أقصى ما يمكن الحصول عليه من أسبوع جنيف عندما ينتهي ليل الجمعة المقبل، هو تأشيرة عودة إلى قصر الأمم المتحدة، في الأسبوع الثاني من شباط المقبل، في أفضل الأحوال.

الكلام لأحد الديبلوماسيين العاملين في الملف التفاوضي وتقييم لمسيرة أسبوع من المفاوضات، انطلاقاً من مونترو وصولاً إلى جنيف.

ونزل قاعة المفاوضات، ليقلب مسيرتها، ذلك الإعلان عن استئناف الأميركيين تزويد المعارضة السورية، بمعدات «غير فتاكة» من أجهزة اتصال وتشويش، وتصويت الكونغرس، منذ أيلول الماضي على مدّها بالأسلحة وصواريخ مضادة للدبابات.

وتحدث المفاوض السوري بشار الجعفري، بإسهاب، عن العملية التسلحية الأميركية، بوصفها تتضارب مع التزامات الولايات المتحدة، التي بادرت إلى الدعوة لرعاية الحل السياسي السوري في جنيف. ويبدو أن قرار التسليح الأميركي تزامن مع التوتر حول «الكيميائي» السوري، ونجاح الضغوط في الكونغرس، لتمرير صفقة أسلحة أميركية، وصلت أجزاء منها إلى مستودعات باب الهوى، التي استولت عليها «الجبهة الإسلامية»، بعد هروب «هيئة أركان الجيش الحر» من مقرها القريب.

وإذا ما صدق وصول تلك الأسلحة إلى الشمال السوري، فمن الواضح أن الإدارة الأميركية، قد نقلت رهانها، من الجماعات «المعتدلة» نهائياً، نحو الجماعات «الجهادية» وهي تحاول استمالتها، لضمها إلى العملية السياسية بأي ثمن لتصليب قدرة «الائتلاف» أو أي وفد للمعارضة على تنفيذ التزاماته في جنيف، لا سيما وقف النار وتبادل المعتقلين ورفع الحصار عن مناطق الطرفين، ومواصلة القتال ضد تنظيم «القاعدة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) و«جبهة النصرة»، وفرض فرز يمزق الجماعات «الجهادية»، بين ما هو «قاعدي» أو غيره، وهو يصبّ أيضاً في مصلحة الجيش السوري.

المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي اعتنى بشدة في التقليل من حجم الفشل الذي أصاب الاجتماعات السورية. اكتفى بما قلّ ودلّ، وبما يحفظ استمرار المهمة التي يقوم بها، ويبقي الوفدين في القاعة. «لم نحقق تقدماً، لكننا سنواصل العمل»، قال من جديد الإبراهيمي.

وفي قاعة المؤتمرات الصحافية، صار الموعد المسائي بين الإبراهيمي والصحافيين، تكراراً للجمل المعدّة سلفاً، أسئلة وإجابات، لسبعة مؤتمرات صحافية مقبلة، عن المراوحة في قصر الأمم المتحدة. تنويعات في جرعة التشاؤم الملتبس، أو الديبلوماسية الواقعية، التي لا تخاطر بالتفاؤل، لسياسي عتيق، لن يسلم بسهولة، أن المستحيل السوري، هو أقوى المستحيلات. وهو كذلك لكثرة الأوصياء الدوليين والمتدخلين، وانزلاق اليد السورية عن دفة القرار، وغزارة الدماء، ما أريق منها وما سيراق غداً، وتلك الرغبة العارمة باختبار المحنة حتى النهاية وارتشافها، أملاً بالارتواء بنصر مهما كلف الثمن، ولو فوق حطام سوريا كلها.

جولة خامسة، النتيجة: صفر. لكن الإبراهيمي سعيد وقنوع مع ذلك، بالنتيجة الصفرية، «أنا راضٍ أن الجميع سيبقون حتى الجمعة، ولن يغادر احد الطاولة، أو يهرب من القاعة». المفاوضات من اجل المفاوضات.

وللمرة الأولى منذ بدء الجلسات، امتنع المبعوث الأممي عن دعوة الوفدين إلى ملاقاته في غرف منفصلة، كما جرت العادة، بعد واحدة من أطول الجلسات التي يلتقي فيها تسعة الوفد الحكومي السوري، وخمسة عشر «الائتلاف»، والإبراهيمي بينهما.

وبخلاف ما أطلق من تفسيرات متضاربة عن إلغاء الدعوة اليومية المسائية، وإمهال الإبراهيمي الوفد الحكومي حتى الغد، لتقديم رؤيته النهائية لبيان جنيف وآلياته التطبيقية، فضل الإبراهيمي إلغاء اللقاء بقرار منه «إذ لا سبب للتأجيل، ولا مذنب فيه. أنا من قرر إلغاء الجلسة، من دون ضغط أو طلب من أحد».

والتأجيل لم يكن ضرورياً للوفدين بل للوسيط الأممي نفسه. يسعى الإبراهيمي لكسب الوقت أولاً، وامتحان التزام الروس والأميركيين بتعهداتهم ضبط إيقاع المفاوضات حتى الجمعة المقبل، ومطالبة الوفدين بمرونة اكبر في القاعة المغلقة، وهو ما يفعلونه على الدوام، بحسب ديبلوماسي يواكب العملية عن قرب.

وقالت مستشارة الرئاسة السورية للشؤون السياسية بثينة شعبان إن «الروس طلبوا منا العمل بهدوء»، فيما كان «الائتلافيون» يلتئمون حول السفير الأميركي روبرت فورد لتقييم اليوم التفاوضي الأخير، والعودة باقتراحات أخرى، لإدامة التركيز على الحكومة الانتقالية، وإبقاء النقاش في عنق الزجاجة حول الحكومة الانتقالية، مع العلم مسبقاً، أن لا أمل بإحداث أي تقدم في النقاش طالما استمر يدور حول مسألة، لا يسمح، لا ميزان القوى الميداني المائل لمصلحة الحكومة السورية بتحقيقها، ولا ما يتبرع به الروس من وقت إلى آخر بالتوضيح، أن لا بديل حالياً عن الرئيس بشار الأسد، وان البديل لن يكون ديموقراطياً بأي حال، كما فعل وزير خارجيتهم سيرغي لافروف بالقول «لا احد يستطيع الإجابة عمن سيضمن وحدة سوريا إذا رحل الأسد؟». (تفاصيل صفحة 16)

وليس مؤكداً، أن الإدارة الأميركية نفسها، تريد من جنيف أن يتحول إلى منصة دولية لإسقاط النظام السوري. ويقول مصدر ديبلوماسي عربي إن محادثيه في الخارجية الأميركية «أوضحوا في اليومين الماضيين، أن الهدف في جنيف، هو تقطيع الوقت، لتجاوز المرحلة الحالية، قبل العودة مستقبلاً للحديث عن الأسد، وان جنيف لن يكون جزءاً من استراتيجية، أو أي عمل يهدف إلى إسقاط الرئيس بشار الأسد، وان الأولوية هي الملف الإنساني».

والأرجح أن الأميركيين لن يخاطروا بمطالب جذرية، تخرب مسيرة الملف «الكيميائي»، قبل التقدم نحو تصفيته بشكل نهائي في سوريا، فهو يبقى الأولوية في سوريا، فضلاً عن استكمال استراتيجيات وشراكة، لم تنضج بعد، في التصدي لتمدد «القاعدة» في المنطقة، ولا يمكن تصورها من دون سلطة مركزية قوية في دمشق، تتكئ إلى أجهزة الدولة السورية الحالية.

مع ذلك، لم يتناول أحد القضايا الإنسانية بالأمس. تراجع الاهتمام بحمص، ولم يأت الكلام على أي وقف لإطلاق النار. قدم «الائتلافيون» ورقتهم المنتظرة: بيان جنيف كما يرونه، وترتيب الأولويات التي ينبغي تنفيذها.

من دون أن توزع الورقة «الائتلافية»، قال المتحدث باسمه لؤي صافي «لقد قدمنا تصوراً، لإنشاء بيئة صالحة تمهد لتأليف هيئة حاكمة انتقالية، وإدارة المرحلة الانتقالية، وسوريا حرة تستند إلى دولة القانون، تكون فوق الجميع».

وخارج القاعة، برز بصيص تقاطع بين الحكومة السورية ووفد «الائتلافيين»، يعزز الاتجاه إلى القبول بمقايضة غير معلنة، بين بلدات نبل والزهراء في ريف حلب، والفوعة في ادلب، مقابل التقدم في رفع الحصار عن حمص القديمة. التقاطع إعلامي وفي الشكل فقط. إذ سلم صافي أنه ينبغي «رفع الحصار عن كل المناطق المحاصرة في سوريا، من دون استثناء، مع التفريق أن حمص القديمة محاصرة منذ 600 يوم، من دون أن يصلها غذاء أو دواء، فيما تتمركز في القرى الموالية للنظام المحاصرة في الريفين الادلبي والحلبي، قوى مسلحة تقصف القرى المجاورة، وقد أتيح للنظام، تموينها عبر المروحيات».

ويقول ديبلوماسي يعمل منذ أشهر على فك الحصار عن المدينة الحمصية القديمة، إن الضغط الإعلامي، وتسليط الأضواء قد يساعد على التقدم قريباً في قضية حمص. وقالت خلية الأزمة الأممية المعنية بغوث حمص في قصر الأمم المتحدة إن القافلة المنتظرة بالقرب من حمص، تحمل ما يكفي لإطعام 2500 شخص شهراً كاملاً.

ويقول الديبلوماسي، الذي يتابع الاتصالات، متقاطعاً مع مصدر من «الجيش الحر» في المنطقة، إن المقاتلين في المدينة يفاوضون السلطات المحلية والأمم المتحدة، ويقولون إنهم يفاوضون عن أنفسهم، ولم يفوّضوا لا «الائتلاف» ولا غيره بذلك. ولكن من غير المتوقع ان تتقدم التسويات حول حمص قبل الجمعة المقبل، وقد تتسارع منطقياً، بعد انفضاض دورة جنيف الأولى. إذ لن تقدم دمشق اي هدية للوفد «الائتلافي» المفاوض في جنيف، وان تسهل حصوله على اي مكسب من هذا النوع، يمنحه شرعية التحدث باسم أي منطقة من مناطق سوريا، أو التباهي بإنجاز يضفي على حضوره في جنيف أي شرعية سياسية أو تمثيلية.

وشن فورد هجوماً على الحكومة السورية، معتبراً أن «عدم إدخال دمشق مساعدات الى حمص يعتبر جريمة حرب».

ومنذ البداية، لجأت الحكومة السورية إلى وضع المفاوضات، في حيز بلدي، أو مناطقي، في درجتها الأعلى، يعنى بها محافظ المنطقة، وتدخل في سياق التسويات التي تقوم بها محلياً، وهي تسويات تريد دمشق الإثبات أنها لا تحتاج إلى سبعة أيام في جنيف للتوصل إليها، ويمكن حلها بقرار محلي بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقد لا يعود الوفد «الائتلافي» نفسه إلى جنيف في شباط، إذا ما قدر للمفاوضات أن تستأنف. وكشفت أيام جنيف ضعف تمثيلية «الائتلاف» للجميع، بما فيهم الأميركيون والروس والأمم المتحدة، كما كشفت حدود الاتفاق الذي عقده وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف في السابع من أيار الماضي على تقسيم الأدوار بينهما. إذ لم يؤد تفويض فورد تشكيل وفد المعارضة، من دون الروس، بعد أن اقنع كيري الروس أنه يملك ورقة المعارضة، إلا إلى تكريس هيمنة السعودية وقطر وتركيا، على المشيئة السياسية لهذا الجناح من المعارضة الخارجية.

ومن الواضح أن فورد يزود وزيره بمعطيات ناقصة وربما خاطئة عن حقيقة ميزان القوى داخل المعارضة السورية، وهو ما اتضح خلال مفاوضات «جنيف 2». كما أدى ذلك التقسيم إلى تمزيق «الائتلاف» بين القطريين والسعوديين، وإقصاء معارضة الداخل، من «هيئة التنسيق» و«تيار بناء الدولة»، فضلاً عن «المنبر الديموقراطي»، وشخصيات وطنية مستقلة.

وكان لافتاً أن يطالب بشار الجعفري بوفد معارض أكثر مصداقية، واشتراط تشكيلة أوسع تمثيلاً، لا سيما معارضة الداخل، لمواصلة التفاوض.

وقال مصدر ديبلوماسي إنه بات مؤكداً أن الوفد المعارض المقبل، لن يقتصر على «الائتلافيين» وحدهم، وأن انضمام مجموعات سياسية معارضة إليه أصبح ملحاً، ومن دونه قد لا تعقد مفاوضات جنيف الثالثة على الإطلاق.

  • فريق ماسة
  • 2014-01-28
  • 11604
  • من الأرشيف

مفاوضات جنيف: جولة خامسة نتيجتها صفر!

أقصى ما يمكن الحصول عليه من أسبوع جنيف عندما ينتهي ليل الجمعة المقبل، هو تأشيرة عودة إلى قصر الأمم المتحدة، في الأسبوع الثاني من شباط المقبل، في أفضل الأحوال. الكلام لأحد الديبلوماسيين العاملين في الملف التفاوضي وتقييم لمسيرة أسبوع من المفاوضات، انطلاقاً من مونترو وصولاً إلى جنيف. ونزل قاعة المفاوضات، ليقلب مسيرتها، ذلك الإعلان عن استئناف الأميركيين تزويد المعارضة السورية، بمعدات «غير فتاكة» من أجهزة اتصال وتشويش، وتصويت الكونغرس، منذ أيلول الماضي على مدّها بالأسلحة وصواريخ مضادة للدبابات. وتحدث المفاوض السوري بشار الجعفري، بإسهاب، عن العملية التسلحية الأميركية، بوصفها تتضارب مع التزامات الولايات المتحدة، التي بادرت إلى الدعوة لرعاية الحل السياسي السوري في جنيف. ويبدو أن قرار التسليح الأميركي تزامن مع التوتر حول «الكيميائي» السوري، ونجاح الضغوط في الكونغرس، لتمرير صفقة أسلحة أميركية، وصلت أجزاء منها إلى مستودعات باب الهوى، التي استولت عليها «الجبهة الإسلامية»، بعد هروب «هيئة أركان الجيش الحر» من مقرها القريب. وإذا ما صدق وصول تلك الأسلحة إلى الشمال السوري، فمن الواضح أن الإدارة الأميركية، قد نقلت رهانها، من الجماعات «المعتدلة» نهائياً، نحو الجماعات «الجهادية» وهي تحاول استمالتها، لضمها إلى العملية السياسية بأي ثمن لتصليب قدرة «الائتلاف» أو أي وفد للمعارضة على تنفيذ التزاماته في جنيف، لا سيما وقف النار وتبادل المعتقلين ورفع الحصار عن مناطق الطرفين، ومواصلة القتال ضد تنظيم «القاعدة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) و«جبهة النصرة»، وفرض فرز يمزق الجماعات «الجهادية»، بين ما هو «قاعدي» أو غيره، وهو يصبّ أيضاً في مصلحة الجيش السوري. المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي اعتنى بشدة في التقليل من حجم الفشل الذي أصاب الاجتماعات السورية. اكتفى بما قلّ ودلّ، وبما يحفظ استمرار المهمة التي يقوم بها، ويبقي الوفدين في القاعة. «لم نحقق تقدماً، لكننا سنواصل العمل»، قال من جديد الإبراهيمي. وفي قاعة المؤتمرات الصحافية، صار الموعد المسائي بين الإبراهيمي والصحافيين، تكراراً للجمل المعدّة سلفاً، أسئلة وإجابات، لسبعة مؤتمرات صحافية مقبلة، عن المراوحة في قصر الأمم المتحدة. تنويعات في جرعة التشاؤم الملتبس، أو الديبلوماسية الواقعية، التي لا تخاطر بالتفاؤل، لسياسي عتيق، لن يسلم بسهولة، أن المستحيل السوري، هو أقوى المستحيلات. وهو كذلك لكثرة الأوصياء الدوليين والمتدخلين، وانزلاق اليد السورية عن دفة القرار، وغزارة الدماء، ما أريق منها وما سيراق غداً، وتلك الرغبة العارمة باختبار المحنة حتى النهاية وارتشافها، أملاً بالارتواء بنصر مهما كلف الثمن، ولو فوق حطام سوريا كلها. جولة خامسة، النتيجة: صفر. لكن الإبراهيمي سعيد وقنوع مع ذلك، بالنتيجة الصفرية، «أنا راضٍ أن الجميع سيبقون حتى الجمعة، ولن يغادر احد الطاولة، أو يهرب من القاعة». المفاوضات من اجل المفاوضات. وللمرة الأولى منذ بدء الجلسات، امتنع المبعوث الأممي عن دعوة الوفدين إلى ملاقاته في غرف منفصلة، كما جرت العادة، بعد واحدة من أطول الجلسات التي يلتقي فيها تسعة الوفد الحكومي السوري، وخمسة عشر «الائتلاف»، والإبراهيمي بينهما. وبخلاف ما أطلق من تفسيرات متضاربة عن إلغاء الدعوة اليومية المسائية، وإمهال الإبراهيمي الوفد الحكومي حتى الغد، لتقديم رؤيته النهائية لبيان جنيف وآلياته التطبيقية، فضل الإبراهيمي إلغاء اللقاء بقرار منه «إذ لا سبب للتأجيل، ولا مذنب فيه. أنا من قرر إلغاء الجلسة، من دون ضغط أو طلب من أحد». والتأجيل لم يكن ضرورياً للوفدين بل للوسيط الأممي نفسه. يسعى الإبراهيمي لكسب الوقت أولاً، وامتحان التزام الروس والأميركيين بتعهداتهم ضبط إيقاع المفاوضات حتى الجمعة المقبل، ومطالبة الوفدين بمرونة اكبر في القاعة المغلقة، وهو ما يفعلونه على الدوام، بحسب ديبلوماسي يواكب العملية عن قرب. وقالت مستشارة الرئاسة السورية للشؤون السياسية بثينة شعبان إن «الروس طلبوا منا العمل بهدوء»، فيما كان «الائتلافيون» يلتئمون حول السفير الأميركي روبرت فورد لتقييم اليوم التفاوضي الأخير، والعودة باقتراحات أخرى، لإدامة التركيز على الحكومة الانتقالية، وإبقاء النقاش في عنق الزجاجة حول الحكومة الانتقالية، مع العلم مسبقاً، أن لا أمل بإحداث أي تقدم في النقاش طالما استمر يدور حول مسألة، لا يسمح، لا ميزان القوى الميداني المائل لمصلحة الحكومة السورية بتحقيقها، ولا ما يتبرع به الروس من وقت إلى آخر بالتوضيح، أن لا بديل حالياً عن الرئيس بشار الأسد، وان البديل لن يكون ديموقراطياً بأي حال، كما فعل وزير خارجيتهم سيرغي لافروف بالقول «لا احد يستطيع الإجابة عمن سيضمن وحدة سوريا إذا رحل الأسد؟». (تفاصيل صفحة 16) وليس مؤكداً، أن الإدارة الأميركية نفسها، تريد من جنيف أن يتحول إلى منصة دولية لإسقاط النظام السوري. ويقول مصدر ديبلوماسي عربي إن محادثيه في الخارجية الأميركية «أوضحوا في اليومين الماضيين، أن الهدف في جنيف، هو تقطيع الوقت، لتجاوز المرحلة الحالية، قبل العودة مستقبلاً للحديث عن الأسد، وان جنيف لن يكون جزءاً من استراتيجية، أو أي عمل يهدف إلى إسقاط الرئيس بشار الأسد، وان الأولوية هي الملف الإنساني». والأرجح أن الأميركيين لن يخاطروا بمطالب جذرية، تخرب مسيرة الملف «الكيميائي»، قبل التقدم نحو تصفيته بشكل نهائي في سوريا، فهو يبقى الأولوية في سوريا، فضلاً عن استكمال استراتيجيات وشراكة، لم تنضج بعد، في التصدي لتمدد «القاعدة» في المنطقة، ولا يمكن تصورها من دون سلطة مركزية قوية في دمشق، تتكئ إلى أجهزة الدولة السورية الحالية. مع ذلك، لم يتناول أحد القضايا الإنسانية بالأمس. تراجع الاهتمام بحمص، ولم يأت الكلام على أي وقف لإطلاق النار. قدم «الائتلافيون» ورقتهم المنتظرة: بيان جنيف كما يرونه، وترتيب الأولويات التي ينبغي تنفيذها. من دون أن توزع الورقة «الائتلافية»، قال المتحدث باسمه لؤي صافي «لقد قدمنا تصوراً، لإنشاء بيئة صالحة تمهد لتأليف هيئة حاكمة انتقالية، وإدارة المرحلة الانتقالية، وسوريا حرة تستند إلى دولة القانون، تكون فوق الجميع». وخارج القاعة، برز بصيص تقاطع بين الحكومة السورية ووفد «الائتلافيين»، يعزز الاتجاه إلى القبول بمقايضة غير معلنة، بين بلدات نبل والزهراء في ريف حلب، والفوعة في ادلب، مقابل التقدم في رفع الحصار عن حمص القديمة. التقاطع إعلامي وفي الشكل فقط. إذ سلم صافي أنه ينبغي «رفع الحصار عن كل المناطق المحاصرة في سوريا، من دون استثناء، مع التفريق أن حمص القديمة محاصرة منذ 600 يوم، من دون أن يصلها غذاء أو دواء، فيما تتمركز في القرى الموالية للنظام المحاصرة في الريفين الادلبي والحلبي، قوى مسلحة تقصف القرى المجاورة، وقد أتيح للنظام، تموينها عبر المروحيات». ويقول ديبلوماسي يعمل منذ أشهر على فك الحصار عن المدينة الحمصية القديمة، إن الضغط الإعلامي، وتسليط الأضواء قد يساعد على التقدم قريباً في قضية حمص. وقالت خلية الأزمة الأممية المعنية بغوث حمص في قصر الأمم المتحدة إن القافلة المنتظرة بالقرب من حمص، تحمل ما يكفي لإطعام 2500 شخص شهراً كاملاً. ويقول الديبلوماسي، الذي يتابع الاتصالات، متقاطعاً مع مصدر من «الجيش الحر» في المنطقة، إن المقاتلين في المدينة يفاوضون السلطات المحلية والأمم المتحدة، ويقولون إنهم يفاوضون عن أنفسهم، ولم يفوّضوا لا «الائتلاف» ولا غيره بذلك. ولكن من غير المتوقع ان تتقدم التسويات حول حمص قبل الجمعة المقبل، وقد تتسارع منطقياً، بعد انفضاض دورة جنيف الأولى. إذ لن تقدم دمشق اي هدية للوفد «الائتلافي» المفاوض في جنيف، وان تسهل حصوله على اي مكسب من هذا النوع، يمنحه شرعية التحدث باسم أي منطقة من مناطق سوريا، أو التباهي بإنجاز يضفي على حضوره في جنيف أي شرعية سياسية أو تمثيلية. وشن فورد هجوماً على الحكومة السورية، معتبراً أن «عدم إدخال دمشق مساعدات الى حمص يعتبر جريمة حرب». ومنذ البداية، لجأت الحكومة السورية إلى وضع المفاوضات، في حيز بلدي، أو مناطقي، في درجتها الأعلى، يعنى بها محافظ المنطقة، وتدخل في سياق التسويات التي تقوم بها محلياً، وهي تسويات تريد دمشق الإثبات أنها لا تحتاج إلى سبعة أيام في جنيف للتوصل إليها، ويمكن حلها بقرار محلي بالتعاون مع الأمم المتحدة. وقد لا يعود الوفد «الائتلافي» نفسه إلى جنيف في شباط، إذا ما قدر للمفاوضات أن تستأنف. وكشفت أيام جنيف ضعف تمثيلية «الائتلاف» للجميع، بما فيهم الأميركيون والروس والأمم المتحدة، كما كشفت حدود الاتفاق الذي عقده وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف في السابع من أيار الماضي على تقسيم الأدوار بينهما. إذ لم يؤد تفويض فورد تشكيل وفد المعارضة، من دون الروس، بعد أن اقنع كيري الروس أنه يملك ورقة المعارضة، إلا إلى تكريس هيمنة السعودية وقطر وتركيا، على المشيئة السياسية لهذا الجناح من المعارضة الخارجية. ومن الواضح أن فورد يزود وزيره بمعطيات ناقصة وربما خاطئة عن حقيقة ميزان القوى داخل المعارضة السورية، وهو ما اتضح خلال مفاوضات «جنيف 2». كما أدى ذلك التقسيم إلى تمزيق «الائتلاف» بين القطريين والسعوديين، وإقصاء معارضة الداخل، من «هيئة التنسيق» و«تيار بناء الدولة»، فضلاً عن «المنبر الديموقراطي»، وشخصيات وطنية مستقلة. وكان لافتاً أن يطالب بشار الجعفري بوفد معارض أكثر مصداقية، واشتراط تشكيلة أوسع تمثيلاً، لا سيما معارضة الداخل، لمواصلة التفاوض. وقال مصدر ديبلوماسي إنه بات مؤكداً أن الوفد المعارض المقبل، لن يقتصر على «الائتلافيين» وحدهم، وأن انضمام مجموعات سياسية معارضة إليه أصبح ملحاً، ومن دونه قد لا تعقد مفاوضات جنيف الثالثة على الإطلاق.

المصدر : محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة