دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ثمة علائم ومؤشرات قوية جدا على ان كماشة ثلاثية ستتحرك خلال الاسابيع القليلة القادمة بتسارع كبير لتحاصر آخر فلول الارهابيين التكفيريين على الحدود السورية مع كل من لبنان والعراق وتركيا لم تكن قادرة على الفعل بهذا اليسر النسبي لولا اذعان الامريكيين بانهم خسروا النزال نهائيا مع الرئيس بشار الاسد!
ويقال ان الناظم المشترك لهذه الكماشة الثلاثية هو نفسه ذلك الجنرال الاسمر السحنة الذي ظل يطارد شبحه الامريكيين طوال مدة تواجدهم على ارض الرافدين حتى اضطروا لمغادرة ارض العراق تحت جنح الظلام وصواريخ الكرار وذو الفقار تلاحقهم بمثابة شهادة ميلاد عراق ما بعد الاحتلال العسكري الامريكي!
يستعد كل من اردوغان وسليمان لمغادرة سدة الحكم في كل من تركيا ولبنان بشكل دراماتيكي ايضا ليدفعا بذلك ثمن تخبطهم وقراءتهما الشديدة الانحراف، لصالح خصومهما الذين راهنوا على صمود الاسد وبقائه في عرينه!
الى ذلك فان ثمة من يقطع بان زمن اغلاق الحدود بين سوريا وهذين البلدين بات حاجة دولية ملحة وليس فقط انعكاسا واقعيا لمعادلة موازين القوى المتحولة سريعا على الارض السورية لصالح ترسخ حقيقة سلامة ادارة الاسد وبقائه على رأس السلطة في عاصمة الامويين، الامر الذي يجعل انعقاد مؤتمر جنيف 2 الخاص بسوريا رهن بارادة الروس وتوقيتهم في الموعد المعلن!
فبينما يسعى اوباما الى التخلص شيئا فشيئا من مرحلة الغرق في المستنقع السوري استعدادا للتموضع على عقبيه من منطقة غرب آسيا الى شرقها الادنى لمواجهة التنين الصيني وتنظيم صراعات النفوذ مع القوة الروسية الصاعدة، يسعى اللاعب السعودي من خلال ادواته الصغيرة في بلاد الشام ومنها لبنان الى عرقلة مخطط ادارة اوباما الآنف الذكر!
وعليه يعتقد مراقبون متابعون جيدا لما يجري على الارض وفي الميدان السوري اللبناني بان ثمة مياها ودماء كثيرة ستجري وستسيل هناك من الان الى حين حلول موعد جنيف 2 السوري على خلفية هذا الحنق السعودي ما قد يعرض الموعد للتغيير من جديد او يجعل اصل المؤتمر على كف عفريت!
في هذه الاثناء ثمة من يتساءل عن مصير جنيف 3 الايراني وفيما اذا كان سيطبق حسب القراءة الامريكية التي تريد اخضاع المارد الايراني الصاعد وتطمين الكيان الصهيوني، او ان الايرانيين الذين قيل انهم ينظرون اليه بمثابة ‘استراحة محارب’ لن يسمحوا لاحد ان يستخدمه في معركة ‘كسر عظم’ معهم سيلجأون الى تكتيكات جديدة في المفاوضات مستفيدين من تحولات الميدان السوري بما يفضي للاطاحة بالتحالف السعودي الاسرائيلي الضاغط على ادارة اوباما ليصبح التوافق الامريكي الايراني مستمرا بقوة استمرارية رغبة ‘استراحة المحارب’ الايرانية الامريكية المشتركة الى حين تبين الخيط الابيض من الخيط الاسود في بلاد الشام!
وبينما السجال حاد في الساحة الايرانية حول مدى نجاعة هذا التوافق وقدرته على تحطيم جدار انعدام الثقة العالي جدا بين البلدين وبالتالي مدى قوته على الصمود بوجه العواصف المحلية او الاقليمية او الدولية التي تختزنها تحولات جيوبوليتيك المحور الايراني السوري العراقي، فان ثمة من يؤكد حاجة ادارة اوباما الملحة له اي للتوافق الامريكي الايراني ـ حول النووي ـ من اجل تنظيم تقاسم النفوذ الامريكي الروسي على ضفاف المتوسط!
هذا المتوسط وتحديدا شرقه الذي يشهد تحولا جيو استراتيجيا كبيرا يقلق الامريكيين بقوة ليجعلهم بين امرين احلاهما مر!
فاما ان يقبلوا بايران بمثابة القوة الخليجية العظمى الوحيدة الناظمة لمستقبل امن الخليج زائد كونها قوة متوسطية مطلقة العنان من خلال التحامها بالجيوبوليتيك السوري اللبناني وقوة مطلة على البحر الاحمر من خلال حضورها المتنامي في باب المندب، او ان يتم تكبيلها بتوافقات جنيف 3 النووي وجنيف 2 السوري الامر الذي يجعل القوة الروسية الدولية الصاعدة شريكا استراتيجيا للايرانيين في الجغرافيا السياسية الآنفة الذكر، وهو امر ليس افضل حالا من الاول للامريكيين ولكنه قد يحد بعض الشيء من اندفاعة جبهة المقاومة المتصاعدة للنفوذ الامريكي بقيادة طهران من خلال قوة دولية كابحة حتى لو كانت غريما لواشنطن الا انها تقبل في الحد الادنى من اللعب تحت سقف المتعارف عليه من قواعد التعامل الدولي الا وهي موسكو!
كثيرون من المعلقين او المحللين او المراقبين التقليديين قد لا يقبلون بهذه القراءة ويعتبرونها متفائلة ووردية ورغائبية اكثر مما هي واقعية، لكنهم سيتفاجأون قريبا عندما تحين ساعة انفجار المفاجآت كم كانوا قصيري النظر لانهم لم يقرأوا بعناية السبب الذي يجعل من ‘الشيطان الاكبر’ يضطر الى لجم رأس ‘محور الشر’ كما يصف محور المقاومة والممانعة بتوافقات من نوع جنيف 3 وان يسلم بالاسد السوري ضامنا لوقف تدهور امبراطوريته في المتوسط ومنع وصولها الى الحضيض بضمانة روسية عبر توافقات جنيف 2 وان يقبل بالتخلي عن اهم ‘حليف’ اقليمي تاريخي له على امتداد اكثر من نصف قرن من الزمان اي مملكة ال سعود بعد ان اثبتت انها قائمة على رمال متحركة لا اكثر، وانه لم يبق لامريكا الا التوسل بالعدوين اللدودين اي الايراني والسوري للقبول بـ’استراحة محارب ‘ لا لشيء الا لتأخير غرق ارخص سفينة امريكية في مياه المتوسط العاصفة اي اسرائيل كما يصفها جو بايدن!
نعم امريكا لا تزال قوية وتملك من اسلحة الدمار الشامل الكثير مما لو استعمل لتم تدمير ترسانة هذا البلد الآسيوي او ذاك كما يوصفها ويقرأها بعض ‘المرعوبين’ لكن هذا القارئ المرعوب لم يفقه بعد كيف يمكن لقائد بعيد النظر او قائد ميداني شجاع او قائد جيوش عربية مرئية واخرى غير ان يجعلوا هذا المارد الدولي المدجج بكل تلك الترسانة يقف حائرا عاجزا مقهورا خائفا يترقب عند بوابات دمشق في الثالث من ايلول/ سبتمبر المنصرم وان تتحول كل قدراته العسكرية الى مجرد ‘خردة حديد’ فقط لانه فقد ارادة القتال والقدرة على اتخاذ قرار الحرب على ذلك المشهد الدمشقي الشهير الذي يبدو انه لا تزال ترعبه مفاجآت قادته مذ رآهم وهم يمشون واثقي الخطى في قصر الشعب السوري!
المصدر :
محمد صادق الحسيني
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة