إقدام وفد «المجموعة اللبنانية للإعلام ـ تلفزيون المنار» على الاعتذار عن تغطية الحراك الشعبي البحريني السلمي، من أجل تلافي قرار عربي بوقف بث القناة ــــ كما حصل بالنسبة للتلفزيونات السورية ــــ ليس مجرد «سقطة» أو «تصرف خاص بأعضاء الوفد». فالوصف الأول أخلاقي، فكأن مندوبي «المنار» تخلوا و«خانوا». وهذا لا يفيد بشيء في تحليل جدي، كما أن تبرير الحزب ليس مقنعاً؛ فوفد «المنار» حزبي أو خاضع للمستويات الحزبية. دعونا، إذاً، نعالج الحدث باكتشاف جذوره:

أولاً، لعل التماسك الفكري السياسي المعروف عن حزب الله، قبل العام 2011، قد تعرّض للكثير من التصدعات بسبب التطورات النوعية الكبيرة التي شهدها المشرق والعالم العربي. فقد انتقل الحزب من الاطمئنان الصوفي إلى واحدية فكرية ــــ سياسية، تتمحور حول مقاومة إسرائيل، إلى الدخول في شبكة تناقضات فرضها الواقع، واندرج فيها الحزب ميدانياً، وحوّلته إلى قوة إقليمية متعددة الجبهات والمداخلات. وهو ما لم يحظ سوى بالمعالجات المتتابعة في خطابات حسن نصر الله، من دون أن ينخرط الحزب في مراجعة فكرية ــــ سياسية، يبدو أنها مؤجلة حتى إشعار آخر، ربما بسبب صعوبتها المزدوجة. فهي، من جهة، تحتاج إلى خيال سياسي وابداع فكري وورشات نقاش صريحة وشجاعة، إضافة إلى أنها تطرح، من جهة أخرى، ضرورة إعادة تنظيم وعي أعضاء الحزب وجمهوره.

(1)حزب الله، كما هو معروف، حزب إسلامي، وجد نفسه يقاتل في صفوف نظام قومي علماني هو النظام السوري، ضد قوى إسلامية، صحيح أن التركيز، هنا، هو على الجماعات التكفيرية، ولكن المواجهة، في سوريا، تشمل، أيضاً، الإخوان المسلمين وكل تيار إسلامي معارض للدولة العلمانية. وفي تسويغ ذلك، برز مبرران، أحدهما سياسي مما تلح عليه خطابات السيد حسن نصرالله، فتوضح ــــ وهذا صحيح ــــ أن الدفاع عن النظام السوري، هو، واقعياً وميدانياً واستراتيجياً، دفاع عن المقاومة ذاتها، وعن سلاحها وخطها، والثاني شعبي لا محيد عنه، ينظر بعين الرضا والحماسة لمشاركة الحزب في معركة سوريا، من موقع مذهبي ضمني.

(2) وعلى خلفية الصراع مع سوريا بالذات، دخل حزب الله في تناقض في ما يتصل بالموقف من «حماس»؛ ففي الأساس، لكانت الأيديولوجية الواحدية الواقفة خلف أولوية البندقية ضد إسرائيل، وبمعزل عن كل الأبعاد السياسية، ستحافظ على العلاقات بين حزب الله وحماس. وقد مشى الحزب وراء محاولة الفصل تلك، وفشل أو تعثّر، سواء بسبب الرفض السوري أو بسبب ضغوط حلفاء الحزب الجدد من قوميين ويساريين أو بسبب ضغوط جمهور الحزب نفسه، ذلك الذي رأى في السلوك الحمساوي خيانة للمقاومة.

(3) وامتدّ الارتباك، بطبيعة الحال، إلى الشأن المصري؛ فمنطلقات حزب الله، تجعله يميل إلى الإخوان والإسلاميين، تحت مقولة الخامنئي، عن «الصحوة الإسلامية»، لكن، في المقابل، يجد الحزب نفسه مضطرا إلى النظر إلى الجيش المصري ونظامه، كحليف جديد للنظام السوري، لا يمكن الاستخفاف بحضوره ووزنه النوعي.

(4) وإذا كان السقوط المدوّي للإسلام السياسي السني في العالم العربي، مريحاً لحزب الله في الميدان السوري، فهو يطرح الأسئلة حول مستقبل الإسلام السياسي الشيعي العربي أيضاً، في لبنان نفسه، ولكن أشدّ هولاً في العراق، حيث أصبح واضحاً أن إنهاء الانشقاق والفلتان الأمني وعودة الدولة ودورها الخدمي والتنموي والإقليمي، هو رهن بالعودة إلى علمانية الدولة.

ثانياً، التداخل أو قل التماهي بين حزب الله والجمهورية الإسلامية في إيران، كان سالكا، بلا تناقضات جوهرية ــــ اللهم الا في مقاربة الشأن العراقي ــــ لكن اليوم، بعدما بدأت مسيرة التفاهمات الإيرانية ــــ الأميركية، حدث افتراق موضوعي في مضمون وشكل مقاربة حزب الله للموقف من السعودية والخليج، سواء حول سوريا ولبنان والبحرين ــــ وهي مقاربة المجابهة الصريحة كما رسم ملامحها خطاب نصر الله في اتهام السعودية بالإرهاب ــــ وبين مقاربة الدولة الإيرانية التي تنزع إلى توسيع نطاق المصالحات البراغماتية (وهي تتضمن، بالطبع، تقديم تنازلات) مع الخلايجة، بل والسعي الدؤوب للتفاهم مع السعودية. وهو ما يحقق المصالح المشروعة للدولة الإيرانية.

كل أشكال التناقضات السابقة ــــ وسواها كثير ــــ أثّرت، وتؤثّر على أعضاء حزب الله ــــ ربما من دون مقاتليه ــــ وخصوصا كوادره الإدارية والفنية ومؤسساته ووسائل إعلامه، بعدة نزعات، كالاضطراب والبراغماتية والشعبوية والميركنتيلية الخ وهو ما يطرح على الحزب، من دون تأخير، مهمة القيام بخطوة تنظيم عاجلة، تعيد تعريف أيديولوجيا الحزب واستراتيجيته وتؤكد استقلاليته الفكرية والسياسية ووسائله، وذلك في غرفة نقاش لا تستبعد الحلفاء والأصدقاء.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-12-10
  • 10553
  • من الأرشيف

حزب الله.. خطوة تنظيم عاجلة

إقدام وفد «المجموعة اللبنانية للإعلام ـ تلفزيون المنار» على الاعتذار عن تغطية الحراك الشعبي البحريني السلمي، من أجل تلافي قرار عربي بوقف بث القناة ــــ كما حصل بالنسبة للتلفزيونات السورية ــــ ليس مجرد «سقطة» أو «تصرف خاص بأعضاء الوفد». فالوصف الأول أخلاقي، فكأن مندوبي «المنار» تخلوا و«خانوا». وهذا لا يفيد بشيء في تحليل جدي، كما أن تبرير الحزب ليس مقنعاً؛ فوفد «المنار» حزبي أو خاضع للمستويات الحزبية. دعونا، إذاً، نعالج الحدث باكتشاف جذوره: أولاً، لعل التماسك الفكري السياسي المعروف عن حزب الله، قبل العام 2011، قد تعرّض للكثير من التصدعات بسبب التطورات النوعية الكبيرة التي شهدها المشرق والعالم العربي. فقد انتقل الحزب من الاطمئنان الصوفي إلى واحدية فكرية ــــ سياسية، تتمحور حول مقاومة إسرائيل، إلى الدخول في شبكة تناقضات فرضها الواقع، واندرج فيها الحزب ميدانياً، وحوّلته إلى قوة إقليمية متعددة الجبهات والمداخلات. وهو ما لم يحظ سوى بالمعالجات المتتابعة في خطابات حسن نصر الله، من دون أن ينخرط الحزب في مراجعة فكرية ــــ سياسية، يبدو أنها مؤجلة حتى إشعار آخر، ربما بسبب صعوبتها المزدوجة. فهي، من جهة، تحتاج إلى خيال سياسي وابداع فكري وورشات نقاش صريحة وشجاعة، إضافة إلى أنها تطرح، من جهة أخرى، ضرورة إعادة تنظيم وعي أعضاء الحزب وجمهوره. (1)حزب الله، كما هو معروف، حزب إسلامي، وجد نفسه يقاتل في صفوف نظام قومي علماني هو النظام السوري، ضد قوى إسلامية، صحيح أن التركيز، هنا، هو على الجماعات التكفيرية، ولكن المواجهة، في سوريا، تشمل، أيضاً، الإخوان المسلمين وكل تيار إسلامي معارض للدولة العلمانية. وفي تسويغ ذلك، برز مبرران، أحدهما سياسي مما تلح عليه خطابات السيد حسن نصرالله، فتوضح ــــ وهذا صحيح ــــ أن الدفاع عن النظام السوري، هو، واقعياً وميدانياً واستراتيجياً، دفاع عن المقاومة ذاتها، وعن سلاحها وخطها، والثاني شعبي لا محيد عنه، ينظر بعين الرضا والحماسة لمشاركة الحزب في معركة سوريا، من موقع مذهبي ضمني. (2) وعلى خلفية الصراع مع سوريا بالذات، دخل حزب الله في تناقض في ما يتصل بالموقف من «حماس»؛ ففي الأساس، لكانت الأيديولوجية الواحدية الواقفة خلف أولوية البندقية ضد إسرائيل، وبمعزل عن كل الأبعاد السياسية، ستحافظ على العلاقات بين حزب الله وحماس. وقد مشى الحزب وراء محاولة الفصل تلك، وفشل أو تعثّر، سواء بسبب الرفض السوري أو بسبب ضغوط حلفاء الحزب الجدد من قوميين ويساريين أو بسبب ضغوط جمهور الحزب نفسه، ذلك الذي رأى في السلوك الحمساوي خيانة للمقاومة. (3) وامتدّ الارتباك، بطبيعة الحال، إلى الشأن المصري؛ فمنطلقات حزب الله، تجعله يميل إلى الإخوان والإسلاميين، تحت مقولة الخامنئي، عن «الصحوة الإسلامية»، لكن، في المقابل، يجد الحزب نفسه مضطرا إلى النظر إلى الجيش المصري ونظامه، كحليف جديد للنظام السوري، لا يمكن الاستخفاف بحضوره ووزنه النوعي. (4) وإذا كان السقوط المدوّي للإسلام السياسي السني في العالم العربي، مريحاً لحزب الله في الميدان السوري، فهو يطرح الأسئلة حول مستقبل الإسلام السياسي الشيعي العربي أيضاً، في لبنان نفسه، ولكن أشدّ هولاً في العراق، حيث أصبح واضحاً أن إنهاء الانشقاق والفلتان الأمني وعودة الدولة ودورها الخدمي والتنموي والإقليمي، هو رهن بالعودة إلى علمانية الدولة. ثانياً، التداخل أو قل التماهي بين حزب الله والجمهورية الإسلامية في إيران، كان سالكا، بلا تناقضات جوهرية ــــ اللهم الا في مقاربة الشأن العراقي ــــ لكن اليوم، بعدما بدأت مسيرة التفاهمات الإيرانية ــــ الأميركية، حدث افتراق موضوعي في مضمون وشكل مقاربة حزب الله للموقف من السعودية والخليج، سواء حول سوريا ولبنان والبحرين ــــ وهي مقاربة المجابهة الصريحة كما رسم ملامحها خطاب نصر الله في اتهام السعودية بالإرهاب ــــ وبين مقاربة الدولة الإيرانية التي تنزع إلى توسيع نطاق المصالحات البراغماتية (وهي تتضمن، بالطبع، تقديم تنازلات) مع الخلايجة، بل والسعي الدؤوب للتفاهم مع السعودية. وهو ما يحقق المصالح المشروعة للدولة الإيرانية. كل أشكال التناقضات السابقة ــــ وسواها كثير ــــ أثّرت، وتؤثّر على أعضاء حزب الله ــــ ربما من دون مقاتليه ــــ وخصوصا كوادره الإدارية والفنية ومؤسساته ووسائل إعلامه، بعدة نزعات، كالاضطراب والبراغماتية والشعبوية والميركنتيلية الخ وهو ما يطرح على الحزب، من دون تأخير، مهمة القيام بخطوة تنظيم عاجلة، تعيد تعريف أيديولوجيا الحزب واستراتيجيته وتؤكد استقلاليته الفكرية والسياسية ووسائله، وذلك في غرفة نقاش لا تستبعد الحلفاء والأصدقاء.  

المصدر : الأخبار / ناهض حتر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة