دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يحقُ لمرشد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي أن يبيت ليله مبتسماً، وإن في عاشوراء، فمن وصفهم بـأنهم أبناؤه الثوريون عادوا من جنيف، تاركين خلفهم دولاً ست، كانت تفاوضهم سابقاً بمنطق الرجل الواحد، ليتحول الواحد هذا إلى جمهرة قبائل، كلٌّ منها بريد شيئاً.
نجح الإيرانيون حيث فشل الآخرون. قدموا عرضاً وافياً لتخيلهم لأي اتفاق نووي. أقنعوا أميركا، التي يرون فيها «الشيطان الأكبر»، أن قاعدة «محور الشر» الأساسية كما تراها، ليست شراً مطلقاً، وأنها قادرة على اجتراح المبادرات الخيّرة، ليظهر على الشاشات وعلى المواقع والصحف «الشيطان» و«الشر» يضحكان ويقهقهان، فلا الشر ظل شراً ولا الشيطان احتفظ بأقفال جهنم.
ورثت فرنسا «شيطنة» أميركا و«شر» إيران معاً، فكانت في قلب أكثر جولات المحادثات إيجابية، الشيطان الشرير الذي عبث بالتفاصيل، ووضع عصاه بين إطارات الحل التي كانت تطير، بل وفرضت على وزير خارجية الصين ونائبه أن يطيرا من آخر الدنيا إلى جنيف ليشهدا على «اتفاق القرن»، كما أسماه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن عبثاً.
صوت نتنياهو ومن يدور في فلكه صدح عالياً في أروقة جنيف، مصيبا الأيدي برعشة منعتهم من رسم التواقيع على أوراق التسوية، بحجة أن إيران لم تقدم ما يلزم لطمئنة المشككين، فيما قيصر المشككين، واشنطن، راضٍ بما قدمته طهران. لكن باريس كانت قيصرية أكثر من القيصر، وأميركا كانت موقنة بولادة الحل عاجلاً، حتى ولو استلزم الأمر عملية قيصرية.
وصل فريق دول الـ«5+1» إلى طريق مسدود في ما بينه، على مرأى ومسمع من الفريق الإيراني. وزير الخارجية الأميركي جون كيري، همس لنظيره الإيراني محمد جواد ظريف أن «لا تقلق فالأمر يمكن حله».
إنها عادة الفرنسيين في خوض معارك ليست معاركهم لغايات في نفس الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، فصفقة السلاح مع السعودية التي تقارب قيمتها المليار يورو لم يحسم أمرها مبدئياً سوى في شهر آب الماضي، ووزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان لم يمر على زيارته إلى الرياض شهر، للتأكيد على قرب تنفيذها. كذلك، فإن هولاند يأمل في علاقات أكثر عمقاً عسكرياً واقتصادياً مع إسرائيل التي يزورها الأحد المقبل، وكصاحب واجب لا يمكنه القيام بالزيارة من دون هدية، فكيف إن كانت هدية كهذه؟
يعرف كيري الإيرانيين جيداً. يعرفهم مدى معرفته بصهره بهروز ولاناهيد، زوج ابنته فينيسا، وابن رضا ونوشين، العائلة الإيرانية الأميركية التي دخلت منزل آل كيري قبل سنوات.
والد «كنّة إيران» يرغب حقاً في حل الأزمة النووية، لا حباً بصهره، ولا من منطق القرابة التي لا تصرف في السياسة، وإنما لأن قراراً أميركياً واضحاً بفتح صفحة جديدة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية اتخذ، انطلاقاً من أن المصلحة الأميركية في المنطقة تقتضي ذلك، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وهو الأمر عينه الذي يدفع وزير الخارجية الإيراني، الذي قضى أكثر من عشرين عاماً من عمره في الولايات المتحدة للعمل بصلاحيات كبيرة للوصول إلى اتفاق نووي من شأنه أن يشرع الأبواب أمام اتفاقيات أخرى حول قضايا عالقة في المنطقة.
عادت الوفود إلى بلادها. كل يحمل من جنيف أوراقاً ومسودات تم الاتفاق على معظم بنودها. كذلك عاد الوفد الإيراني إلى طهران وفي جيبه تعهدات بأثمان غالية لمرونة سيبذلها الإيرانيون من الأرباح. فمن يعود بالذكرى سنوات إلى الخلف، عندما كان العالم يفاوض إيران على التخصيب بنسب متفاوتة خارج أرضها، ها هو العالم ذاته يفاوض إيران على نسبة التخصيب، بينما التخصيب على أرضها خارج بازار التفاوض. اعترف العالم رسمياً بإيران دولة نووية، فماذا تريد إيران أكثر من ذلك؟
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة