على الرغم من أن ما يحصل في أوكرانيا اليوم هو شأن داخلي، لا يجوز التدخل فيه من قبل أية دولة أخرى أو مجموعة دولية وفقاً لقوانين شرعة الامم المتحدة، وبأية ذريعة كانت، سواء لإنتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان أو لإخلال في المعايير الديمقراطية، وهو أيضا إستمرار للنزاع الذي لم يحسم فيها بعد بين القوى السياسية المختلفة والمتصارعة على السلطة.

وكما بدا أن من أبرز سمات هذا النزاع هو ثقافة التفرد والإقصاء والعزل التي تسود المجتمع السياسي الأوكراني والموروثة من تركة الأنظمة الشمولية، حيث يتبين وبما لا يدع مجالًا للشك أن إجراء الإنتخابات وحرية الترشح والتصويت فيها وحده لا يعني بالضرورة رسوخ قيم وثقافة ومبادئ الديمقراطية، والتي ترتكز في جوهرها على قبول الآخر المختلف والإختيار الإجباري للعيش معه على قاعدة أن الجميع شركاء في الوطن ومتساوون فيه بحق المواطنة والحقوق والواجبات فيه وأمام القانون.

وفي ظل هذه الازمة التي تجتاح أوكرانيا نجد مراقباً لها ولأحداثها ومدافعاً شرس عما يجري فيها من حراك لم يكن في الحسبان موجداً له مدخلاً ليرفع معنويات أتباعه رغم خساراتهم الكبيرة على كافة الاصعدة في الآونة الأخيرة، وآخرها كمين العتيبة في الغوطة الشرقية الذي أنجزه الجيش العربي السوري، وخلٌف 175 قتيلاً بالمجموعات المسلحة.

هذا المراقب والمدافع الشرس هو المعارضة السورية وكل من يشد على يدها ممن تعاهدوا على الوقوف بوجه محور المقاومة مهما كلفهم الثمن في سبيل اسقاطه كرماً لنجمة بني صهيون, هؤلاء وجدوا لهم الأمل الذي فقدوه، نظراً لعدم تحقق احلامهم بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد بسقوط الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، وظنوا ان احجار روسيا للدومينو ستقع الواحدة تلو الأخرى مرددين بينهم وبين انفسهم (الآن يانوكوفيتش وغداً الأسد)، متناسين ان الاسد ليس صنيعة روسية بل هو صنيعة شعبية سورية تهيأ وتربى في مدرسة والده حافظ الأسد، وبأنه صانع العاب لا لعبة كما اعتادوا ان يكونوا هم .

إن الحالة الأوكرانية بالنسبة الى روسيا تشبه الى حد بعيد الحالة اللبنانية بالنسبة الى سوريا، واذا كانت "ثورة الأرز" قد شكلت إنتصارا ذا قيمة لحملة الشالات البيضاء والحمراء أو فارقا بالنسبة للدور والنفوذ والمكانة السورية في لبنان رغم إصطفاف كل "عرب الإعتدال" وإسرائيل وأميركا والإسلام السياسي العالمي معهم!!

يمكن للثورة المستجدة الأوكرانية أن تحدث فارقا بالنسبة للدور الروسي في أوكرانيا, ومع أن كل ما يجري هناك لا يتعدى عن كونه (تمرين) في اللعبة الديمقراطية لترويض القوى السياسية هناك لإتقان اللعب بالسياسة، حيث أثبت المجتمع الأوكراني وخصوصا القيادات فيه، أقلها الى الآن، أنه عاجز عن ترسيخ مفهوم المواطنة الأوكرانية والمساواة فيها بين المكونات السكانية المتعددة والمتنوعة.

وعلينا ألا ننسى أن العلاقات الروسية الأميريكية من بعد الحرب الباردة وتحديدا منذ أن استعادت روسيا عافيتها ما بعد (البيروسترويكا) وعلى الأخص منذ تعميم مفهوم العولمة هي علاقات تضامنية وتكاملية تتبادلان فيها الأدوار والمواقف لضمان مصالحهما، وقد تجلى ذلك أكثر من مرة في التخلص والتملص من الحمولات الزائدة التي يسببها بعض الثقلاء والأغبياء المتحالفين مع هذه أو تلك... والوقت لايزال باكرا لإعطاء أمثلة عن هؤلاء الحلفاء عربيا.

وليس من الخطأ إعتبار الحالة الأوكرانية اليوم واحدة من هذه الحمولات يقابلها الحالة الجورجية منذ بعض الوقت.. وإن من يراهن على التنافس والصراع الروسي الأميريكي لتحقيق مصالح إقليمية أو جيوسياسية هو كمن يعتقد أنه قادر على إستمالة موزع أوراق اللعب في كازينو للقمار لكي يعطيه الكرت الرابح..

  • فريق ماسة
  • 2014-02-28
  • 9639
  • من الأرشيف

أعداء سورية الغرقى.. يتمسكون بالقشة الأوكرانية

 على الرغم من أن ما يحصل في أوكرانيا اليوم هو شأن داخلي، لا يجوز التدخل فيه من قبل أية دولة أخرى أو مجموعة دولية وفقاً لقوانين شرعة الامم المتحدة، وبأية ذريعة كانت، سواء لإنتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان أو لإخلال في المعايير الديمقراطية، وهو أيضا إستمرار للنزاع الذي لم يحسم فيها بعد بين القوى السياسية المختلفة والمتصارعة على السلطة. وكما بدا أن من أبرز سمات هذا النزاع هو ثقافة التفرد والإقصاء والعزل التي تسود المجتمع السياسي الأوكراني والموروثة من تركة الأنظمة الشمولية، حيث يتبين وبما لا يدع مجالًا للشك أن إجراء الإنتخابات وحرية الترشح والتصويت فيها وحده لا يعني بالضرورة رسوخ قيم وثقافة ومبادئ الديمقراطية، والتي ترتكز في جوهرها على قبول الآخر المختلف والإختيار الإجباري للعيش معه على قاعدة أن الجميع شركاء في الوطن ومتساوون فيه بحق المواطنة والحقوق والواجبات فيه وأمام القانون. وفي ظل هذه الازمة التي تجتاح أوكرانيا نجد مراقباً لها ولأحداثها ومدافعاً شرس عما يجري فيها من حراك لم يكن في الحسبان موجداً له مدخلاً ليرفع معنويات أتباعه رغم خساراتهم الكبيرة على كافة الاصعدة في الآونة الأخيرة، وآخرها كمين العتيبة في الغوطة الشرقية الذي أنجزه الجيش العربي السوري، وخلٌف 175 قتيلاً بالمجموعات المسلحة. هذا المراقب والمدافع الشرس هو المعارضة السورية وكل من يشد على يدها ممن تعاهدوا على الوقوف بوجه محور المقاومة مهما كلفهم الثمن في سبيل اسقاطه كرماً لنجمة بني صهيون, هؤلاء وجدوا لهم الأمل الذي فقدوه، نظراً لعدم تحقق احلامهم بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد بسقوط الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، وظنوا ان احجار روسيا للدومينو ستقع الواحدة تلو الأخرى مرددين بينهم وبين انفسهم (الآن يانوكوفيتش وغداً الأسد)، متناسين ان الاسد ليس صنيعة روسية بل هو صنيعة شعبية سورية تهيأ وتربى في مدرسة والده حافظ الأسد، وبأنه صانع العاب لا لعبة كما اعتادوا ان يكونوا هم . إن الحالة الأوكرانية بالنسبة الى روسيا تشبه الى حد بعيد الحالة اللبنانية بالنسبة الى سوريا، واذا كانت "ثورة الأرز" قد شكلت إنتصارا ذا قيمة لحملة الشالات البيضاء والحمراء أو فارقا بالنسبة للدور والنفوذ والمكانة السورية في لبنان رغم إصطفاف كل "عرب الإعتدال" وإسرائيل وأميركا والإسلام السياسي العالمي معهم!! يمكن للثورة المستجدة الأوكرانية أن تحدث فارقا بالنسبة للدور الروسي في أوكرانيا, ومع أن كل ما يجري هناك لا يتعدى عن كونه (تمرين) في اللعبة الديمقراطية لترويض القوى السياسية هناك لإتقان اللعب بالسياسة، حيث أثبت المجتمع الأوكراني وخصوصا القيادات فيه، أقلها الى الآن، أنه عاجز عن ترسيخ مفهوم المواطنة الأوكرانية والمساواة فيها بين المكونات السكانية المتعددة والمتنوعة. وعلينا ألا ننسى أن العلاقات الروسية الأميريكية من بعد الحرب الباردة وتحديدا منذ أن استعادت روسيا عافيتها ما بعد (البيروسترويكا) وعلى الأخص منذ تعميم مفهوم العولمة هي علاقات تضامنية وتكاملية تتبادلان فيها الأدوار والمواقف لضمان مصالحهما، وقد تجلى ذلك أكثر من مرة في التخلص والتملص من الحمولات الزائدة التي يسببها بعض الثقلاء والأغبياء المتحالفين مع هذه أو تلك... والوقت لايزال باكرا لإعطاء أمثلة عن هؤلاء الحلفاء عربيا. وليس من الخطأ إعتبار الحالة الأوكرانية اليوم واحدة من هذه الحمولات يقابلها الحالة الجورجية منذ بعض الوقت.. وإن من يراهن على التنافس والصراع الروسي الأميريكي لتحقيق مصالح إقليمية أو جيوسياسية هو كمن يعتقد أنه قادر على إستمالة موزع أوراق اللعب في كازينو للقمار لكي يعطيه الكرت الرابح..

المصدر : المنار /جيانا رزوق


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة