قلعة الحصن في محافظة حمص السّورية من أروع ما ابتدعته فنون العمارة حيث تحتلّ قلعة الحصن موقعًا استراتيجيًا مُهمًا فوق جبل ارتفاعه 750 مترًا عن سطح البحر وعلى بعد60 كيلو مترًا غرب مدينة حمص في منتصف الطريق بين حمص وطربلس. وتبلغ المسافة الفاصلة بين القلعة والبحر زهاء 35 كيلومترًا تقريبًا من خطّ النظر.

تمتدّ القلعة مع خندقها على مسافة 240 مترًا من الشمال الى الجنوب و170 مترًا من الشرق إلى الغرب. وتُقدّر مساحتها بثلاثة هكتاراتٍ، وتتكوّن من حصنَين داخليّ وخارجيّ، بينهما خندق وحولهما خندق يُشرف عليها جميعًا قصر تحميه أبراج. وتتّسع القلعة لحاميةٍ تعدادها ما يتوف عن ثلاثة آلاف محارب مع عتادهم وخيولهم ومُؤونهم.

يُعتَبر الحصن الداخلي قلعةً قائمةً بذاتها فوق قاعدةٍ صخريةٍ مرتفعةٍ. ولهذا الحصن ثلاثة أبواب مفتوحة على الخندق يمتاز بأبراجه العالية ذات الطّبقات المُتعدّدة وأسواره السّميكة المدعومة من الخارج بالجدران المائلة التى تقاوم الزّلازل والمهاجمين. أمّا الحصن الخارجي فهو السور الخارجي ويتألف من عدة طبقاتٍ فيها القاعات والإسطبلات والمستودعات وغرف الحرس ومُزوّد بثلاثة عشر برجًا بعضها دائري وبعضها مربع ومستطيل. وهو أيضًا مُحاط بخندقٍ ومدعوم بالجدران المائلة.

قلعة الحصن لم تُبنَ دفعةً واحدةً ولم يكن لها طابع واحد. وقد جرى توسيعها مرات عديدة وتناولتها الأيدي بالترميم والتحصين، وأخذَت أسماء متعددة عُرِفَت بها. فهي "حصن السفح" تارة و"حصن الأكراد" تارةً أخرى ومرّةً "حصن الفرسان" وأخيرًا "قلعة الحصن".

تُعَدّ القلعة من أعظم قلاع العالم وأشهرها من حيث منشآتها الدّفاعية ومواد بنائها وهندستها الفريدة التى تحمل مزيجًا من حضارات الشرق والغرب، في تناسقٍ يُبرِز بوجهٍ خاصٍ كل المبادلات المهمّة في الأسلوب بين الفن في الغرب والمشرق العربي، وخاصة في الأزمنة المتأخرة من الحضارة السورية في العهد الروماني وأوائل العصور الوسطى.

ليس في هذا الحصن ما يشير إلى وضعٍ آراميٍ قديمٍ، ولكن ربما يعود فى أساساته إلى العهود اليونانية وما بعد، حيث يذكر بعض المؤرّخين بأن اليونانيين بنوا معقلاً عسكريًا فى المنطقة الوسطى بين مدينتهم طرابلس وحمص وسماه اليونانيون "بيرغس" أي الحصن أو المعقل.

وفى فترة العهد البيزنطي، نشأت بقرب البرج قرية مسيحية أصبحت مركزًا أسقفيًا يتبع مطرانية حمص اسمها أسقفية الحصن، وذُكِرَت فى التاريخ الكنائسي فى عهد إمبراطور القسطنطينية الاون الحكيم سنة 883م. وفي أيّام الدولة السلجوقية قام شبل الدولة نصر، وهو ابن صالح بن مرداس رأس الدولة المرداسية بحلب، بوضع حاميةٍ كرديةٍ من أكراد الموصل في حصن السفح، وذلك سنة 1031م. أميرحمصي يضع حامية كردي في الموقع ويُدعى الموقع حصن الأكراد.

وشن الأمير الفرنجي ريموند دو سان جيل عام 1099 الحملة الصليبية الأولى على  العرب قرب الموقع ويحتل الحصن لفترةٍ وجيزة فقط، حيث استردها أمير حمص عام 1102 من أيدي الفرنجة، عام 1110 تانكريد أمير أنطاكية الفرنجي يحتل القلعة ويلحقها بأماراة ( أو كونية ) طرابلس، ومنذ ذلك الحين يباشر ببناء القلعة على الطراز الذي نراه باقياً اليوم.

عام 1115 ألب أرسلان حاكم حلب السلوقي- يحاصرها في محاولة لاستردادها،  ولكن دون جدوى.

عام 1142 ريموند الثاني ، أمير( أو كونت ) طرابلس يسلمها إلى أخوية فرسان القديس جون 

المعروفين أيضاً باسم " فرسان المشفى " أو " الأسبتارية " ومنذ ذلك الحين بدأ 

  المكان يُعرف بحصن الفرسان، وقد أعاد الأسبتارية بناء الدفاعات الجديدة للقلعة ثم قاموا بترميمها بعد الخراب الذي أصابها نتيجة زلزال عام1157 المدمر الشهير.

عام 1163 نور الدين زنكي يلتقي جيوش الفرنجة في سهل البقيعة ولكنه يخفق في استرداد القلعة.

عام 1166 محاولة جديدة للسلطان زنكي لم تُكلّل بالنجاح.

عام 1170 زلزلة شديدة أخرى تدمِّر القلعة وتهدم أسوارها. ثم ما يلبث الفرنجة أن يعيدوا بناءها وتجديدها بعد ذلك. وفي هذه الفترة تمَّ بناء الكنيسة.

عام 1188 صلاح الدين يحاصر القلعة لمدة شهر بعد انتصاره المبين في حطين وذلك أثناء مرورجيوشه لاستعادة الساحل السوري.

عام 1202 زلزال مدمِّر ثالث تبعته أعمال إعادة إعمار للقلعة ولا سيما حلقة الدفاع الخارجية والجدار المنحدر الضخم في الجنوب والمستودع الكائن خلف الواجهة الجنوبية.

عام 1206 أحد أشقاء صلاح الدين يهاجم الحصن دون جدوى.

عام 1206 تشييد برج قائد القلعة في الطابق العلوي منها.

عام 1250 تشييد قاعة الفرسان الكبرى والرواق الذي يتقدمها.

عام 1255 تشييد البرج الدفاعي المتقدم عند المدخل الشمالي للقلعة على يد نيكولا دو لورني.

حتى عام 1270 الظاهر بيبرس المملوكي يحاصر القلعة، ولكنه يعود مسرعاً إلى مصر للتصدي للملك لويس التاسع الفرنسي. وفي عام 1271 الظاهر بيبرس عاد ليحاصر القلعة وينصب المجانيق مقابل السور الجنوبي بتاريخ وينجح باسترداد القلعة في الثامن من نيسان، وتصبح القلعة منطلقاً لتحرير المرقب التي استردها قلاوون  عام 1285 الناصر محمد بن قلاوون الصالحي المملوكي ينشئ البرج المربَّع الضخم وسط السور الجنوبي.

وقام عام 1857 عالم الآثارGuillaume Rey  الفرنسي بأول دراسة أثرية عن القلعة. وفي عام 1927 البعثة الأثرية الأولى بقيادة Paul  Dechamps  عملت على ترميم القلعة ونشرت أول دراسة عنها عام 1934. ورغم ضيق الصفحات عن أيفاء هذه القلعة حقها فإنها معلمٌ أثري هام من معالم سورية
  • فريق ماسة
  • 2010-03-02
  • 11091
  • من الأرشيف

قلعة الحصن .. أروع ما ابتدعته فنون العمارة التاريخية في العالم

قلعة الحصن في محافظة حمص السّورية من أروع ما ابتدعته فنون العمارة حيث تحتلّ قلعة الحصن موقعًا استراتيجيًا مُهمًا فوق جبل ارتفاعه 750 مترًا عن سطح البحر وعلى بعد60 كيلو مترًا غرب مدينة حمص في منتصف الطريق بين حمص وطربلس. وتبلغ المسافة الفاصلة بين القلعة والبحر زهاء 35 كيلومترًا تقريبًا من خطّ النظر. تمتدّ القلعة مع خندقها على مسافة 240 مترًا من الشمال الى الجنوب و170 مترًا من الشرق إلى الغرب. وتُقدّر مساحتها بثلاثة هكتاراتٍ، وتتكوّن من حصنَين داخليّ وخارجيّ، بينهما خندق وحولهما خندق يُشرف عليها جميعًا قصر تحميه أبراج. وتتّسع القلعة لحاميةٍ تعدادها ما يتوف عن ثلاثة آلاف محارب مع عتادهم وخيولهم ومُؤونهم. يُعتَبر الحصن الداخلي قلعةً قائمةً بذاتها فوق قاعدةٍ صخريةٍ مرتفعةٍ. ولهذا الحصن ثلاثة أبواب مفتوحة على الخندق يمتاز بأبراجه العالية ذات الطّبقات المُتعدّدة وأسواره السّميكة المدعومة من الخارج بالجدران المائلة التى تقاوم الزّلازل والمهاجمين. أمّا الحصن الخارجي فهو السور الخارجي ويتألف من عدة طبقاتٍ فيها القاعات والإسطبلات والمستودعات وغرف الحرس ومُزوّد بثلاثة عشر برجًا بعضها دائري وبعضها مربع ومستطيل. وهو أيضًا مُحاط بخندقٍ ومدعوم بالجدران المائلة. قلعة الحصن لم تُبنَ دفعةً واحدةً ولم يكن لها طابع واحد. وقد جرى توسيعها مرات عديدة وتناولتها الأيدي بالترميم والتحصين، وأخذَت أسماء متعددة عُرِفَت بها. فهي "حصن السفح" تارة و"حصن الأكراد" تارةً أخرى ومرّةً "حصن الفرسان" وأخيرًا "قلعة الحصن". تُعَدّ القلعة من أعظم قلاع العالم وأشهرها من حيث منشآتها الدّفاعية ومواد بنائها وهندستها الفريدة التى تحمل مزيجًا من حضارات الشرق والغرب، في تناسقٍ يُبرِز بوجهٍ خاصٍ كل المبادلات المهمّة في الأسلوب بين الفن في الغرب والمشرق العربي، وخاصة في الأزمنة المتأخرة من الحضارة السورية في العهد الروماني وأوائل العصور الوسطى. ليس في هذا الحصن ما يشير إلى وضعٍ آراميٍ قديمٍ، ولكن ربما يعود فى أساساته إلى العهود اليونانية وما بعد، حيث يذكر بعض المؤرّخين بأن اليونانيين بنوا معقلاً عسكريًا فى المنطقة الوسطى بين مدينتهم طرابلس وحمص وسماه اليونانيون "بيرغس" أي الحصن أو المعقل. وفى فترة العهد البيزنطي، نشأت بقرب البرج قرية مسيحية أصبحت مركزًا أسقفيًا يتبع مطرانية حمص اسمها أسقفية الحصن، وذُكِرَت فى التاريخ الكنائسي فى عهد إمبراطور القسطنطينية الاون الحكيم سنة 883م. وفي أيّام الدولة السلجوقية قام شبل الدولة نصر، وهو ابن صالح بن مرداس رأس الدولة المرداسية بحلب، بوضع حاميةٍ كرديةٍ من أكراد الموصل في حصن السفح، وذلك سنة 1031م. أميرحمصي يضع حامية كردي في الموقع ويُدعى الموقع حصن الأكراد. وشن الأمير الفرنجي ريموند دو سان جيل عام 1099 الحملة الصليبية الأولى على  العرب قرب الموقع ويحتل الحصن لفترةٍ وجيزة فقط، حيث استردها أمير حمص عام 1102 من أيدي الفرنجة، عام 1110 تانكريد أمير أنطاكية الفرنجي يحتل القلعة ويلحقها بأماراة ( أو كونية ) طرابلس، ومنذ ذلك الحين يباشر ببناء القلعة على الطراز الذي نراه باقياً اليوم. عام 1115 ألب أرسلان حاكم حلب السلوقي- يحاصرها في محاولة لاستردادها،  ولكن دون جدوى. عام 1142 ريموند الثاني ، أمير( أو كونت ) طرابلس يسلمها إلى أخوية فرسان القديس جون  المعروفين أيضاً باسم " فرسان المشفى " أو " الأسبتارية " ومنذ ذلك الحين بدأ    المكان يُعرف بحصن الفرسان، وقد أعاد الأسبتارية بناء الدفاعات الجديدة للقلعة ثم قاموا بترميمها بعد الخراب الذي أصابها نتيجة زلزال عام1157 المدمر الشهير. عام 1163 نور الدين زنكي يلتقي جيوش الفرنجة في سهل البقيعة ولكنه يخفق في استرداد القلعة. عام 1166 محاولة جديدة للسلطان زنكي لم تُكلّل بالنجاح. عام 1170 زلزلة شديدة أخرى تدمِّر القلعة وتهدم أسوارها. ثم ما يلبث الفرنجة أن يعيدوا بناءها وتجديدها بعد ذلك. وفي هذه الفترة تمَّ بناء الكنيسة. عام 1188 صلاح الدين يحاصر القلعة لمدة شهر بعد انتصاره المبين في حطين وذلك أثناء مرورجيوشه لاستعادة الساحل السوري. عام 1202 زلزال مدمِّر ثالث تبعته أعمال إعادة إعمار للقلعة ولا سيما حلقة الدفاع الخارجية والجدار المنحدر الضخم في الجنوب والمستودع الكائن خلف الواجهة الجنوبية. عام 1206 أحد أشقاء صلاح الدين يهاجم الحصن دون جدوى. عام 1206 تشييد برج قائد القلعة في الطابق العلوي منها. عام 1250 تشييد قاعة الفرسان الكبرى والرواق الذي يتقدمها. عام 1255 تشييد البرج الدفاعي المتقدم عند المدخل الشمالي للقلعة على يد نيكولا دو لورني. حتى عام 1270 الظاهر بيبرس المملوكي يحاصر القلعة، ولكنه يعود مسرعاً إلى مصر للتصدي للملك لويس التاسع الفرنسي. وفي عام 1271 الظاهر بيبرس عاد ليحاصر القلعة وينصب المجانيق مقابل السور الجنوبي بتاريخ وينجح باسترداد القلعة في الثامن من نيسان، وتصبح القلعة منطلقاً لتحرير المرقب التي استردها قلاوون  عام 1285 الناصر محمد بن قلاوون الصالحي المملوكي ينشئ البرج المربَّع الضخم وسط السور الجنوبي. وقام عام 1857 عالم الآثارGuillaume Rey  الفرنسي بأول دراسة أثرية عن القلعة. وفي عام 1927 البعثة الأثرية الأولى بقيادة Paul  Dechamps  عملت على ترميم القلعة ونشرت أول دراسة عنها عام 1934. ورغم ضيق الصفحات عن أيفاء هذه القلعة حقها فإنها معلمٌ أثري هام من معالم سورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة