انطلقت بنا سيارات المراسم الرئاسية السوداء تشق شوارع دمشق الهادئة في هذه الساعة المبكرة من يوم الاثنين الماضي باتجاه لا نعرفه. طلب منا ان لا نحمل اي حقائب يد او اجهزة اتصال خليوية.

 قيل لنا ان الرئيس سيكون في استقبالنا. لم اكن قلقا. بجواري كانت غايل, ايضا من المجلس الوطني لحزب الوكيليكس. لم اسالها عن توقعاتها او شعورها.

عندما وصلت السيارات ودخلنا المبنى, كان السيد الرئيس في استقبالنا. نعم دهشت. فلم يتم تفتيشنا شخصيا او على الاقل المرور من خلال جهاز كشف المواد المعدنية التي نشاهدها بكثرة في دمشق وغيرها من عواصم الشرق الوسط بعد ان حلت عليهم نعمة “الربيع” العربي. مشهد اخر على ثقة المسؤولين السوريين وارتياحهم في هذه المرحلة.

منذ اللحظة الاولى حاول الرئيس ان يكسر اي حاجز مع الحاضرين. بدون برتوكول امسك بيد رئيس حزب ويكيليكس, والد جوليان اسانج, وطلب منه الجلوس الى جواره. كل ذلك مع عبارات الترحيب التلقائية البسيطة.

دخل في الموضوع بيسر وسهولة. هو يدرك ان العالم تكشفت امامه الوقائع. يعرف تماما اننا متابعون للموضوع: متابعون للارهاب الضارب, للذبح وتقطيع الرؤوس وللفتاوى الغريبة من شذاذ الافاق.

طلب ومنذ البداية ان لا نتردد في سؤال اي شيء نحب.

“انا لا احب المجاملة وخصوصا في هذه المرحلة” هكذا ابتدا الرئيس حديثه وبشكل واثق ومتواضع.

حتى للشاي كان مذاق اصيل. شاي بطعم ياسمين الشام.

يعرف الرئيس ان المتامرين يدركون انهم لا يستطيعوا اخفاء الحقائق اكثر. فبريطانيا اعترفت ان ما يحدث في سوريا هو ارهاب تكفيري وبادرت الى سحب جنسيات من ثبت اشتراكهم باعمال ارهابية في سوريا. وامريكا اطلقت ولاول مرة منذ بداية الازمة تصريحا بان على دول الجوار ان يتوقفوا عن دعم وتسليح الارهابيين والسماح لهم بالسفر الى سوريا.

نعم سيادة الرئيس. هي ازدواجية المواقف والمعايير باقبح صورها. فارهاب في افغانستان مدان ومحارب بكل الوسائل والطرق. ولكنه “نضال” مقبول في سوريا ومدعوم من كل الدول الغربية, حتى لو كان المجرم نفسه في كلتا الدولتين.

الرئيس ايضا لم يجامل بالحديث عن الدور السعودي القذر بتاجيج الصراع ومد الارهابيين بكل اشكال الدعم المادي والتسليحي والمعنوي.

“الخلاف ليس شخصي… فلا خلاف شخصي بيني وبين الملك عبدالله. هو خلاف المشاريع. خلاف بين محورين. خلاف بين ممانعة الهيمنة الامريكية-الاسرائيلية مع محور الخنوع والرضوخ لهذه الهيمنة”

كلام من ذهب.

اما جنيف, فاعلن الرئيس ان الدولة السورية مستعدة للمشاركة وبوفد حاضر وكامل. فهل يوجد وفد معارض متفق على اجندات وتمثيل؟

“ولكننا لن نتوقف عن ملاحقة الارهابيين واعتقالهم او قتلهم لتخليص سوريا من ارهابهم… بغض النظر عن انعقاد جنيف او عدم انعقاده. فهل تقبل بريطانيا بارهاب على اراضيها؟”

اعتذرت للرئيس وكفلسطيني عن ممارسات بعض المتطرفين الفلسطينيين المشاركين بذبح السوريين وتدمير البلد. فلا حماس تمثل الفلسطينيين, ولا يمثلهم تكفيريو رائد صلاح.

قال الرئيس كلاما واضحا. فلسطين في قلب كل سوري. فلسطين في صلب اهتمامات الحكومة السورية. بل ان فلسطين هي لب القضية. وسوريا تعاقب على مواقفها من فلسطين ودعم المقاومة الفلسطينية. ولا داعي لاعتذار من احد عن جرائم متطرفي ابناء بلدهم.

وعن جهود اعادة الاعمار, اعلن الرئيس ان الدولة تستعد لهذه المرحلة. اصدقاء سوريا الكثر هم من يعول عليهم. الدراسات الان تنحى للبدء بتلزيم جهود اعادة الاعمار لشركات قادرة من روسيا والصين وايران.

ولكن الدولة بحاجة الى تبرعات حاليا خصوصا في ظروف الحصار الظالم الخانق, وخصوصا من الادوية. الدولة ستسهل وصول حملات التبرع الى مستحقيها. مشروع مهم نعمل في حزب الويكيليكس على اطلاقه بمجرد عودتنا الى استراليا.

رئيس متواضع بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

عندما تتوه بعض الكلمات الانجليزية, لا يتردد بطلب المعونة منا.

يطلق تعليقات لطيفة عن الشبه الكبير بين عضو الوفد جون شيبتون وابنه جوليان اسانج. “انت تشبه جوليان كثيرا”. ثم يتدارك سريعا “الاصح انه هو من يشبهك”. وابتسامات دافئة من جون والحاضرين.

كما كان هناك ادراك تماما لدور الاعلام في تاجيج الازمة. ولذلك فالرئيس منفتح على التقاء اي صحفي لشرح ابعاد ما يحدث “حتى لو كان من وسيلة اعلام يمينية محافظة”. من لا يخفي شيئا لا يخاف الشفافية.

سيادة الرئيس: شكرا على اللقاء الدافئ. شكرا على الصمود الاسطوري لسوريا على كل المستويات. وشكرا على الحفاوة المتناهية.

سيادة الرئيس: شكرا والى لقاء قريب جدا.

كيف تشعرين غايل؟

جاء الجواب سريعا: شعور رائع. شكرا سوريا.

دمشق نستودعك الله والى لقاء قريب.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-12-27
  • 11864
  • من الأرشيف

هكذا التقانا الرئيس الاسد : انطباعات وفد الوكيليكس الاسترالي

انطلقت بنا سيارات المراسم الرئاسية السوداء تشق شوارع دمشق الهادئة في هذه الساعة المبكرة من يوم الاثنين الماضي باتجاه لا نعرفه. طلب منا ان لا نحمل اي حقائب يد او اجهزة اتصال خليوية.  قيل لنا ان الرئيس سيكون في استقبالنا. لم اكن قلقا. بجواري كانت غايل, ايضا من المجلس الوطني لحزب الوكيليكس. لم اسالها عن توقعاتها او شعورها. عندما وصلت السيارات ودخلنا المبنى, كان السيد الرئيس في استقبالنا. نعم دهشت. فلم يتم تفتيشنا شخصيا او على الاقل المرور من خلال جهاز كشف المواد المعدنية التي نشاهدها بكثرة في دمشق وغيرها من عواصم الشرق الوسط بعد ان حلت عليهم نعمة “الربيع” العربي. مشهد اخر على ثقة المسؤولين السوريين وارتياحهم في هذه المرحلة. منذ اللحظة الاولى حاول الرئيس ان يكسر اي حاجز مع الحاضرين. بدون برتوكول امسك بيد رئيس حزب ويكيليكس, والد جوليان اسانج, وطلب منه الجلوس الى جواره. كل ذلك مع عبارات الترحيب التلقائية البسيطة. دخل في الموضوع بيسر وسهولة. هو يدرك ان العالم تكشفت امامه الوقائع. يعرف تماما اننا متابعون للموضوع: متابعون للارهاب الضارب, للذبح وتقطيع الرؤوس وللفتاوى الغريبة من شذاذ الافاق. طلب ومنذ البداية ان لا نتردد في سؤال اي شيء نحب. “انا لا احب المجاملة وخصوصا في هذه المرحلة” هكذا ابتدا الرئيس حديثه وبشكل واثق ومتواضع. حتى للشاي كان مذاق اصيل. شاي بطعم ياسمين الشام. يعرف الرئيس ان المتامرين يدركون انهم لا يستطيعوا اخفاء الحقائق اكثر. فبريطانيا اعترفت ان ما يحدث في سوريا هو ارهاب تكفيري وبادرت الى سحب جنسيات من ثبت اشتراكهم باعمال ارهابية في سوريا. وامريكا اطلقت ولاول مرة منذ بداية الازمة تصريحا بان على دول الجوار ان يتوقفوا عن دعم وتسليح الارهابيين والسماح لهم بالسفر الى سوريا. نعم سيادة الرئيس. هي ازدواجية المواقف والمعايير باقبح صورها. فارهاب في افغانستان مدان ومحارب بكل الوسائل والطرق. ولكنه “نضال” مقبول في سوريا ومدعوم من كل الدول الغربية, حتى لو كان المجرم نفسه في كلتا الدولتين. الرئيس ايضا لم يجامل بالحديث عن الدور السعودي القذر بتاجيج الصراع ومد الارهابيين بكل اشكال الدعم المادي والتسليحي والمعنوي. “الخلاف ليس شخصي… فلا خلاف شخصي بيني وبين الملك عبدالله. هو خلاف المشاريع. خلاف بين محورين. خلاف بين ممانعة الهيمنة الامريكية-الاسرائيلية مع محور الخنوع والرضوخ لهذه الهيمنة” كلام من ذهب. اما جنيف, فاعلن الرئيس ان الدولة السورية مستعدة للمشاركة وبوفد حاضر وكامل. فهل يوجد وفد معارض متفق على اجندات وتمثيل؟ “ولكننا لن نتوقف عن ملاحقة الارهابيين واعتقالهم او قتلهم لتخليص سوريا من ارهابهم… بغض النظر عن انعقاد جنيف او عدم انعقاده. فهل تقبل بريطانيا بارهاب على اراضيها؟” اعتذرت للرئيس وكفلسطيني عن ممارسات بعض المتطرفين الفلسطينيين المشاركين بذبح السوريين وتدمير البلد. فلا حماس تمثل الفلسطينيين, ولا يمثلهم تكفيريو رائد صلاح. قال الرئيس كلاما واضحا. فلسطين في قلب كل سوري. فلسطين في صلب اهتمامات الحكومة السورية. بل ان فلسطين هي لب القضية. وسوريا تعاقب على مواقفها من فلسطين ودعم المقاومة الفلسطينية. ولا داعي لاعتذار من احد عن جرائم متطرفي ابناء بلدهم. وعن جهود اعادة الاعمار, اعلن الرئيس ان الدولة تستعد لهذه المرحلة. اصدقاء سوريا الكثر هم من يعول عليهم. الدراسات الان تنحى للبدء بتلزيم جهود اعادة الاعمار لشركات قادرة من روسيا والصين وايران. ولكن الدولة بحاجة الى تبرعات حاليا خصوصا في ظروف الحصار الظالم الخانق, وخصوصا من الادوية. الدولة ستسهل وصول حملات التبرع الى مستحقيها. مشروع مهم نعمل في حزب الويكيليكس على اطلاقه بمجرد عودتنا الى استراليا. رئيس متواضع بكل ما تحمل الكلمة من معنى. عندما تتوه بعض الكلمات الانجليزية, لا يتردد بطلب المعونة منا. يطلق تعليقات لطيفة عن الشبه الكبير بين عضو الوفد جون شيبتون وابنه جوليان اسانج. “انت تشبه جوليان كثيرا”. ثم يتدارك سريعا “الاصح انه هو من يشبهك”. وابتسامات دافئة من جون والحاضرين. كما كان هناك ادراك تماما لدور الاعلام في تاجيج الازمة. ولذلك فالرئيس منفتح على التقاء اي صحفي لشرح ابعاد ما يحدث “حتى لو كان من وسيلة اعلام يمينية محافظة”. من لا يخفي شيئا لا يخاف الشفافية. سيادة الرئيس: شكرا على اللقاء الدافئ. شكرا على الصمود الاسطوري لسوريا على كل المستويات. وشكرا على الحفاوة المتناهية. سيادة الرئيس: شكرا والى لقاء قريب جدا. كيف تشعرين غايل؟ جاء الجواب سريعا: شعور رائع. شكرا سوريا. دمشق نستودعك الله والى لقاء قريب.  

المصدر : بانوراما الشرق الاوسط/ جمال داود


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة