لا يستطيع عاقل أن يقرأ ما تشهده الحدود السورية ـ التركية في إطار تطوّر ما نشأ في سياق العلاقات الثنائية بين الحكومتين السورية والتركية، بينما لم تتجرأ الحكومة التركية التي ارتكبت الكثير من الأكاذيب لتسويق ما جرى أن تصل إلى حدّ الادّعاء بصلة ذلك بخصوصية سورية ـ تركية.

بداية قالت حكومة أردوغان إنّ التصعيد ناجم عن سقوط قذيفة هاون مصدرها مجهول من الأراضي السورية، وسقطت داخل الحدود التركية، وإنّ كلّ رمايات المدفعية كانت للردّ على المصدر المفترض لهذه القذيفة.

طبعاً يمكن ألا تكون سقطت أي قذيفة ويمكن أن تكون إحدى المجموعات الإرهابية قد صنعت وافتعلت إطلاق القذيفة لافتتاح مسلسل التصعيد الذي بدا أنه مبرمج ومبيّت النوايا مسبقاً.

لماذا نقول ذلك؟

لأنّ حكومة أردوغان عندما لم تجد تجاوباً من القوات السورية بالدخول في تبادل للنيران قامت بإسقاط طائرة سورية وهي لا تزال داخل الأجواء السورية وفوق الأراضي السورية وربطت التصعيد بما أسمته انتهاك طائرة حربية سورية للأجواء التركية، وبنى عليها أردوغان تتمة بخطاب علني تصعيدي تهديدي ضدّ سورية، فيما لو كرّرت هذه الانتهاكات على حدّ التعابير التي استخدمها.

هل يستقيم هذا القول بالعقل والمنطق؟

سورية تخوض حرباً على شتى أنواع الإرهاب التي يعرفها مضيفها أردوغان جيداً، ويعرف حجمها ونوع تسليحها والإجرام الذي يختزنه رجالها، وتدور حرب سورية على الإرهاب على مساحة الجغرافيا السورية كلها، فهل يُعقل أن تتحرّش سورية بدولة حدودية معها كتركيا لتستدرج لساحة القتال قوة إضافية؟ ولو كانت تثق بقدرة جيشها على خوض عدة حروب وعلى عدة جبهات دفعة واحدة فما هي مصلحتها بذلك؟ وهل يُعقل أن تعتدي سورية على الدولة الجار وهي تركيا التي تكنّ لشعبها وجيشها كلّ المودة؟

لو أخذنا أسوأ الفرضيات التي قد يسوقها فريق أردوغان للتغطية على الأسباب الحقيقية للعدوان والتحرّش، مثل الادّعاء بأنّ سورية تريد تكبير حجر المواجهة لجعلها حرباً إقليمية، فالواضح أنّ إسقاط الطائرة السورية في هذه الحالة يهدي سورية المدخل للتصعيد الذي يفترض أنها تبحث عنه وفقاً لمزاعم فريق أردوغان، ولكنها لم تفعل، بل الذي فعل هو أردوغان الذاهب إلى تكبير الحجر وتظهير فضيحته بكشف نواياه أنّ كلّ ما جرى جرى لأنه ذاهب إلى استفزاز مبرمج.

لو لم تكن النوايا مبيّتة لشنّ العدوان ألم يكن ممكناً تفادي التصعيد؟

كلّ الوقائع التقنية الموجودة بحوزة القيادة العامة للقوات المسلحة في الجمهورية العربية السورية، تثبت أنّ الطائرة السورية لم تنتهك الأجواء التركية، وأنها أسقطت وهي في المجال الجوي السوري وسقطت في الأراضي السورية.

لو سلّمنا بالرواية التركية، ولم تكن هناك نوايا للعدوان، أليس طبيعياً أن نسأل لماذا لم تتحرّك الاتصالات الساخنة المتاحة فنياً مع الطائرة ومع قيادتها العسكرية في هذه الحالة للتنبيه من انتهاك الأجواء؟ وإنْ كان السبب خللاً في التقدير من الطائرة أو ممّن أصابها لماذا لم يكن التعامل مع الحادث كحادث يستدعي التحقيق؟ بل جرى تقديمه من مستوى رئاسة الحكومة التركية كحدث سيادي من الطراز الأول، وفي مهرجان انتخابي جرى توقيته ربما مع إسقاط الطائرة، ليصف رئيس الحكومة ما جرى بالإنجاز والبطولة التي تستحق التهنئة بصفتها هدفاً قومياً نبيلاً، بينما تمهّلت سورية ليومين بعد سقوط الطائرة وتابعت مراقبة التعامل من طرف الحكومة التركية حتى أصدرت بياناً وصفت فيه ما يجري بالعدوان، ربطاً بما تجمّع لديها من وقائع الميدان عن السلوك الذي أتبعته حكومة أردوغان بعد إسقاط الطائرة من رمايات بمدافع الدبابات والمدفعية الثقيلة وقصف من زوارق البحرية التركية على القرى والبلدات السورية المجاورة، لتغطية نارية لحساب الهجمات التي تشنّها المجموعات الإرهابية المسلحة الآتية من داخل الحدود التركية لاستهداف الأراضي السورية.

السؤال هو عن ماهية هذه المجموعات التي تقدم لها حكومة أردوغان الدعم الناري والإيواء وتضع سمعة الجيش التركي في خدمتها؟

إنها المجموعات التي تعلن نفسها ببيانات علنية كمسؤولة عن الهجمات التي تستهدف القرى والبلدات الآمنة في شمال سورية، وهي «داعش» و«جبهة النصرة» التشكيلان المصنفان على لائحة الإرهاب من قبل مجلس الأمن الدولي.

الذي لا يقبل الجدال هو أنّ حكومة أردوغان درست وخططت وقرّرت ونفذت عدواناً ضدّ سورية، وهو عدوان متماد لحساب الإرهاب وفقاً للقانون الدولي ومعاييره.

الأكيد أنّ هذا العدوان يأتي في سياق لا صلة له بشؤون تتصل بمصالح قومية تركية.

الأكيد أيضاً وأيضاً أنّ العدوان يأتي في ظلّ تصاعد النقمة على حكومة أردوغان بسبب تورّطها طوال سنوات ماضية في الحرب على سورية، وقيامها بتحويل جغرافيا المدن والبلدات الحدودية التركية إلى مأوى للإرهابيين الآتين من كلّ أنحاء الدنيا، والذين يصرحون كلّ يوم بنواياهم المبيّتة ضدّ النظام العلماني في تركيا وضدّ أمن تركيا وضدّ جيش تركيا ومواطنيها، ولا حاجة للإثبات أنّ كلّ سلوك الحكومة التركية في هذا المجال يجري بصورة معاكسة للمصالح الحقيقية والعميقة للبلدين والشعبين السوري والتركي.

حكومة أردوغان تشنّ عدوانها على خلفية الإنجازات الباهرة التي حققها الجيش العربي السوري بقطع شرايين الإمداد التي كانت تستند إليها المجموعات الإرهابية عبر الحدود مع لبنان، وبعدما تمكن الجيش العربي السوري من تنظيف منطقة القلمون وجبالها من هذه المجموعات الإرهابية، واستطاع بسط سيطرته على الأوكار التي أقامها الإرهابيون في مناطق الزارة وقلعة الحصن بمثل ما اقتلعهم من يبرود.

ليس مهماً إنْ كانت حكومة أردوغان ترتكب العدوان بالوكالة عن صاحب القرار بتأمين خطوط إمداد بديلة للإرهابيين لقاء بدل مالي أو سياسي، أو إنْ كانت تفعل ذلك بالأصالة عن نفسها، فالمهمّ وما يجب أن تعرفه حكومة أردوغان أنها تلعب بالنار.

سورية لا تستخدم لغة التهديد والوعيد التي نطق بها أردوغان. سورية تكتفي بالقول إنّ سلوك أردوغان وحكومته مجنون وغبي، وسيلقى نتائج تشبه النتائج التي يحصدها كلّ المجانين والأغبياء.

  • فريق ماسة
  • 2014-03-27
  • 12665
  • من الأرشيف

الحكومة التركية والعدوان على سورية ... بقلم د. فيصل المقداد

لا يستطيع عاقل أن يقرأ ما تشهده الحدود السورية ـ التركية في إطار تطوّر ما نشأ في سياق العلاقات الثنائية بين الحكومتين السورية والتركية، بينما لم تتجرأ الحكومة التركية التي ارتكبت الكثير من الأكاذيب لتسويق ما جرى أن تصل إلى حدّ الادّعاء بصلة ذلك بخصوصية سورية ـ تركية. بداية قالت حكومة أردوغان إنّ التصعيد ناجم عن سقوط قذيفة هاون مصدرها مجهول من الأراضي السورية، وسقطت داخل الحدود التركية، وإنّ كلّ رمايات المدفعية كانت للردّ على المصدر المفترض لهذه القذيفة. طبعاً يمكن ألا تكون سقطت أي قذيفة ويمكن أن تكون إحدى المجموعات الإرهابية قد صنعت وافتعلت إطلاق القذيفة لافتتاح مسلسل التصعيد الذي بدا أنه مبرمج ومبيّت النوايا مسبقاً. لماذا نقول ذلك؟ لأنّ حكومة أردوغان عندما لم تجد تجاوباً من القوات السورية بالدخول في تبادل للنيران قامت بإسقاط طائرة سورية وهي لا تزال داخل الأجواء السورية وفوق الأراضي السورية وربطت التصعيد بما أسمته انتهاك طائرة حربية سورية للأجواء التركية، وبنى عليها أردوغان تتمة بخطاب علني تصعيدي تهديدي ضدّ سورية، فيما لو كرّرت هذه الانتهاكات على حدّ التعابير التي استخدمها. هل يستقيم هذا القول بالعقل والمنطق؟ سورية تخوض حرباً على شتى أنواع الإرهاب التي يعرفها مضيفها أردوغان جيداً، ويعرف حجمها ونوع تسليحها والإجرام الذي يختزنه رجالها، وتدور حرب سورية على الإرهاب على مساحة الجغرافيا السورية كلها، فهل يُعقل أن تتحرّش سورية بدولة حدودية معها كتركيا لتستدرج لساحة القتال قوة إضافية؟ ولو كانت تثق بقدرة جيشها على خوض عدة حروب وعلى عدة جبهات دفعة واحدة فما هي مصلحتها بذلك؟ وهل يُعقل أن تعتدي سورية على الدولة الجار وهي تركيا التي تكنّ لشعبها وجيشها كلّ المودة؟ لو أخذنا أسوأ الفرضيات التي قد يسوقها فريق أردوغان للتغطية على الأسباب الحقيقية للعدوان والتحرّش، مثل الادّعاء بأنّ سورية تريد تكبير حجر المواجهة لجعلها حرباً إقليمية، فالواضح أنّ إسقاط الطائرة السورية في هذه الحالة يهدي سورية المدخل للتصعيد الذي يفترض أنها تبحث عنه وفقاً لمزاعم فريق أردوغان، ولكنها لم تفعل، بل الذي فعل هو أردوغان الذاهب إلى تكبير الحجر وتظهير فضيحته بكشف نواياه أنّ كلّ ما جرى جرى لأنه ذاهب إلى استفزاز مبرمج. لو لم تكن النوايا مبيّتة لشنّ العدوان ألم يكن ممكناً تفادي التصعيد؟ كلّ الوقائع التقنية الموجودة بحوزة القيادة العامة للقوات المسلحة في الجمهورية العربية السورية، تثبت أنّ الطائرة السورية لم تنتهك الأجواء التركية، وأنها أسقطت وهي في المجال الجوي السوري وسقطت في الأراضي السورية. لو سلّمنا بالرواية التركية، ولم تكن هناك نوايا للعدوان، أليس طبيعياً أن نسأل لماذا لم تتحرّك الاتصالات الساخنة المتاحة فنياً مع الطائرة ومع قيادتها العسكرية في هذه الحالة للتنبيه من انتهاك الأجواء؟ وإنْ كان السبب خللاً في التقدير من الطائرة أو ممّن أصابها لماذا لم يكن التعامل مع الحادث كحادث يستدعي التحقيق؟ بل جرى تقديمه من مستوى رئاسة الحكومة التركية كحدث سيادي من الطراز الأول، وفي مهرجان انتخابي جرى توقيته ربما مع إسقاط الطائرة، ليصف رئيس الحكومة ما جرى بالإنجاز والبطولة التي تستحق التهنئة بصفتها هدفاً قومياً نبيلاً، بينما تمهّلت سورية ليومين بعد سقوط الطائرة وتابعت مراقبة التعامل من طرف الحكومة التركية حتى أصدرت بياناً وصفت فيه ما يجري بالعدوان، ربطاً بما تجمّع لديها من وقائع الميدان عن السلوك الذي أتبعته حكومة أردوغان بعد إسقاط الطائرة من رمايات بمدافع الدبابات والمدفعية الثقيلة وقصف من زوارق البحرية التركية على القرى والبلدات السورية المجاورة، لتغطية نارية لحساب الهجمات التي تشنّها المجموعات الإرهابية المسلحة الآتية من داخل الحدود التركية لاستهداف الأراضي السورية. السؤال هو عن ماهية هذه المجموعات التي تقدم لها حكومة أردوغان الدعم الناري والإيواء وتضع سمعة الجيش التركي في خدمتها؟ إنها المجموعات التي تعلن نفسها ببيانات علنية كمسؤولة عن الهجمات التي تستهدف القرى والبلدات الآمنة في شمال سورية، وهي «داعش» و«جبهة النصرة» التشكيلان المصنفان على لائحة الإرهاب من قبل مجلس الأمن الدولي. الذي لا يقبل الجدال هو أنّ حكومة أردوغان درست وخططت وقرّرت ونفذت عدواناً ضدّ سورية، وهو عدوان متماد لحساب الإرهاب وفقاً للقانون الدولي ومعاييره. الأكيد أنّ هذا العدوان يأتي في سياق لا صلة له بشؤون تتصل بمصالح قومية تركية. الأكيد أيضاً وأيضاً أنّ العدوان يأتي في ظلّ تصاعد النقمة على حكومة أردوغان بسبب تورّطها طوال سنوات ماضية في الحرب على سورية، وقيامها بتحويل جغرافيا المدن والبلدات الحدودية التركية إلى مأوى للإرهابيين الآتين من كلّ أنحاء الدنيا، والذين يصرحون كلّ يوم بنواياهم المبيّتة ضدّ النظام العلماني في تركيا وضدّ أمن تركيا وضدّ جيش تركيا ومواطنيها، ولا حاجة للإثبات أنّ كلّ سلوك الحكومة التركية في هذا المجال يجري بصورة معاكسة للمصالح الحقيقية والعميقة للبلدين والشعبين السوري والتركي. حكومة أردوغان تشنّ عدوانها على خلفية الإنجازات الباهرة التي حققها الجيش العربي السوري بقطع شرايين الإمداد التي كانت تستند إليها المجموعات الإرهابية عبر الحدود مع لبنان، وبعدما تمكن الجيش العربي السوري من تنظيف منطقة القلمون وجبالها من هذه المجموعات الإرهابية، واستطاع بسط سيطرته على الأوكار التي أقامها الإرهابيون في مناطق الزارة وقلعة الحصن بمثل ما اقتلعهم من يبرود. ليس مهماً إنْ كانت حكومة أردوغان ترتكب العدوان بالوكالة عن صاحب القرار بتأمين خطوط إمداد بديلة للإرهابيين لقاء بدل مالي أو سياسي، أو إنْ كانت تفعل ذلك بالأصالة عن نفسها، فالمهمّ وما يجب أن تعرفه حكومة أردوغان أنها تلعب بالنار. سورية لا تستخدم لغة التهديد والوعيد التي نطق بها أردوغان. سورية تكتفي بالقول إنّ سلوك أردوغان وحكومته مجنون وغبي، وسيلقى نتائج تشبه النتائج التي يحصدها كلّ المجانين والأغبياء.

المصدر : البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة