تمتد الممرات والمعابر التي يستخدمها المسلحون للتسلل من وإلى الغوطة الشرقية عبر مربع عدرا – ميدعة – العتيبة  – الضمير، على مساحة طولها ألف متر، بين معملين رئيسيين يقعان في المنطقة، ولعل أشهر الكمائن التي سقط فيها ما يقارب ٦٥ مسلحاً هو ذاك الذي وقع على مقربة من مكان الكمين الأكبر الأخير، الذي أصبح الأول لجهة عدد القتلى والأول الذي عرضت مشاهد من لحظات تفجيره على وسائل الإعلام.

تعداد المسلحين جاوز الثلاثمائة، كان القطار عبارة عن قسمين رئيسيين، أحدهما يضم فرقة الاستطلاع، والثاني هو «مسير القافلة» الذي تقدمه «الاستطلاع» بمسافة طويلة لابأس بها، وكان لا بد من مرور فرقة الاستطلاع وغيابها عن مدى النظر وانتظار وقت قليل حتى ظهور باقي المسلحين المشاركين في عملية التسلل، أي أن المسافة الأولى بين فرقة الاستطلاع والآخرين كانت دقيقة في الحسابات العسكرية، وتسمح لهم باستطلاع الطريق بوقت كافٍ قبل وصول العدد الأكبر منهم إلى أي نقطة خطرة، حتى تلك اللحظة كان التصرف منطقياً من الناحية العسكرية لمسير مؤلف من مجموعة كبيرة من المقاتلين.

لكن الذي حصل أنه وبعد التفاف المسير بشكل مفاجئ قبل وصوله الى خط السكة، واتخاذه الجانب الجنوبي منها تجمع الرتل بشكل ملاصق، جلسوا قليلاً في مكان لا يمكن متابعتهم منه، قبل أن يعودوا ويطلوا محافظين على نفس المسافة اللصيقة التي دخلوا بها ما بعد خط السكة !.

طرح التفاف المسلحين وتغييرهم المفاجئ لطريقهم اكثر من علامة استفهام، حتى ظن من يترصدهم بأنهم غيروا تماماً وجهة سيرهم، الأمر الذي اصابهم بالإحباط لوقت غير قصير، لكن متابعتهم بعد الاستراحة «الغامضة» لمسيرهم باتجاه نقطة «المقتل»، ومكان زرع العبوات أعاد الأمل الى الوجوه المنتظرة على الطرف الآخر للمكان.

أسئلة اضافية يطرحها كل من تابع تفاصيل الكمين، سواء تلك التي تم عرضها على الشاشة، أو كتبت هنا وهناك، فالحديث يتركز عن عبور المسلحين لمنطقة محددة سبق وحصل فيها عشرات الكمائن المشابهة، والتي ورغم علم «قيادات المسلحين»، بخطورتها، أصرت على إرسالهم عبرها، وبالتحديد منطقة العبارات البعيدة إلى الجنوب عن خط السكة، أي المنطقة الأخطر بين كافة ممرات التسلل في المنطقة، وفي لحظة دقيقة وبشكل غير مفهوم قرر أحدهم أن يكون هناك استراحة قبل مكان التفجير، دفعت المسلحين الى التجمع في نقطة ضيقة، ثم معاودة المسير في قطار ملتصق بعضه ببعض..

قد يغفر الظلام لمن اتخذ هذا القرار، لكن تضييق المسافات الى ما دون الحد الأدنى، مسألة لا تُغتفر.

ماذا عن التوقيت، وتأخر الرتل في التحرك لما بعد منتصف الليل، مع العلم أن ساعات ما قبل منتصف الليل تمنحهم وقتاً اضافياً للعبور قبل الوقوع بخطر «إنشقاق ضوء الفجر» وهم لا يزالون في البادية المفتوحة على «اللاشيء»، وماذا عن تعدد الاستراحات في وقت يحتاج فيه رتل بهذا الحجم لإستغلال كل دقيقة وثانية لعبور النقطة «الخطرة»، والوصول ضمن حدود الظلام الى القاطع الآخر البعيد عن بحيرة العتيبة للصرف الصحي!.

أيضاً وأيضاً، تتراكم الأسئلة التي لا مفر سيواجه بها المسلحون قياداتهم، فما حصل كان بالمفهوم العسكري «مجزرة»، ارتكبها إما «أغبياء» أو «خونة»، فبغض النظر عن مصدر معلومات «المُترصد بالعبوات» لهم، يبقى السؤال الصعب: «من من القيادات قرر أن يمر الرتل عبر العباراتين الأكثر رصداً من قبل قوات الجيش السوري ووحدات الدفاع في المنطقة، التي يتواجد فيها بعلمهم، مجموعة كبيرة من رشاشات الـ ٢٣ ملم، مدافع الشيلكا، بالإضافة الى أنواع متعددة من الصواريخ المباشرة التي لطالما حصدت مجموعات المسلحين التي اقتربت مهاجمة أو متسللة باتجاه نقاط الجيش السوري هناك؟».

حجم العبوات الضخم طرح أسئلة من نوع آخر، ووجه الأنظار نحو فلسطين المحتلة، حيث عادة ما تهتز «مكاتب» عديدة، لسماع هذا النوع من الأخبار، خاصة وأن العبوة ليست بعيدة عن «أسلوب المقاومة»، كما أنها في الشكل والكم والتقنيات، تعيد ذكريات أليمة الى العقل الصهيوني المسكون بهاجس «حزب الله»، فمن كمين انصارية إلى كمين مرجعيون إلى عشرات الكمائن المفخخة الأخرى التي نفذت على معابر الأودية ومفارق القرى الجنوبية الحدودية، كان ولا يزال للعدو مع المقاومين «سجل ذكريات» مفتوح على الوجع.

وهنا الجميع متأكد، من أن الإسرائيلي قد فتح عينيه على اتساع أحداقه، والصق أذنيه بكافة وسائل الإرسال والاستقبال، ولعل في أحد المكاتب من لا يزال يعيد مشاهد كمين العتيبة مراراً وتكراراً، حتى تلف الشريط، يحاول تقدير نوع العبوة وكيفية «تشريكها»، وهو بالتأكيد يحاول تحليل طيف الصورة ملياً، لمعرفة أنواع التقنيات الحديثة التي وصلت الى أيدي المقاومين وحلفائهم، متسائلاً عن ما يتم استخدامه في الميدان السوري، وما يمكن أن يواجهه قريباً في لبنان، ولعله سيسارع الى احتساب الزمن الباقي قبل المواجهة القادمة، ليعرف بالتقريب والقياس، حجم العبوة التي ستنتظره يوماً ما، على أحد الطرق .. من فلسطين إلى لبنان، أو العكس ! من يعلم ؟!

  • فريق ماسة
  • 2014-03-01
  • 11732
  • من الأرشيف

كمين العتيبة: مصير المسلحين بيد «أغبياء أم خونة»، ماذا عن «إسرائيل»؟

تمتد الممرات والمعابر التي يستخدمها المسلحون للتسلل من وإلى الغوطة الشرقية عبر مربع عدرا – ميدعة – العتيبة  – الضمير، على مساحة طولها ألف متر، بين معملين رئيسيين يقعان في المنطقة، ولعل أشهر الكمائن التي سقط فيها ما يقارب ٦٥ مسلحاً هو ذاك الذي وقع على مقربة من مكان الكمين الأكبر الأخير، الذي أصبح الأول لجهة عدد القتلى والأول الذي عرضت مشاهد من لحظات تفجيره على وسائل الإعلام. تعداد المسلحين جاوز الثلاثمائة، كان القطار عبارة عن قسمين رئيسيين، أحدهما يضم فرقة الاستطلاع، والثاني هو «مسير القافلة» الذي تقدمه «الاستطلاع» بمسافة طويلة لابأس بها، وكان لا بد من مرور فرقة الاستطلاع وغيابها عن مدى النظر وانتظار وقت قليل حتى ظهور باقي المسلحين المشاركين في عملية التسلل، أي أن المسافة الأولى بين فرقة الاستطلاع والآخرين كانت دقيقة في الحسابات العسكرية، وتسمح لهم باستطلاع الطريق بوقت كافٍ قبل وصول العدد الأكبر منهم إلى أي نقطة خطرة، حتى تلك اللحظة كان التصرف منطقياً من الناحية العسكرية لمسير مؤلف من مجموعة كبيرة من المقاتلين. لكن الذي حصل أنه وبعد التفاف المسير بشكل مفاجئ قبل وصوله الى خط السكة، واتخاذه الجانب الجنوبي منها تجمع الرتل بشكل ملاصق، جلسوا قليلاً في مكان لا يمكن متابعتهم منه، قبل أن يعودوا ويطلوا محافظين على نفس المسافة اللصيقة التي دخلوا بها ما بعد خط السكة !. طرح التفاف المسلحين وتغييرهم المفاجئ لطريقهم اكثر من علامة استفهام، حتى ظن من يترصدهم بأنهم غيروا تماماً وجهة سيرهم، الأمر الذي اصابهم بالإحباط لوقت غير قصير، لكن متابعتهم بعد الاستراحة «الغامضة» لمسيرهم باتجاه نقطة «المقتل»، ومكان زرع العبوات أعاد الأمل الى الوجوه المنتظرة على الطرف الآخر للمكان. أسئلة اضافية يطرحها كل من تابع تفاصيل الكمين، سواء تلك التي تم عرضها على الشاشة، أو كتبت هنا وهناك، فالحديث يتركز عن عبور المسلحين لمنطقة محددة سبق وحصل فيها عشرات الكمائن المشابهة، والتي ورغم علم «قيادات المسلحين»، بخطورتها، أصرت على إرسالهم عبرها، وبالتحديد منطقة العبارات البعيدة إلى الجنوب عن خط السكة، أي المنطقة الأخطر بين كافة ممرات التسلل في المنطقة، وفي لحظة دقيقة وبشكل غير مفهوم قرر أحدهم أن يكون هناك استراحة قبل مكان التفجير، دفعت المسلحين الى التجمع في نقطة ضيقة، ثم معاودة المسير في قطار ملتصق بعضه ببعض.. قد يغفر الظلام لمن اتخذ هذا القرار، لكن تضييق المسافات الى ما دون الحد الأدنى، مسألة لا تُغتفر. ماذا عن التوقيت، وتأخر الرتل في التحرك لما بعد منتصف الليل، مع العلم أن ساعات ما قبل منتصف الليل تمنحهم وقتاً اضافياً للعبور قبل الوقوع بخطر «إنشقاق ضوء الفجر» وهم لا يزالون في البادية المفتوحة على «اللاشيء»، وماذا عن تعدد الاستراحات في وقت يحتاج فيه رتل بهذا الحجم لإستغلال كل دقيقة وثانية لعبور النقطة «الخطرة»، والوصول ضمن حدود الظلام الى القاطع الآخر البعيد عن بحيرة العتيبة للصرف الصحي!. أيضاً وأيضاً، تتراكم الأسئلة التي لا مفر سيواجه بها المسلحون قياداتهم، فما حصل كان بالمفهوم العسكري «مجزرة»، ارتكبها إما «أغبياء» أو «خونة»، فبغض النظر عن مصدر معلومات «المُترصد بالعبوات» لهم، يبقى السؤال الصعب: «من من القيادات قرر أن يمر الرتل عبر العباراتين الأكثر رصداً من قبل قوات الجيش السوري ووحدات الدفاع في المنطقة، التي يتواجد فيها بعلمهم، مجموعة كبيرة من رشاشات الـ ٢٣ ملم، مدافع الشيلكا، بالإضافة الى أنواع متعددة من الصواريخ المباشرة التي لطالما حصدت مجموعات المسلحين التي اقتربت مهاجمة أو متسللة باتجاه نقاط الجيش السوري هناك؟». حجم العبوات الضخم طرح أسئلة من نوع آخر، ووجه الأنظار نحو فلسطين المحتلة، حيث عادة ما تهتز «مكاتب» عديدة، لسماع هذا النوع من الأخبار، خاصة وأن العبوة ليست بعيدة عن «أسلوب المقاومة»، كما أنها في الشكل والكم والتقنيات، تعيد ذكريات أليمة الى العقل الصهيوني المسكون بهاجس «حزب الله»، فمن كمين انصارية إلى كمين مرجعيون إلى عشرات الكمائن المفخخة الأخرى التي نفذت على معابر الأودية ومفارق القرى الجنوبية الحدودية، كان ولا يزال للعدو مع المقاومين «سجل ذكريات» مفتوح على الوجع. وهنا الجميع متأكد، من أن الإسرائيلي قد فتح عينيه على اتساع أحداقه، والصق أذنيه بكافة وسائل الإرسال والاستقبال، ولعل في أحد المكاتب من لا يزال يعيد مشاهد كمين العتيبة مراراً وتكراراً، حتى تلف الشريط، يحاول تقدير نوع العبوة وكيفية «تشريكها»، وهو بالتأكيد يحاول تحليل طيف الصورة ملياً، لمعرفة أنواع التقنيات الحديثة التي وصلت الى أيدي المقاومين وحلفائهم، متسائلاً عن ما يتم استخدامه في الميدان السوري، وما يمكن أن يواجهه قريباً في لبنان، ولعله سيسارع الى احتساب الزمن الباقي قبل المواجهة القادمة، ليعرف بالتقريب والقياس، حجم العبوة التي ستنتظره يوماً ما، على أحد الطرق .. من فلسطين إلى لبنان، أو العكس ! من يعلم ؟!

المصدر : سلاب نيوز/علي عواضة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة