انتهت المعركة الفاصلة الثالثة في الحرب على سوريا , وذلك في نصر يبرود الإستراتيجي , وذلك بعد أن سبقت هذه المحطة المحورية من عمر الحرب على سوريا , محطتان محوريتان في القصير , وطوق الغوطتين , واللذين أسسا لهذه المحطة الثالثة ….

الأسئلة المحورية : ماذا بعد يبرود ؟ وهل فعلاً بدأ زمن الإنعطافات الكبرى في الحرب على سوريا ؟ وبالتالي هل يمكن لهذه المحطة وما سيليها من المحطة اللاحقة حصراً ,أن تُشكلا نقطة الإنطلاق نحو خروج فعلي لسوريا من عنق الأزمة .. وذلك بإذعانٍ من دول تحالف العدوان على سوريا ؟ أم أن هاتان المحطتان ونتائجهما لصالح الدولة السورية ومعها محور الممانعة برمته , ستجعلان دول تحالف العدوان على سوريا – وتحديداً الكيان الصهيوني منهم – يتفلّتوا من عقالهم , ويدخلوا في مغامرةٍ عسكرية إستلحاقية غير محسوبة النتائج في سبيل الحفاظ على أمن الكيان المنشود ؟

إرهاصاتٌ وأنساق

لعل الراصد لتطورات الحرب على سوريا , وسبل المواجهة التي تخوضها سوريا ومعها القوى المساندة في الميدان , لا بد له أن يستشرف أن مسار الأزمة قد وصل إلى منعطفٍ إستراتيجي مفصلي , والذي تأسس له في معركة طوق الغوطتين في أب من العام الماضي , والذي سيجعل من نصر يبرود اليوم عاملاً حاسماً في فرض المصالحات وتسريعها فيهما , ولاحقاً في حمص القديمة وتوابعها… لـتأمن سوريا سريعاً في قلبها ( دمشق ) وفي وسطها (حمص ) , فضلاً عن ساحلها …وقد كتبت سابقاً أن المعركة في الغوطتين , هي القصير الجديدة , بحيث أن نتائجها يومها ستكون باباً لفتح الأزمة السورية ,إمّا على تفاهمات كبرى بين الطبقات السياسية العليا والممسكة بمفاتيح الأزمة , وإمّا ستنفتح الأزمة على حربٍ شاملة …

لقد كانت لغة التفاهمات هي الراجحة يومها , والتي أوصلت إلى محطة جنيف 2 بمحطتيه الأولى والثانية .. وإن كانت نتائجهما صفرية .. لأن أحداً لم يكن يُعوِّل عليهما , لأن محطنه كانت ترجمةً سياسية لما عكسه أو ما كان يُؤمَّل أن يعكسه لاحقاً هذا الميدان , وخصوصاً في معركة فك الحصار عن الغوطتين الأخيرة في الخريف الماضي … والتي كانت نتائجها كارثية على دول تحالف العدوان على سوريا , وتحديداً الكيان الصهيوني , والذي كان رأس الحربة في تلك المعركة الفاشلة …

منذ تلك المحطة بدأت الرؤوس تتدحرج , والأثمان تُدفع , والعلاقات تتشرذم , والمسؤوليات تتقاذف فيما بين دول وأطراف تحالف العدوان على سوريا .

نعود إلى سؤالنا المحوري : ماذا بعد يبرود ؟ لا يمكن لأي متابع لما يجري في الكيان الصهيوني من صراخٍ عالٍ , وعلى كافة المستويات , إلاّ ويتلمس مدى الهلع الذي يعتري هذا الكيان من بوادر تصدّع استراتيجيته الإنطوائية بفعل التطورات المتسارعة في الميدان السوري ( كما أشرنا في المقالة السابقة ) فلقد بدأ هذا الكيان – بفعل استراتيجية محور الممانعة في الميدان السوري – يُحشر رويداً رويداً بين سندان حدودٍ تقبع عندها ثلاثيات ذهبية , يكره حتى السماع بها , وبين اضطراره للإندفاع بحربٍ لا يضمن نتائجها مطلقاً , وذلك في لهاثه الدائم في البحث عن أمنه المفقود .

معادلاتٌ متعاكسة

إذاً المحطة المفصلية القادمة – على الأرجح – للجيش السوري والقوى المساندة له , هي الجولان حتماً , وذلك لوأد ما سُمي بالجدار الطيّب هناك في عمره الجنيني لكسر استراتيجية الكيان في الحفاظ على استقرار الطوق المحيط به …

هذا النصر القادم في الجولان , سيضع الأزمة في سوريا أمام منعطف رئيسي من عمر الصراع مع الكيان الصهيوني , بحيث أن هذا الأخير سيكتشف أن السحر الذي أعدّه للعبث بأمن الأخرين , ها هو يرتد عليه مجدداً .. بحيث أن محور الممانعة عاد مجدداً ليلعب بالمكان المؤلم لدى دول تحالف العدوان على سوريا , وهو الملعب الموجع للكيان الصهيوني في زعزعة أمنه المنشود , وهي ورقة ٌ كنت قد كتبت حولها أنها المنجية الأساسية لما تعيشه سوريا من محنة , وذلك في مقالة ” ورقتان لا ثالث لهما لحل الأزمة في سوريا ” وذلك في 08 -06-2012 .

إذا المعادلة القادمة أمام الكيان الصهيوني , باتت , أن اللعب بأمن الأخرين , سيقابله اهتزازاً في أمنه , وفي أكثر من جبهة , وهذا ما تُفسَّره الحوادث المتسارعة على الحدود اللبنانية والسورية مع هذا الكيان .

إذاً إنه الإستنزاف المضاد , الذي سيُخيّر الكيان الصهيوني , بين العودة إلى ستاتيكو مُطوّر إلى ما كان عليه الوضع ما قبل الحرب على سوريا , وهو ستاتيكو ليس معلوماً ثباته واستقراره … وبين خوض حربٍ شاملةٍ – غير مضمونة العواقب ولا محسومة النتائج – لتثبيت ما يأمله من استقرار طوقه .

المنطق العام , والمعطيات الأمريكية والأوروبية , وحتى الحسابات الصهيونية العقلانية , تشي بأن الكيان الصهيوني سيكون مجبراً أن يختار الستاتيكو – المطوّر , بدلاً من الذهاب نحو مغامرة قد تكون قاتلةً له .. وذلك إلى أن يحين الوقت الذي يتحيّن فيه فرصاً جديدة للإنقضاض مجدداً ..

هذه الزاوية التي سيُحشر فيها الكيان الصهيوني لفترة ربما ليست بقصيرة , سيجعل من دول تحالف العدوان على سوريا أن تعود إلى الطلب مجدداً لسلالم النجاة التي نُصبت سابقاً لها , بدءً من سلّم النجاة الكيميائي في الإتفاق الشهير بعد التهويل بالحرب على سوريا في أيلول الماضي , وصولاً إلى سلّم النجاة النووي الذي أنزل أمريكا وأوروبا ومعهم الكيان الصهيوني , من أعلى شجرة التهديدات والتهويلات على الجمهورية الإسلامية , وذلك بُغية إجبارها على تبني السلّة الأمريكية والصهيونية المتكاملة للحل , والتي أرادوا منها ضم الملف النووي فيها مع ملف دور إيران الإقليمي وموقع الكيان الصهيوني في تلك الصفقة.. فكانت الصفعة الإيرانية بإجبار هؤلاء على تبني السلّة الإيرانية للحل , وذلك في فصل الملفات بعضها عن بعض …

 توازناتٌ جديدة

إذاً ربما سنشهد في القادم من الأيام طلباً – أمريكياً وصهيونياً وأوروبياً وحتى من بعض الدول العربية والإسلامية التي تُشكل رأس الحربة في تحالف العدوان على سوريا .. – مباشراً من روسيا ( مهندسةُ سلالم النجاة للمهزومين ) , أو غير مباشر من أطراف محور الممانعة أن يُعمل مجدداً لنصب سلّم نجاة جديد , يُترجم لاحقاً بطلب عودةٍ جديدة لعقد جنيف 3 , بشروط المنتصر الذي تيقن من اقتراب نصره .. والمهزوم الذي لاحت أمامه بشكل جلي تباشير هزيمته … الأمر الذي سيجعل من محطة يبرود وتوابعها ومعها الجولان لاحقاً , عنصران إضافيان في دوزنة النظام العالمي الجديد والذي يعيش العالم بأسره اليوم مخاض ولادته … من أوكرانيا على كتف أوروبا , وصولاً إلى فنزويلا في أمريكا الجنوبية , إمتداداً حتى سوريا في قلب العالم ومحوره .

خلاصة القول , مع معركة القصير في سوريا انتقل محور الممانعة من الدفاع إلى الهجوم .. ومن نتائج معركة يبرود وملحقاتها , ستدور الدوائر على دول تحاف العدوان على سوريا , ومن نصر الجولان القادم ستظهر بشكل جلي موازين القوى الصاعدة في المنطقة والعالم بشكل عام .. حيث سيسبب ذلك – وبشكل محتوم – إعادة رسم تحالفات جديدة ..” فالبقاء دائماً للأقوى ” , فما قبل يبرود والجولان , حتماً لن يكون كما بعدهما , وبكل تأكيد .

 

  • فريق ماسة
  • 2014-03-16
  • 10436
  • من الأرشيف

ما بعد يبرود والجولان .. دلالاتٌ استراتيجية

انتهت المعركة الفاصلة الثالثة في الحرب على سوريا , وذلك في نصر يبرود الإستراتيجي , وذلك بعد أن سبقت هذه المحطة المحورية من عمر الحرب على سوريا , محطتان محوريتان في القصير , وطوق الغوطتين , واللذين أسسا لهذه المحطة الثالثة …. الأسئلة المحورية : ماذا بعد يبرود ؟ وهل فعلاً بدأ زمن الإنعطافات الكبرى في الحرب على سوريا ؟ وبالتالي هل يمكن لهذه المحطة وما سيليها من المحطة اللاحقة حصراً ,أن تُشكلا نقطة الإنطلاق نحو خروج فعلي لسوريا من عنق الأزمة .. وذلك بإذعانٍ من دول تحالف العدوان على سوريا ؟ أم أن هاتان المحطتان ونتائجهما لصالح الدولة السورية ومعها محور الممانعة برمته , ستجعلان دول تحالف العدوان على سوريا – وتحديداً الكيان الصهيوني منهم – يتفلّتوا من عقالهم , ويدخلوا في مغامرةٍ عسكرية إستلحاقية غير محسوبة النتائج في سبيل الحفاظ على أمن الكيان المنشود ؟ إرهاصاتٌ وأنساق لعل الراصد لتطورات الحرب على سوريا , وسبل المواجهة التي تخوضها سوريا ومعها القوى المساندة في الميدان , لا بد له أن يستشرف أن مسار الأزمة قد وصل إلى منعطفٍ إستراتيجي مفصلي , والذي تأسس له في معركة طوق الغوطتين في أب من العام الماضي , والذي سيجعل من نصر يبرود اليوم عاملاً حاسماً في فرض المصالحات وتسريعها فيهما , ولاحقاً في حمص القديمة وتوابعها… لـتأمن سوريا سريعاً في قلبها ( دمشق ) وفي وسطها (حمص ) , فضلاً عن ساحلها …وقد كتبت سابقاً أن المعركة في الغوطتين , هي القصير الجديدة , بحيث أن نتائجها يومها ستكون باباً لفتح الأزمة السورية ,إمّا على تفاهمات كبرى بين الطبقات السياسية العليا والممسكة بمفاتيح الأزمة , وإمّا ستنفتح الأزمة على حربٍ شاملة … لقد كانت لغة التفاهمات هي الراجحة يومها , والتي أوصلت إلى محطة جنيف 2 بمحطتيه الأولى والثانية .. وإن كانت نتائجهما صفرية .. لأن أحداً لم يكن يُعوِّل عليهما , لأن محطنه كانت ترجمةً سياسية لما عكسه أو ما كان يُؤمَّل أن يعكسه لاحقاً هذا الميدان , وخصوصاً في معركة فك الحصار عن الغوطتين الأخيرة في الخريف الماضي … والتي كانت نتائجها كارثية على دول تحالف العدوان على سوريا , وتحديداً الكيان الصهيوني , والذي كان رأس الحربة في تلك المعركة الفاشلة … منذ تلك المحطة بدأت الرؤوس تتدحرج , والأثمان تُدفع , والعلاقات تتشرذم , والمسؤوليات تتقاذف فيما بين دول وأطراف تحالف العدوان على سوريا . نعود إلى سؤالنا المحوري : ماذا بعد يبرود ؟ لا يمكن لأي متابع لما يجري في الكيان الصهيوني من صراخٍ عالٍ , وعلى كافة المستويات , إلاّ ويتلمس مدى الهلع الذي يعتري هذا الكيان من بوادر تصدّع استراتيجيته الإنطوائية بفعل التطورات المتسارعة في الميدان السوري ( كما أشرنا في المقالة السابقة ) فلقد بدأ هذا الكيان – بفعل استراتيجية محور الممانعة في الميدان السوري – يُحشر رويداً رويداً بين سندان حدودٍ تقبع عندها ثلاثيات ذهبية , يكره حتى السماع بها , وبين اضطراره للإندفاع بحربٍ لا يضمن نتائجها مطلقاً , وذلك في لهاثه الدائم في البحث عن أمنه المفقود . معادلاتٌ متعاكسة إذاً المحطة المفصلية القادمة – على الأرجح – للجيش السوري والقوى المساندة له , هي الجولان حتماً , وذلك لوأد ما سُمي بالجدار الطيّب هناك في عمره الجنيني لكسر استراتيجية الكيان في الحفاظ على استقرار الطوق المحيط به … هذا النصر القادم في الجولان , سيضع الأزمة في سوريا أمام منعطف رئيسي من عمر الصراع مع الكيان الصهيوني , بحيث أن هذا الأخير سيكتشف أن السحر الذي أعدّه للعبث بأمن الأخرين , ها هو يرتد عليه مجدداً .. بحيث أن محور الممانعة عاد مجدداً ليلعب بالمكان المؤلم لدى دول تحالف العدوان على سوريا , وهو الملعب الموجع للكيان الصهيوني في زعزعة أمنه المنشود , وهي ورقة ٌ كنت قد كتبت حولها أنها المنجية الأساسية لما تعيشه سوريا من محنة , وذلك في مقالة ” ورقتان لا ثالث لهما لحل الأزمة في سوريا ” وذلك في 08 -06-2012 . إذا المعادلة القادمة أمام الكيان الصهيوني , باتت , أن اللعب بأمن الأخرين , سيقابله اهتزازاً في أمنه , وفي أكثر من جبهة , وهذا ما تُفسَّره الحوادث المتسارعة على الحدود اللبنانية والسورية مع هذا الكيان . إذاً إنه الإستنزاف المضاد , الذي سيُخيّر الكيان الصهيوني , بين العودة إلى ستاتيكو مُطوّر إلى ما كان عليه الوضع ما قبل الحرب على سوريا , وهو ستاتيكو ليس معلوماً ثباته واستقراره … وبين خوض حربٍ شاملةٍ – غير مضمونة العواقب ولا محسومة النتائج – لتثبيت ما يأمله من استقرار طوقه . المنطق العام , والمعطيات الأمريكية والأوروبية , وحتى الحسابات الصهيونية العقلانية , تشي بأن الكيان الصهيوني سيكون مجبراً أن يختار الستاتيكو – المطوّر , بدلاً من الذهاب نحو مغامرة قد تكون قاتلةً له .. وذلك إلى أن يحين الوقت الذي يتحيّن فيه فرصاً جديدة للإنقضاض مجدداً .. هذه الزاوية التي سيُحشر فيها الكيان الصهيوني لفترة ربما ليست بقصيرة , سيجعل من دول تحالف العدوان على سوريا أن تعود إلى الطلب مجدداً لسلالم النجاة التي نُصبت سابقاً لها , بدءً من سلّم النجاة الكيميائي في الإتفاق الشهير بعد التهويل بالحرب على سوريا في أيلول الماضي , وصولاً إلى سلّم النجاة النووي الذي أنزل أمريكا وأوروبا ومعهم الكيان الصهيوني , من أعلى شجرة التهديدات والتهويلات على الجمهورية الإسلامية , وذلك بُغية إجبارها على تبني السلّة الأمريكية والصهيونية المتكاملة للحل , والتي أرادوا منها ضم الملف النووي فيها مع ملف دور إيران الإقليمي وموقع الكيان الصهيوني في تلك الصفقة.. فكانت الصفعة الإيرانية بإجبار هؤلاء على تبني السلّة الإيرانية للحل , وذلك في فصل الملفات بعضها عن بعض …  توازناتٌ جديدة إذاً ربما سنشهد في القادم من الأيام طلباً – أمريكياً وصهيونياً وأوروبياً وحتى من بعض الدول العربية والإسلامية التي تُشكل رأس الحربة في تحالف العدوان على سوريا .. – مباشراً من روسيا ( مهندسةُ سلالم النجاة للمهزومين ) , أو غير مباشر من أطراف محور الممانعة أن يُعمل مجدداً لنصب سلّم نجاة جديد , يُترجم لاحقاً بطلب عودةٍ جديدة لعقد جنيف 3 , بشروط المنتصر الذي تيقن من اقتراب نصره .. والمهزوم الذي لاحت أمامه بشكل جلي تباشير هزيمته … الأمر الذي سيجعل من محطة يبرود وتوابعها ومعها الجولان لاحقاً , عنصران إضافيان في دوزنة النظام العالمي الجديد والذي يعيش العالم بأسره اليوم مخاض ولادته … من أوكرانيا على كتف أوروبا , وصولاً إلى فنزويلا في أمريكا الجنوبية , إمتداداً حتى سوريا في قلب العالم ومحوره . خلاصة القول , مع معركة القصير في سوريا انتقل محور الممانعة من الدفاع إلى الهجوم .. ومن نتائج معركة يبرود وملحقاتها , ستدور الدوائر على دول تحاف العدوان على سوريا , ومن نصر الجولان القادم ستظهر بشكل جلي موازين القوى الصاعدة في المنطقة والعالم بشكل عام .. حيث سيسبب ذلك – وبشكل محتوم – إعادة رسم تحالفات جديدة ..” فالبقاء دائماً للأقوى ” , فما قبل يبرود والجولان , حتماً لن يكون كما بعدهما , وبكل تأكيد .  

المصدر : بانوراما الشرق الاوسط/حسن شقير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة