يصعُب الحديث الآن عمّا دار في القمّة بين رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان والملك عبدالله بن عبد العزيز وبقيّة المسؤولين السعوديّين، والتي شارك   سعد الحريري في جانب منها.

فسليمان كتومٌ بطبعه، والنظام  السعوديّة هي الأكثر قدرة على إحاطة أسرارها بجدار من الصمت يستحيل على أحد اختراقه.

لكنّ المراقبين لهذه القمّة يحاولون مناقشة جملة من الفرضيات يمكن أن تنطوي عليها، ويعتقدون أنّ ما بين الموعد الاوّل لزيارة سليمان للرياض قبل اسبوعين ونيّف وبين حصول هذه الزيارة أمس، جرت مياه كثيرة تحت جسر التطوّرات في المنطقة، وإلى حدّ ما في العالم.

ففي سوريا تقدّمٌ ميدانيّ قوى للجيش السوري ، وفي واشنطن تصميم على إنجاح “جنيف الإيراني” و”جنيف السوري” في آن معاً، لأنّ إدارة الرئيس باراك اوباما غير مستعدّة للغرق في وحول المنطقة كما فعلت إدارات أميركية سابقة، وهي تعتقد أنّها بالتفاهم مع إدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تستطيع الحفاظ على مصالحها في المنطقة بلا حروب ودماء.

وتسارعُ الودّ بين أنقرة وطهران، والذي كرّسه وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو بزيارته الاخيرة لبغداد يكتسب معاني عدّة، خصوصاً في منطقة كان كثيرون يراهنون على تصاعد الخلاف بين إيران وتركيا بما يضعف الطرفين معاً.

لذلك لا يستبعد المراقبون أن تكون حُجّة سليمان في إقناع الرياض بحكومة لبنانية جامعة لكلّ القوى السياسية بما يخدم استقرار لبنان، وبما يحمي مصالح الجميع على أرضه، ولا سيّما منها المصالح السعودية والخليجية التي ينبغي أن تتحرّك وفق القاعدة الشرعية التي تقول: “ما لا يُدرَك كلّه لا يُترَك جُلّه.

ويعتقد البعض أنّ الرياض تنظر بقلق إلى التغيير في الموقف التركي والقطري تجاه محور طهران ـ بغداد ـ دمشق، وتدرك أنّ لهذا التطوّر بعض الأسباب المرتبطة بدعمها التغيير في مصر الذي أصاب أنقرة والدوحة في صميم استراتيجيتهما المعروفة بدعم “الإخوان المسلمين.

كذلك يعتقد هؤلاء أنّ الرياض لم تكن مرتاحة الى دور الدوحة وأنقرة في حلّ قضية مخطوفي أعزاز، بينما حصل إحباطٌ متعمّد لمهمّة الحريري لحلّ هذه القضية في أيامها الاولى، ويومها اعتبر كثيرون أنّ إحباط هذه المهمة كان رسالة موجّهة الى الرياض اكثر منها الى رئيس تيار “المستقبل.

وبالتالي هناك مَن يعتقد أنّ القيادة السعودية قد تساعد في معالجة أزمة طرابلس المخطوفة منذ زمن في أيدي المقاتلين المتحاربين في باب التبّانة وجبل محسن وغيرهما. فهل يعود سليمان من الرياض بوعد لمساعدة الدولة في طرابلس، مثلما جاء قبل أسابيع بوعد أمير قطر لحلّ أزمة مخطوفي أعزاز؟

ويذهب المراقبون الى ما هو أبعد من ذلك، ويعتقدون انّ سليمان قد يعمد الى جسّ نبض الرياض في مصالحة سورية ـ سعودية تساهم الى حدّ كبير في إخراج سوريا من محنتها، وفي إعادة أبنائها النازحين اليها، وما يقوّي موقفه في هذه النقطة هو أنّ علاقته شبه مقطوعة هذه الأيّام مع القيادة السورية، لكن لديه من المعطيات الميدانية والسياسية الإقليمية والدولية ما يجعله مؤهّلاً لوضع القيادة السعودية في صورة هذه المعطيات، مذكّراً بأنّ الرياض نفسها أدّت عام 1976 دوراً في مصالحة مصريّة ـ سوريّة أوقف “حرب السنتين” في لبنان، كذلك لعبت مع دمشق دور الراعيين الأساسيين لـ”اتفاق الطائف” عام 1989 ليدخُل لبنان معه مرحلة السلم الأهلي بعد حرب داخلية عصفت به لأكثر من عقد ونصف عقد.

ويردّ المراقبون على تساؤلات مشروعة تشكّك بقدرة لبنان الغارق في أزماته على ممارسة دور كبير بهذا الحجم، فيقولون إنّ السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عبّاس تعيش ظروفاً أصعب بكثير ممّا يعيشه لبنان، لكنّها نجحت في الدخول على خط العلاقة السورية ـ القطرية وحلّ أزمة مخطوفي أعزاز التي كان يُراد لها، حسبما قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي منذ ايامها الاولى، أن تكون مشروع فتنة كبرى بين السنّة والشيعة وبين الشيعة اللبنانيين والنازحين السوريّين، بكلّ ما لهذه الفتنة من انعكاسات على مستوى المنطقة بأسرها.

وقوّة المبادرة اللبنانية، إذا صحّت توقُّعات هؤلاء المراقبين، تكمُن في أنّها تأتي في إطار مناخ دولي وإقليمي داعم لحلّ سياسي في سورية. ويلاحظ هؤلاء في هذا الإطار أنّ زيارة سليمان للرياض تزامنت مع قرار الائتلاف السوري المعارض الوثيق الصلة بالمملكة العربية السعودية بالمشاركة في مؤتمر “جنيف ـ 2″، وهو قرار جاء مناقضاً لمواقف متعدّدة أطلقها أركانه في الأسابيع الأخيرة.

يقول المثل الشائع “إنّ الله يضع سرّه في أضعف خلقه”، فكيف إذا كان السرّ موضوعاً في بلد كلبنان تُثبت الأيّام أنّه أقوى بكثير ممّا يظنّ كثيرون.

تحليلات هؤلاء المراقبين قد تكون بعيدة من واقع زيارة سليمان للرياض، لكنّها تملك من المنطق ما يجعلها جديرة بالاهتمام. وفي أيّ حال “الخبر الذي تشتريه اليوم بفلوس قد يأتيك غداً بالمجّان.

  • فريق ماسة
  • 2013-11-11
  • 9541
  • من الأرشيف

الله يضع سرّه في أضعف خَلقه!

يصعُب الحديث الآن عمّا دار في القمّة بين رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان والملك عبدالله بن عبد العزيز وبقيّة المسؤولين السعوديّين، والتي شارك   سعد الحريري في جانب منها. فسليمان كتومٌ بطبعه، والنظام  السعوديّة هي الأكثر قدرة على إحاطة أسرارها بجدار من الصمت يستحيل على أحد اختراقه. لكنّ المراقبين لهذه القمّة يحاولون مناقشة جملة من الفرضيات يمكن أن تنطوي عليها، ويعتقدون أنّ ما بين الموعد الاوّل لزيارة سليمان للرياض قبل اسبوعين ونيّف وبين حصول هذه الزيارة أمس، جرت مياه كثيرة تحت جسر التطوّرات في المنطقة، وإلى حدّ ما في العالم. ففي سوريا تقدّمٌ ميدانيّ قوى للجيش السوري ، وفي واشنطن تصميم على إنجاح “جنيف الإيراني” و”جنيف السوري” في آن معاً، لأنّ إدارة الرئيس باراك اوباما غير مستعدّة للغرق في وحول المنطقة كما فعلت إدارات أميركية سابقة، وهي تعتقد أنّها بالتفاهم مع إدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تستطيع الحفاظ على مصالحها في المنطقة بلا حروب ودماء. وتسارعُ الودّ بين أنقرة وطهران، والذي كرّسه وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو بزيارته الاخيرة لبغداد يكتسب معاني عدّة، خصوصاً في منطقة كان كثيرون يراهنون على تصاعد الخلاف بين إيران وتركيا بما يضعف الطرفين معاً. لذلك لا يستبعد المراقبون أن تكون حُجّة سليمان في إقناع الرياض بحكومة لبنانية جامعة لكلّ القوى السياسية بما يخدم استقرار لبنان، وبما يحمي مصالح الجميع على أرضه، ولا سيّما منها المصالح السعودية والخليجية التي ينبغي أن تتحرّك وفق القاعدة الشرعية التي تقول: “ما لا يُدرَك كلّه لا يُترَك جُلّه”. ويعتقد البعض أنّ الرياض تنظر بقلق إلى التغيير في الموقف التركي والقطري تجاه محور طهران ـ بغداد ـ دمشق، وتدرك أنّ لهذا التطوّر بعض الأسباب المرتبطة بدعمها التغيير في مصر الذي أصاب أنقرة والدوحة في صميم استراتيجيتهما المعروفة بدعم “الإخوان المسلمين”. كذلك يعتقد هؤلاء أنّ الرياض لم تكن مرتاحة الى دور الدوحة وأنقرة في حلّ قضية مخطوفي أعزاز، بينما حصل إحباطٌ متعمّد لمهمّة الحريري لحلّ هذه القضية في أيامها الاولى، ويومها اعتبر كثيرون أنّ إحباط هذه المهمة كان رسالة موجّهة الى الرياض اكثر منها الى رئيس تيار “المستقبل”. وبالتالي هناك مَن يعتقد أنّ القيادة السعودية قد تساعد في معالجة أزمة طرابلس المخطوفة منذ زمن في أيدي المقاتلين المتحاربين في باب التبّانة وجبل محسن وغيرهما. فهل يعود سليمان من الرياض بوعد لمساعدة الدولة في طرابلس، مثلما جاء قبل أسابيع بوعد أمير قطر لحلّ أزمة مخطوفي أعزاز؟ ويذهب المراقبون الى ما هو أبعد من ذلك، ويعتقدون انّ سليمان قد يعمد الى جسّ نبض الرياض في مصالحة سورية ـ سعودية تساهم الى حدّ كبير في إخراج سوريا من محنتها، وفي إعادة أبنائها النازحين اليها، وما يقوّي موقفه في هذه النقطة هو أنّ علاقته شبه مقطوعة هذه الأيّام مع القيادة السورية، لكن لديه من المعطيات الميدانية والسياسية الإقليمية والدولية ما يجعله مؤهّلاً لوضع القيادة السعودية في صورة هذه المعطيات، مذكّراً بأنّ الرياض نفسها أدّت عام 1976 دوراً في مصالحة مصريّة ـ سوريّة أوقف “حرب السنتين” في لبنان، كذلك لعبت مع دمشق دور الراعيين الأساسيين لـ”اتفاق الطائف” عام 1989 ليدخُل لبنان معه مرحلة السلم الأهلي بعد حرب داخلية عصفت به لأكثر من عقد ونصف عقد. ويردّ المراقبون على تساؤلات مشروعة تشكّك بقدرة لبنان الغارق في أزماته على ممارسة دور كبير بهذا الحجم، فيقولون إنّ السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عبّاس تعيش ظروفاً أصعب بكثير ممّا يعيشه لبنان، لكنّها نجحت في الدخول على خط العلاقة السورية ـ القطرية وحلّ أزمة مخطوفي أعزاز التي كان يُراد لها، حسبما قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي منذ ايامها الاولى، أن تكون مشروع فتنة كبرى بين السنّة والشيعة وبين الشيعة اللبنانيين والنازحين السوريّين، بكلّ ما لهذه الفتنة من انعكاسات على مستوى المنطقة بأسرها. وقوّة المبادرة اللبنانية، إذا صحّت توقُّعات هؤلاء المراقبين، تكمُن في أنّها تأتي في إطار مناخ دولي وإقليمي داعم لحلّ سياسي في سورية. ويلاحظ هؤلاء في هذا الإطار أنّ زيارة سليمان للرياض تزامنت مع قرار الائتلاف السوري المعارض الوثيق الصلة بالمملكة العربية السعودية بالمشاركة في مؤتمر “جنيف ـ 2″، وهو قرار جاء مناقضاً لمواقف متعدّدة أطلقها أركانه في الأسابيع الأخيرة. يقول المثل الشائع “إنّ الله يضع سرّه في أضعف خلقه”، فكيف إذا كان السرّ موضوعاً في بلد كلبنان تُثبت الأيّام أنّه أقوى بكثير ممّا يظنّ كثيرون. تحليلات هؤلاء المراقبين قد تكون بعيدة من واقع زيارة سليمان للرياض، لكنّها تملك من المنطق ما يجعلها جديرة بالاهتمام. وفي أيّ حال “الخبر الذي تشتريه اليوم بفلوس قد يأتيك غداً بالمجّان”.

المصدر : الجمهورية/ طارق ترشيشي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة