ما يحدث في المشرق العربي من خلل في التحالفات القائمة منذ ثمانينيات القرن الماضي، قد يغيّر خريطة التحالف السياسي بين دول المنطقة والغرب.

تمر المنطقة اليوم في مرحلة شبيهة بعهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر بين العامين 1977 و1981 ، عندما اعتقد الحليف العربي الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، المملكة العربيّة السعودية، أن الرئيس كارتر ضعيف وقد لا يحترم أو يكترث للتحالفات التاريخية بين البلدين، خاصة بعد نجاح الثورة الاسلامية الإيرانية التي أطاحت الشاه العام 1979، وفشله في محاولة تحرير الديبلوماسيين الأميركيين من معتقل الثورة الإيرانية. هلّل السعوديون لانتخاب الرئيس رونالد ريغان في تشرين الثاني العام 1980 بدعم من القوى الرئيسية في الشرق الأوسط، وخاصة لوبي المنظمات اليهودية ـ الأميركية والسعودية حتى وإن كان يصعب ترجمة الدعم السعودي شعبياً.

كانت العلاقات السعودية مع الرئيس ريغان جيدة واستمرت، وقوية مع الرئيس جورج بوش الأب، وبقيت كذلك مع الرئيس بيل كلينتون، وبلغت ذروتها مع الرئيس جورج بوش الابن. انتخب باراك أوباما من دون دعم سعودي كما انتخاب جيمي كارتر من قبله العام 1976.

من دون شك خيّبت مواقف الرئيس أوباما، في ملفي الحرب السورية والبرنامج النووي الإيراني، الآمال السعودية، خاصة أن هناك فريقاً من الأمراء الأحفاد راهن على موقف أميركي متعاطف مع خططهم لخلع الرئيس بشار الاسد ونظامه في سوريا وعزل ايران دولياً. لكن الهمّ الأكبر للنظام السعودي هو الخوف من أن يتخذ الرئيس أوباما موقفاً مماثلاً في حال تعرّض الأمن القومي السعودي مباشرة للتهديد. يشعر كثيرون من الأمراء السعوديين، في رأي المطلعين والمراقبين الأميركيين في واشنطن، بأن عدم تركيز الرئيس أوباما على مشاكل المنطقة زاد من تخوّفهم من أن يتصرف حيال مشاكلهم الوجودية بالمنطق نفسه الذي مارسه في الأزمة السورية والملف النووي الإيراني. كذلك، فإن اقتراب الأميركيين من الاكتفاء الذاتي من حاجاتهم النفطية يزيد من هموم السعوديين وشكوكهم في الموقف الأميركي ككل. الى ذلك كله، ضاعفت معارضة الشعب الأميركي والشعوب الأوروبية المواقف المبدئية لحكوماتهم من التدخل في الحرب السورية، خوف السعوديين من أن يعتمد موقف الرئيس أوباما على قناعة أميركية شعبية قوية تعارض الحرب والتدخل في شوؤن الآخرين في غياب مصلحة أميركية صرفة، ومن ثم الانصراف الى حل المشاكل الداخلية.

وبعكس ما حدث في انتخابات 1976، تشير التوقعات الحالية لاستحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية العام 2016 الى احتمال عال لفوز الوزيرة السابقة للخارجية هيلاري كلينتون، ما يعني أن التغيير في السياسة الخارجية الأميركية لن يكون ملموساَ، ومن ثم تصعب ـ في إدارة «الرئيسة» هيلاري كلينتون ـ إعادة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط الى ما كانت عليه قبل الرئيس أوباما.

من ناحية أخرى، لا تتفهم واشنطن الدعم الرسمي السعودي ودعم مواطنين سعوديين السلفية الإسلامية حتى في مقاتلتها النظام السوري المرفوض أميركياً. وما يزيد في حيرة إدارة الرئيس أوباما أن مدينة الفلوجة العراقية ـ وقد قتل فيها أكثر من ألف جندي أميركي خلال العقد الماضي ـ وقعت في يد تنظيم «القاعدة» المدعوم من مواطنين سعوديين، وهو العدو الرئيسي لأميركا في المنطقة. هذا الانزعاج وصل إلى الشعب الأميركي من خلال وسائل الإعلام، بعدما أبرز الإعلام الأميركي المرئي أحداث الفلوجة مباشرة بعد أخبار عاصفة الصقيع التي ضربت أميركا كلها.

لا تمكن ترجمة هذه التطورات في سياقٍ يقود العلاقات الأميركية ــــ السعودية الى أزمة كبيرة يصعب إصلاحها، ذلك أن لكل من البلدين مصالح كبيرة لدى الآخر لا يمكن تجاهلها بسهولة. لكن استمرار الأزمة في زمن تتحسن فيه علاقات واشنطن مع طهران، وتتسارع في سوريا انتصارات المنظمات الاسلامية المتطرفة والمؤيَدة من السعودية والسعوديين على المنظمات العسكرية المعتدلة المؤيَدة من الدول الغربية، قد يؤدي إلى انهيار كامل في علاقات بلدين تجمعهما المصالح المالية الكبيرة والقوية فحسب.

  • فريق ماسة
  • 2014-01-08
  • 10935
  • من الأرشيف

الجديد في العلاقات الأميركية ــ السعودية

ما يحدث في المشرق العربي من خلل في التحالفات القائمة منذ ثمانينيات القرن الماضي، قد يغيّر خريطة التحالف السياسي بين دول المنطقة والغرب. تمر المنطقة اليوم في مرحلة شبيهة بعهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر بين العامين 1977 و1981 ، عندما اعتقد الحليف العربي الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، المملكة العربيّة السعودية، أن الرئيس كارتر ضعيف وقد لا يحترم أو يكترث للتحالفات التاريخية بين البلدين، خاصة بعد نجاح الثورة الاسلامية الإيرانية التي أطاحت الشاه العام 1979، وفشله في محاولة تحرير الديبلوماسيين الأميركيين من معتقل الثورة الإيرانية. هلّل السعوديون لانتخاب الرئيس رونالد ريغان في تشرين الثاني العام 1980 بدعم من القوى الرئيسية في الشرق الأوسط، وخاصة لوبي المنظمات اليهودية ـ الأميركية والسعودية حتى وإن كان يصعب ترجمة الدعم السعودي شعبياً. كانت العلاقات السعودية مع الرئيس ريغان جيدة واستمرت، وقوية مع الرئيس جورج بوش الأب، وبقيت كذلك مع الرئيس بيل كلينتون، وبلغت ذروتها مع الرئيس جورج بوش الابن. انتخب باراك أوباما من دون دعم سعودي كما انتخاب جيمي كارتر من قبله العام 1976. من دون شك خيّبت مواقف الرئيس أوباما، في ملفي الحرب السورية والبرنامج النووي الإيراني، الآمال السعودية، خاصة أن هناك فريقاً من الأمراء الأحفاد راهن على موقف أميركي متعاطف مع خططهم لخلع الرئيس بشار الاسد ونظامه في سوريا وعزل ايران دولياً. لكن الهمّ الأكبر للنظام السعودي هو الخوف من أن يتخذ الرئيس أوباما موقفاً مماثلاً في حال تعرّض الأمن القومي السعودي مباشرة للتهديد. يشعر كثيرون من الأمراء السعوديين، في رأي المطلعين والمراقبين الأميركيين في واشنطن، بأن عدم تركيز الرئيس أوباما على مشاكل المنطقة زاد من تخوّفهم من أن يتصرف حيال مشاكلهم الوجودية بالمنطق نفسه الذي مارسه في الأزمة السورية والملف النووي الإيراني. كذلك، فإن اقتراب الأميركيين من الاكتفاء الذاتي من حاجاتهم النفطية يزيد من هموم السعوديين وشكوكهم في الموقف الأميركي ككل. الى ذلك كله، ضاعفت معارضة الشعب الأميركي والشعوب الأوروبية المواقف المبدئية لحكوماتهم من التدخل في الحرب السورية، خوف السعوديين من أن يعتمد موقف الرئيس أوباما على قناعة أميركية شعبية قوية تعارض الحرب والتدخل في شوؤن الآخرين في غياب مصلحة أميركية صرفة، ومن ثم الانصراف الى حل المشاكل الداخلية. وبعكس ما حدث في انتخابات 1976، تشير التوقعات الحالية لاستحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية العام 2016 الى احتمال عال لفوز الوزيرة السابقة للخارجية هيلاري كلينتون، ما يعني أن التغيير في السياسة الخارجية الأميركية لن يكون ملموساَ، ومن ثم تصعب ـ في إدارة «الرئيسة» هيلاري كلينتون ـ إعادة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط الى ما كانت عليه قبل الرئيس أوباما. من ناحية أخرى، لا تتفهم واشنطن الدعم الرسمي السعودي ودعم مواطنين سعوديين السلفية الإسلامية حتى في مقاتلتها النظام السوري المرفوض أميركياً. وما يزيد في حيرة إدارة الرئيس أوباما أن مدينة الفلوجة العراقية ـ وقد قتل فيها أكثر من ألف جندي أميركي خلال العقد الماضي ـ وقعت في يد تنظيم «القاعدة» المدعوم من مواطنين سعوديين، وهو العدو الرئيسي لأميركا في المنطقة. هذا الانزعاج وصل إلى الشعب الأميركي من خلال وسائل الإعلام، بعدما أبرز الإعلام الأميركي المرئي أحداث الفلوجة مباشرة بعد أخبار عاصفة الصقيع التي ضربت أميركا كلها. لا تمكن ترجمة هذه التطورات في سياقٍ يقود العلاقات الأميركية ــــ السعودية الى أزمة كبيرة يصعب إصلاحها، ذلك أن لكل من البلدين مصالح كبيرة لدى الآخر لا يمكن تجاهلها بسهولة. لكن استمرار الأزمة في زمن تتحسن فيه علاقات واشنطن مع طهران، وتتسارع في سوريا انتصارات المنظمات الاسلامية المتطرفة والمؤيَدة من السعودية والسعوديين على المنظمات العسكرية المعتدلة المؤيَدة من الدول الغربية، قد يؤدي إلى انهيار كامل في علاقات بلدين تجمعهما المصالح المالية الكبيرة والقوية فحسب.

المصدر : السفير / عبد الله بو حبيب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة