رحل أوزيبيو صبيحة أمس. في الشهر الذي ولد فيه قبل 71 عاماً ودّعَنا «الفهد الأسمر» البرتغالي الذي رسم الفرحة كثيراً في ملاعب كرة القدم واحتل حيّزاً مهماً في ذاكرتنا وقلوبنا حتى غدا الرمز والأسطورة

لم يحتل الحزن الوجوه ويسكن القلوب صبيحة يوم أمس في البرتغال وحدها. الحزن لفّ العالم الكروي قاطبة. شهر كانون الثاني أضحى له خاصيته في مفكّراتنا وروزناماتنا الرياضية، ففي الخامس منه ودّعْنا رمزاً من رموز كرة القدم وأحد أساطيرها الخالدة، البرتغالي أوزيبيو، بعد أن كان شهر فرحنا احتفالاً بميلاد هذا النجم. ليست صدفة أن يفارق أوزيبيو الحياة في الشهر ذاته الذي شهد ميلاده. وكأن القدر يأبى أن يمرّ مرور الكرام على العظماء، هكذا اختار أن يخطف منا أوزيبيو في الشهر ذاته الذي ولد فيه قبل 71 سنة خلت، حتى يبقى كانون الثاني استثنائياً ويحفر عميقاً في ذاكرتنا الكروية. أوزيبيو ذاك النجم الأسمراني الذي احتل حيّزاً مهماً في تلك الذاكرة التي تعود إلى حقبة مجيدة أحببنا، ومنها استلهمنا عشقنا للكرة، والتي تبقى فترتها الممتدة من الستينيات حتى أواخر الثمانينيات مرجعنا. تلك الذاكرة التي كان فيها للكرة سحر آخر، وطعم آخر. تلك الذاكرة المليئة بالصور الجميلة المؤرخة في قلوبنا قبل عقولنا لعظماء ما فارقوا الوجدان يوماً. أوزيبيو كان أحد أهم هؤلاء، ومن أكثرهم رسوخاً في الذاكرة. لا يمكن أن تتعلم العشق لكرة القدم من دون أن تمر على مدرسة هذا البرتغالي. أن تنهل من «علومه» الكروية. نعم، عند هؤلاء العظماء الكرة تغدو علماً، أوَليس هم الأصل فيها، والأوائل الذين أدخلوا الفرحة الى قلوبنا؟ في مدرسة أوزيبيو، وقِس على ذلك البرازيلي بيليه والألماني فرانتس بكنباور والهولندي يوهان كرويف وغيرهم من العظماء الأوائل، بحر من العلوم لسحر الأداء وجماله، وكذا للفن والمهارة، والأهم للطموح والمثابرة. فتألق أوزيبيو في فترة الستينيات والسبعينيات، حيث لمع على نحو خرافي مع نادي بنفيكا وقاده الى لقب بطل أوروبا عام 1962، ومع المنتخب البرتغالي وتحديداً في مونديال 1966 في إنكلترا حيث قاده الى المركز الثالث وتوّج هدافاً له، فضلاً عن تسجيله في مسيرته ككل رقم خيالي وهو 733 هدفاً في 745 مباراة (بحسب «بي بي سي»)، لم يكن عن عبث، بل كان بعد رحلة كفاح طويلة. فأن يحفر شاب فقير قادم من أفريقيا وتحديداً من موزمبيق، المستعمرة السابقة للبرتغال، في مقتبل الشباب، اسمه بين العظماء على غرار بيليه وبكنباور وغيرهم، بالتأكيد هذا اللاعب يستحق أن يكون رمزاً، قبل أن يكون نجماً كبيراً. صحيح أن الموهبة هي الأساس، لكنها لا تكفي وحدها لأن تصنع ممن يمتلكها رمزاً وأسطورة تحكي أجيال وأجيال عنها. فمواهب كثيرة في التاريخ مرت على كرة القدم، ولا تزال، لكنها تبقى في إطار النجومية ولا تتعداها الى مرتبة الرمزية. ولكي لا نذهب بعيداً، ولنبقى في بلد أوزيبيو، البرتغال، ولنسأل: هل من الممكن أن نضع أوزيبيو ونجماً برتغالياً موهوباً سابقاً مثل لويس فيغو في مرتبة واحدة؟ قطعاً لا. وأكثر، هل بالإمكان أن يصل النجم البرتغالي الحالي، كريستيانو رونالدو، ورغم موهبته الكبيرة جداً، الى رمزية أوزيبيو؟ بالتأكيد لا. قد يكون «الدون» في بعض الجوانب أكثر تقدماً على أوزيبيو، لكن «الفهد الأسمر» (لقب أوزيبيو) يبقى «المعلم» ورونالدو «التلميذ». طفولة أوزيبيو وكفاحه في الحياة للوصول الى النجومية في فترة ضمت عظماء في كرة القدم، هي مكمن الفرق، هي الرمزية بعينها هنا.

أوزيبيو (كما بيليه وبكنباور وغيرهم من العظماء) هو «النيغاتيف» للصور الجميلة في ذاكرتنا الكروية.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-01-05
  • 10036
  • من الأرشيف

رحيل أوزيبيو... «النيغاتيف» الجميل لذاكرتنا الكروية

رحل أوزيبيو صبيحة أمس. في الشهر الذي ولد فيه قبل 71 عاماً ودّعَنا «الفهد الأسمر» البرتغالي الذي رسم الفرحة كثيراً في ملاعب كرة القدم واحتل حيّزاً مهماً في ذاكرتنا وقلوبنا حتى غدا الرمز والأسطورة لم يحتل الحزن الوجوه ويسكن القلوب صبيحة يوم أمس في البرتغال وحدها. الحزن لفّ العالم الكروي قاطبة. شهر كانون الثاني أضحى له خاصيته في مفكّراتنا وروزناماتنا الرياضية، ففي الخامس منه ودّعْنا رمزاً من رموز كرة القدم وأحد أساطيرها الخالدة، البرتغالي أوزيبيو، بعد أن كان شهر فرحنا احتفالاً بميلاد هذا النجم. ليست صدفة أن يفارق أوزيبيو الحياة في الشهر ذاته الذي شهد ميلاده. وكأن القدر يأبى أن يمرّ مرور الكرام على العظماء، هكذا اختار أن يخطف منا أوزيبيو في الشهر ذاته الذي ولد فيه قبل 71 سنة خلت، حتى يبقى كانون الثاني استثنائياً ويحفر عميقاً في ذاكرتنا الكروية. أوزيبيو ذاك النجم الأسمراني الذي احتل حيّزاً مهماً في تلك الذاكرة التي تعود إلى حقبة مجيدة أحببنا، ومنها استلهمنا عشقنا للكرة، والتي تبقى فترتها الممتدة من الستينيات حتى أواخر الثمانينيات مرجعنا. تلك الذاكرة التي كان فيها للكرة سحر آخر، وطعم آخر. تلك الذاكرة المليئة بالصور الجميلة المؤرخة في قلوبنا قبل عقولنا لعظماء ما فارقوا الوجدان يوماً. أوزيبيو كان أحد أهم هؤلاء، ومن أكثرهم رسوخاً في الذاكرة. لا يمكن أن تتعلم العشق لكرة القدم من دون أن تمر على مدرسة هذا البرتغالي. أن تنهل من «علومه» الكروية. نعم، عند هؤلاء العظماء الكرة تغدو علماً، أوَليس هم الأصل فيها، والأوائل الذين أدخلوا الفرحة الى قلوبنا؟ في مدرسة أوزيبيو، وقِس على ذلك البرازيلي بيليه والألماني فرانتس بكنباور والهولندي يوهان كرويف وغيرهم من العظماء الأوائل، بحر من العلوم لسحر الأداء وجماله، وكذا للفن والمهارة، والأهم للطموح والمثابرة. فتألق أوزيبيو في فترة الستينيات والسبعينيات، حيث لمع على نحو خرافي مع نادي بنفيكا وقاده الى لقب بطل أوروبا عام 1962، ومع المنتخب البرتغالي وتحديداً في مونديال 1966 في إنكلترا حيث قاده الى المركز الثالث وتوّج هدافاً له، فضلاً عن تسجيله في مسيرته ككل رقم خيالي وهو 733 هدفاً في 745 مباراة (بحسب «بي بي سي»)، لم يكن عن عبث، بل كان بعد رحلة كفاح طويلة. فأن يحفر شاب فقير قادم من أفريقيا وتحديداً من موزمبيق، المستعمرة السابقة للبرتغال، في مقتبل الشباب، اسمه بين العظماء على غرار بيليه وبكنباور وغيرهم، بالتأكيد هذا اللاعب يستحق أن يكون رمزاً، قبل أن يكون نجماً كبيراً. صحيح أن الموهبة هي الأساس، لكنها لا تكفي وحدها لأن تصنع ممن يمتلكها رمزاً وأسطورة تحكي أجيال وأجيال عنها. فمواهب كثيرة في التاريخ مرت على كرة القدم، ولا تزال، لكنها تبقى في إطار النجومية ولا تتعداها الى مرتبة الرمزية. ولكي لا نذهب بعيداً، ولنبقى في بلد أوزيبيو، البرتغال، ولنسأل: هل من الممكن أن نضع أوزيبيو ونجماً برتغالياً موهوباً سابقاً مثل لويس فيغو في مرتبة واحدة؟ قطعاً لا. وأكثر، هل بالإمكان أن يصل النجم البرتغالي الحالي، كريستيانو رونالدو، ورغم موهبته الكبيرة جداً، الى رمزية أوزيبيو؟ بالتأكيد لا. قد يكون «الدون» في بعض الجوانب أكثر تقدماً على أوزيبيو، لكن «الفهد الأسمر» (لقب أوزيبيو) يبقى «المعلم» ورونالدو «التلميذ». طفولة أوزيبيو وكفاحه في الحياة للوصول الى النجومية في فترة ضمت عظماء في كرة القدم، هي مكمن الفرق، هي الرمزية بعينها هنا. أوزيبيو (كما بيليه وبكنباور وغيرهم من العظماء) هو «النيغاتيف» للصور الجميلة في ذاكرتنا الكروية.  

المصدر : حسن زين الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة