تمارس فيرونيك دوكايزر دور السياسية المشاكسة بامتياز. تجاهلت البرلمانية الأوروبية العزلة المفروضة، وغامرت بطَرْق أبواب دمشق ولقاء قيادتها. لم تفوّت بعدها فرصة زيارة طهران حالما ظهرت بوادر انقشاع عزلتها الدولية.

اجتماعها مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق في أيلول الماضي أحدث ضجة في بروكسل، وجعل وسائل الإعلام تهرع لمساءلتها. سُطّرت مقالات في استفظاع ما قامت به، واتهمت بأنها تحولت إلى ساعية بريد تروج لطروحات النظام السوري. لكنها تقول إنها فعلت ما يجب: كانت حيث ينبغي للسياسي أن يكون. في طهران فهمت أن وجود الأسد على طاولة المفاوضات هي مسألة «يكون أو لا يكون» مؤتمر جنيف. ترى أن مؤتمر التسوية هو الفرصة الأخيرة قبل ذهاب سوريا إلى التقسيم والانفجار، وإنقاذها، لمن يهمهم الأمر، يحتم على الجميع إنجاحه.

تعمل دوكايزر تحت قبة البرلمان الأوروبي منذ العام 2001. هي معروفة بصلاتها القوية مع الشرق الأوسط، خصوصاً لمناصرتها الحقوق الفلسطينية. في مكتبها تحتفظ بنسخ عديدة، مخصّصة للإهداء، من أحدث كتبها «فلسطين: الخيانة الأوروبية»، الذي نشر لتوّه. قامت بتأليفه مع الناشط الشهير لحقوق الإنسان ستيفان هاسل، الذي توفي بداية هذا العام، وكتابه «اغضبوا» يعدّ أحد أهم ملهمي حركة «اندنيادوس» لاحتلال الشوارع في أوروبا والولايات المتحدة.

قضت دوكايزر يومين في طهران في تشرين الأول الماضي، برفقة رئيس كتلة «الاشتراكيين الديموقراطيين» هانس سوبودا. قابلا مسؤولين إيرانيين عديدين، أبرزهم رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام والرئيس السابق هاشمي رفسنجاني.

تقول دوكايزر، في حوارها مع «السفير»، إنها طرحت القضية السورية مراراً على هذا النحو :«حتى مع هذا الوضع القائم والحرب، لا يزال هناك أناس يدعمون بشار الأسد، لأسباب عديدة، لحرية الأديان، لحاجات الأمن الأساسية، لكن لأسباب عديدة لديه أناس يدعمونه. وفي المعارضة، هناك فرق متعددة وغير متحدة. بهذه الحالة، أليس الأفضل الذهاب إلى المفاوضات، وبعد التفاوض يمكن رؤية ماذا سيفعل الأسد، ربما ألا يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية».

تترك لتعابير وضع علامة الاستفهام، فهكذا هي طريقة السياسة الأوروبية في السؤال. الردّ الذي سمعته كان الآتي: «بقاء الأسد أو ذهابه، يجب ألا يكون شرطاً مسبقاً للمؤتمر (في جنيف)، لكن ربما قضية تطرح في المفاوضات، لكن ليس استباقاً لها. هذا ما قالوه». من تكرار هذا الجواب، ترى دوكايزر أن خلاصة القرار في طهران هي «بشار على الطاولة، وربما يخرج بعد ذلك، أو بشار ليس على الطاولة، هي مسألة يكون أو لا يكون هذا المؤتمر».

لكن الضيوف الأوروبيين طرحوا قضية استخدام السلاح الكيميائي وقصف المدنيين. وحول رد الإيرانيين تقول دوكايزر: «رفسنجاني لم يُجب مباشرة، لكنه ذكرنا، في رد مثير للاهتمام، بتجربته خلال حرب العراق مع (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين، وكان وقتها القائد الأعلى لقوات الجيش (بين العامين 1988 و1989). قال لنا: أنا لم أقصف إطلاقاً أهدافاً مدنية. وإذا كان محتماً علي القصف، كنت أقوم بإعلان للمدنيين لتمكينهم من المغادرة، ولم أستخدم أبداً السلاح الكيميائي لأنه ضد ديننا وأخلاقنا». تعقب على ذلك بالقول :«إذاً هو لم يذكر سوريا بل قدم نفسه (مثالاً)، لكن كلامه كان جواباً، بطريقة ما، أن هذه أمور لا يمكنك فعلها مع شعبك».

وتقول إن جولات المحادثات أعطتها الانطباع بأن الإيرانيين لم يكونوا متحمّسين للحديث عن سوريا: «أعتقد أنه صعب عليهم الدفاع عن بشار الأسد، لكنهم يدافعون عن سيادة الدولة، وعن أن الشعب هو الذي يقرر». يتضافر مع ذلك الوضع الصعب لاقتصاد طهران وصعوبة مواصلة دعمها نفسه للدولة السورية، ما يعني برأيها أن «إيجاد حل سياسي أمر لن يكون سيئاً لإيران».

دخلت دوكايزر (مواليد العام 1945) عالم السياسة متأخرة. هي في الأساس عالمة نفس مخضرمة، وكانت رئيسة جمعية أطباء النفس البلجيكيين. لها مؤلفات عدة حول تطبيقات هذا العلم في مجال العمل والتنظيم، وتفادي الأخطاء البشرية فيهما.

خلال استعراضها سياقات الحرب السورية، تصل لخلاصة أن مؤتمر «جنيف 2» سيكون «الفرصة الأخيرة» التي يمكنها تجنيب «تقسيم سوريا وانفجار الصراع». تستطرد بالشرح: «بالإضافة إلى هذا لدينا القاعدة و(جبهة) النصرة، وهنا أتحدّث عن شبكة إجرام حقيقية، وليس عن داعمين أو معارضين للنظام. إذا لم نعقد المؤتمر فستنفجر سوريا وستبقى هذه الشبكة التي سيعاني منها كل الإقليم، إيران ولبنان والجميع». تصمت للحظة، وتتابع بنبرة متحسرة: «أنا خائفة من انفجار سوريا. نعرف مسبقاً أن كل سوريا انتهت، وكل شيء فيها سيكون مختلفاً في المستقبل. هذا بالنسبة لي، ولسوريين كثيرين، حقيقة من المرعب التفكير فيها: ما الذي ستكونه سوريا الجديدة؟».

إزاء هذا الأفق الأسود ترى دوكايزر أن لا شيء يبرر رفض المعارضة للتفاوض أو تحفظ النظام. وتقول: «إذا أرادوا أن ينقذوا بلدهم والمنطقة عليهم الذهاب إلى جنيف لمحاولة إيجاد حل. الناس الذين سيحضرونه (المؤتمر) لن يكونوا الناس الذين يعجبوننا، أو يحبون بعضهم، لكن المفاوضات ليست بين الأصدقاء، في العموم هي بين الأعداء. ما أعرفه بالتأكيد أنه إذا لم نتمكن من إيقاف الحرب سنفقد مليون إنسان، وليس مئة ألف. مليون».

هوجمت السياسية الاشتراكية بشراسة، واتهمت بالترويج لطروحات الأسد بعد لقائه. تنفي ذلك، وتذكر بأنها صوّتت مراراً في البرلمان الأوروبي لمصلحة قرارات تطالبه بالتنحي. آخرها كان قبل أيام من رحلة دمشق. رغم نفيها، فهي قالت بعد عودتها إن حديث الأسد حمل رسالتين: أنه غير متمسك بالسلطة ولديه حياة أخرى ممكنة، لكنه لن يغادر السفينة وهي تغرق، وأن الشعب هو الذي سيقرر من يحكمه عبر صندوق الاقتراع. تدافع عن ميلها لقضية الحسم الانتخابي المراقب دولياً، وتشدد أنها لا تكرر بهذا كلامه: «الشعب هم (جمهور) المعارضة أيضاً، ولا اعتقد أن النظام يتحدّث عنهم».

لكن مهلاً. قبل كل شيء، تعيد التشديد على أن زيارتها لم تكن لحوار سياسي بل «شخصية وإنسانية». تقول إن القانون الدولي ينص على واجب الحديث إلى «الجميع من دون استثناء» بغية تأمين إيصال المساعدات، والحديث هنا يخص سوريين يعلن يومياً عن حاجتهم الماسة للإغاثة.

لم تكشف دوكايزر تفاصيل مهمتها حال عودتها، كانت تنتظر نتائج ملموسة في يدها. لذلك تروي الآن أن ما قادها إلى دمشق قائمة مطالب، بالأسماء والمواقع، حملتها إياها جمعيات الإغاثة والمساعدة الإنسانية، لافتة إلى أن تفاعل الرئيس السوري كان إيجابياً حيالها. وهي في بروكسل وصلها أن السلطات السورية أعطت الإذن بالدخول والعمل للهيئة الأوروبية للمساعدة الإنسانية. كان هذا أحد المطالب التي حملتها، لكنها تفضل القول إن هذه النتيجة «ربما لم تأت بفضلي، لكنها جاءت بعد الزيارة». تبدي ارتياحها لهذا الخبر، فالأوروبيون يقدمون 40 في المئة من المساعدات إلى سوريا عبر قناة الهيئة، ويذهب 60 في المئة إلى دول الجوار.

لا يمكن لمن يحاور دوكايزر إغفال قدرتها على التركيز الشديد في الحديث. نسج فكرتها عبر رصّ عديد الجمل الطويلة لا يجعلها تتوه عن رأس الخيط. ليست في حاجة أبداً لمن يذكرها من أين بدأت، ولا أين كانت إذا تشتت الموضوع.

لكن الشكوك لا تنتهي، وتغذيها أحاديث الغرف المغلقة. أحد الديبلوماسيين الذين التقوا دوكايزر، بعد زيارتها طهران، قال إنه يشهد بخبرتها كسياسية، لكنه أحسها «بريئة في اعتقادها أن الأسد مستعد للمغادرة في نهاية المطاف».

على أية حال، لم تكن المرة الأولى التي تلتقي فيها دوكايزر الأسد. قابلته سابقاً مرات عدة. كان ذلك خلال جولات نقاش، تواصلت لسنوات، حول توقيع اتفاقية الشراكة بين دمشق والأوروبيين. تذكر بكل هذا لتقول إنها تعرف حديث الرئيس السوري عن «أعطوني وقتاً لأنجز الإصلاحات»، وتعلق «الآن الوقت انتهى».

يستفزها وصفها بالبراءة السياسية. تضحك بسخرية، وتقول إنها ربما كانت كذلك في بدايتها، قبل أن تختبر لغة السياسة السورية. تستشهد بحادثة معبرة وقتما التقت وفد التفاوض السوري حول اتفاقية الشراكة، وكانت برلمانية جديدة. القوات السورية كانت لا تزال في لبنان :«سألت رئيس الوفد السوري كم عدد الجنود والاستخبارات التي لديكم في لبنان، فأجاب: ثلاثين. ثلاثين! تمعنت في وجهه لأرى إذا كان يمزح معي. قلت له تقصد ثلاثين ألفاً. ردّ مباشرة: لا، ثلاثين. ووقفنا هنا». تطلق ضحكة طويلة من هذه الحادثة، قبل أن تقطعها مرة واحدة موجهة الحديث لمن يشكك في خلاصة قراءتها: «من وقتها فهمت كيف يمكن للسوريين أن يجيبوا، ولهذا لست بريئة إطلاقاً تجاه ما يمكن أن يقال لي في سوريا».

  • فريق ماسة
  • 2013-11-21
  • 8801
  • من الأرشيف

البرلمانية الأوروبية فيرونيك دو كايزر لـ«السفير»:أنقذوا سوريا في جنيف قبل أن تنفجرعلى الجميع

تمارس فيرونيك دوكايزر دور السياسية المشاكسة بامتياز. تجاهلت البرلمانية الأوروبية العزلة المفروضة، وغامرت بطَرْق أبواب دمشق ولقاء قيادتها. لم تفوّت بعدها فرصة زيارة طهران حالما ظهرت بوادر انقشاع عزلتها الدولية. اجتماعها مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق في أيلول الماضي أحدث ضجة في بروكسل، وجعل وسائل الإعلام تهرع لمساءلتها. سُطّرت مقالات في استفظاع ما قامت به، واتهمت بأنها تحولت إلى ساعية بريد تروج لطروحات النظام السوري. لكنها تقول إنها فعلت ما يجب: كانت حيث ينبغي للسياسي أن يكون. في طهران فهمت أن وجود الأسد على طاولة المفاوضات هي مسألة «يكون أو لا يكون» مؤتمر جنيف. ترى أن مؤتمر التسوية هو الفرصة الأخيرة قبل ذهاب سوريا إلى التقسيم والانفجار، وإنقاذها، لمن يهمهم الأمر، يحتم على الجميع إنجاحه. تعمل دوكايزر تحت قبة البرلمان الأوروبي منذ العام 2001. هي معروفة بصلاتها القوية مع الشرق الأوسط، خصوصاً لمناصرتها الحقوق الفلسطينية. في مكتبها تحتفظ بنسخ عديدة، مخصّصة للإهداء، من أحدث كتبها «فلسطين: الخيانة الأوروبية»، الذي نشر لتوّه. قامت بتأليفه مع الناشط الشهير لحقوق الإنسان ستيفان هاسل، الذي توفي بداية هذا العام، وكتابه «اغضبوا» يعدّ أحد أهم ملهمي حركة «اندنيادوس» لاحتلال الشوارع في أوروبا والولايات المتحدة. قضت دوكايزر يومين في طهران في تشرين الأول الماضي، برفقة رئيس كتلة «الاشتراكيين الديموقراطيين» هانس سوبودا. قابلا مسؤولين إيرانيين عديدين، أبرزهم رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام والرئيس السابق هاشمي رفسنجاني. تقول دوكايزر، في حوارها مع «السفير»، إنها طرحت القضية السورية مراراً على هذا النحو :«حتى مع هذا الوضع القائم والحرب، لا يزال هناك أناس يدعمون بشار الأسد، لأسباب عديدة، لحرية الأديان، لحاجات الأمن الأساسية، لكن لأسباب عديدة لديه أناس يدعمونه. وفي المعارضة، هناك فرق متعددة وغير متحدة. بهذه الحالة، أليس الأفضل الذهاب إلى المفاوضات، وبعد التفاوض يمكن رؤية ماذا سيفعل الأسد، ربما ألا يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية». تترك لتعابير وضع علامة الاستفهام، فهكذا هي طريقة السياسة الأوروبية في السؤال. الردّ الذي سمعته كان الآتي: «بقاء الأسد أو ذهابه، يجب ألا يكون شرطاً مسبقاً للمؤتمر (في جنيف)، لكن ربما قضية تطرح في المفاوضات، لكن ليس استباقاً لها. هذا ما قالوه». من تكرار هذا الجواب، ترى دوكايزر أن خلاصة القرار في طهران هي «بشار على الطاولة، وربما يخرج بعد ذلك، أو بشار ليس على الطاولة، هي مسألة يكون أو لا يكون هذا المؤتمر». لكن الضيوف الأوروبيين طرحوا قضية استخدام السلاح الكيميائي وقصف المدنيين. وحول رد الإيرانيين تقول دوكايزر: «رفسنجاني لم يُجب مباشرة، لكنه ذكرنا، في رد مثير للاهتمام، بتجربته خلال حرب العراق مع (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين، وكان وقتها القائد الأعلى لقوات الجيش (بين العامين 1988 و1989). قال لنا: أنا لم أقصف إطلاقاً أهدافاً مدنية. وإذا كان محتماً علي القصف، كنت أقوم بإعلان للمدنيين لتمكينهم من المغادرة، ولم أستخدم أبداً السلاح الكيميائي لأنه ضد ديننا وأخلاقنا». تعقب على ذلك بالقول :«إذاً هو لم يذكر سوريا بل قدم نفسه (مثالاً)، لكن كلامه كان جواباً، بطريقة ما، أن هذه أمور لا يمكنك فعلها مع شعبك». وتقول إن جولات المحادثات أعطتها الانطباع بأن الإيرانيين لم يكونوا متحمّسين للحديث عن سوريا: «أعتقد أنه صعب عليهم الدفاع عن بشار الأسد، لكنهم يدافعون عن سيادة الدولة، وعن أن الشعب هو الذي يقرر». يتضافر مع ذلك الوضع الصعب لاقتصاد طهران وصعوبة مواصلة دعمها نفسه للدولة السورية، ما يعني برأيها أن «إيجاد حل سياسي أمر لن يكون سيئاً لإيران». دخلت دوكايزر (مواليد العام 1945) عالم السياسة متأخرة. هي في الأساس عالمة نفس مخضرمة، وكانت رئيسة جمعية أطباء النفس البلجيكيين. لها مؤلفات عدة حول تطبيقات هذا العلم في مجال العمل والتنظيم، وتفادي الأخطاء البشرية فيهما. خلال استعراضها سياقات الحرب السورية، تصل لخلاصة أن مؤتمر «جنيف 2» سيكون «الفرصة الأخيرة» التي يمكنها تجنيب «تقسيم سوريا وانفجار الصراع». تستطرد بالشرح: «بالإضافة إلى هذا لدينا القاعدة و(جبهة) النصرة، وهنا أتحدّث عن شبكة إجرام حقيقية، وليس عن داعمين أو معارضين للنظام. إذا لم نعقد المؤتمر فستنفجر سوريا وستبقى هذه الشبكة التي سيعاني منها كل الإقليم، إيران ولبنان والجميع». تصمت للحظة، وتتابع بنبرة متحسرة: «أنا خائفة من انفجار سوريا. نعرف مسبقاً أن كل سوريا انتهت، وكل شيء فيها سيكون مختلفاً في المستقبل. هذا بالنسبة لي، ولسوريين كثيرين، حقيقة من المرعب التفكير فيها: ما الذي ستكونه سوريا الجديدة؟». إزاء هذا الأفق الأسود ترى دوكايزر أن لا شيء يبرر رفض المعارضة للتفاوض أو تحفظ النظام. وتقول: «إذا أرادوا أن ينقذوا بلدهم والمنطقة عليهم الذهاب إلى جنيف لمحاولة إيجاد حل. الناس الذين سيحضرونه (المؤتمر) لن يكونوا الناس الذين يعجبوننا، أو يحبون بعضهم، لكن المفاوضات ليست بين الأصدقاء، في العموم هي بين الأعداء. ما أعرفه بالتأكيد أنه إذا لم نتمكن من إيقاف الحرب سنفقد مليون إنسان، وليس مئة ألف. مليون». هوجمت السياسية الاشتراكية بشراسة، واتهمت بالترويج لطروحات الأسد بعد لقائه. تنفي ذلك، وتذكر بأنها صوّتت مراراً في البرلمان الأوروبي لمصلحة قرارات تطالبه بالتنحي. آخرها كان قبل أيام من رحلة دمشق. رغم نفيها، فهي قالت بعد عودتها إن حديث الأسد حمل رسالتين: أنه غير متمسك بالسلطة ولديه حياة أخرى ممكنة، لكنه لن يغادر السفينة وهي تغرق، وأن الشعب هو الذي سيقرر من يحكمه عبر صندوق الاقتراع. تدافع عن ميلها لقضية الحسم الانتخابي المراقب دولياً، وتشدد أنها لا تكرر بهذا كلامه: «الشعب هم (جمهور) المعارضة أيضاً، ولا اعتقد أن النظام يتحدّث عنهم». لكن مهلاً. قبل كل شيء، تعيد التشديد على أن زيارتها لم تكن لحوار سياسي بل «شخصية وإنسانية». تقول إن القانون الدولي ينص على واجب الحديث إلى «الجميع من دون استثناء» بغية تأمين إيصال المساعدات، والحديث هنا يخص سوريين يعلن يومياً عن حاجتهم الماسة للإغاثة. لم تكشف دوكايزر تفاصيل مهمتها حال عودتها، كانت تنتظر نتائج ملموسة في يدها. لذلك تروي الآن أن ما قادها إلى دمشق قائمة مطالب، بالأسماء والمواقع، حملتها إياها جمعيات الإغاثة والمساعدة الإنسانية، لافتة إلى أن تفاعل الرئيس السوري كان إيجابياً حيالها. وهي في بروكسل وصلها أن السلطات السورية أعطت الإذن بالدخول والعمل للهيئة الأوروبية للمساعدة الإنسانية. كان هذا أحد المطالب التي حملتها، لكنها تفضل القول إن هذه النتيجة «ربما لم تأت بفضلي، لكنها جاءت بعد الزيارة». تبدي ارتياحها لهذا الخبر، فالأوروبيون يقدمون 40 في المئة من المساعدات إلى سوريا عبر قناة الهيئة، ويذهب 60 في المئة إلى دول الجوار. لا يمكن لمن يحاور دوكايزر إغفال قدرتها على التركيز الشديد في الحديث. نسج فكرتها عبر رصّ عديد الجمل الطويلة لا يجعلها تتوه عن رأس الخيط. ليست في حاجة أبداً لمن يذكرها من أين بدأت، ولا أين كانت إذا تشتت الموضوع. لكن الشكوك لا تنتهي، وتغذيها أحاديث الغرف المغلقة. أحد الديبلوماسيين الذين التقوا دوكايزر، بعد زيارتها طهران، قال إنه يشهد بخبرتها كسياسية، لكنه أحسها «بريئة في اعتقادها أن الأسد مستعد للمغادرة في نهاية المطاف». على أية حال، لم تكن المرة الأولى التي تلتقي فيها دوكايزر الأسد. قابلته سابقاً مرات عدة. كان ذلك خلال جولات نقاش، تواصلت لسنوات، حول توقيع اتفاقية الشراكة بين دمشق والأوروبيين. تذكر بكل هذا لتقول إنها تعرف حديث الرئيس السوري عن «أعطوني وقتاً لأنجز الإصلاحات»، وتعلق «الآن الوقت انتهى». يستفزها وصفها بالبراءة السياسية. تضحك بسخرية، وتقول إنها ربما كانت كذلك في بدايتها، قبل أن تختبر لغة السياسة السورية. تستشهد بحادثة معبرة وقتما التقت وفد التفاوض السوري حول اتفاقية الشراكة، وكانت برلمانية جديدة. القوات السورية كانت لا تزال في لبنان :«سألت رئيس الوفد السوري كم عدد الجنود والاستخبارات التي لديكم في لبنان، فأجاب: ثلاثين. ثلاثين! تمعنت في وجهه لأرى إذا كان يمزح معي. قلت له تقصد ثلاثين ألفاً. ردّ مباشرة: لا، ثلاثين. ووقفنا هنا». تطلق ضحكة طويلة من هذه الحادثة، قبل أن تقطعها مرة واحدة موجهة الحديث لمن يشكك في خلاصة قراءتها: «من وقتها فهمت كيف يمكن للسوريين أن يجيبوا، ولهذا لست بريئة إطلاقاً تجاه ما يمكن أن يقال لي في سوريا».

المصدر : السفير/ وسيم ابراهيم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة