الأحياء المؤيدة وإن كانت مؤيدة ولكن التفجيرات تستهدف مدنييها لا مقراتها العسكرية إن وجدت .

 حمص القديمة على أبواب معركتها الأخيرة , الجيش السوري مع الدفاع الوطني باتوا قريبين من السيطرة عليها أكثر من أي وقت مضى , ذلك بالمنطق يوضح بأن مسلحي الكتائب المتطرفة في الداخل سيعملون بكل ما استطاعوا لإثارة حالة فوضى في أحياء المدينة مستجدين أي شيء قد يؤخر عملية الحسم العسكرية .

 في حمص هناك أحياء معارضة حافظت على سلمية حراكها وأحياء أخرى مؤيدة , وفي الحالتين يتفق المدنيون على التهدئة الدائمة , لا اتهامات متبادلة بينهم , الجميع يعي خطورة الموقف وغلاوة الروح من الطرفين , لا سيما الأطفال والنساء , فيما يخيم شبح الخوف على المدينة , يبقى أن يعول الأهالي على تفاهم يودي نحو كشف المتورطين وكيفية عملهم وتفكيك شبكاتهم , الأمر الذي سينتهي مع طي ملف حمص القديمة بانتصار عسكري واسع كما يرى الشارع المؤيد والسلمي المتململ من العسكرة أخيراً .

 لم يحمل الشارع في حمص حتى اليوم ردات فعل واضحة على التفجيرات , الشارع الذي بات طرفاً منحازاً ومظاوماً , ولكن مبايعة الدولة بنظامها الحالي يعني الولاء لقراراتها والمحافظة على الأمن والسلم تجنباً لمزيد من الاحتقان في المدينة .

  • فريق ماسة
  • 2014-04-10
  • 10721
  • من الأرشيف

حمص المفخخة .. نهاية ثورة ليست في كوبا !/ طارق علي

ابتسم أنت في حمص , اخلع عنك السواد وانتشي بطيبة أهلها , ابتسم حقاً كل ما هنا يدعو للفرح , شوارع مليئة بالمارة , ازدحام مروري والكثير من أشياء قد يبدو الحديث عنها الآن ضرباً من ذكريات لأيام قد لا تعود , فتحت حمص أبوابها قبل ثلاثة أعوام لتستقبل " ربيع العرب " بصدر رحب , أولى المدن التي بايعت ما كان حينها يبدو حراكاً شعبياً , ولكن المدينة بساكنيها سرعان ما انقسمت على نفسها , بين داعم ورافض لثورة كان حرياً بها أن تنطلق في بلاد الحجاز – يقول موالون - , فأضلت الطريق لتحط رحالها في سورية . الكثير من التفاصيل مرت خلال الحرب على سورية , قد يحتاج ذكرها وتفنيد أهمها مئات الصفحات , لسنا هنا في صدد البحث والتدقيق فيما مضى ,  لا سيما أن حمص وصلت مرحلة متقدمة من المعارك بات يصعب معها فصل الأمور عن سياقها ومعالجة الاشكاليات فرادا . دخلت حمص الحراك منفردة بوحشيته مذ بداية الأزمة , لتحلقها كبرى المدن السورية كحلب ودمشق بعد عام ونصف , وحين كان المشهد العسكري المتبدل في حمص يحتل واجهة الأخبار الميدانية , كانت تئن مدن سورية أخرى تحت صوت المفخخات والقتل والدم , لم يك يتخيل متابع أن تصبح حمص لاحقاً سيدة المشهد المفخخ في سورية , لتنال وبجدارة لقب " سيدة الحرب " . أولى وقفات حمص مع التفجير كانت في نهاية شهر تشرين الثاني 2012 في حمراء حمص , وبعده بأيام تفجير الانشاءات , كلاهما تفجيران استهدفا أحياء معارضة , توقف بعده الحدث حتى عاد مجدداً ليحضر في عكرمة بحمص وبعده بأيام تفجير مزدوج في شارع الحضارة . مجدداً نسيت حمص قصص التفجير ليعود من بوابة العام الحالي بوضوح أوسع ورسائل سياسية أدق في مرحلة حرجة تعيد سورية فيها التموضع الاقليمي برؤى أشمل وآلية واضحة في التعامل مع الجوار , لا سيما ان تركيا باتت أخيراً عدواً جبهوياً واضحاً للمتابعين . تفجيران في الأرمن وواحد في الزهراء وأكثر من أربعة في عكرمة , هذه حصيلة الأشهر القليلة الماضية , هو استهداف عريض بمضامين واضحة لمراكز الثقل السياسي والاقتصادي في حمص , فضلاً عن التركيز على ضرب البيئة الحاضنة للنظام والجيش على حد سواء , في الأحياء التي صبرت وصابرت ظلماً عمره ثلاث سنين , في المناطق التي قدمت زهو عشرة آلاف شهيد ومثلهم من الجرحى أغلبهم مدنيون , الصبر هو الحل افتداء لحرب قدرية بات يؤمن بها السوريون .  أكثر ما بات يؤرق المجتمع الحمصي تفجير هنا أو هناك , في مدينة تعيش على صفيح نار ساخن , يحقد من في حمص القديمة على من هم خارجها فيمطرونهم قذائف وسيارات مفخخة , والحقد عكساً بعكس , إلا أن الجزء الآخر جل ما يفعله أن يناصر الجيش حتى يسيطر على حمص القديمة , هكذا تكافئ المعادلة نسبياً لا إنسانيا , في الأحياء المؤيدة وإن كانت مؤيدة ولكن التفجيرات تستهدف مدنييها لا مقراتها العسكرية إن وجدت .  حمص القديمة على أبواب معركتها الأخيرة , الجيش السوري مع الدفاع الوطني باتوا قريبين من السيطرة عليها أكثر من أي وقت مضى , ذلك بالمنطق يوضح بأن مسلحي الكتائب المتطرفة في الداخل سيعملون بكل ما استطاعوا لإثارة حالة فوضى في أحياء المدينة مستجدين أي شيء قد يؤخر عملية الحسم العسكرية .  في حمص هناك أحياء معارضة حافظت على سلمية حراكها وأحياء أخرى مؤيدة , وفي الحالتين يتفق المدنيون على التهدئة الدائمة , لا اتهامات متبادلة بينهم , الجميع يعي خطورة الموقف وغلاوة الروح من الطرفين , لا سيما الأطفال والنساء , فيما يخيم شبح الخوف على المدينة , يبقى أن يعول الأهالي على تفاهم يودي نحو كشف المتورطين وكيفية عملهم وتفكيك شبكاتهم , الأمر الذي سينتهي مع طي ملف حمص القديمة بانتصار عسكري واسع كما يرى الشارع المؤيد والسلمي المتململ من العسكرة أخيراً .  لم يحمل الشارع في حمص حتى اليوم ردات فعل واضحة على التفجيرات , الشارع الذي بات طرفاً منحازاً ومظاوماً , ولكن مبايعة الدولة بنظامها الحالي يعني الولاء لقراراتها والمحافظة على الأمن والسلم تجنباً لمزيد من الاحتقان في المدينة .

المصدر : وكالة أنباء آسيا/ طارق علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة