كثرت التحليلات والتكهّنات حول نتائج جنيف٢، ووقع كثيرون في الداخل السوري في مصيدة نتائج المفاوضات التي يريد الإعلام المدفوع الأجر من قبل أعداء سوريا تقديمها على أي اعتبار أو مهمة أخرى تخصّ الوضع السوري، لا سيّما وأن أميركا وحلفاءها العرب يدفعون باتجاه مراكب مثقوبة ونخرة تقول الوقائع على الأرض أنها أصبحت من زمن سابق، كتنحّي الرئيس والحكومة الانتقالية كاملة الصلاحيات وشراكة عملائهم في الحكم.

ولا يخفى أن الإعلام العربي، حتى من يُظهر نفسه على أنه في صفّ المقاومة وسوريا، ونتيجة لرغبات بعض القائمين عليه أو المتنفّذين فيه، يركب موجة التسويق الأميركي، مخفيًا حقيقة ما يجري في جنيف. لماذا ينعقد؟ وما هي الظروف التي سهّلت عقده؟ وما هي شروط سوريا التي أرسلت وفدها إليه؟ ولعلّ المقدّمات السياسية السورية التي سبقت الذهاب إلى جنيف، ومن ثمّ التأكيد عليها في كلمة السيد وليد المعلّم في افتتاح المؤتمر، هي ما يلخّص ما يمكن تسميته بـ"الجوّ السوري" الذي هُيّئ له الحلف المعادي لسوريا كله، بالرغم من رفضه الظاهري والمراوغة في التعاطي معه.

إن تأكيد المعلّم في أن سوريا ستستمرّ "بضرب الإرهاب الذي أضرّ بكلّ السوريين بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية"، ومن ثمّ تأكيده على أن "العمل السياسي والإرهاب لا يمكن أن يكونا على أرض واحدة"، وهذا التأكيد هو "لحظة الحقيقة والمصير" في اتخاذ "القرار المصيري الكبير بمحاربة الإرهاب والتطرّف"، هو شرط سوريا ومنطلقها في الذهاب إلى جنيف، وبيدها أهمّ وأكبر ورقة لا تخصّها فحسب بل تخصّ العالم كلّه؛ وبالمناسبة تكررت كلمة "إرهاب" أو "إرهابيين" اثنين وأربعين مرة في خطاب المعلّم.

إن الجوّ السوري الذي توضع نخب العالم فيه اليوم يزيل كل الادّعاءات والأكاذيب الغربية في حقيقة من يحارب الإرهاب ومن يدافع فعلاً عن حقوق الإنسان وقيمه، وفرض هذا الجوّ يعني أن سوريا لم ترسل ممثّليها إلى جنيف إلا ليعلنوا لمن يدرك معنى كلامهم وتفاصيل مفردات لغتهم أنهم يتحدّثون ويفاوضون باسم دولة كبرى هي سوريا، ويقولون لهم إن ما نريده من هذا المؤتمر هو وقف الإرهاب. وعليه، ليس هذا المؤتمر إلا مشروع صلح دولي بين سوريا والدول المعادية لها، تعاد فيه حسابات المصالح انطلاقًا من احترام المصالح السورية أولاً. وهذا هو الطريق الأجدى والأكثر إثمارًا لهذه الدول التي ناصبت سوريا العداء وتشن عليها هذه الحرب، لأن نتائج الحرب التي تصرّ سوريا على تحقيق الانتصار الشامل الساحق فيها ستكون كارثية على أعدائها، وإذا كانت سوريا تتألم الآن بسبب عدوانهم الوحشي، فإنها تستطيع أن تذيقهم الألم أضعافًا، ولو لم تكن سوريا قادرة على الإيلام لما اهتمّوا كثيرًا بمحاربتها كما يحاربون الآن، ومن هنا نستطيع فهم قول المعلّم في ختام كلمته أننا ننتظر قراركم لأننا اتخذنا قرارنا.

إن ما يُقرأ من الذهاب إلى جنيف أيضًا أن قادة الدولة السورية يفهمون حقيقة سوريا ويتصرّفون بكبر هذه الحقيقة، فهذه القيادة تدرك أنها وريثة حضارة ونظام حياة يسبق كل الحضارات المنظّمة في العالم بأكثر من عشرة آلاف عام، ولهذا تأبّطأت هذا الإرث وتفولذت بنخبة شعبها التي امتشقت البطولة المؤيّدة بصحّة الوعي والإدراك والمبادئ الناهضة لتضع حدًّا للتقهقر السوري وتدفع بالإرادة السياسية للدولة السورية، دولة الشعب السوري كله، لأن تفرض نفسها كدولة كبرى، وأن تفهم العالم، وكل قواه المعادية خصوصًا، أن عهد الأحلام بهدم أسوار سوريا وأعمدتها وإخماد جذوة الحياة فيها وتحويل أبنائها إلى عبيد أرقّاء يعملون على نقل ثرواتها على ظهورهم إلى أعدائهم قد انتهى، وأن عهد عقد المؤتمرات المؤامرات لتقرير مصير سوريا قد انقضى، ونحن اليوم نصنع عهدًا جديدًا لا يسمح بأن يقرر أو يمسّ مصير سوريا من قبل أية قوّة أجنبية عدوّة أو صديقة، لا مباشرة ولا عبر عبيدهم، وإن مصير سوريا يصنعه السوريون المنتمون بحق وجدارة ووعي وإدراك لسوريا.

من هذا المنظور يجب أن يقرأ السوريون وغير السوريين مفردات الكلام السياسي الاستراتيجي السوري، ويروا أن المشهد السياسي لهذا المؤتمر أبعد ما يكون عن مؤتمر لتقرير مصير السوريين، لأن الإشعاع السوري قد منع ذلك ووضع هيكلية جديدة للمفاوضات الندّية بين دولة كبرى، تعلن نفسها بكل كبرياء، ودول أخرى كانت كبرى لكنها في طريق الانحدار، لأنها لم تعي دروس التاريخ واحترام الحضارات وفهم أغوار الإنسان. وما مخاطبة المعلّم لكيري وإضاءته للضوء الأحمر أمامه وأمام كل ما يسوقه من جحافل عدوّة، من دول وأشباهها، إلا تحذير بأن انتبه، أنت الآن في عصر جديد، عصر الاستقلال والسيادة السورية، وعصر الدولة الكبرى.

ومفردات الدبلوماسية السورية بدأت ترجمتها فورًا على الأرض من قبل جيش سوريا الذي يحلمون بإضعافه أو القضاء عليه عبر محاولة زجّ عملائهم ليكونوا شركاء في الإشراف عليه أو التأثير بقراره، ومن يراقب ما يحققه الجيش من تقدّم يومي، بل في كل ساعة، يعرف حقيقة الترتيبات السورية لجنيف وأشباهه، وما هو الجوّ الذي استطاع الجيش السوري أن يعممه على العالم، ولهذا يذهب جناحه السياسي ليفهم العالم كله أننا هنا من أجل تهيئتكم لما نريد، لأن السوريين يريدون هذا:

سوريا، لم تعد دولة ما، بل الدولة التي يكون لها العامل الكبير في قرار مصير العالم كله وليس في منطقتها وحسب، فهي كبرى في التاريخ، كانت وستبقى، ولا تستطيع إلا أن تكون كذلك.

  • فريق ماسة
  • 2014-01-25
  • 9267
  • من الأرشيف

الجوّ السوري.. من جنيف إلى العالم !

كثرت التحليلات والتكهّنات حول نتائج جنيف٢، ووقع كثيرون في الداخل السوري في مصيدة نتائج المفاوضات التي يريد الإعلام المدفوع الأجر من قبل أعداء سوريا تقديمها على أي اعتبار أو مهمة أخرى تخصّ الوضع السوري، لا سيّما وأن أميركا وحلفاءها العرب يدفعون باتجاه مراكب مثقوبة ونخرة تقول الوقائع على الأرض أنها أصبحت من زمن سابق، كتنحّي الرئيس والحكومة الانتقالية كاملة الصلاحيات وشراكة عملائهم في الحكم. ولا يخفى أن الإعلام العربي، حتى من يُظهر نفسه على أنه في صفّ المقاومة وسوريا، ونتيجة لرغبات بعض القائمين عليه أو المتنفّذين فيه، يركب موجة التسويق الأميركي، مخفيًا حقيقة ما يجري في جنيف. لماذا ينعقد؟ وما هي الظروف التي سهّلت عقده؟ وما هي شروط سوريا التي أرسلت وفدها إليه؟ ولعلّ المقدّمات السياسية السورية التي سبقت الذهاب إلى جنيف، ومن ثمّ التأكيد عليها في كلمة السيد وليد المعلّم في افتتاح المؤتمر، هي ما يلخّص ما يمكن تسميته بـ"الجوّ السوري" الذي هُيّئ له الحلف المعادي لسوريا كله، بالرغم من رفضه الظاهري والمراوغة في التعاطي معه. إن تأكيد المعلّم في أن سوريا ستستمرّ "بضرب الإرهاب الذي أضرّ بكلّ السوريين بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية"، ومن ثمّ تأكيده على أن "العمل السياسي والإرهاب لا يمكن أن يكونا على أرض واحدة"، وهذا التأكيد هو "لحظة الحقيقة والمصير" في اتخاذ "القرار المصيري الكبير بمحاربة الإرهاب والتطرّف"، هو شرط سوريا ومنطلقها في الذهاب إلى جنيف، وبيدها أهمّ وأكبر ورقة لا تخصّها فحسب بل تخصّ العالم كلّه؛ وبالمناسبة تكررت كلمة "إرهاب" أو "إرهابيين" اثنين وأربعين مرة في خطاب المعلّم. إن الجوّ السوري الذي توضع نخب العالم فيه اليوم يزيل كل الادّعاءات والأكاذيب الغربية في حقيقة من يحارب الإرهاب ومن يدافع فعلاً عن حقوق الإنسان وقيمه، وفرض هذا الجوّ يعني أن سوريا لم ترسل ممثّليها إلى جنيف إلا ليعلنوا لمن يدرك معنى كلامهم وتفاصيل مفردات لغتهم أنهم يتحدّثون ويفاوضون باسم دولة كبرى هي سوريا، ويقولون لهم إن ما نريده من هذا المؤتمر هو وقف الإرهاب. وعليه، ليس هذا المؤتمر إلا مشروع صلح دولي بين سوريا والدول المعادية لها، تعاد فيه حسابات المصالح انطلاقًا من احترام المصالح السورية أولاً. وهذا هو الطريق الأجدى والأكثر إثمارًا لهذه الدول التي ناصبت سوريا العداء وتشن عليها هذه الحرب، لأن نتائج الحرب التي تصرّ سوريا على تحقيق الانتصار الشامل الساحق فيها ستكون كارثية على أعدائها، وإذا كانت سوريا تتألم الآن بسبب عدوانهم الوحشي، فإنها تستطيع أن تذيقهم الألم أضعافًا، ولو لم تكن سوريا قادرة على الإيلام لما اهتمّوا كثيرًا بمحاربتها كما يحاربون الآن، ومن هنا نستطيع فهم قول المعلّم في ختام كلمته أننا ننتظر قراركم لأننا اتخذنا قرارنا. إن ما يُقرأ من الذهاب إلى جنيف أيضًا أن قادة الدولة السورية يفهمون حقيقة سوريا ويتصرّفون بكبر هذه الحقيقة، فهذه القيادة تدرك أنها وريثة حضارة ونظام حياة يسبق كل الحضارات المنظّمة في العالم بأكثر من عشرة آلاف عام، ولهذا تأبّطأت هذا الإرث وتفولذت بنخبة شعبها التي امتشقت البطولة المؤيّدة بصحّة الوعي والإدراك والمبادئ الناهضة لتضع حدًّا للتقهقر السوري وتدفع بالإرادة السياسية للدولة السورية، دولة الشعب السوري كله، لأن تفرض نفسها كدولة كبرى، وأن تفهم العالم، وكل قواه المعادية خصوصًا، أن عهد الأحلام بهدم أسوار سوريا وأعمدتها وإخماد جذوة الحياة فيها وتحويل أبنائها إلى عبيد أرقّاء يعملون على نقل ثرواتها على ظهورهم إلى أعدائهم قد انتهى، وأن عهد عقد المؤتمرات المؤامرات لتقرير مصير سوريا قد انقضى، ونحن اليوم نصنع عهدًا جديدًا لا يسمح بأن يقرر أو يمسّ مصير سوريا من قبل أية قوّة أجنبية عدوّة أو صديقة، لا مباشرة ولا عبر عبيدهم، وإن مصير سوريا يصنعه السوريون المنتمون بحق وجدارة ووعي وإدراك لسوريا. من هذا المنظور يجب أن يقرأ السوريون وغير السوريين مفردات الكلام السياسي الاستراتيجي السوري، ويروا أن المشهد السياسي لهذا المؤتمر أبعد ما يكون عن مؤتمر لتقرير مصير السوريين، لأن الإشعاع السوري قد منع ذلك ووضع هيكلية جديدة للمفاوضات الندّية بين دولة كبرى، تعلن نفسها بكل كبرياء، ودول أخرى كانت كبرى لكنها في طريق الانحدار، لأنها لم تعي دروس التاريخ واحترام الحضارات وفهم أغوار الإنسان. وما مخاطبة المعلّم لكيري وإضاءته للضوء الأحمر أمامه وأمام كل ما يسوقه من جحافل عدوّة، من دول وأشباهها، إلا تحذير بأن انتبه، أنت الآن في عصر جديد، عصر الاستقلال والسيادة السورية، وعصر الدولة الكبرى. ومفردات الدبلوماسية السورية بدأت ترجمتها فورًا على الأرض من قبل جيش سوريا الذي يحلمون بإضعافه أو القضاء عليه عبر محاولة زجّ عملائهم ليكونوا شركاء في الإشراف عليه أو التأثير بقراره، ومن يراقب ما يحققه الجيش من تقدّم يومي، بل في كل ساعة، يعرف حقيقة الترتيبات السورية لجنيف وأشباهه، وما هو الجوّ الذي استطاع الجيش السوري أن يعممه على العالم، ولهذا يذهب جناحه السياسي ليفهم العالم كله أننا هنا من أجل تهيئتكم لما نريد، لأن السوريين يريدون هذا: سوريا، لم تعد دولة ما، بل الدولة التي يكون لها العامل الكبير في قرار مصير العالم كله وليس في منطقتها وحسب، فهي كبرى في التاريخ، كانت وستبقى، ولا تستطيع إلا أن تكون كذلك.

المصدر : (آسيا) : محمد سعيد حمادة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة