لم ترمِ السعودية راية محاربة الرئيس بشار الأسد بعد. لم تزل تملك العديد من الخيارات والخطط البديلة. تفجيرا بئر حسن بالأمس رسالة واضحة:

  تسهيل تشكيل الحكومة في لبنان ليس إشارة رضوخ في سورية. مع تجميد تركيا نشاطاتها المعادية لسورية بعد زيارة رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى إيران، ومع التقدّم الكبير للجيش السوري في دمشق وريفَيها، تحرّكت السعودية مجدداً مستغلة تعثّر مفاوضات "جنيف 2"، نافضة الغبار عن خطط الطوارئ.

يتقدّم الجيش السوري بثبات نحو إتمام مهمة طرد المسلّحين من آخر معاقلهم في منطقة يبرود في جبال القلمون المتاخمة لجبال لبنان الشرقية. نداءات استغاثة أطلقها قادة الجماعات المسلّحة تدعو إلى إنقاذهم من مصير لاقاه رفاقهم في القصير من قبل.

 تكمن أهمية يبرود في موقعها الجغرافي المميّز على الطريق الدولي السريع الذي يربط دمشق بوسط البلاد والساحل الغربي. البلدة مهمة جداً للجماعات المسلّحة، لكونها تقع على خط إمداداتها القادمة من لبنان. هي آخر معقل للجماعات المسلّحة في ريف دمشق، ومفتاح سلسلة جبال القلمون الممتدة على طول الحدود مع لبنان.

 الجيش السوري

 لا يحتمل المسلّحون في سورية، ولا داعموهم، خسارة ثقيلة أخرى بوزن يبرود. تتقاطع المعلومات عند نقطة وحيدة، تفيد بأن حدثاً هاماً قيد التحضير عند الحدود الأردنية مع سورية. تشير المعلومات المتوافرة إلى أن محاولات تسخين جبهة درعاـ القنيطرة بدأت بالفعل. موقع محافظة درعا الجغرافي يمكّن المسلّحين من إسناد رفاقهم في القلمون عموماً ويبرود خصوصاً، بالدعم المطلوب للصمود. قرب درعا من دمشق يسهّل توفير الدعم العسكري واللوجستي للمسلّحين في ريف دمشق الجنوبي من خلال الطريق الدولية التي تربط دمشق بدرعا.

 تقول المعلومات إن الاستخبارات السعودية أعطت الضوء الأخضر لبدء إشغال الجيش السوري انطلاقاً من الجنوب. التحضيرات اللوجستية أصبحت شبه منتهية. معسكرات تدريب المسلّحين في الأردن وإيوائهم، تتحضّر على مدار الساعة. يعتبر الأردن امتداداً برّياً من السعودية نحو درعا السورية. تستغرق رحلة قوافل الإمدادات من داخل الأراضي السعودية إلى درعا مروراً بالأراضي الأردنية نحو 6 ساعات فقط.

 برز في الأيام القليلة الماضية حدث سياسي غير منفصل عن التحضيرات اللوجستية لجبهة الجنوب. وجّهت الاستخبارات السعودية المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر، بإقالة قائد هيئة الأركان العامة للجيش الحر اللواء سليم إدريس. عيّنت العميد الركن المظلي الفار، عبد الإله البشير النعيمي، بدلاً منه. ينحدر النعيمي من قرية الرفيد بمحافظة القنيطرة التي تبعد 60 كيلومترا جنوبي دمشق على الحدود مع مرتفعات الجولان السوري المحتل.

 تقول المعلومات إن النعيمي يتحضّر لضم بين 10 إلى 15 ألف مقاتل متعدّدي الجنسيات إلى قيادته. نقلت الاستخبارات السعودية المقاتلين، الذين لا يضمون في صفوفهم أي سعودي، من مراكز تدريبهم وتأهيلهم في باكستان، إلى المعسكرات الأردنية التي تشرف عليها على الحدود السورية. جُهّز المقاتلون الجدد بأسلحة باكستانية وأخرى سعودية، وتم تزويدهم بمئات الدبابات وناقلات الجند المدولبة، التي تناسب الطبيعة الجغرافية للمنطقة الممتدة من الأراضي الأردنية الحدودية إلى الداخل السوري عبر درعا التي تربطها بدمشق طريق دولية حاول المسلّحون السيطرة عليها مراراً. باكستان تنفّذ اليوم الجزء المرتبط بها من الصفقة التي أبرمتها الاستخبارات الباكستانية مع رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، خريف العام 2013.

 على الأرض، انطلق مسلّحون من "جبهة النصرة" و"جند الشام"، أمس، من مدينة بصرى الحرير في ريف درعا الشرقي، نحو شمال غرب مدينة السويداء، وهاجموا موقعاً للجيش السوري يُعرف باسم "كتيبة الكيمياء"، واستطاعوا السيطرة عليه. استطاع الجيش السوري، بعد ساعات، استرداد الموقع، غير أن هجوم المسلّحين أتى منسجماً مع هجمات مماثلة شُنّت في الأيام القليلة الماضية في مناطق متعدّد في محافظة درعا، أو انطلاقاً منها. هذه الهجمات تعتبر إرهاصات التسخين على الجبهة الجنوبية.

 لم تعد التحضيرات لفتح الجبهة الجنوبية، تجري سراً. تناقلت وسائل الإعلام أخيراً تصريحاً لقائد غرفة عمليات محافظة درعا الضابط الفار عبد الله الكرازي. قال الكرزاي بوضوح إن درعا هي المدخل إلى دمشق، وإن معركة دمشق تبدأ منها. كشف أن الدول الداعمة للحراك المسلّح في سورية أعطت ضمانات لتوريد الأسلحة المناسبة لهذه المعركة. وعد بكسر الحصار المفروض على الغوطتين الشرقية والغربية والوصول إلى قلب العاصمة، إذا وفت هذه الدول بوعودها.

 سياسياً، تحرص السعودية على تحميل الرئيس السوري بشّار الأسد، مسؤولية فشل مفاوضات "جنيف 2". تريد الرياض أن تبدو مُقنِعة في دفعها نحو خيار الحرب في الجنوب. يضع صنّاع القرار في البلاط الملكي السعودي سعيهم لفتح جبهة جديدة على الأرض انطلاقاً من درعا، في خانة إجبار الرئيس الأسد على تقديم التنازلات على طاولة المفاوضات. هناك ثقة سعودية بأن الكونغرس الأميركي سيفرض على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه سوريا. يتحدّث السعوديون بأريَحية عن خيارات سياسية أميركية جديدة ستشكّل صدمة للحكومة السورية. يمنّون النَفس، هناك في الصحراء، بتحوّلات نوعية على الأرض، تجبر الرئيس بشّار الأسد على تقديم تنازلات مؤلمة .

 استباق برود يبرود بتسخين جبهة الأردن

 خلال الأسبوعين الماضيين، كاد الأميركي إثر فشل مؤتمر جنيف حول سورية يشعل كل جبهات المواجهة مع حلف الاستقلال الوطني الذي تقوده روسيا عالمياً،فحيث يستطيع نفخ في نار الأزمات، كاستفزاز الصين باستقبال الرئيس الأميركي باراك أوباما للدالاي لاما، وحيث يملك القدرة حول الاحتقانات الشعبية والسياسية بوعود التدخل أوالحماية، إلى مواجهة في الشوارع وضعت بلاداً عديدة على شفا حرب أهلية كحال أوكرانيا وفنزويلا، وحيث يملك سياقات تفاوضية كحاله مع إيران، عاد إلى لغة التهديد والوعيد والحديث عن خيار الحرب فوق الطاولة مجدداً، وبقيت جبهة القتال والمواجهة المصيرية هي ما يجري في سورية، حيث حرب القلمون تسجل المزيد من التقدّم لحساب الجيش السوري بصورة حدّدت وجهة الأحداث المقبلة في هذه المنطقة الحساسة في توازنات المنطقة، وليس فقط في مستقبل المواجهة الدائرة في سورية وحولها، فكان الإمداد المعنوي الأميركي للمسلحين الذين يقاتلون الجيش هناك وغالبيتهم من جبهة النصرة وداعش والجبهة الإسلامية كتسميات مختلفة لبُنى تنظيم القاعدة. وترجم الأميركي هذا الإمداد بحرب دبلوماسية شهدها مجلس الأمن ولا يزال تحت عنوان الإمداد الإنساني وممرات آمنة، والتلويح بالعودة لمشروع مناطق الحظر الجوي مرة وتقديم السلاح النوعي للمسلحين مرة أخرى، لكن بقي المحور الأبرز هو المعلومات التي فاضت بها صفحات كبريات الصحف الأجنبية عن قيام المخابرات الأميركية والسعودية والأردنية بتجنيد وتنظيم وتسليح قرابة ثلاثين ألف مقاتل داخل الأراضي الأردنية تمهيدا للزجّ بهم عبر الحدود إلى داخل الأراضي السورية، ومواكبتهم بحماية منظومة صواريخ دفاع جويّ متطورة تسمح بتشكيل منطقة حظر جوي داخل سورية.

 محاولات التفافية

ميدانياً، سجلت مصادر عسكرية سورية لـ«البناء» تسلل مئات المسلحين نحو جبهة القُنيطرة في محاولات التفافية على محاور درعا، مستغربة الحديث عن الآلاف وعشرات الآلاف من دون تورّط أردني مباشر في حالة حرب مع سورية، خصوصاً أن مثل هذا العدد يستدعي تنظيماً وإمداداً وإسناداً نارياً للقيام بأي اختراق في ميادين القتال يستحيل دون استخدام نقاط الانطلاق داخل الأردن، كجبهة حرب لا يمكن للجيش والأمن الأردنيين التغاضي عنها واعتبارها شيئاً آخر غير إعلان الحرب، وفي هذه الحالة ستخرج الأمور عن السياق الذي عرفته في السنوات الماضية بين سورية وكلّ من جارَيْها الجنوبي والشمالي اللذين يقدمان الدعم للمسلحين ويتفاديان التورّط في حالة حرب .

وفيما أكدت المصادر حرص الجيش السوري على حصر المواجهة مع المسلحين داخل الأراضي السورية، استبعدت إمكان تفادي اشتعال الجبهة الحدودية مع الأردن مع أول طلقة مدفعية أو أرتال آلية أو أسلحة ثقيلة تعبر الحدود إلى سورية أو تتجه نحوها، متمنية أن تكون حسابات الحكومة الأردنية دقيقة كفاية لعدم الانزلاق إلى أسوأ تطوّر يمكن أن تحمله الأحداث التي تشهدها سورية، بعد نجاح محاولات ضبط النفس بتفادي هذا التطور الدراماتيكي .

وسجلت مصادر دبلوماسية متابعة للوضع على الحدود الأردنية ـ السورية خشيتها من أن يكون التحريض الأميركي والتصعيد السياسي والإعلامي والحشد الاستخباري يريد أن يفجّر الأردن من الداخل، عبر توريطه في المواجهة الحدودية المعلوم سلفاً ارتداداتها الداخلية في ظل الانقسام الحاد الذي يعيشه الأردن بين شرقه وغربه، تجاه ما تشهده سورية وضعف السلطة المركزية في شرق الأردن .

الأردن بين السعودية وواشنطن

وتساءلت المصادر عن مصلحة الأردن في هذا التورّط رغم إغراء المال السعودي ووهم الحماية الأميركية، إذا كانت النتيجة الحتمية التي ستؤدي إليها هذه المقامرة الملكية هي نقل فوضى الإرهاب لداخل الأردن وفتح المجال لتنظيم الأخوان المسلمين بجناحيه الأردني والفلسطيني بإحكام السيطرة على المدن وخروج الريف والبادية عن سيطرة الدولة، وصولاً للخراب والدمار اللذين تحملهما الحروب، فيما تعرف المخابرات الأردنية بما لديها من تقارير ومعلومات أن طريق التسويات يتقدم المشهد سريعاً، رغم حال التصعيد الذي لا يعدو كونه جزءاً من الشدّ والجذب في أوراق التفاوض، كما تقول التسويات التي ولدت فجأة مع إيران، وأدت لاتفاق الإطار الذي أنهى التجاذب حول الملفّ النوويّ الإيراني، وصاغ خارطة طريق للتفاهمات، وكما تقول التسوية التي ولدت أمس للأزمة الأوكرانية وأدت لطيّ مناخ التصعيد الذي كاد ينقل أوكرانيا نحو حرب أهلية .

الحدود كانت تشهد ليل أمس توتراً عالياً وحذراً شديداً كبرميل بارود يشعله عود ثقاب، في ما بدا أنه تصعيد هادف لتخفيف الضغط الذي يعيشه آلاف المقاتلين في جبهات القلمون التي بدأت حال التضعضع فيها، تثمر تقدماً ثابتاً لوحدات الجيش السوري على جبهتَي فليطا ويبرود، بما يجعل أي أمل بجبهات أخرى تخطف الاهتمام والضوء والجهد فرصة لهم للمزيد من الصمود، خصوصاً مع وصول الأنباء عن التغييرات التي شهدتها المخابرات السعودية وانتهت بكف يد مشغّل غالبية هذه الجماعات بندر بن سلطان .

  • فريق ماسة
  • 2014-02-21
  • 10844
  • من الأرشيف

المعابر الأردنية والمخازن الباكستانية تفتح أبوابها

لم ترمِ السعودية راية محاربة الرئيس بشار الأسد بعد. لم تزل تملك العديد من الخيارات والخطط البديلة. تفجيرا بئر حسن بالأمس رسالة واضحة:   تسهيل تشكيل الحكومة في لبنان ليس إشارة رضوخ في سورية. مع تجميد تركيا نشاطاتها المعادية لسورية بعد زيارة رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى إيران، ومع التقدّم الكبير للجيش السوري في دمشق وريفَيها، تحرّكت السعودية مجدداً مستغلة تعثّر مفاوضات "جنيف 2"، نافضة الغبار عن خطط الطوارئ. يتقدّم الجيش السوري بثبات نحو إتمام مهمة طرد المسلّحين من آخر معاقلهم في منطقة يبرود في جبال القلمون المتاخمة لجبال لبنان الشرقية. نداءات استغاثة أطلقها قادة الجماعات المسلّحة تدعو إلى إنقاذهم من مصير لاقاه رفاقهم في القصير من قبل.  تكمن أهمية يبرود في موقعها الجغرافي المميّز على الطريق الدولي السريع الذي يربط دمشق بوسط البلاد والساحل الغربي. البلدة مهمة جداً للجماعات المسلّحة، لكونها تقع على خط إمداداتها القادمة من لبنان. هي آخر معقل للجماعات المسلّحة في ريف دمشق، ومفتاح سلسلة جبال القلمون الممتدة على طول الحدود مع لبنان.  الجيش السوري  لا يحتمل المسلّحون في سورية، ولا داعموهم، خسارة ثقيلة أخرى بوزن يبرود. تتقاطع المعلومات عند نقطة وحيدة، تفيد بأن حدثاً هاماً قيد التحضير عند الحدود الأردنية مع سورية. تشير المعلومات المتوافرة إلى أن محاولات تسخين جبهة درعاـ القنيطرة بدأت بالفعل. موقع محافظة درعا الجغرافي يمكّن المسلّحين من إسناد رفاقهم في القلمون عموماً ويبرود خصوصاً، بالدعم المطلوب للصمود. قرب درعا من دمشق يسهّل توفير الدعم العسكري واللوجستي للمسلّحين في ريف دمشق الجنوبي من خلال الطريق الدولية التي تربط دمشق بدرعا.  تقول المعلومات إن الاستخبارات السعودية أعطت الضوء الأخضر لبدء إشغال الجيش السوري انطلاقاً من الجنوب. التحضيرات اللوجستية أصبحت شبه منتهية. معسكرات تدريب المسلّحين في الأردن وإيوائهم، تتحضّر على مدار الساعة. يعتبر الأردن امتداداً برّياً من السعودية نحو درعا السورية. تستغرق رحلة قوافل الإمدادات من داخل الأراضي السعودية إلى درعا مروراً بالأراضي الأردنية نحو 6 ساعات فقط.  برز في الأيام القليلة الماضية حدث سياسي غير منفصل عن التحضيرات اللوجستية لجبهة الجنوب. وجّهت الاستخبارات السعودية المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر، بإقالة قائد هيئة الأركان العامة للجيش الحر اللواء سليم إدريس. عيّنت العميد الركن المظلي الفار، عبد الإله البشير النعيمي، بدلاً منه. ينحدر النعيمي من قرية الرفيد بمحافظة القنيطرة التي تبعد 60 كيلومترا جنوبي دمشق على الحدود مع مرتفعات الجولان السوري المحتل.  تقول المعلومات إن النعيمي يتحضّر لضم بين 10 إلى 15 ألف مقاتل متعدّدي الجنسيات إلى قيادته. نقلت الاستخبارات السعودية المقاتلين، الذين لا يضمون في صفوفهم أي سعودي، من مراكز تدريبهم وتأهيلهم في باكستان، إلى المعسكرات الأردنية التي تشرف عليها على الحدود السورية. جُهّز المقاتلون الجدد بأسلحة باكستانية وأخرى سعودية، وتم تزويدهم بمئات الدبابات وناقلات الجند المدولبة، التي تناسب الطبيعة الجغرافية للمنطقة الممتدة من الأراضي الأردنية الحدودية إلى الداخل السوري عبر درعا التي تربطها بدمشق طريق دولية حاول المسلّحون السيطرة عليها مراراً. باكستان تنفّذ اليوم الجزء المرتبط بها من الصفقة التي أبرمتها الاستخبارات الباكستانية مع رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، خريف العام 2013.  على الأرض، انطلق مسلّحون من "جبهة النصرة" و"جند الشام"، أمس، من مدينة بصرى الحرير في ريف درعا الشرقي، نحو شمال غرب مدينة السويداء، وهاجموا موقعاً للجيش السوري يُعرف باسم "كتيبة الكيمياء"، واستطاعوا السيطرة عليه. استطاع الجيش السوري، بعد ساعات، استرداد الموقع، غير أن هجوم المسلّحين أتى منسجماً مع هجمات مماثلة شُنّت في الأيام القليلة الماضية في مناطق متعدّد في محافظة درعا، أو انطلاقاً منها. هذه الهجمات تعتبر إرهاصات التسخين على الجبهة الجنوبية.  لم تعد التحضيرات لفتح الجبهة الجنوبية، تجري سراً. تناقلت وسائل الإعلام أخيراً تصريحاً لقائد غرفة عمليات محافظة درعا الضابط الفار عبد الله الكرازي. قال الكرزاي بوضوح إن درعا هي المدخل إلى دمشق، وإن معركة دمشق تبدأ منها. كشف أن الدول الداعمة للحراك المسلّح في سورية أعطت ضمانات لتوريد الأسلحة المناسبة لهذه المعركة. وعد بكسر الحصار المفروض على الغوطتين الشرقية والغربية والوصول إلى قلب العاصمة، إذا وفت هذه الدول بوعودها.  سياسياً، تحرص السعودية على تحميل الرئيس السوري بشّار الأسد، مسؤولية فشل مفاوضات "جنيف 2". تريد الرياض أن تبدو مُقنِعة في دفعها نحو خيار الحرب في الجنوب. يضع صنّاع القرار في البلاط الملكي السعودي سعيهم لفتح جبهة جديدة على الأرض انطلاقاً من درعا، في خانة إجبار الرئيس الأسد على تقديم التنازلات على طاولة المفاوضات. هناك ثقة سعودية بأن الكونغرس الأميركي سيفرض على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه سوريا. يتحدّث السعوديون بأريَحية عن خيارات سياسية أميركية جديدة ستشكّل صدمة للحكومة السورية. يمنّون النَفس، هناك في الصحراء، بتحوّلات نوعية على الأرض، تجبر الرئيس بشّار الأسد على تقديم تنازلات مؤلمة .  استباق برود يبرود بتسخين جبهة الأردن  خلال الأسبوعين الماضيين، كاد الأميركي إثر فشل مؤتمر جنيف حول سورية يشعل كل جبهات المواجهة مع حلف الاستقلال الوطني الذي تقوده روسيا عالمياً،فحيث يستطيع نفخ في نار الأزمات، كاستفزاز الصين باستقبال الرئيس الأميركي باراك أوباما للدالاي لاما، وحيث يملك القدرة حول الاحتقانات الشعبية والسياسية بوعود التدخل أوالحماية، إلى مواجهة في الشوارع وضعت بلاداً عديدة على شفا حرب أهلية كحال أوكرانيا وفنزويلا، وحيث يملك سياقات تفاوضية كحاله مع إيران، عاد إلى لغة التهديد والوعيد والحديث عن خيار الحرب فوق الطاولة مجدداً، وبقيت جبهة القتال والمواجهة المصيرية هي ما يجري في سورية، حيث حرب القلمون تسجل المزيد من التقدّم لحساب الجيش السوري بصورة حدّدت وجهة الأحداث المقبلة في هذه المنطقة الحساسة في توازنات المنطقة، وليس فقط في مستقبل المواجهة الدائرة في سورية وحولها، فكان الإمداد المعنوي الأميركي للمسلحين الذين يقاتلون الجيش هناك وغالبيتهم من جبهة النصرة وداعش والجبهة الإسلامية كتسميات مختلفة لبُنى تنظيم القاعدة. وترجم الأميركي هذا الإمداد بحرب دبلوماسية شهدها مجلس الأمن ولا يزال تحت عنوان الإمداد الإنساني وممرات آمنة، والتلويح بالعودة لمشروع مناطق الحظر الجوي مرة وتقديم السلاح النوعي للمسلحين مرة أخرى، لكن بقي المحور الأبرز هو المعلومات التي فاضت بها صفحات كبريات الصحف الأجنبية عن قيام المخابرات الأميركية والسعودية والأردنية بتجنيد وتنظيم وتسليح قرابة ثلاثين ألف مقاتل داخل الأراضي الأردنية تمهيدا للزجّ بهم عبر الحدود إلى داخل الأراضي السورية، ومواكبتهم بحماية منظومة صواريخ دفاع جويّ متطورة تسمح بتشكيل منطقة حظر جوي داخل سورية.  محاولات التفافية ميدانياً، سجلت مصادر عسكرية سورية لـ«البناء» تسلل مئات المسلحين نحو جبهة القُنيطرة في محاولات التفافية على محاور درعا، مستغربة الحديث عن الآلاف وعشرات الآلاف من دون تورّط أردني مباشر في حالة حرب مع سورية، خصوصاً أن مثل هذا العدد يستدعي تنظيماً وإمداداً وإسناداً نارياً للقيام بأي اختراق في ميادين القتال يستحيل دون استخدام نقاط الانطلاق داخل الأردن، كجبهة حرب لا يمكن للجيش والأمن الأردنيين التغاضي عنها واعتبارها شيئاً آخر غير إعلان الحرب، وفي هذه الحالة ستخرج الأمور عن السياق الذي عرفته في السنوات الماضية بين سورية وكلّ من جارَيْها الجنوبي والشمالي اللذين يقدمان الدعم للمسلحين ويتفاديان التورّط في حالة حرب . وفيما أكدت المصادر حرص الجيش السوري على حصر المواجهة مع المسلحين داخل الأراضي السورية، استبعدت إمكان تفادي اشتعال الجبهة الحدودية مع الأردن مع أول طلقة مدفعية أو أرتال آلية أو أسلحة ثقيلة تعبر الحدود إلى سورية أو تتجه نحوها، متمنية أن تكون حسابات الحكومة الأردنية دقيقة كفاية لعدم الانزلاق إلى أسوأ تطوّر يمكن أن تحمله الأحداث التي تشهدها سورية، بعد نجاح محاولات ضبط النفس بتفادي هذا التطور الدراماتيكي . وسجلت مصادر دبلوماسية متابعة للوضع على الحدود الأردنية ـ السورية خشيتها من أن يكون التحريض الأميركي والتصعيد السياسي والإعلامي والحشد الاستخباري يريد أن يفجّر الأردن من الداخل، عبر توريطه في المواجهة الحدودية المعلوم سلفاً ارتداداتها الداخلية في ظل الانقسام الحاد الذي يعيشه الأردن بين شرقه وغربه، تجاه ما تشهده سورية وضعف السلطة المركزية في شرق الأردن . الأردن بين السعودية وواشنطن وتساءلت المصادر عن مصلحة الأردن في هذا التورّط رغم إغراء المال السعودي ووهم الحماية الأميركية، إذا كانت النتيجة الحتمية التي ستؤدي إليها هذه المقامرة الملكية هي نقل فوضى الإرهاب لداخل الأردن وفتح المجال لتنظيم الأخوان المسلمين بجناحيه الأردني والفلسطيني بإحكام السيطرة على المدن وخروج الريف والبادية عن سيطرة الدولة، وصولاً للخراب والدمار اللذين تحملهما الحروب، فيما تعرف المخابرات الأردنية بما لديها من تقارير ومعلومات أن طريق التسويات يتقدم المشهد سريعاً، رغم حال التصعيد الذي لا يعدو كونه جزءاً من الشدّ والجذب في أوراق التفاوض، كما تقول التسويات التي ولدت فجأة مع إيران، وأدت لاتفاق الإطار الذي أنهى التجاذب حول الملفّ النوويّ الإيراني، وصاغ خارطة طريق للتفاهمات، وكما تقول التسوية التي ولدت أمس للأزمة الأوكرانية وأدت لطيّ مناخ التصعيد الذي كاد ينقل أوكرانيا نحو حرب أهلية . الحدود كانت تشهد ليل أمس توتراً عالياً وحذراً شديداً كبرميل بارود يشعله عود ثقاب، في ما بدا أنه تصعيد هادف لتخفيف الضغط الذي يعيشه آلاف المقاتلين في جبهات القلمون التي بدأت حال التضعضع فيها، تثمر تقدماً ثابتاً لوحدات الجيش السوري على جبهتَي فليطا ويبرود، بما يجعل أي أمل بجبهات أخرى تخطف الاهتمام والضوء والجهد فرصة لهم للمزيد من الصمود، خصوصاً مع وصول الأنباء عن التغييرات التي شهدتها المخابرات السعودية وانتهت بكف يد مشغّل غالبية هذه الجماعات بندر بن سلطان .

المصدر : البناء/ حمزة الخنسا


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة