حياة جنسية نشطة للغاية أو حاجة ملحة إلى الإغراء أو إدمان مرضي. يقوم هذا الإدمان على تفضيل للسلوك الجنسي على أي شكل آخر من التفاعل الإجتماعي أو أي نشاط آخر، لأن المدمن غير قادر على ردع نفسه. تماماً كما هو الأمر بالنسبة الى الإدمان على الكحول أو التبغ

تراوح نسبة الأشخاص النشطين جنسياً المعنيين بهذا الإدمان بين ثلاثة وستة في المائة ومعظمهم من الرجال. في الحياة العادية، يمكن أن تترجم هذه الحاجة التي لا يمكن لجمها، من خلال تعدد التجارب والعلاقات الجنسية أو الشركاء الجنسيين، فضلاً عن اللجوء المنتظم إلى البغاء أي الدعارة، أو الزيارات القهرية أو المرضية المتكررة إلى المواقع الإلكترونية والأفلام الإباحية.

في كل مرة يكون فيه الشخص المدمن على الجنس عُرضةً للقلق والإجهاد، يُحاول الهرب أو التهرّب من هذا الشعور من خلال اللجوء إلى عمل جنسي. وبعد فترة وجيزة من الراحة والترويح عن النفس، تُخلّف لديه هذه الممارسة صورة سلبية عن الذات مما يُعيده إلى نقطة الصفر. يدخل في حلقة مفرغة وتزيد هذه السلوكيات حدّة من خلال تهرّب مُفرط وجامح ومُتهوّر نحو راحة يُصبح من الصعب الوصول إليها. وهكذا ينتهي الأمر بالمدمنين على الجنس إلى الإنقطاع عن الآخرين والعالم. بعضهم يُمضي نهاره في الإستمناء ومشاهدة الأفلام أو المواد الإباحية، وقد يُصرفون من العمل بسبب زياراتهم لمواقع إلكترونية متخصصة في أماكن عملهم. كما قد يُفلس بعضهم الآخر ويُنفقون أموالهم على فتيات الليل وتتخلّى عنهم زوجاتهم... تجمعهم أمور مشتركة: العُزلة التدريجية تتبعها حالة من الإكتئاب وتقدير سلبي للغاية للذات. الإفراط في الجنس من دون عواطف، نهايته الإدمان.

 

ولكن، ما السبب؟

يعود السبب في هذه السلوكيات غالباً إلى حادث أو صدمة عاطفية في الطفولة. إغتصاب أو تحرّش جنسي وغالباً إنتهاك لخصوصية الطفل ولحياته الحميمة، أو مشاهدة هذا الأخير لصور أو سلوكيات غير مناسبة لا تُراعي تطوره الطبيعي. غالباً ما يتردد إلى عيادتي شبان تراوح أعمارهم بين 25 و35 سنة، إكتشفوا الإباحية على الإنترنت وأصبحوا غير قادرين على الإبتعاد عنها والتخلص من هذه العادة. بداية بعضهم مع الإباحية كانت في سن الـ15 ولديهم تاريخ مع الإدمان يمتد على سنوات. وللملاحظة هنا، نحن بعيدون كل البعد عن المعتقد الشائع بأن المدمن على الجنس هو "دون جوان". كما يأتيني، من كلا الجنسين، محامون أو جرّاحون أو رجال أعمال يتعرضون لقدر كبير من الإجهاد في حياتهم اليومية مما يدفعهم إلى هذا النوع من الإدمان. هم أيضاً يعانون قبل كل شيء من حالة صدمة في مرحلة ما من تاريخهم. كما أن أوساط السلطة هي أرض خصبة للنشاط الجنسي المُفرط لأنه من السهل على شخص في هذه الأوساط الإغراء والحصول على ما يريده جنسياً. الشهرة ليست عاملاً محفزاً أو دافعاً إلى الإدمان. جُلّ ما في الأمر أن مثل هذه الحالات لدى المشاهير تحظى بتغطية إعلامية واسعة، ولكن العديد من الأشخاص العاديين يعانون أيضاً من الإدمان على الجنس تماماً كحال الإدمان على المخدرات.

 

ألم وأمراض

غالباً ما يُخفي الإفراط في العمل الجنسي، المصحوب بالألم والمعاناة، أموراً أخرى. كبعض الأمراض العصبية، أو تأثير بعض العلاجات الدوائية أيضاً.

وكما هي الحال بالنسبة إلى أنواع أخرى من الإدمان، بغضّ النظر إذا كان إدماناً على مواد محظورة أو غيرها. المعاناة والتعرض لأخطار متعددة، إن إجتماعية أو صحية أو مهنية أو حميمية، هي أفضل مؤشرات الإنذار للإعتراف بوقع الإدمان على حياتنا اليومية. لهذا السبب، لا يمكننا إعتبار المدمن على الجنس شخصاً منحرفاً على الإطلاق. قد يكون للمنحرف سلوكاً إدمانياً ولكن العكس ليس صحيحاً. فهو غالباً شخص لا يتحكّم بحياته الجنسية ويعيشها كمحنة. وغالباً، السبب الأول الذي يدفع النساء في هذا المجال إلى الإستشارة هو كون مشكلة الرغبة تكمن في غيابها.

علمياً، ورغم الإعتراف بوجوده منذ فترة، إلا أن الإدمان على الجنس لا يُدرج في إطار الإنحرافات الجنسية والشذوذ ولا يُعتبر دائماً مَرضياً.

من ناحية أخرى، هناك أيضاً الحالة المعاكسة حيث لا معاناة شخصية أو عندما لا يتسبّب هذا الإفراط الجنسي في معاناة لدى الآخرين، عندما يعترف الشخص بأنه يسعى بشكل دائم إلى المتعة ولا يعاني من مشكلة مع هذا الأمر، يكون كل شيء على ما يرام. فالحياة الجنسية النشطة، مع بعض التجاوزات أحياناً، قد تكون أيضاً شكلاً ناضجاً من التعبير الإيروتيكي والصحة الجنسية. ولكن الحياة الجنسية عندما تصبح جامحة وخارجة عن السيطرة وتتسبب بمحنة ومعاناة شخصية عميقة أو تُعرّض صحة الشخص أو صحة الآخرين للخطر، أو عندما يكون لهذا الأمر نتائج ومترتبات ووقع سلبي على الحياة المهنية وعلى الوضع الإجتماعي، عندها نواجه مشكلة حقيقية في الحياة الجنسية.

 

الرفض والنكران

الإنكار ورفض الإعتراف بوجود مشكلة هما المرحلة الأولى من أي إدمان. نحن جميعاً معنيون، بغضّ النظر عن المستوى الإجتماعي أو العمر أو الوضع الشخصي. الرجال المدمنون على الجنس هم غالباً شبان من سكان المدن ويعيشون حياة جنسية مُبكرة ونشاطاً مفرطاً. والأمر مشابه إلى حد ما لدى النساء المدمنات على الجنس وإن كنّ بنسبة عالية ضحايا الإستغلال. ولدى المرأة، قد يكون الإدمان الجنسي في معظم الأحيان عاطفي في بادئ الأمر نحو الشريك بحيث تكون مستعدة للقيام بجميع الممارسات حتى تلك التي لا رغبة لها فيها. ومن هنا مرة أخرى، المعاناة الشديدة.

على الشخص المدمن التخلي عن فكرة إيجاد حل لهذه المشكلة بنفسه، عليه الإستعانة بإختصاصي وإستشارته. ينطبق هذا الأمر أيضاً على جميع أنواع الإدمان. إنما في حالة الإدمان على منتج ما، يُمكن وضع هذا المنتج جانباً أو الإبتعاد عنه. أما بالنسبة الى الجنس، فالمشكلة أكثر استفحالاً كون الجنس فطرياً ومتأًصلاً لدى الإنسان.

في الخلاصة، ولكي نتمكّن من التوصل إلى التمتع بصحة جنسية جيدة، للأشخاص المدمنين على الإفراط الجنسي أقترح علاجاً نفسياً على مرحلتين: في المرحلة الأولى علاج سلوكي للتحكم بشكل أفضل بالسلوك من خلال تعلم ومعرفة مختلف المراحل التي يمرّ فيها المدمن والأحداث التي يمكن أن تفتعل إدمانه. وفي المرحلة الثانية، التحليل النفسي الذي يتطلب حكماً فترة أطول ويسمح بالعودة إلى أصول وجذور المشكلة، لأن الأمر يتعلق دائماً بقصة ما مخفيّة في تكوين الشخصية الجنسية تحت تأثير صدمات نفسية.

 

*إختصاصي في الصحة النفسية والصحة الجنسية

  • فريق ماسة
  • 2014-02-03
  • 13201
  • من الأرشيف

مدمن... جنس!

حياة جنسية نشطة للغاية أو حاجة ملحة إلى الإغراء أو إدمان مرضي. يقوم هذا الإدمان على تفضيل للسلوك الجنسي على أي شكل آخر من التفاعل الإجتماعي أو أي نشاط آخر، لأن المدمن غير قادر على ردع نفسه. تماماً كما هو الأمر بالنسبة الى الإدمان على الكحول أو التبغ تراوح نسبة الأشخاص النشطين جنسياً المعنيين بهذا الإدمان بين ثلاثة وستة في المائة ومعظمهم من الرجال. في الحياة العادية، يمكن أن تترجم هذه الحاجة التي لا يمكن لجمها، من خلال تعدد التجارب والعلاقات الجنسية أو الشركاء الجنسيين، فضلاً عن اللجوء المنتظم إلى البغاء أي الدعارة، أو الزيارات القهرية أو المرضية المتكررة إلى المواقع الإلكترونية والأفلام الإباحية. في كل مرة يكون فيه الشخص المدمن على الجنس عُرضةً للقلق والإجهاد، يُحاول الهرب أو التهرّب من هذا الشعور من خلال اللجوء إلى عمل جنسي. وبعد فترة وجيزة من الراحة والترويح عن النفس، تُخلّف لديه هذه الممارسة صورة سلبية عن الذات مما يُعيده إلى نقطة الصفر. يدخل في حلقة مفرغة وتزيد هذه السلوكيات حدّة من خلال تهرّب مُفرط وجامح ومُتهوّر نحو راحة يُصبح من الصعب الوصول إليها. وهكذا ينتهي الأمر بالمدمنين على الجنس إلى الإنقطاع عن الآخرين والعالم. بعضهم يُمضي نهاره في الإستمناء ومشاهدة الأفلام أو المواد الإباحية، وقد يُصرفون من العمل بسبب زياراتهم لمواقع إلكترونية متخصصة في أماكن عملهم. كما قد يُفلس بعضهم الآخر ويُنفقون أموالهم على فتيات الليل وتتخلّى عنهم زوجاتهم... تجمعهم أمور مشتركة: العُزلة التدريجية تتبعها حالة من الإكتئاب وتقدير سلبي للغاية للذات. الإفراط في الجنس من دون عواطف، نهايته الإدمان.   ولكن، ما السبب؟ يعود السبب في هذه السلوكيات غالباً إلى حادث أو صدمة عاطفية في الطفولة. إغتصاب أو تحرّش جنسي وغالباً إنتهاك لخصوصية الطفل ولحياته الحميمة، أو مشاهدة هذا الأخير لصور أو سلوكيات غير مناسبة لا تُراعي تطوره الطبيعي. غالباً ما يتردد إلى عيادتي شبان تراوح أعمارهم بين 25 و35 سنة، إكتشفوا الإباحية على الإنترنت وأصبحوا غير قادرين على الإبتعاد عنها والتخلص من هذه العادة. بداية بعضهم مع الإباحية كانت في سن الـ15 ولديهم تاريخ مع الإدمان يمتد على سنوات. وللملاحظة هنا، نحن بعيدون كل البعد عن المعتقد الشائع بأن المدمن على الجنس هو "دون جوان". كما يأتيني، من كلا الجنسين، محامون أو جرّاحون أو رجال أعمال يتعرضون لقدر كبير من الإجهاد في حياتهم اليومية مما يدفعهم إلى هذا النوع من الإدمان. هم أيضاً يعانون قبل كل شيء من حالة صدمة في مرحلة ما من تاريخهم. كما أن أوساط السلطة هي أرض خصبة للنشاط الجنسي المُفرط لأنه من السهل على شخص في هذه الأوساط الإغراء والحصول على ما يريده جنسياً. الشهرة ليست عاملاً محفزاً أو دافعاً إلى الإدمان. جُلّ ما في الأمر أن مثل هذه الحالات لدى المشاهير تحظى بتغطية إعلامية واسعة، ولكن العديد من الأشخاص العاديين يعانون أيضاً من الإدمان على الجنس تماماً كحال الإدمان على المخدرات.   ألم وأمراض غالباً ما يُخفي الإفراط في العمل الجنسي، المصحوب بالألم والمعاناة، أموراً أخرى. كبعض الأمراض العصبية، أو تأثير بعض العلاجات الدوائية أيضاً. وكما هي الحال بالنسبة إلى أنواع أخرى من الإدمان، بغضّ النظر إذا كان إدماناً على مواد محظورة أو غيرها. المعاناة والتعرض لأخطار متعددة، إن إجتماعية أو صحية أو مهنية أو حميمية، هي أفضل مؤشرات الإنذار للإعتراف بوقع الإدمان على حياتنا اليومية. لهذا السبب، لا يمكننا إعتبار المدمن على الجنس شخصاً منحرفاً على الإطلاق. قد يكون للمنحرف سلوكاً إدمانياً ولكن العكس ليس صحيحاً. فهو غالباً شخص لا يتحكّم بحياته الجنسية ويعيشها كمحنة. وغالباً، السبب الأول الذي يدفع النساء في هذا المجال إلى الإستشارة هو كون مشكلة الرغبة تكمن في غيابها. علمياً، ورغم الإعتراف بوجوده منذ فترة، إلا أن الإدمان على الجنس لا يُدرج في إطار الإنحرافات الجنسية والشذوذ ولا يُعتبر دائماً مَرضياً. من ناحية أخرى، هناك أيضاً الحالة المعاكسة حيث لا معاناة شخصية أو عندما لا يتسبّب هذا الإفراط الجنسي في معاناة لدى الآخرين، عندما يعترف الشخص بأنه يسعى بشكل دائم إلى المتعة ولا يعاني من مشكلة مع هذا الأمر، يكون كل شيء على ما يرام. فالحياة الجنسية النشطة، مع بعض التجاوزات أحياناً، قد تكون أيضاً شكلاً ناضجاً من التعبير الإيروتيكي والصحة الجنسية. ولكن الحياة الجنسية عندما تصبح جامحة وخارجة عن السيطرة وتتسبب بمحنة ومعاناة شخصية عميقة أو تُعرّض صحة الشخص أو صحة الآخرين للخطر، أو عندما يكون لهذا الأمر نتائج ومترتبات ووقع سلبي على الحياة المهنية وعلى الوضع الإجتماعي، عندها نواجه مشكلة حقيقية في الحياة الجنسية.   الرفض والنكران الإنكار ورفض الإعتراف بوجود مشكلة هما المرحلة الأولى من أي إدمان. نحن جميعاً معنيون، بغضّ النظر عن المستوى الإجتماعي أو العمر أو الوضع الشخصي. الرجال المدمنون على الجنس هم غالباً شبان من سكان المدن ويعيشون حياة جنسية مُبكرة ونشاطاً مفرطاً. والأمر مشابه إلى حد ما لدى النساء المدمنات على الجنس وإن كنّ بنسبة عالية ضحايا الإستغلال. ولدى المرأة، قد يكون الإدمان الجنسي في معظم الأحيان عاطفي في بادئ الأمر نحو الشريك بحيث تكون مستعدة للقيام بجميع الممارسات حتى تلك التي لا رغبة لها فيها. ومن هنا مرة أخرى، المعاناة الشديدة. على الشخص المدمن التخلي عن فكرة إيجاد حل لهذه المشكلة بنفسه، عليه الإستعانة بإختصاصي وإستشارته. ينطبق هذا الأمر أيضاً على جميع أنواع الإدمان. إنما في حالة الإدمان على منتج ما، يُمكن وضع هذا المنتج جانباً أو الإبتعاد عنه. أما بالنسبة الى الجنس، فالمشكلة أكثر استفحالاً كون الجنس فطرياً ومتأًصلاً لدى الإنسان. في الخلاصة، ولكي نتمكّن من التوصل إلى التمتع بصحة جنسية جيدة، للأشخاص المدمنين على الإفراط الجنسي أقترح علاجاً نفسياً على مرحلتين: في المرحلة الأولى علاج سلوكي للتحكم بشكل أفضل بالسلوك من خلال تعلم ومعرفة مختلف المراحل التي يمرّ فيها المدمن والأحداث التي يمكن أن تفتعل إدمانه. وفي المرحلة الثانية، التحليل النفسي الذي يتطلب حكماً فترة أطول ويسمح بالعودة إلى أصول وجذور المشكلة، لأن الأمر يتعلق دائماً بقصة ما مخفيّة في تكوين الشخصية الجنسية تحت تأثير صدمات نفسية.   *إختصاصي في الصحة النفسية والصحة الجنسية

المصدر : الدكتور بيارو كرم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة