ماذا يحمل الرئيس الأميركي باراك أوباما في جعبته إلى المملكة العربية السعودية؟ وهل ستخرج هذه الزيارة المرتقبة بنتائج سياسية ملموسة؟ وماذا ستكون انعكاساتها على الأزمات الممتدّة من دمشق إلى القاهرة وما بينهما بغداد والمنامة وصنعاء وبيروت؟

 يقول ديبلوماسي غربي على دراية بالسياسات الأميركية في المنطقة إنّ الزيارة ستشهد «مجاملات» وكلاماً ديبلوماسياً مُرضياً في الشكل للمملكة، من دون أن يعني ذلك خروجاً أميركيّاً عن سياسة «إحتواء طهران».

 واشنطن رسمَت سياسة قامت على التفاهم «حيث أمكن» مع إيران، وإرجاء النقاط العالقة، ومنها القضية الفلسطينية وبعض تعقيدات الأزمة السورية، إلى وقت لاحق، وربّما إلى إدارة لاحقة. وسعيها لتأكيد «التحالف» مع السعودية لن يكون على حساب ما أُنجِز في هذا الملف حتى الآن.

 الولايات المتحدة منذ أحداث 11 أيلول 2001، تفصل بين التزاماتها الأمنية المتعلقة بحماية السعودية داخليّاً ومنع أيّ اعتداء خارجي عليها، وبين السلوك السياسي للرياض خارجيّاً ونتائج هذا السلوك. لقد ظهر التباين السعودي ـ الاميركي جليّاً في أكثر من محطة وموقف مفصلي. آخر هذه التباينات ظهر في مصر وسوريا ونظرة البلدين المتفاوتة في التعامل مع الأزمة في هاتين الدولتين العربيتين الكبيرتين.

 سيحاول أوباما «امتصاص» الغضب السعودي حيال واشنطن، والذي وصل إلى حدودٍ غير مسبوقة في تعبيرات وتصريحات قادة المملكة وأمرائها ومسؤوليها، وسيشرح للقيادة السعودية «بعد طمأنتِها» مسارَ التوافقات الأميركية ـ الإيرانية، ورؤية واشنطن لمستقبل المنطقة في ظِلّ النزاعات القائمة والاشتباك المندلع على مستوى الإقليم.

 وفي المعلومات أنّ في جعبته جملة نقاط سيثيرها مع المسؤولين السعوديّين، وتتلخّص بالآتي:

 أوّلاً، البحث في الملف العراقي والطلب الى الرياض عدم استكمال دعمها للجماعات التي تعارض حكومة الرئيس نوري المالكي.

 ثانياً، توضيح الموقف الأميركي «العاجز» في سوريا، والمتمثل في عدم قدرة واشنطن على إنجاز فارق سياسي أو عسكري يخدم حلفاءَها، ومنهم الرياض، في هذا الملف. مع الاعتقاد أنّه سيشجّع الرياض على استكمال خطواتها المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتي يعتقد أنّها جاءت تمهيداً للزيارة.

 ثالثاً، التأكيد أنّ التفاهم الايراني ـ السعودي في حدود معيَّنة يريح الولايات المتحدة ويساعد في معالجة أزمات ذات صِلة بالنزاع بين إيران والسعودية من البحرين الى اليمن الى لبنان. وقد يكون اختبار التفاهم في لبنان عبر حكومة الرئيس تمّام سلام مقدّمة لتفاهمات مقبلة على أكثر من مستوى.

رابعاً، الملف المصري وانعكاسه على الأمن الاقليمي العربي والمتصل بشمال أفريقيا، ومستقبل اتّفاق السلام بين القاهرة وتل أبيب.

 خامساً، القضية الفلسطينية والأفكار التي حملها وزير الخارجية جون كيري الى إسرائيل ورام الله، ونتائج زيارة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الى واشنطن.

 وفي هذا الجانب يبدو أن ليس أمام واشنطن ما تقدّمه في ظلّ الخلاف الاميركي ـ الاسرائيلي حول مسار عملية السلام، وليس في برنامج وواقع السعودية الطامحة لتحقيق مكاسب في هذا الجانب تُحسَب على وزنها الإقليمي سوى «المبادرة العربية للسلام»، ويبدو أنّ الأحداث والظروف العربية والإقليمية والدولية قد تجاوزتها.

 إلى هذه السلّة السياسية المتداخلة والمترابطة، يُعرب الديبلوماسي الغربي عن يقينه بأنّ اوباما سيثير مع القادة السعوديّين الأوضاع الداخلية ومستقبل الحكم، في ظلّ ارتفاع أسهُم الامير محمد بن نايف بن عبد العزيز، والذي يُعتبر حليفاً رئيسياً لواشنطن، خصوصاً في ملفّ مكافحة الإرهاب، وإليه تنسَب السياسات السعودية الجديدة في ما يخصّ الأزمة السورية وقتال السعوديين فيها واستصدار فتاوى ومقرّرات رسمية تحظّر القتال خارج المملكة.

 في المحصّلة، لا رصيد سياسيّاً جدّياً لهذه الزيارة، سوى قدرة أوباما على نقل عدوى «البراغماتية» الأميركية إلى المسؤولين السعوديّين، بحيث تخفّف الرياض من تشدّدها في ملفّاتٍ باتت جاهزة في نظر الاميركي لتصبح داخل دائرة التسوية، وإنشاء نظام إقليمي شرق أوسطي جديد.

  • فريق ماسة
  • 2014-03-12
  • 10753
  • من الأرشيف

أوباما في الرياض: زيارة النقاط الخمس

ماذا يحمل الرئيس الأميركي باراك أوباما في جعبته إلى المملكة العربية السعودية؟ وهل ستخرج هذه الزيارة المرتقبة بنتائج سياسية ملموسة؟ وماذا ستكون انعكاساتها على الأزمات الممتدّة من دمشق إلى القاهرة وما بينهما بغداد والمنامة وصنعاء وبيروت؟  يقول ديبلوماسي غربي على دراية بالسياسات الأميركية في المنطقة إنّ الزيارة ستشهد «مجاملات» وكلاماً ديبلوماسياً مُرضياً في الشكل للمملكة، من دون أن يعني ذلك خروجاً أميركيّاً عن سياسة «إحتواء طهران».  واشنطن رسمَت سياسة قامت على التفاهم «حيث أمكن» مع إيران، وإرجاء النقاط العالقة، ومنها القضية الفلسطينية وبعض تعقيدات الأزمة السورية، إلى وقت لاحق، وربّما إلى إدارة لاحقة. وسعيها لتأكيد «التحالف» مع السعودية لن يكون على حساب ما أُنجِز في هذا الملف حتى الآن.  الولايات المتحدة منذ أحداث 11 أيلول 2001، تفصل بين التزاماتها الأمنية المتعلقة بحماية السعودية داخليّاً ومنع أيّ اعتداء خارجي عليها، وبين السلوك السياسي للرياض خارجيّاً ونتائج هذا السلوك. لقد ظهر التباين السعودي ـ الاميركي جليّاً في أكثر من محطة وموقف مفصلي. آخر هذه التباينات ظهر في مصر وسوريا ونظرة البلدين المتفاوتة في التعامل مع الأزمة في هاتين الدولتين العربيتين الكبيرتين.  سيحاول أوباما «امتصاص» الغضب السعودي حيال واشنطن، والذي وصل إلى حدودٍ غير مسبوقة في تعبيرات وتصريحات قادة المملكة وأمرائها ومسؤوليها، وسيشرح للقيادة السعودية «بعد طمأنتِها» مسارَ التوافقات الأميركية ـ الإيرانية، ورؤية واشنطن لمستقبل المنطقة في ظِلّ النزاعات القائمة والاشتباك المندلع على مستوى الإقليم.  وفي المعلومات أنّ في جعبته جملة نقاط سيثيرها مع المسؤولين السعوديّين، وتتلخّص بالآتي:  أوّلاً، البحث في الملف العراقي والطلب الى الرياض عدم استكمال دعمها للجماعات التي تعارض حكومة الرئيس نوري المالكي.  ثانياً، توضيح الموقف الأميركي «العاجز» في سوريا، والمتمثل في عدم قدرة واشنطن على إنجاز فارق سياسي أو عسكري يخدم حلفاءَها، ومنهم الرياض، في هذا الملف. مع الاعتقاد أنّه سيشجّع الرياض على استكمال خطواتها المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتي يعتقد أنّها جاءت تمهيداً للزيارة.  ثالثاً، التأكيد أنّ التفاهم الايراني ـ السعودي في حدود معيَّنة يريح الولايات المتحدة ويساعد في معالجة أزمات ذات صِلة بالنزاع بين إيران والسعودية من البحرين الى اليمن الى لبنان. وقد يكون اختبار التفاهم في لبنان عبر حكومة الرئيس تمّام سلام مقدّمة لتفاهمات مقبلة على أكثر من مستوى. رابعاً، الملف المصري وانعكاسه على الأمن الاقليمي العربي والمتصل بشمال أفريقيا، ومستقبل اتّفاق السلام بين القاهرة وتل أبيب.  خامساً، القضية الفلسطينية والأفكار التي حملها وزير الخارجية جون كيري الى إسرائيل ورام الله، ونتائج زيارة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الى واشنطن.  وفي هذا الجانب يبدو أن ليس أمام واشنطن ما تقدّمه في ظلّ الخلاف الاميركي ـ الاسرائيلي حول مسار عملية السلام، وليس في برنامج وواقع السعودية الطامحة لتحقيق مكاسب في هذا الجانب تُحسَب على وزنها الإقليمي سوى «المبادرة العربية للسلام»، ويبدو أنّ الأحداث والظروف العربية والإقليمية والدولية قد تجاوزتها.  إلى هذه السلّة السياسية المتداخلة والمترابطة، يُعرب الديبلوماسي الغربي عن يقينه بأنّ اوباما سيثير مع القادة السعوديّين الأوضاع الداخلية ومستقبل الحكم، في ظلّ ارتفاع أسهُم الامير محمد بن نايف بن عبد العزيز، والذي يُعتبر حليفاً رئيسياً لواشنطن، خصوصاً في ملفّ مكافحة الإرهاب، وإليه تنسَب السياسات السعودية الجديدة في ما يخصّ الأزمة السورية وقتال السعوديين فيها واستصدار فتاوى ومقرّرات رسمية تحظّر القتال خارج المملكة.  في المحصّلة، لا رصيد سياسيّاً جدّياً لهذه الزيارة، سوى قدرة أوباما على نقل عدوى «البراغماتية» الأميركية إلى المسؤولين السعوديّين، بحيث تخفّف الرياض من تشدّدها في ملفّاتٍ باتت جاهزة في نظر الاميركي لتصبح داخل دائرة التسوية، وإنشاء نظام إقليمي شرق أوسطي جديد.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة