في حارة شعبية تُعَدّ من المناطق الساخنة بحكم موقعها بمحاذاة أحد المربعات الأمنية في دمشق، انطلق المخرج علاء الدين كوكش في تصوير معظم مشاهد مسلسل «قربان» الذي تنتجه «المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني» عن نصّ للكاتب رامي كوسا. دخول الكاميرا إلى الحارة غيّر يوميات أهلها التي كانت غارقةً في الرتابة والخوف بفعل الحرب، ليدخل سكّانها في اللعبة وينعموا بمنافعها الماديّة (تأجير البيوت كمواقع للتصوير، أو العمل كومبارس). لكن النفع المعنوي يبدو أكبر من وجهة نظر مجد، أحد السكان الذي أكّد لنا أنّ أجواء حارته تغيّرت وأصبح «أهلها في حالةٍ أفضل من الناحية النفسية.

بات لديهم ما يحفّزهم على مغادرة المنزل لمراقبة أداء الممثلين أو العمل معهم، وهذا يلهيهم عن متابعة نشرات الأخبار المحبطة».

اختير ذلك المكان كموقع لتصوير حارةٍ افتراضية رسم ملامحها رامي كوسا، لتشهد المنطلق الحكائي والمكاني للعمل. هذه الحارة الافتراضية تمثّل خليطاً عجيباً تتجاور فيه الطوائف، وربما الاتجاهات الثقافية والفكرية لمجموعة من الفقراء الباحثين عن حياة كريمة، أو حلم النجاح في العاصمة، كحال «رشيد» (سامر إسماعيل). شاب من أسرة ريفية بسيطة يأتي إلى الشام، ليحقّق أحلامه بحياة أفضل، لكنّه يخسر ذاته والقيم التي تربّى عليها، مقابل تطلّعه إلى أن يكون جزءاً من تركيبة مجتمع العاصمة. تنقلب حياته رأساً على عقب، ويشكّل في النهاية أحد القرابين التي يتحدّث عنها المسلسل.

تضم الحارة أيضاً «أمل»، الطالبة الجامعية شقيقة «رشيد» التي تجسدها الممثلة علا الباشا. كذلك، هناك «يزن» (شادي زيدان) الفقير الذي يؤدي زواجه بـ«ندين» (ندين تحسين بك) من دون رضى ذويه إلى تركه أهله، ومواجهته قدراً بائساً مع زوجته. أما «نضال» (حسام الشاه)، فينصّب نفسه حارساً على القيم، والشرع والموروث الاجتماعي ولا يتوقّف عن المناكفات مع أهل حارته، إضافة إلى «هيثم» (فايز قزق) المسيحي المتشدد الذي يذهب «قرباناً لرجعية العادات والتقاليد»، و«عمر» (سامر عمران) المثقّف العلماني والمعتقل السابق بسبب تطلعاته الإيديولوجية وآخرين.

وراء تلك الأدوار، يجتمع معظم الممثلين في مكان واحد سبق أن أشرنا إلى خطورته رغم هدوئه النسبي أخيراً، ما دفعنا إلى سؤالهم عن مدى إحساسهم بخطورة التصوير وسط هذه الظروف؟ يجيب سامر إسماعيل: «الخطر موجود على مدار النهار، وليس في موقع التصوير فقط. نحن نعيش في دمشق، وهي مدينة تشهد حرباً نعيش مخاطرها جميعاً، ونحاول تناسيها بأيّ شكل». لا ينكر الممثل أن التصوير خارج سوريا أكثر راحةً وأماناً، ليختم قائلاً: «هذا خياري في النهاية، اعتذرت عن أداء أعمال في مصر والخليج هذا العام، ولديّ رغبة في تقديم عمل سوري بالكامل هنا». لا تختلف الحال بالنسبة إلى الممثل شادي زيدان الذي قال: «لا أفكّر كثيراً في هذا التفصيل، كل منّا يأخذ نصيبه في الحياة، وتاركين القصّة على الله».

المخرج علاء الدين كوكش يشير إلى «عدم وجود مكان آمن تماماً في دمشق حيث التفجيرات والقذائف العشوائية، والشعور بالخطر يرافقنا إلى حدّ الاعتياد، وبات جزءاً من حياتنا». للمفارقة، أعرب كوكش عن سعادته لأنه يعمل في هذا الواقع، فانغماسه في الشغل يُبعده عن متابعة الأخبار السياسية «التي باتت متابعتها مرهقة على مدى ثلاث سنوات من عمر الأزمة».

يشير المخرج إلى أنّ مسلسله الجديد الذي سيعرض في رمضان، يعيده إلى الأعمال المعاصرة بعد غياب ثماني سنوات منذ تقديمه «حكايا الليل والنهار». يصف المسلسل بأنّه «نابع من أرضيتنا المُجتمعية التي بنيت الأزمة السورية عليها». ويضيف: «من خلال هذا النص، رأيتُ صورتي، وصورة الناس المحيطين بي». ويلخّص الخطوط العريضة لـ«قربان» بالقول: «هناك دائماً، للأسف الشديد، ضحايا في كل مجتمع نابعون من طبيعته وتركيبته، ويزداد عددهم وقت الشدائد». ويضيف: «ما نقوله عبر هذا المسلسل قد يساعد في تسليط الضوء على تركيبتنا الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، ويساعد مستقبلاً في التخفيف من آلامنا».

هذا ما يؤكّده الكاتب رامي كوسا، قائلاً: «في هذا العمل، فضّلت أن أتحدّث عن السوريين قبل الأحداث التي تشهدها البلاد، حتى نقول إنّه كان يجب على السلطة فِعلُ كذا وكذا، وأنّ الوحش الذي استيقظ في نفوس بعضنا بعد الأزمة، يجب أن ينام.

كذلك إنّ مراجعة مرحلة ما قبل الأزمة أمر ضروري وحقيقي. فهو وحده القادر على العودة إلى الواقع السوري القديم وتذكّره، والاشتغال للخروج بهذا البلد إلى مصافٍ أفضل».

 

صوت العقل 

تؤدي أمل عرفة في مسلسل «قربان» دور «يارا» التي تتدخل في أغلب محاور العمل «لجهة تغليب صوت العقل، ومخاطبة الإنسان الهادئ، داخل كل منّا». ويحاول الكاتب رامي كوسا من خلالها القول «إنّه لا تزال هناك فرصة للصوت المعتدل في مختلف القضايا، وربما كان هذا النموذج من الشخصيات هو الذي يجب إعادة إحيائه في المجتمع السوري اليوم». ويضم العمل على قائمة أبطاله أيضاً: جهاد سعد، سامر إسماعيل، فايز قزق، علا الباشا، وفاء موصللي، شادي مقرش، نجلاء الخمري، سامر عمران، شادي زيدان، يزن السيد، حسام الشاه، علي الإبراهيم، كرم الشعراني، هيا مرعشلي، وفنّانين آخرين.

  • فريق ماسة
  • 2014-01-05
  • 16465
  • من الأرشيف

الدراما السورية تزرع الأمل في الحارات الخائفة

في حارة شعبية تُعَدّ من المناطق الساخنة بحكم موقعها بمحاذاة أحد المربعات الأمنية في دمشق، انطلق المخرج علاء الدين كوكش في تصوير معظم مشاهد مسلسل «قربان» الذي تنتجه «المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني» عن نصّ للكاتب رامي كوسا. دخول الكاميرا إلى الحارة غيّر يوميات أهلها التي كانت غارقةً في الرتابة والخوف بفعل الحرب، ليدخل سكّانها في اللعبة وينعموا بمنافعها الماديّة (تأجير البيوت كمواقع للتصوير، أو العمل كومبارس). لكن النفع المعنوي يبدو أكبر من وجهة نظر مجد، أحد السكان الذي أكّد لنا أنّ أجواء حارته تغيّرت وأصبح «أهلها في حالةٍ أفضل من الناحية النفسية. بات لديهم ما يحفّزهم على مغادرة المنزل لمراقبة أداء الممثلين أو العمل معهم، وهذا يلهيهم عن متابعة نشرات الأخبار المحبطة». اختير ذلك المكان كموقع لتصوير حارةٍ افتراضية رسم ملامحها رامي كوسا، لتشهد المنطلق الحكائي والمكاني للعمل. هذه الحارة الافتراضية تمثّل خليطاً عجيباً تتجاور فيه الطوائف، وربما الاتجاهات الثقافية والفكرية لمجموعة من الفقراء الباحثين عن حياة كريمة، أو حلم النجاح في العاصمة، كحال «رشيد» (سامر إسماعيل). شاب من أسرة ريفية بسيطة يأتي إلى الشام، ليحقّق أحلامه بحياة أفضل، لكنّه يخسر ذاته والقيم التي تربّى عليها، مقابل تطلّعه إلى أن يكون جزءاً من تركيبة مجتمع العاصمة. تنقلب حياته رأساً على عقب، ويشكّل في النهاية أحد القرابين التي يتحدّث عنها المسلسل. تضم الحارة أيضاً «أمل»، الطالبة الجامعية شقيقة «رشيد» التي تجسدها الممثلة علا الباشا. كذلك، هناك «يزن» (شادي زيدان) الفقير الذي يؤدي زواجه بـ«ندين» (ندين تحسين بك) من دون رضى ذويه إلى تركه أهله، ومواجهته قدراً بائساً مع زوجته. أما «نضال» (حسام الشاه)، فينصّب نفسه حارساً على القيم، والشرع والموروث الاجتماعي ولا يتوقّف عن المناكفات مع أهل حارته، إضافة إلى «هيثم» (فايز قزق) المسيحي المتشدد الذي يذهب «قرباناً لرجعية العادات والتقاليد»، و«عمر» (سامر عمران) المثقّف العلماني والمعتقل السابق بسبب تطلعاته الإيديولوجية وآخرين. وراء تلك الأدوار، يجتمع معظم الممثلين في مكان واحد سبق أن أشرنا إلى خطورته رغم هدوئه النسبي أخيراً، ما دفعنا إلى سؤالهم عن مدى إحساسهم بخطورة التصوير وسط هذه الظروف؟ يجيب سامر إسماعيل: «الخطر موجود على مدار النهار، وليس في موقع التصوير فقط. نحن نعيش في دمشق، وهي مدينة تشهد حرباً نعيش مخاطرها جميعاً، ونحاول تناسيها بأيّ شكل». لا ينكر الممثل أن التصوير خارج سوريا أكثر راحةً وأماناً، ليختم قائلاً: «هذا خياري في النهاية، اعتذرت عن أداء أعمال في مصر والخليج هذا العام، ولديّ رغبة في تقديم عمل سوري بالكامل هنا». لا تختلف الحال بالنسبة إلى الممثل شادي زيدان الذي قال: «لا أفكّر كثيراً في هذا التفصيل، كل منّا يأخذ نصيبه في الحياة، وتاركين القصّة على الله». المخرج علاء الدين كوكش يشير إلى «عدم وجود مكان آمن تماماً في دمشق حيث التفجيرات والقذائف العشوائية، والشعور بالخطر يرافقنا إلى حدّ الاعتياد، وبات جزءاً من حياتنا». للمفارقة، أعرب كوكش عن سعادته لأنه يعمل في هذا الواقع، فانغماسه في الشغل يُبعده عن متابعة الأخبار السياسية «التي باتت متابعتها مرهقة على مدى ثلاث سنوات من عمر الأزمة». يشير المخرج إلى أنّ مسلسله الجديد الذي سيعرض في رمضان، يعيده إلى الأعمال المعاصرة بعد غياب ثماني سنوات منذ تقديمه «حكايا الليل والنهار». يصف المسلسل بأنّه «نابع من أرضيتنا المُجتمعية التي بنيت الأزمة السورية عليها». ويضيف: «من خلال هذا النص، رأيتُ صورتي، وصورة الناس المحيطين بي». ويلخّص الخطوط العريضة لـ«قربان» بالقول: «هناك دائماً، للأسف الشديد، ضحايا في كل مجتمع نابعون من طبيعته وتركيبته، ويزداد عددهم وقت الشدائد». ويضيف: «ما نقوله عبر هذا المسلسل قد يساعد في تسليط الضوء على تركيبتنا الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، ويساعد مستقبلاً في التخفيف من آلامنا». هذا ما يؤكّده الكاتب رامي كوسا، قائلاً: «في هذا العمل، فضّلت أن أتحدّث عن السوريين قبل الأحداث التي تشهدها البلاد، حتى نقول إنّه كان يجب على السلطة فِعلُ كذا وكذا، وأنّ الوحش الذي استيقظ في نفوس بعضنا بعد الأزمة، يجب أن ينام. كذلك إنّ مراجعة مرحلة ما قبل الأزمة أمر ضروري وحقيقي. فهو وحده القادر على العودة إلى الواقع السوري القديم وتذكّره، والاشتغال للخروج بهذا البلد إلى مصافٍ أفضل».   صوت العقل  تؤدي أمل عرفة في مسلسل «قربان» دور «يارا» التي تتدخل في أغلب محاور العمل «لجهة تغليب صوت العقل، ومخاطبة الإنسان الهادئ، داخل كل منّا». ويحاول الكاتب رامي كوسا من خلالها القول «إنّه لا تزال هناك فرصة للصوت المعتدل في مختلف القضايا، وربما كان هذا النموذج من الشخصيات هو الذي يجب إعادة إحيائه في المجتمع السوري اليوم». ويضم العمل على قائمة أبطاله أيضاً: جهاد سعد، سامر إسماعيل، فايز قزق، علا الباشا، وفاء موصللي، شادي مقرش، نجلاء الخمري، سامر عمران، شادي زيدان، يزن السيد، حسام الشاه، علي الإبراهيم، كرم الشعراني، هيا مرعشلي، وفنّانين آخرين.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة