حين نجح اللواء عباس ابراهيم، في تشرين الاول 2013، باطلاق سراح المخطوفين اللبنانيين في أعزاز، قال مسؤول سوري بارز في جلسة خاصة: «أعطينا اللواء اكثر مما طلب لانجاح الصفقة. أردنا ان نعبر له شخصياً عن لفتة امتنان لوقوفه الى جانب سوريا في أحلك ظروفها». التاريخ اعمق من ظواهر الحاضر. حين تُكشف وثائق التاريخ، سيتبيّن ان دور المدير العام للامن العام كان اكبر من تجلياته في لحظات الخطر الكبير على سوريا. حين ترنح حلفاء دمشق، كان ابراهيم ينقل رسائل أمنية بين رئيس مكتب الامن القومي اللواء علي المملوك وعواصم اوروبية.

ساهم في تسليم اسماء ولوائح ارهابيين اجانب. رافق مسؤولين امنيين اوروبيين الى دمشق. حمل اولى الرسائل من قطر الى القيادة السورية. حمل رسائل اخرى... اللائحة تطول.

يوحي الرجل بأنه يدرس كل حركة حتى في جسده. جلسته تشبه عقله. الرياضيات تتحكم بالاثنين. صوته المبحوح قليلا ونظراته يوحيان بشيء من الثقة الكبيرة بالنفس. الثقة تستند الى دراسة ادارة الاعمال والعلوم العسكرية. الثقة ضرورية في مجاله الامني، لكن بعض المغالاة فيها قد تثير ريبة البعض. ربما اثارتها.

قبل أيام، نجح عباس ابراهيم في وساطته لاطلاق سراح راهبات معلولا. تقاطرت الكاميرات عليه في جديدة يابوس. تقاطرت الاسئلة والصحافيون. كان سعيداً ومبتسماً ومقلاً بالكلام كعادته. ظهر كمن يدرك انه في لحظات الحاضر يسجل لحظات للتاريخ.

كان من الضروري ان يبتسم في تلك اللحظة. كان الابتسام تعبيرا عن انفراج صفقة كادت تتعطل في اللحظة الاخيرة. لم يفِ الخاطفون بوعدهم. غيَّروا مكان وطريقة تبادل الراهبات والمعتقلين. غضب السوريون. اقفلوا باب التفاوض. قال أحد كبار مسؤوليهم: «اللواء عباس ابراهيم كان الضامن للصفقة. نحن ساعدناه لاتمامها. اذا خذله الخاطفون لا علاقة لنا بالامر. لن نقبل بأي شرط اضافي رغم حرصنا الكبير على اطلاق سراح الراهبات وكل مخطوف وحرصنا على انجاح مهمته».

بقي ابراهيم على تواصل لحظة بلحظة مع المملوك وعلى تواصل آخر مع مدير الاستخبارات القطرية سعاده الكبيسي الذي رافقه في تلك الصفقة. تخللت التعقيد تسريبات سورية تقول ان احدا لم ولن يقابل المسؤول القطري لأن الوقت لم يحن بعد. قيل ايضا ان على الدوحة أن تبدي تحولاً جدياً قبل التفكير بفتح خطوط. لا تزال القيادة السورية تنظر الى قطر على انها ساهمت مع السعودية في سفك الدم السوري.

ما جاء من قطر قبل معركة يبرود مهم. ما سيأتي لاحقاً قد يكون اهم. هل لعب اللواء ابراهيم دوراً؟ الصمت افضل.

يدرك اللواء ابراهيم انه يسير فوق رمال متحركة. لا مكان لزلات القدم. حين استقبله الرئيس السوري بشار الاسد في أوج الازمة والخطر قيل كلام مهم. لم يكن اللقاء طويلا آنذاك. كان كافيا ليدرك المدير العام للامن العام اللبناني ان الاستراتيجية العسكرية والامنية السورية صلبة. مورست ضغوط غربية وعربية ولبنانية كثيرة عليه. ثمة من قدم له سيناريوهات لسقوط وشيك. كاد في لحظة معينة ان يصدق. تكثفت اللقاءات. فتحت ابواب اللواء المملوك واسعة امام ابراهيم. من الضروري اقناعه بأن النظام اقوى مما يعتقد خصومه. فتحت له الابواب بقدر ما اغلقت امام رئيس الجمهورية ميشال سليمان. اقفلت الى درجة ان اي تسريبة من ابراهيم لسليمان عن لقاء مع الاسد او غيره كادت تزعج.

آنذاك توترت العلاقة بين اللواء ابراهيم والنائب وليد جنبلاط. اشترط عباس ان يزوره جنبلاط في مكتبه للمصالحة. تصالحا لاحقاً من دون الزيارة. الشاب الخمسيني، الانيق دائماً، المبتسم في احلك الظروف، الملتقط المعلومة كيفما شردت او وردت، يوازن السياسة الداخلية بموازين الذهب. رمال لبنان اخطر من رمال المنطقة.

كبر دوره الى درجة نسي معها منتقدوه من قوى 14 كيف كسرت قدمه في رحلة مرافقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري من دمشق الى بيروت. بعضهم يذكر ويعترف بالجميل. من هؤلاء وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي رافقه ابراهيم الى المغرب فأثار حفيظة الحلفاء.

اللواء القادم من مخابرات الجيش ومكافحة الارهاب والتجسس وصاحب الوساطات الكبيرة مع المخيمات الفلسطينية، له دور اكبر من مجرد الخطوط بين دمشق وبيروت. لا بد اذاً من ربط الخطوط من السعودية الى الخليج فايران واوروبا. التاريخ قد يكشف يوماً.

سار اللواء عباس ابراهيم على رمال متحركة كثيرة، فالى اين يسير حالياً؟ اين يقف الامن عنده ومتى تبدأ السياسة؟ لماذا بدأت رسائل التشكيك تصل الى دمشق؟ من الذي لا يريد للواء اكثر من دور مدير عام للامن العام ؟ هل فعلا ان ثمة من نصحه بألا يغالي في دوره؟

ليس اللواء ابراهيم في حاجة الى شهرة اكثر. ليس في حاجة الى جاه او مال. عنده ما انعم الله ويكفي. لكن ماذا لو كان خلف كل ذلك طموح أكبر؟ اين تقف دمشق فعلا لو كانت لها كلمتها؟ بين عين التينة والمتحف المسافة قصيرة. وبينهما رمال متحركة كثيرة. في التكتيك تحتاج دمشق حلفاء من نمط معين، وفي الاستراتيجيات الكبرى تحتاج لحلفاء التوازنات. بعد يبرود قد تقصر الطرقات اكثر بين دمشق وبيروت. هل تختار عين التينة رغم العتب، ام المتحف رغم الخطر؟

  • فريق ماسة
  • 2014-03-16
  • 9452
  • من الأرشيف

اللواء عباس ابراهيم بين الوساطة والسياسة

حين نجح اللواء عباس ابراهيم، في تشرين الاول 2013، باطلاق سراح المخطوفين اللبنانيين في أعزاز، قال مسؤول سوري بارز في جلسة خاصة: «أعطينا اللواء اكثر مما طلب لانجاح الصفقة. أردنا ان نعبر له شخصياً عن لفتة امتنان لوقوفه الى جانب سوريا في أحلك ظروفها». التاريخ اعمق من ظواهر الحاضر. حين تُكشف وثائق التاريخ، سيتبيّن ان دور المدير العام للامن العام كان اكبر من تجلياته في لحظات الخطر الكبير على سوريا. حين ترنح حلفاء دمشق، كان ابراهيم ينقل رسائل أمنية بين رئيس مكتب الامن القومي اللواء علي المملوك وعواصم اوروبية. ساهم في تسليم اسماء ولوائح ارهابيين اجانب. رافق مسؤولين امنيين اوروبيين الى دمشق. حمل اولى الرسائل من قطر الى القيادة السورية. حمل رسائل اخرى... اللائحة تطول. يوحي الرجل بأنه يدرس كل حركة حتى في جسده. جلسته تشبه عقله. الرياضيات تتحكم بالاثنين. صوته المبحوح قليلا ونظراته يوحيان بشيء من الثقة الكبيرة بالنفس. الثقة تستند الى دراسة ادارة الاعمال والعلوم العسكرية. الثقة ضرورية في مجاله الامني، لكن بعض المغالاة فيها قد تثير ريبة البعض. ربما اثارتها. قبل أيام، نجح عباس ابراهيم في وساطته لاطلاق سراح راهبات معلولا. تقاطرت الكاميرات عليه في جديدة يابوس. تقاطرت الاسئلة والصحافيون. كان سعيداً ومبتسماً ومقلاً بالكلام كعادته. ظهر كمن يدرك انه في لحظات الحاضر يسجل لحظات للتاريخ. كان من الضروري ان يبتسم في تلك اللحظة. كان الابتسام تعبيرا عن انفراج صفقة كادت تتعطل في اللحظة الاخيرة. لم يفِ الخاطفون بوعدهم. غيَّروا مكان وطريقة تبادل الراهبات والمعتقلين. غضب السوريون. اقفلوا باب التفاوض. قال أحد كبار مسؤوليهم: «اللواء عباس ابراهيم كان الضامن للصفقة. نحن ساعدناه لاتمامها. اذا خذله الخاطفون لا علاقة لنا بالامر. لن نقبل بأي شرط اضافي رغم حرصنا الكبير على اطلاق سراح الراهبات وكل مخطوف وحرصنا على انجاح مهمته». بقي ابراهيم على تواصل لحظة بلحظة مع المملوك وعلى تواصل آخر مع مدير الاستخبارات القطرية سعاده الكبيسي الذي رافقه في تلك الصفقة. تخللت التعقيد تسريبات سورية تقول ان احدا لم ولن يقابل المسؤول القطري لأن الوقت لم يحن بعد. قيل ايضا ان على الدوحة أن تبدي تحولاً جدياً قبل التفكير بفتح خطوط. لا تزال القيادة السورية تنظر الى قطر على انها ساهمت مع السعودية في سفك الدم السوري. ما جاء من قطر قبل معركة يبرود مهم. ما سيأتي لاحقاً قد يكون اهم. هل لعب اللواء ابراهيم دوراً؟ الصمت افضل. يدرك اللواء ابراهيم انه يسير فوق رمال متحركة. لا مكان لزلات القدم. حين استقبله الرئيس السوري بشار الاسد في أوج الازمة والخطر قيل كلام مهم. لم يكن اللقاء طويلا آنذاك. كان كافيا ليدرك المدير العام للامن العام اللبناني ان الاستراتيجية العسكرية والامنية السورية صلبة. مورست ضغوط غربية وعربية ولبنانية كثيرة عليه. ثمة من قدم له سيناريوهات لسقوط وشيك. كاد في لحظة معينة ان يصدق. تكثفت اللقاءات. فتحت ابواب اللواء المملوك واسعة امام ابراهيم. من الضروري اقناعه بأن النظام اقوى مما يعتقد خصومه. فتحت له الابواب بقدر ما اغلقت امام رئيس الجمهورية ميشال سليمان. اقفلت الى درجة ان اي تسريبة من ابراهيم لسليمان عن لقاء مع الاسد او غيره كادت تزعج. آنذاك توترت العلاقة بين اللواء ابراهيم والنائب وليد جنبلاط. اشترط عباس ان يزوره جنبلاط في مكتبه للمصالحة. تصالحا لاحقاً من دون الزيارة. الشاب الخمسيني، الانيق دائماً، المبتسم في احلك الظروف، الملتقط المعلومة كيفما شردت او وردت، يوازن السياسة الداخلية بموازين الذهب. رمال لبنان اخطر من رمال المنطقة. كبر دوره الى درجة نسي معها منتقدوه من قوى 14 كيف كسرت قدمه في رحلة مرافقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري من دمشق الى بيروت. بعضهم يذكر ويعترف بالجميل. من هؤلاء وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي رافقه ابراهيم الى المغرب فأثار حفيظة الحلفاء. اللواء القادم من مخابرات الجيش ومكافحة الارهاب والتجسس وصاحب الوساطات الكبيرة مع المخيمات الفلسطينية، له دور اكبر من مجرد الخطوط بين دمشق وبيروت. لا بد اذاً من ربط الخطوط من السعودية الى الخليج فايران واوروبا. التاريخ قد يكشف يوماً. سار اللواء عباس ابراهيم على رمال متحركة كثيرة، فالى اين يسير حالياً؟ اين يقف الامن عنده ومتى تبدأ السياسة؟ لماذا بدأت رسائل التشكيك تصل الى دمشق؟ من الذي لا يريد للواء اكثر من دور مدير عام للامن العام ؟ هل فعلا ان ثمة من نصحه بألا يغالي في دوره؟ ليس اللواء ابراهيم في حاجة الى شهرة اكثر. ليس في حاجة الى جاه او مال. عنده ما انعم الله ويكفي. لكن ماذا لو كان خلف كل ذلك طموح أكبر؟ اين تقف دمشق فعلا لو كانت لها كلمتها؟ بين عين التينة والمتحف المسافة قصيرة. وبينهما رمال متحركة كثيرة. في التكتيك تحتاج دمشق حلفاء من نمط معين، وفي الاستراتيجيات الكبرى تحتاج لحلفاء التوازنات. بعد يبرود قد تقصر الطرقات اكثر بين دمشق وبيروت. هل تختار عين التينة رغم العتب، ام المتحف رغم الخطر؟

المصدر : الأخبار /سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة