من توفرت له نعمة الكهرباء في سورية، ومعها، كرفاهية إضافية، شاشة تلفاز، شاهد أمس الشرح المسهب الذي قدمه مدير في الأرصاد الجوية في سورية على الشاشة الرسمية عن المنخفض القطبي الذي يحل على المنطقة هذه الأيام.

لم يذهب الخبير الجوي، إلى الحد الذي ذهبت إليه بعض القنوات اللبنانية بالحديث عن رياح بسرعة 90 كيلومترا في الساعة، والتي تستوجب استنفارا كاملا لقوى الدفاع المدني، ولكنه أشار إلى «رياح ناشطة» بسرعة 65 كيلومترا في الساعة، معتبرا أن الخطر الأكبر يكمن في السيول والصقيع التي ستصيب غالبية المناطق السورية من دون تمييز.

السوريون في هذه الأثناء متفرقون ومختلفون، حتى في إمكانيات الاستعداد للعاصفة التي تأتي في غير موعدها، من دون ترحيب.

المواطنون متفرقون على البيوت والملاجئ والخيم وأنفاق الشوارع والشقق المهجورة. المقاتلون متوزعون خلف الدشم والمتاريس، على أسطح المباني وفي الثكنات المحاصرة أو الحرة. كل يحضر للعاصفة بطريقته الخاصة، إن استطاع لذلك سبيلا.

وزارة التموين تعترف بأن أسعار المواد الغذائية ارتفعت في اليومين الماضيين. ارتفاع الطلب على مواد الطاقة من بنزين ومازوت جدد الأزمة التي تغيب وتحضر باستمرار، فبدأت موجات الانقطاع، من المادتين، وشهدت بحسب متسوقين أسعار الحطب كما المولدات الكهربائية والشواحن ارتفاعا ملموسا في الأسعار.

الصحف السورية، وبينها «الوطن» الخاصة، أشارت إلى تعقيدات في بيع الخبز في مدينة السويداء، وهو ما دفع رئاسة الوزراء إلى تحذير الأفران من التلاعب بسعر المادة، مؤكدة العمل على مدار اليوم لتأمين الخبز.

من جهتها، نوهت وسائل إعلامية أخرى باستعدادات الهيئات البلدية، ولا سيما في ريف دمشق للعاصفة المقبلة. العاصفة الطبيعية كما هو مقصود هنا، يمكن أن تؤثر تأثيرا مباشرا بالمزروعات والمحاصيل الزراعية الموسمية المكشوفة، فيما يمكن للصقيع أن يكون ذات خطورة على الزراعات البلاستيكية.

إلا أن مشكلة ريف دمشق تتعدى الهم الاقتصادي منذ زمن طويل، ولا سيما بوجود مناطق منذ أشهر بلا كهرباء أو ماء، كما في المعضمية وداريا وبعض مناطق الغوطة الشرقية، وبعيدا في حلب وريفها والشمال الشرقي أيضا. ولم ينجُ بالضرورة من نزح من تلك المناطق إلى مدينة دمشق، أو غيرها من المدن نتيجة كون معظمهم انتهى به الأمر إلى مراكز إيواء ليست مجهزة لظروف جوية قاسية، وهي أوضاع مئات الآلاف من السوريين من نازحي الداخل والذين تقدر مفوضية اللاجئين أعدادهم بما يزيد عن أربعة ملايين شخص.

لكن حالهم يبقى أحسن حال من أوضاع اللاجئين السوريين خارج البلاد، والذي يزيد رقمهم عن مليوني لاجئ ونصف المليون، بينهم ما يقارب نصف المليون في تركيا، ثلثهم يعيش في مخيمات حدودية، فيما يؤوي لبنان ما يقارب المليون في ظروف مشابهة، والأردن نصف مليون على الأقل، ويتوزع عشرات الآلاف على مصر والعراق وأوروبا وعدد من الدول العربية الأفريقية.

وزاد في تأثيرات أجواء ما قبل العاصفة الانقطاع الطويل لطريق دمشق حمص، والذي افتتح مؤخرا، وإن لن يكون سهلا عبوره تماما بسبب الأحوال الجوية. حالة الانقطاع هذه انعكست، على التموين الغذائي وتموين الطاقة الذي تؤمنه المحافظات الوسطى والساحلية لجنوب سوريا، وفاقمه ضررا استهداف ممنهج لخطوط الإمداد الرئيسية من غاز ونفط في الأسبوعين الأخيرين. والعكس صحيح، حيث انقطعت المواد الغذائية والسلع المصنعة في الجنوب عن مناطق الساحل، والمنطقة الوسطى وتعذر إيصال المواد منذ أسبوعين، إلا ما يصل عبر الطائرات، والخطوط البرية المرتجلة في مناطق الريف الشرقي لمنطقة القلمون وحمص.

وانقطاع الانترنت أمس الأول وإن لعدة ساعات، أحضر شبح العزلة التي توحي به «عواصف الشمال» الطبيعية، بالطبع. ولكنها أيضا تجربة سبق للسوريين اختبارها منذ مدة، لمدة يومين وإن في أجواء مناخية جيدة.

ولا يقتصر قلق الأهالي من السوريين على أنفسهم فقط. ففي الجانب الذي تسيطر عليه الدولة، يقلق السوريون على أولادهم في جبهات القتال، بشكل عام، فكيف في ظروف جوية قاسية، وبعضهم تحت حصار طويل. ولا شك أن شعورا مشابها يختنق به أهالي المقاتلين على الجبهات الأخرى.

فمنذ أيام تبادل سوريون شريط فيديو لجندي سوري على جبهة مثلجة ومرتفعة يشكو الظروف الجوية القاسية والبرد والليالي الطويلة، وهو يستند إلى ظهر دبابة ملتجئا من البرد القارس.

أبو عصام، مزارع وأب لسبعة من المقاتلين في الجيش السوري، يحاول تحصين إسطبل أبقار صغير، وفسحة زراعية صغيرة من خطر السيول والصقيع المرتقب، وهو يتمتم كلما سئل عن توقعاته في اليومين المقبلين «عاصفة وتمر. يومان أو خمسة وينقضوا. همّي وهمنا في العواصف الأخرى التي لا تنتهي».

 

  • فريق ماسة
  • 2013-12-10
  • 12514
  • من الأرشيف

هواجس سورية ما قبل العاصفة: الطبيعة أرحم

من توفرت له نعمة الكهرباء في سورية، ومعها، كرفاهية إضافية، شاشة تلفاز، شاهد أمس الشرح المسهب الذي قدمه مدير في الأرصاد الجوية في سورية على الشاشة الرسمية عن المنخفض القطبي الذي يحل على المنطقة هذه الأيام. لم يذهب الخبير الجوي، إلى الحد الذي ذهبت إليه بعض القنوات اللبنانية بالحديث عن رياح بسرعة 90 كيلومترا في الساعة، والتي تستوجب استنفارا كاملا لقوى الدفاع المدني، ولكنه أشار إلى «رياح ناشطة» بسرعة 65 كيلومترا في الساعة، معتبرا أن الخطر الأكبر يكمن في السيول والصقيع التي ستصيب غالبية المناطق السورية من دون تمييز. السوريون في هذه الأثناء متفرقون ومختلفون، حتى في إمكانيات الاستعداد للعاصفة التي تأتي في غير موعدها، من دون ترحيب. المواطنون متفرقون على البيوت والملاجئ والخيم وأنفاق الشوارع والشقق المهجورة. المقاتلون متوزعون خلف الدشم والمتاريس، على أسطح المباني وفي الثكنات المحاصرة أو الحرة. كل يحضر للعاصفة بطريقته الخاصة، إن استطاع لذلك سبيلا. وزارة التموين تعترف بأن أسعار المواد الغذائية ارتفعت في اليومين الماضيين. ارتفاع الطلب على مواد الطاقة من بنزين ومازوت جدد الأزمة التي تغيب وتحضر باستمرار، فبدأت موجات الانقطاع، من المادتين، وشهدت بحسب متسوقين أسعار الحطب كما المولدات الكهربائية والشواحن ارتفاعا ملموسا في الأسعار. الصحف السورية، وبينها «الوطن» الخاصة، أشارت إلى تعقيدات في بيع الخبز في مدينة السويداء، وهو ما دفع رئاسة الوزراء إلى تحذير الأفران من التلاعب بسعر المادة، مؤكدة العمل على مدار اليوم لتأمين الخبز. من جهتها، نوهت وسائل إعلامية أخرى باستعدادات الهيئات البلدية، ولا سيما في ريف دمشق للعاصفة المقبلة. العاصفة الطبيعية كما هو مقصود هنا، يمكن أن تؤثر تأثيرا مباشرا بالمزروعات والمحاصيل الزراعية الموسمية المكشوفة، فيما يمكن للصقيع أن يكون ذات خطورة على الزراعات البلاستيكية. إلا أن مشكلة ريف دمشق تتعدى الهم الاقتصادي منذ زمن طويل، ولا سيما بوجود مناطق منذ أشهر بلا كهرباء أو ماء، كما في المعضمية وداريا وبعض مناطق الغوطة الشرقية، وبعيدا في حلب وريفها والشمال الشرقي أيضا. ولم ينجُ بالضرورة من نزح من تلك المناطق إلى مدينة دمشق، أو غيرها من المدن نتيجة كون معظمهم انتهى به الأمر إلى مراكز إيواء ليست مجهزة لظروف جوية قاسية، وهي أوضاع مئات الآلاف من السوريين من نازحي الداخل والذين تقدر مفوضية اللاجئين أعدادهم بما يزيد عن أربعة ملايين شخص. لكن حالهم يبقى أحسن حال من أوضاع اللاجئين السوريين خارج البلاد، والذي يزيد رقمهم عن مليوني لاجئ ونصف المليون، بينهم ما يقارب نصف المليون في تركيا، ثلثهم يعيش في مخيمات حدودية، فيما يؤوي لبنان ما يقارب المليون في ظروف مشابهة، والأردن نصف مليون على الأقل، ويتوزع عشرات الآلاف على مصر والعراق وأوروبا وعدد من الدول العربية الأفريقية. وزاد في تأثيرات أجواء ما قبل العاصفة الانقطاع الطويل لطريق دمشق حمص، والذي افتتح مؤخرا، وإن لن يكون سهلا عبوره تماما بسبب الأحوال الجوية. حالة الانقطاع هذه انعكست، على التموين الغذائي وتموين الطاقة الذي تؤمنه المحافظات الوسطى والساحلية لجنوب سوريا، وفاقمه ضررا استهداف ممنهج لخطوط الإمداد الرئيسية من غاز ونفط في الأسبوعين الأخيرين. والعكس صحيح، حيث انقطعت المواد الغذائية والسلع المصنعة في الجنوب عن مناطق الساحل، والمنطقة الوسطى وتعذر إيصال المواد منذ أسبوعين، إلا ما يصل عبر الطائرات، والخطوط البرية المرتجلة في مناطق الريف الشرقي لمنطقة القلمون وحمص. وانقطاع الانترنت أمس الأول وإن لعدة ساعات، أحضر شبح العزلة التي توحي به «عواصف الشمال» الطبيعية، بالطبع. ولكنها أيضا تجربة سبق للسوريين اختبارها منذ مدة، لمدة يومين وإن في أجواء مناخية جيدة. ولا يقتصر قلق الأهالي من السوريين على أنفسهم فقط. ففي الجانب الذي تسيطر عليه الدولة، يقلق السوريون على أولادهم في جبهات القتال، بشكل عام، فكيف في ظروف جوية قاسية، وبعضهم تحت حصار طويل. ولا شك أن شعورا مشابها يختنق به أهالي المقاتلين على الجبهات الأخرى. فمنذ أيام تبادل سوريون شريط فيديو لجندي سوري على جبهة مثلجة ومرتفعة يشكو الظروف الجوية القاسية والبرد والليالي الطويلة، وهو يستند إلى ظهر دبابة ملتجئا من البرد القارس. أبو عصام، مزارع وأب لسبعة من المقاتلين في الجيش السوري، يحاول تحصين إسطبل أبقار صغير، وفسحة زراعية صغيرة من خطر السيول والصقيع المرتقب، وهو يتمتم كلما سئل عن توقعاته في اليومين المقبلين «عاصفة وتمر. يومان أو خمسة وينقضوا. همّي وهمنا في العواصف الأخرى التي لا تنتهي».  

المصدر : زياد حيدر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة