دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
برغم إلحاح بيروت والرياض على التنفيذ السريع لخطة الثلاثة مليارات دولار التي قدمتها السعودية لتسليح الجيش اللبناني وتعزيز قدراته الدفاعية، فإن الفرنسيين يقاربون هذا الملف من زاوية مصالح إسرائيل وجهات دولية أولا.. وقبل كل شيء الحفاظ على “الستاتيكو” القائم في جنوب لبنان، في مواجهة العدو الاسرائيلي.
تشي مجريات هذه الصفقة السياسية المثلثة الأضلاع، بوجود رغبة دولية وخليجية، بتدعيم الجيش اللبناني وجعله أكثر قدرة على ضبط الحدود، حتى لا يتكرر نموذج انخراط “حزب الله” في الأزمة السورية، وربما من زاوية الرهان على مهمات أخرى في الداخل اللبناني مستقبلاً، من دون الأخذ في الحسبان، عمق العلاقة القائمة بين الجيش اللبناني و”حزب الله”، لا بل حجم الثقة المتبادلة بين الطرفين، وهي نقطة يختبرها الفرنسيون ميدانياً من خلال جنودهم وضباطهم المشاركين في “اليونيفيل”.
يروي مصدر ديبلوماسي فرنسي لـ”السفير” قصة المليارات الثلاثة، من ألفها إلى يائها، بدءاً من تداعيات معركة القصير حيث برز “حزب الله” للمرة الأولى لاعباً إقليمياً قادراً على تغيير موازين القوى في المنطقة.. وصولاً إلى اعتبارات متصلة برغبة فرنسية ـ سعودية دفينة بعدم إهمال خيار التمديد للرئيس ميشال سليمان حتى اللحظة الأخيرة من ولايته، فضلاً عن أن هذه الصفقة شكلت عنصراً ضاغطاً سرّع في ولادة الحكومة الجديدة، وفي أن يحتفظ رئيس الجمهورية بحقيبة الدفاع (سمير مقبل)، كجزء من الضمانة للصفقة الثلاثية.
وفي التفاصيل، أن الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز قد سأل الرئيس اللبناني ميشال سليمان في اللقاء الذي جمعهما في الرياض في 11 تشرين الثاني المنصرم، عن سبب عدم قيام الجيش اللبناني بإقفال الحدود مع سورية ومنع مقاتلي “حزب الله” من عبورها، فطلب سعد الحريري الكلام قائلاً للملك السعودي إن الجيش اللبناني يستطيع إقفال الحدود لكنه لا يملك الإمكانات، ولذلك يحتاج إلى دعم وسلاح وقد وضعت قيادته خطة للتسلح.
ولقد أثنى رئيس الجمهورية على مداخلة الحريري، فكان جواب الملك بأن أعطى إشارة بيده إلى رئيس الديوان الملكي خالد التويجري الذي كان جالساً إلى يساره مع باقي أعضاء الوفد الرسمي السعودي، وقال له “تحركوا سريعاً من أجل توفير كل دعم لتسليح الجيش اللبناني”.
عند هذه النقطة، بدأ دور التويجري، وهو المدرك لأهمية الدور الفرنسي بمسايرة السعوديين، في أكثر من محطة دولية، من قضية السلاح الكيميائي السوري إلى الملف النووي الإيراني، مروراً بمجلس الأمن الدولي.
أعطى الملك السعودي أوامره بإيجاد صيغة توفر للجيش اللبناني ما يريده من أسلحة عن طريق الفرنسيين هذه المرة، وعلى هذا الأساس، جرت مشاورات بين التويجري وعدد من المسؤولين الفرنسيين، تُوّجت بسفره إلى باريس في منتصف كانون الأول 2013، ولاقاه إلى هناك الرئيس سليمان الذي أعطى لسفره عنوان استكمال علاج جفن عينه اليسرى في أحد المستشفيات أو العيادات الفرنسية.
ما يردده الفرنسيون أن الرئيس سليمان والتويجري التقيا بحضور شخصية لبنانية (من فريق “14 آذار”)، في قصر رئيس الديوان الملكي في إحدى الضواحي الباريسية الفخمة، واتفقا على صيغة “المكرمة السعودية” للجيش اللبناني بقيمة ثلاثة مليارات دولار، على أن تكون مخصصة حصراً لشراء أسلحة وأعتدة فرنسية.
النقطة المهمة في هذا الاجتماع أن السعوديين اشترطوا على سليمان أنهم لن يصرفوا قرشاً واحداً إلا بعد تأليف حكومة لبنانية جديدة برئاسة تمام سلام، على أن يُترك للجيش اللبناني أمر التفاهم مع الفرنسيين والسعوديين حول سبل تسييل المنحة السعودية وفق لوائح كان الجيش اللبناني قد أعد بعضها، في إطار الخطة الخمسية التي قدمها لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي في مطلع العام 2013.
اتفقت بيروت والرياض وباريس على موعد الإعلان عن الهبة السعودية: التاسع والعشرين من كانون الأول 2013، تاريخ القمة الفرنسية ـ السعودية، في الرياض. في التوقيت نفسه، لا بل في الساعة نفسها، ألغى ميشال سليمان لقاءً مفتوحاً مع الإعلام اللبناني واستعاض عنه بخطاب إلى اللبنانيين ختمه بالعبارة الشهيرة “عاشت المملكة العربية السعودية”.
صحيح أنه أكبر قرار، ليس بدعم الجيش، بل الدولة اللبنانية، منذ الاستقلال حتى الآن، لكن شابته التباسات كثيرة قيل الكثير عنها في حينه، تتمحور حول نقطتين: الأولى، كيفية المواءمة بين قرار تسليح الجيش فرنسياً وبين حقيقة أن معظم سلاحه وتدريبه وتجهيزه أميركي. أما النقطة الثانية، فتتعلق بحدود التسليح الفرنسي وهل سيشمل الأسلحة الدفاعية والهجومية والتقنيات الحديثة للرصد والاستطلاع؟
استكمل الإعلان بزيارة قام بها قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي إلى باريس في منتصف كانون الثاني الماضي، واجتمع خلالها بعدد من المسؤولين العسكريين الفرنسيين وأبرزهم: رئيس الأركان الخاصة برئيس الجمهورية الجنرال بينوا بوغا، رئيس هيئة أركان الجيوش الفرنسية الأميرال ادوارد غييو، مدير الإدارة العامة للتسلح الجنرال المهندس جان لوك كومبريسون.
لم تكن نتائج الزيارة مشجعة للجانب اللبناني، حسب الفرنسيين، واتفق على استكمالها، بزيارة يقوم بها قهوجي إلى الرياض في مطلع شباط 2014، على أن يلاقيه إلى هناك الأميرال غييو واثنان من كبار مساعديه لاستكمال المناقشات بصورة ثلاثية.
وفي الرياض، دشّن قهوجي زيارته باجتماع لم يُعلن عنه ضمه ورئيس الديوان خالد التويجري بحضور رئيس الحرس الملكي السعودي الفريق أول حمد بن محمد العوهلي وضباط سعوديين متخصصين في قطاعات الجو والبحر والبر وديبلوماسي لبناني.
ووفق المعلومات الفرنسية، قدم الجانب اللبناني لائحة أولية بالأسلحة والعتاد المطلوبين، وقال التويجري إن دور المملكة استشاري بحت بعد القرار الملكي القاضي بالتمويل، وأبلغ قهوجي أن الملك عبدالله حصل على وعد من الرئيس فرنسوا هولاند بأن تساهم باريس في دعم الاتفاق مادياً بتقديم تسهيلات وأن يكون التدريب للجيش اللبناني على الأسلحة والأعتدة الجديدة مجانياً.
ونصح التويجري الجانب اللبناني بعدم الاستعجال من أجل ضمان الحصول على أفضل عرض فرنسي.
وفي الاجتماع الثلاثي، الذي شارك فيه إلى جانب الأميرال غييو، سفير فرنسا لدى السعودية برتران بزانسونو، تعمد التويجري إسماع الفرنسيين أهمية حصول لبنان على أسعار مناسبة، مشدداً على سرعة التنفيذ وأن تسلم الأسلحة للجيش اللبناني من احتياط الجيش الفرنسي، وأن يكون هناك اتفاق من دولة إلى دولة، على أن تتكفل الحكومة الفرنسية بالتعاقد مع الشركات الفرنسية. وقد رد غييو بأن هذه النقاط محسومة وأن بلاده ستقدم تسهيلات وفق ما تم تبلغه من الرئيس هولاند.
ووفق المعلومات الفرنسية، حاول التويجري إحراج غييو، بأن ألح على وجوب أن تشمل الصفقة صواريخ مضادة للطائرات من نوع “ميسترال”، إلا أن غييو قطع الطريق على أي التزام فرنسي مع لبنان، بشأن هذه الصواريخ أو غيرها، فما كان من التويجري إلا أن لمّح بأن استكمال باقي العقود المنوي توقيعها بين الحرس الملكي السعودي وفرنسا مرهون بالتسييل الفرنسي السريع للهبة السعودية للجيش اللبناني وبأفضل الشروط والأسعار.. واكتفى الفرنسيون بأن تعهدوا بأن يُستكمل البحث بينهم وبين الجيش اللبناني، على أن يطلعوا الجانب السعودي على مجرياته تدريجياً.
وبالفعل، زار وفد عسكري فرنسي بيروت في الأيام القليلة الماضية، وناقش مع ضباط في أركان الجيش اللوائح التي سبق وأن تسلمها الفرنسيون خلال زيارة قهوجي، وأسندوا متابعتها إلى مسؤول الملف التسليحي للجيش اللبناني الجنرال هوغ دولور – لافال الذي يتمتع بـ”خبرة لبنانية – إسرائيلية” ستساعده في تحديد نوعية الأسلحة التي يمكن تسليمها للبنان، من دون الدوس على ألغام الاعتراضات الإسرائيلية عليها.
وكان الجنرال دولور – لافال قد عمل رئيساً لأركان القوة الفرنسية العاملة في إطار قوات “اليونيفيل” في الجنوب اللبناني، في العامين 2012 و2013، وهو يتولى العلاقات الدولية في هيئة الأركان ومفوضية دعم تصدير الأسلحة الفرنسية. وتخضع عملية اختيار الأسلحة التي ستسلم للبنان في إطار الصفقة السعودية (3 مليارات دولار) لمجموعة من الاعتبارات والشروط الدولية والإسرائيلية، التجارية والسياسية.
ويقول مصدر عسكري فرنسي لـ”السفير” إن عملية تسليح الجيش اللبناني، “ينبغي ألا تمس بالتوازنات أو “الستاتيكو” القائم حاليا على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، وألا تزيد الأعباء على عمليات “اليونيفيل” ولا تغير طبيعة المهمة التي يقوم بها جنود “القبعات الزرق” في منطقة جنوبي الليطاني”.
وإذا كانت الأمم المتحدة لا ترغب بإحداث أي تغيير في أوضاع الجنوب اللبناني ومعادلاته الراهنة، فإن الطلبات التي تقدم بها اللبنانيون لا تتطابق مع اللوائح التي يفكر فيها الفرنسيون، وقال المصدر نفسه إن الفرنسيين لن يسلموا اللبنانيين بأي حال من الأحوال أية أسلحة حساسة، أو أية معدات تتضمن تكنولوجيا متقدمة، يمكن لإسرائيل أن تعتبرها تهديداً لها مهما كان شأن تلك المعدات ودورها في أسلحة الجيش اللبناني.
ووفق المصدر فإن لائحة الأسلحة للجيش اللبناني لا تزال موضع تشاور مع السعودية ولبنان. وإذا كانت قضية تسليم أسلحة دفاعية قد حُسمت نهائياً، إلا أن طبيعة هذه الأسلحة لا تزال قيد النقاش.
وبات مؤكداً أن الفرنسيين سيسلّمون الجيش اللبناني مروحيات من طراز “غازيل”، لكن السؤال الجوهري الذي سيحدد مستوى التسليح الفرنسي للجيش اللبناني، ومدى استجابة هذه الصفقة للحاجات الفعلية للبنان، هو رهن تقديم الفرنسيين مروحيات مزودة بصواريخ، فضلاً عن الاستجابة المستبعدة لتسليم صواريخ “ميسترال” للجيش اللبناني.
وفي هذا السياق، يشير المصدر الفرنسي إلى أن تزويد المروحيات بصواريخ، لا يزال موضع بحث.
يذكر أن الفرنسيين تعاملوا قبل سنوات قليلة بطريقة سلبية مع تزويد تسع مروحيات لبنانية من طراز “غازيل” (منحة إماراتية) بصواريخ “هوت” وقواعدها، مع العلم أنه لم يبق من هذه المروحيات سوى خمس، إثر تحويل البعض منها، إلى مصدر لقطع غيار لتشغيل بقية المروحيات.
وقال المسؤول العسكري الفرنسي إن عملية دمج المعدات الفرنسية الجديدة، سيستغرق بأي حال وقتاً طويلاً، قبل أن تدخل نطاق الخدمة في الجيش اللبناني.
ويقول خبير عسكري فرنسي متابع للملف إن الفرنسيين اقترحوا، تعزيز البنى التحتية العسكرية اللبنانية قبل كل شيء. ومن بين الاقتراحات، تكريس ٦٠٠ مليون دولار، لإعادة تأهيل المستشفى العسكري المركزي وإنشاء مراكز طبية عسكرية في المناطق. فضلا عن تكريس ٢٥٠ مليون دولار لإعادة تأهيل وسائل النقل العسكرية العادية.
ومن المنتظر أن تكلف عملية تزويد الجيش اللبناني، بناقلات جند وعربات مدرعة حوالي 200 مليون دولار أميركي، فيما تجري دراسة صفقة تحديث البحرية اللبنانية وتزويدها بسفن دورية ورادارات لحماية المنطقة النفطية البحرية اللبنانية مستقبلاً مع بدء أعمال التنقيب، فضلاً عن مشروع يقضي بمواجهة الأعمال الإرهابية عبر الحدود البحرية والبرية، بما في ذلك تطوير أعمال التنصت والمراقبة التي تتولاها استخبارات الجيش.
المصدر :
الأخبار/ محمد بلوط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة