في حدث يُنذر بالمخاطر، وقّع وزير النفط والثروة المعدنية السوري إتفاقاً ضخماً مع شركة روسيا للتنقيب عن النفط في المياه الاقليمية السورية. وعدم ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسورية من جهة وسورية وتركيا من جهة أخرى يُنذر بوقوع مواجهات بين هذه الدول على خلفية النزاع على هذه الحدود.

تعيش منطقة الشرق الأوسط منذ ما يُقارب الأربعة أعوام في ظل هواجس حرب إقليمية أسبابها متعددة أهمها الثورات العربية، الملف النووي الإيراني، الحقول النفطية المُكتشفة حديثاً في البحر الأبيض المتوسط. هذه الهواجس دفعت بالمخططات الجيوستراتيجية والجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط إلى أخذ منحى جديد مع تفاعُل هذه العوامل التي تُلهب المنطقة.

ويأتي ملف النفط كأول عامل لعدم الإستقرار في المنطقة لما لهذا الملف من تشعبات وخلفيات. والسؤال الأساسي المطروح هو حول كيفية الوصول إلى حل شامل وسلمي يضمن حقوق شعوب المنطقة بهذه الثروة.

الخطوة التي ستؤجّج الوضع بدون أدنى شك هي الإتفاق الذي تمّ توقيعه بين سورية وروسيا للتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية السورية.

لكن على مثال الوضع القائم بين لبنان وإسرائيل، لا يوجد ترسيم للحدود بين لبنان وسورية (برية وبحرية). هذا الوضع يعني أن وقوع مواجهات مع الطرف السوري تصبح محتملة، وخصوصاً مع خلفيات الأزمة السورية وما خلقت من عداء للنظام في المجتمع اللبناني ، ومعه هناك احتمال تأجيج الوضع داخلياً.

لكن الصعوبة الأكبر هي بين تركيا وسورية حيث بلغ العداء بين النظام السوري والنظام الحاكم في تركيا ذروته مع تصاعد الدعم التركي للمعارضة السورية. فتركيا المدعومة من حلف شمال الأطلسي لن تسكت على ثروتها النفطية كما هي حال سورية المدعومة من روسيا والتي لن تتردّد في المواجهة في حال إعتراض تركيا على التنقيب عن النفط.

الثروة النفطية السورية

ضمن برنامج لتقدير موارد النفط والغاز القابلة للاسترداد في جميع أنحاء العالم، قامت المنظمة العلمية US Geological Survey بمسح وتقدير جيولوجي للموارد غير المكتشفة من النفط والغاز في منطقة شرق حوض المتوسط. والمسح الذي قامت به المنظمة لم يشمل السواحل السورية، التركية واليونانية بل غطى مساحة 83000 كيلومتر مربع مقابل السواحل اللبنانية، القبرصية والإسرائيلية. وعمدت المنظمة إلى تقسيم المنطقة إلى ثلاث مناطق جيولوجية. وتوصلت إلى أنّ متوسطَ حجم النفطِ غير المكتشف هو حوالي 1689 مليون برميل والغاز 122378 بليون قدمُ مكعّبُ (الكميات القابلة للإستخراج تقنياً).

ولا ينحصر وجود هذه الثروة النفطية في المنطقة الممسوحة سيسمياً، بل على العكس يُرجح أن تمتد هذه الثروة على كامل البحر المتوسط. والأسباب تعود إلى أن وجود النفط في مناطق جيولوجية تعني أن النفط يتخطى الحدود ولا ينحصر بدولة أو أخرى بل يمتد على طول الطبقة وبالتالي لاشيء يمنعه من الوصول إلى سورية، تركيا، واليونان… أضف إلى ذلك إن جغرافية قعر البحر المتوسط تُرجّح وجوده في كل المنطقة. والإثبات على ذلك، الإكتشاف حديثاً لجبل نفطي في البحر مقابل شمال لبنان على الحدود البحرية مع سورية.

وتُقدر الثروة النفطية في المنطقة بين 3000 و17000 مليار دولار أميركي. هذا الرقم هو رقم خيالي قد يدفع المنطقة إلى درجات عالية من التطور تتخطى الدول المُتطورة، إذا ما إستطاع الفرقاء التغلب على إنقساماتهم وتخطّي المشاكل الثنائية.

ومن المتوقع أن تكون حصة سورية من هذه الثروة كبيرة وتتراوح بين 123 و567 مليار دولار أميركي (مقارنة بلبنان 370 إلى 1700 مليار دولار أميركي). وشمل الإتفاق بين وزارة النفط والثروة المعدنية السورية وشركة سويوز نفتاغاز الروسية عمليات تنقيب في مساحة 2190 كلم مربع مقابل الشواطئ السورية، مما يعني أن سورية مُصممة على الإستفادة من هذه الثروة في وقت بدأت هياكل الإقتصاد السوري تتهاوى مع تفاقم المواجهات العسكرية في هذا البلد.

الأمل ضئيل

إن تفادي المواجهات العسكرية على الحدود البحرية تمرّ عبر تقسيم ملف النفط في البحر المتوسط إلى محاور : قانوني، تقني، وإقتصادي. وتقضي المقاربة بذكر كل المشاكل المتعلقة بهذه المحاور، وضع حلول لها، وأخيراً وضع خطة عمل لتنفيذ الحلول المقترحة بهدف الوصول إلى الهدف الأسمى، وهو استخراج النفط.

ويبقى المحور القانوني أول المحاور أهمية لما يتضمنه من مشاكل، كالمشكلة بين لبنان وإسرائيل، تركيا وقبرص، تركيا وسورية، ولبنان وسورية. ويرتبط مصير الحدود البحرية بين لبنان وسورية بمصير الحدود البرية التي، وبحسب رأينا، ستعمد الحكومة السورية إلى المقايضة عليها في حال حصول مفاوضات ثنائية وخصوصاً في ما يخص الغجر ومزارع شبعا.

لكن الأمل في حل شامل لهذه المشكلة ضئيل وذلك بسبب الإنقسامات الحادة التي خلّفتها الأزمة السورية بين دول المنطقة (سورية وتركيا مثلاً) وبسبب الخلافات التاريخية بين بعض الدول (قبرص وتركيا مثلاً). وبذلك سيتم تأخير إستخراج النفط في سورية ولبنان وتركيا لمصلحة إسرائيل وقبرص، وقد بدأتا رحلتهما النفطية ودخلتا منتدى الدول المُنتجة للنفط والغاز.

في لبنان

أما في لبنان، يبقى هذا الملف موضوع إنقسام كبير بين أهل السياسة لدرجة كبيرة سيتوقف معه ملف النفط، أقله للعامين المقبلين مع غياب ضوء أخضر أميركي، ومع بروز المشكلة الحدودية بين لبنان وسورية والتي لن تتأخر في الظهور إلى العلن. وبين الشقيقة والعدوة، يعيش لبنان أسود أيامه على كل الأصعدة.

ومع ميلاد السيد المسيح نتمنى من الله أن يُبعد من لبنان هذه الكأس المُرّة.

  • فريق ماسة
  • 2013-12-28
  • 8714
  • من الأرشيف

سورية: حرب نفطية في الأفق

في حدث يُنذر بالمخاطر، وقّع وزير النفط والثروة المعدنية السوري إتفاقاً ضخماً مع شركة روسيا للتنقيب عن النفط في المياه الاقليمية السورية. وعدم ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسورية من جهة وسورية وتركيا من جهة أخرى يُنذر بوقوع مواجهات بين هذه الدول على خلفية النزاع على هذه الحدود. تعيش منطقة الشرق الأوسط منذ ما يُقارب الأربعة أعوام في ظل هواجس حرب إقليمية أسبابها متعددة أهمها الثورات العربية، الملف النووي الإيراني، الحقول النفطية المُكتشفة حديثاً في البحر الأبيض المتوسط. هذه الهواجس دفعت بالمخططات الجيوستراتيجية والجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط إلى أخذ منحى جديد مع تفاعُل هذه العوامل التي تُلهب المنطقة. ويأتي ملف النفط كأول عامل لعدم الإستقرار في المنطقة لما لهذا الملف من تشعبات وخلفيات. والسؤال الأساسي المطروح هو حول كيفية الوصول إلى حل شامل وسلمي يضمن حقوق شعوب المنطقة بهذه الثروة. الخطوة التي ستؤجّج الوضع بدون أدنى شك هي الإتفاق الذي تمّ توقيعه بين سورية وروسيا للتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية السورية. لكن على مثال الوضع القائم بين لبنان وإسرائيل، لا يوجد ترسيم للحدود بين لبنان وسورية (برية وبحرية). هذا الوضع يعني أن وقوع مواجهات مع الطرف السوري تصبح محتملة، وخصوصاً مع خلفيات الأزمة السورية وما خلقت من عداء للنظام في المجتمع اللبناني ، ومعه هناك احتمال تأجيج الوضع داخلياً. لكن الصعوبة الأكبر هي بين تركيا وسورية حيث بلغ العداء بين النظام السوري والنظام الحاكم في تركيا ذروته مع تصاعد الدعم التركي للمعارضة السورية. فتركيا المدعومة من حلف شمال الأطلسي لن تسكت على ثروتها النفطية كما هي حال سورية المدعومة من روسيا والتي لن تتردّد في المواجهة في حال إعتراض تركيا على التنقيب عن النفط. الثروة النفطية السورية ضمن برنامج لتقدير موارد النفط والغاز القابلة للاسترداد في جميع أنحاء العالم، قامت المنظمة العلمية US Geological Survey بمسح وتقدير جيولوجي للموارد غير المكتشفة من النفط والغاز في منطقة شرق حوض المتوسط. والمسح الذي قامت به المنظمة لم يشمل السواحل السورية، التركية واليونانية بل غطى مساحة 83000 كيلومتر مربع مقابل السواحل اللبنانية، القبرصية والإسرائيلية. وعمدت المنظمة إلى تقسيم المنطقة إلى ثلاث مناطق جيولوجية. وتوصلت إلى أنّ متوسطَ حجم النفطِ غير المكتشف هو حوالي 1689 مليون برميل والغاز 122378 بليون قدمُ مكعّبُ (الكميات القابلة للإستخراج تقنياً). ولا ينحصر وجود هذه الثروة النفطية في المنطقة الممسوحة سيسمياً، بل على العكس يُرجح أن تمتد هذه الثروة على كامل البحر المتوسط. والأسباب تعود إلى أن وجود النفط في مناطق جيولوجية تعني أن النفط يتخطى الحدود ولا ينحصر بدولة أو أخرى بل يمتد على طول الطبقة وبالتالي لاشيء يمنعه من الوصول إلى سورية، تركيا، واليونان… أضف إلى ذلك إن جغرافية قعر البحر المتوسط تُرجّح وجوده في كل المنطقة. والإثبات على ذلك، الإكتشاف حديثاً لجبل نفطي في البحر مقابل شمال لبنان على الحدود البحرية مع سورية. وتُقدر الثروة النفطية في المنطقة بين 3000 و17000 مليار دولار أميركي. هذا الرقم هو رقم خيالي قد يدفع المنطقة إلى درجات عالية من التطور تتخطى الدول المُتطورة، إذا ما إستطاع الفرقاء التغلب على إنقساماتهم وتخطّي المشاكل الثنائية. ومن المتوقع أن تكون حصة سورية من هذه الثروة كبيرة وتتراوح بين 123 و567 مليار دولار أميركي (مقارنة بلبنان 370 إلى 1700 مليار دولار أميركي). وشمل الإتفاق بين وزارة النفط والثروة المعدنية السورية وشركة سويوز نفتاغاز الروسية عمليات تنقيب في مساحة 2190 كلم مربع مقابل الشواطئ السورية، مما يعني أن سورية مُصممة على الإستفادة من هذه الثروة في وقت بدأت هياكل الإقتصاد السوري تتهاوى مع تفاقم المواجهات العسكرية في هذا البلد. الأمل ضئيل إن تفادي المواجهات العسكرية على الحدود البحرية تمرّ عبر تقسيم ملف النفط في البحر المتوسط إلى محاور : قانوني، تقني، وإقتصادي. وتقضي المقاربة بذكر كل المشاكل المتعلقة بهذه المحاور، وضع حلول لها، وأخيراً وضع خطة عمل لتنفيذ الحلول المقترحة بهدف الوصول إلى الهدف الأسمى، وهو استخراج النفط. ويبقى المحور القانوني أول المحاور أهمية لما يتضمنه من مشاكل، كالمشكلة بين لبنان وإسرائيل، تركيا وقبرص، تركيا وسورية، ولبنان وسورية. ويرتبط مصير الحدود البحرية بين لبنان وسورية بمصير الحدود البرية التي، وبحسب رأينا، ستعمد الحكومة السورية إلى المقايضة عليها في حال حصول مفاوضات ثنائية وخصوصاً في ما يخص الغجر ومزارع شبعا. لكن الأمل في حل شامل لهذه المشكلة ضئيل وذلك بسبب الإنقسامات الحادة التي خلّفتها الأزمة السورية بين دول المنطقة (سورية وتركيا مثلاً) وبسبب الخلافات التاريخية بين بعض الدول (قبرص وتركيا مثلاً). وبذلك سيتم تأخير إستخراج النفط في سورية ولبنان وتركيا لمصلحة إسرائيل وقبرص، وقد بدأتا رحلتهما النفطية ودخلتا منتدى الدول المُنتجة للنفط والغاز. في لبنان أما في لبنان، يبقى هذا الملف موضوع إنقسام كبير بين أهل السياسة لدرجة كبيرة سيتوقف معه ملف النفط، أقله للعامين المقبلين مع غياب ضوء أخضر أميركي، ومع بروز المشكلة الحدودية بين لبنان وسورية والتي لن تتأخر في الظهور إلى العلن. وبين الشقيقة والعدوة، يعيش لبنان أسود أيامه على كل الأصعدة. ومع ميلاد السيد المسيح نتمنى من الله أن يُبعد من لبنان هذه الكأس المُرّة.

المصدر : الجمهورية/ البرفسور جاسم عجاقة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة