دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ربما إقترب الوقت لكي يقدم الأخضر الإبراهيمي إستقالة تردد المبعوث المشترك طويلاً في تقديمها. كل الأمور عادت إلى التأزم، والقرم أزمة تهدد تفاهم لافروف-كيري على عملية جنيف.
في القراءات المتاحة لما يجري حالياً، وبعد ربع قرن تقريباً من زحف الناتو شرقاً، يشعر حلف شمال الأطلسي أن السيطرة على أوكرانيا وشبه جزيرة القرم تحديداً سيحرم روسيا أي فرصة لإعادة إنشاء إمبراطورية دامت قرابة 80 عاماً. معظم سواحل البحر الأسود باتت في قبضته، من مولدوفا إلى رومانيا وبلغاريا وتركيا وجورجيا. أصبح البحر الأسود يشبه البحيرة الغربية تقريباً. وإلى الشرق تحولت الدول الواقعة إلى الجنوب من الإتحاد الروسي في غالبيتها خاضعة للنفوذ الغربي. كلها عدا أرمينيا. الغرب توغل حتى مونغوليا وأقام مشاريع إقتصادية وأمنية وطاقوية لربطها بأوروبا وبمصالحه محاصراً روسيا والصين وإيران في آن معاً. صحيح أنها ليست كلها صلبة، لكن يكفي أن تحتل جزراً من النفوذ لكي تقيم قواعد تنطلق منها وتعمل على توسيعها مع الزمن إذا سمح لك الخصم بذلك. يتمسك الروس بصلات قوية مع أقليات في المنطقة مثل أرمينيا وأبخازيا وبعض الكرد، لكن لم يعد لهم فعلياً سيطرة كاملة على أحد.
وإذا كان الدب جريحاً فلا يطمع من الذئاب برحمةٍ أو ينتظر منها أن تمنحه فرصة لكي يتعافى. والثأر بين الروس والغرب كبير في الأزمة السورية. لذلك، فإن المساعي التي تبذل حالياً من أجل تفاهم خشية إنزلاق الأزمة نحو المواجهة ما هي إلا لإقناع الروس بالتنازل سلمياً وتقليل الكلفة على اليمين الأوكراني والحليف الأوروبي لضم أوكرانيا نهائياً إلى البوتقة الشرقية بدل خوض صراع ينطوي على الكثير من المخاطر. ربما لا يستطيع الغرب الدخول مباشرة في مواجهة داخل أوكرانيا، لكن يمكن إستنزاف الروس في الصراع هناك طويلاً. من الصعب عودة الأمور إلى ما كانت عليه لأن الأوكرانيين أيضاً منقسمين. الأغلبية مع الجانب الطامع بالإلتحاق بالإتحاد الأوروبي.
الأميركيون حذرون في تصريحاتهم، ويتركون الباب موارباً للحوار بعد التحذيرات والتهديدات المخففة عن طرد من مجموعة الثمان وفرض عقوبات إقتصادية على روسيا. الكل يعلم أن روسيا قادرة على الردّ على العقوبات بمعاقبة أوروبا نفسها في إمدادات الطاقة. لكن الأميركي يعتمد على إستفزاز روسيا بواسطة الحكومات الأوروبية لا سيما ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. هذه الدول التي تتردد أصلاً في ضم أوكرانيا بسبب كثافتها السكانية المعطلة عن العمل، رفعت نبرتها وباتت تهدد بإسم معاهدة بودابست وغيرها حول حماية إستقلال أوكرانيا. إنه تحدٍ يستفيد منه الأميركيون في التفاوض. لم يفعل الأميركيون الشيء نفسه، لأنهم في نهاية الأمر هم الذين سيحسمون المفاوضات مع الروس. يزبد الأوروبيون ويتوعدون، لكن التفاهم في نهاية المطاف يكون على مستوى واشنطن.
أما في الجانب الروسي فالأمور وصلت إلى أقصى الحدود. روسيا خسرت بحر البلطيق شمالاً بعد فقدان دول البلطيق لصالح الإتحاد الأوروبي والحلف الاطلسي. لم تعد منافذها على المحيط الأطلسي من ذاك المحيط مأمونة. جميعها تمر تحت رحمة أساطيل حلف شمال الأطلسي. وفي الجانب الشرقي من العالم، ميناؤها الوحيد في شبه جزيرة كمتشتكا، فلاديفوستوك، يبقى أسير القواعد الأميركية في كوريا الجنوبية واليابان التي تقع تحت السيطرة الأميركية إذا أبحرت البوارج في إتجاه حوض المحيط الهاديء. والوضع في البحر الأسود المختنق بالبوسوفور والدردنيل معروف. من هنا تصبح سوريا والقرم بيضة القبّان في المعادلة الروسية الإستراتيجية ولم يعد في وسعها تقبل خسارة واحدة لأنها قد تكون القشة التي تقسم ظهر البعير.
الروسي مضطر للتشبث بمواقفه ومواقعه مهما بلغ الأمر. لأن التراجع عن هذه المواقع سيفقده ليس هيبته كدولة عظمى وحسب، بل أيضاً سيهدد الداخل الروسي الذي يئن بالكثير من المشاكل والأوجاع العرقية والدينية المتوارثة. كما أن الغرب نخر روسيا من الداخل بثقافته وشركاته وعلاقاته وشبكاته. لم تعد روسيا تقدم أيديولوجيا جامعة تعوض عن كل هذا.
أنه وضع يحتاج إعادة رسم التحالفات الدولية. ربما آن الأوان للتعويل أكثر على إيقاض التحالفات القديمة التي خسرتها روسيا من باندونغ إلى الكونغو. مصر كانت قاعدة رئيسة وكذلك ليبيا. وربما آن الأوان لرفع مستوى التحالف مع إيران التي تطل على كل المواقع التي توجع الغرب من تركيا والبحر المتوسط إلى المحيط الهندي. بعض هذه المواقع كالسعودية تعمل في السر والعلن على توقيض موقع روسيا وتبدي إستعدادا لتمويل حكومة كييف لتلك الغاية.
لكن المؤكد في الوقت الراهن أن التفاهم على حل للأزمة السورية لم يعد أولوية. وإذا كان الإبراهيمي سيأتي إلى نيويورك ليحيط مجلس الأمن الدولي في 13 آذار الحالي حول مسار المفاوضات وآفاقها بين الحكومة السورية والإئتلاف السوري المهجّن، فإن كل يوم تطول فيه الأزمة الأوكرانية تقصر في عمر تفويض الأخضر الإبراهيمي وآماله. لم يعد في جعبة الرجل إلا التفاهم بين لافروف وكيري. فكل جلسات الحوار في جنيف 2 لم تسفر عن الإتفاق على جدول الأعمال. والوزيران الأميركيان والإثنان يحتاجان لفك الإرتباط بين طرطوس والقرم بعد أن باتت الأزمتان الأوكرانية والسورية متشابكتان في الجغرافيا والإستراتيجيا. ليست روسيا والشرق الأوسط عند منعطف تاريخي خطر وحسب، بل العالم بأسره يجب أن يحبس أنفاسه للخروج من هذا النفق. إنها لعبة الأطباق الراقصة مجدداً تغزل فوق عصي ربما لا يستطيع بهلوانها معالجة المزيد منها قبل أن تبدأ السقوط تباعاً. يالطا مثلت نهاية مرحلة وحرب وكانت في القرم. ومن القرم تبدأ مرحلة وربما حرب مفصلية أخرى.
مطلعون أكدوا أن الإبراهيمي عازم على تقديم الإستقالة ما لم يطرأ تقدم كبير في الأيام القليلة المقبلة.
المصدر :
نزار عبود
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة