هناك من هو متعجّل قليلاً في حصول استدارة كاملة في المشهد السياسي الإقليمي المتصل بالأزمة السورية. والمتعجّل، يقدم مقاربات لا تفيد في تظهير الوقائع الجديدة في صورة جيدة، بل ربما يؤدي الاستعجال إلى إحباطات عندما لا تحصل الانعطافات المتوقعة.

في هذا السياق، هناك نقاش حول موقف حركة «الإخوان المسلمين» عموماً، و«حماس» على وجه الخصوص، وحول موقف كل من تركيا وقطر. ويذهب البعض إلى حدّ رسم سيناريوهات غير واقعية لها، ولو كان لها أصلها وفروعها. لكن الأساس، هو المناخ الجديد الذي يسود معظم هذه الأطراف في ضوء تطورات الساحتين المصرية والسورية في الأشهر الخمسة الأخيرة.

الواقعية تقتضي الإشارة إلى أن نقطة التحوّل المركزية تتعلّق بما جرى بين روسيا والولايات المتحدة، وهو ما أتاح لإيران لعب دور متقدم، أفسح المجال أمام واشنطن لإحداث تغيير جوهري إزاء العلاقة معها. وهو أمر كانت له مؤشرات مطلع الصيف الماضي، بعد تقييم لنتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية. يومها درست إيران الموقف، ووجدت انه «لا ضير» في اعتماد تكتيك جديد في مواجهة التحديات القائمة. وقد تشجع الإيرانيون أكثر، بعدما اطمأنوا إلى تعزز مواقع حلفائهم في سورية ولبنان والعراق، والى الضعضعة الكبيرة التي تصيب الجبهة الأخرى. وكان لسقوط حكم محمد مرسي في مصر الوقع الكبير.

وبما أن الأزمة السورية هي الأكثر سخونة، أعطت إيران الإشارة إلى استعدادها لنقاش حول هذه الأزمة بطريقة تتيح فتح الأبواب أمام من يرغب في الحوار. وهو ما جعل أطرافا عدة في المنطقة تعمل على طرق الباب الإيراني لجس النبض، في خطوة تحاكي الانفتاح الأميركي على إيران، ولا تجبر هذه الأطراف على استدارة كاملة في لحظة واحدة. وهو، عملياً، ما حصل مع تركيا وقطر، وكذلك مع حركة «حماس»، علماً أن طهران تميّز بقوة بين الحركة الإسلامية الفلسطينية وبين قطر وتركيا. وان المشترك بين الثلاثة هو قاعدة «الإخوان» والانخراط في مشروع ضد النظام في سورية.

ما حصل عملياً في كل الفترة الماضية، هو:

*بادرت حركة «حماس» إلى اتصالات مع حزب الله في لبنان ومع المسؤولين الإيرانيين، وحصل تقدم كبير، دفع بالحركة الفلسطينية إلى لعب دور جدي في تشجيع المسؤولين في تركيا وقطر على التواصل سريعاً، وبكثافة، مع إيران، والأخيرة لم توصد الباب أمام احد، لكنها عرفت كيف تربط هذه التحولات ـــ على بطئها ــــ في اتجاه تثميرها أولا وأخيرا في الساحة السورية.

* سمع الأتراك والقطريون، كما «حماس»، كلاماً إيرانيا واضحاً وحاسماً من أن إيران دولة لها استراتيجيتها. لكنها، في هذه اللحظة، تسعى إلى ترتيب العلاقات ربطا بالملفات المتوترة، وهذا ما دفع إلى شروحات هي عمليا اقرب إلى النصائح بأن تلجأ هذه الأطراف إلى القيام بخطوات عملية في ما خص الأزمة السورية.

* تحول القرار الأميركي والغربي بنقل إدارة ملف المعارضة السورية المسلحة من يد الأتراك والقطريين إلى يد السعودية إلى عامل إزعاج في أنقرة والدوحة، خصوصاً أن السعودية جاهرت بعدائها لهما ربطا بالموقف من «الإخوان المسلمين»، وزادت الرياض من عجرفتها بأن أرسلت إلى «حماس» من يقول لها بعد 30 يونيو: «اليوم القاهرة وغدا غزة». وكل ذلك ساهم في جعل تركيا وقطر و«حماس» تسرّع في اتصالاتها مع إيران.

* وصلت طهران إلى تفاهمات تتيح توسيع أبواب التواصل مع هذه الأطراف. وشجعت في الوقت نفسه هذه القوى على التوجه صوب بلاد الشام. وقد وجد الأتراك أنهم معنيون، كما قطر، بتوجيه رسالة «حسن نية» كان مدخلها ملف المخطوفين اللبنانيين في إعزاز. وهو ما أتاح بعث رسائل عبر وسطاء وموفدين إلى من يهمه الأمر في دمشق والضاحية الجنوبية.

* بدت قطر راغبة في استئناف العلاقة مع حزب الله وعدم ربطها بمصير البحث حول سورية. ذلك أن قطر تعي، كما تعرف دمشق والآخرون، بأنها غير قادرة الآن على تنفيذ استدارة كاملة. وان أعربت من خلال بعض الرسائل عن استعدادها لإدخال تحولات كبيرة، خصوصاً عندما حرص المسؤولون القطريون على تحميل رئيس الحكومة السابق حمد بن جاسم مسؤولية كل السياسات السابقة. وترافق ذلك مع خطوات عملية «ضمن الممكن».

* تبين أن الأتراك والقطريين يواجهون استحقاقا في مناطق شمال سوريا، بعدما سارعت السعودية إلى مطالبة الجهات السلفية العاملة تحت إشرافها والتي تملك نفوذا في تيارات «داعش» و«جبهة النصرة» وبعض كتائب المعارضة، بشن عمليات وقائية استهدفت منع «أي بازار قطري ـــــ تركي على رأسها في سوريا». وتبين لاحقا أن الأتراك والقطريين اظهروا ميلا أو استعدادا للتعاون في إقناع قوى المعارضة المسلحة المنتشرة في شمال سوريا إلى الإعراب عن استعدادهم للدخول في حوار مع النظام وفق مقتضيات مؤتمر جنيف. وهو أمر ترافق مع «قليل» من التشدد من الجانب الأمني التركي على الحدود مع سوريا، ومع تقنين آليات الدعم المالي من الجانب القطري لمجموعات مسلحة وسياسية في شمال سوريا، وصولا إلى قرار بتقليص حجم الإنفاق حتى على المعونات للنازحين، وهو أمر حصل في منطقة عكار في لبنان.

* لم يقفل حزب الله الباب في وجه الطارق القطري، لكنه لم يفتح الباب كاملا، بل أعطى إشارة بطيئة إلى كونه لا يرفض استئناف التواصل، وان بعث، على طريقته، برسائل تشير إلى أن الموقف من الأزمة السورية أساسي في هذه المسالة. وتم ذلك عبر إعادة الحرارة، ولو بشكل خافت، إلى قنوات تواصل عملت كثيرا في مرحلة ما قبل الأزمة السورية. وهو ما فعله بحذر اكبر الرئيس السوري بشار الأسد الذي تلقى المزيد من الرسائل من قطر وتركيا وحماس، لكنه حرص على انتظار خطوات عملانية قبل أي كلام آخر.

* اتضح لجهات إقليمية ودولية أن مؤتمر «جنيف 2»، إذا انعقد، سيكون نقطة تحول تتيح توسيع دائرة التواصل، وقد تسمح بخطوات أكثر دراماتيكية. وهو ما يفسر في رأي القطريين والأتراك، وحتى «حماس»، الإصرار السعودي على عدم عقد اللقاء، والعمل على الأرض للسيطرة على كل المجموعات المسلحة، بما في ذلك كتائب «الجيش الحر» التي تملك صلات بتركيا وقطر. وبحسب متابعين، فان الحساسية القطرية ــــ التركية مع السعودية ارتفعت كثيرا في الآونة الأخيرة، رغم أن أمير قطر الجديد كان حريصا على إبلاغ من يهمه الأمر، بأن قطر ليست دولة مواجهة، وهي لن تكون خارج إجماع مجلس التعاون الخليجي.

*أظهرت إحدى الرسائل أن قطر تراهن على التوصل إلى تفاهمات مقبولة من جانبها، تتضمن حصول تغيير ما في الواقع السياسي بين الحكم والمعارضة في سورية، وهي مستعدة في حال حصول ذلك إلى «الكبس على زر» التحول في كل النواحي الإعلامية والسياسية والأمنية، بما في ذلك، الإعلان عن برنامج دعم مالي لإعادة اعمار ما هدمته الحرب السورية.

التبدلات الميدانية والسياسية تسير بخطى حثيثة، والإرباك الذي تتسم به السياسة السعودية، تحول عنصر تحفيز لآخرين يسعون إلى عدم دفع الثمن مضاعفاً. ولكن كل ذلك يظل رهن الخطوات الأميركية. ومن استعجل الأمر قبل أوانه، ربما عوقب بحرمانه!

  • فريق ماسة
  • 2013-10-29
  • 9977
  • من الأرشيف

عودة الحرارة إلى هاتف حزب الله ـ الدوحة

هناك من هو متعجّل قليلاً في حصول استدارة كاملة في المشهد السياسي الإقليمي المتصل بالأزمة السورية. والمتعجّل، يقدم مقاربات لا تفيد في تظهير الوقائع الجديدة في صورة جيدة، بل ربما يؤدي الاستعجال إلى إحباطات عندما لا تحصل الانعطافات المتوقعة. في هذا السياق، هناك نقاش حول موقف حركة «الإخوان المسلمين» عموماً، و«حماس» على وجه الخصوص، وحول موقف كل من تركيا وقطر. ويذهب البعض إلى حدّ رسم سيناريوهات غير واقعية لها، ولو كان لها أصلها وفروعها. لكن الأساس، هو المناخ الجديد الذي يسود معظم هذه الأطراف في ضوء تطورات الساحتين المصرية والسورية في الأشهر الخمسة الأخيرة. الواقعية تقتضي الإشارة إلى أن نقطة التحوّل المركزية تتعلّق بما جرى بين روسيا والولايات المتحدة، وهو ما أتاح لإيران لعب دور متقدم، أفسح المجال أمام واشنطن لإحداث تغيير جوهري إزاء العلاقة معها. وهو أمر كانت له مؤشرات مطلع الصيف الماضي، بعد تقييم لنتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية. يومها درست إيران الموقف، ووجدت انه «لا ضير» في اعتماد تكتيك جديد في مواجهة التحديات القائمة. وقد تشجع الإيرانيون أكثر، بعدما اطمأنوا إلى تعزز مواقع حلفائهم في سورية ولبنان والعراق، والى الضعضعة الكبيرة التي تصيب الجبهة الأخرى. وكان لسقوط حكم محمد مرسي في مصر الوقع الكبير. وبما أن الأزمة السورية هي الأكثر سخونة، أعطت إيران الإشارة إلى استعدادها لنقاش حول هذه الأزمة بطريقة تتيح فتح الأبواب أمام من يرغب في الحوار. وهو ما جعل أطرافا عدة في المنطقة تعمل على طرق الباب الإيراني لجس النبض، في خطوة تحاكي الانفتاح الأميركي على إيران، ولا تجبر هذه الأطراف على استدارة كاملة في لحظة واحدة. وهو، عملياً، ما حصل مع تركيا وقطر، وكذلك مع حركة «حماس»، علماً أن طهران تميّز بقوة بين الحركة الإسلامية الفلسطينية وبين قطر وتركيا. وان المشترك بين الثلاثة هو قاعدة «الإخوان» والانخراط في مشروع ضد النظام في سورية. ما حصل عملياً في كل الفترة الماضية، هو: *بادرت حركة «حماس» إلى اتصالات مع حزب الله في لبنان ومع المسؤولين الإيرانيين، وحصل تقدم كبير، دفع بالحركة الفلسطينية إلى لعب دور جدي في تشجيع المسؤولين في تركيا وقطر على التواصل سريعاً، وبكثافة، مع إيران، والأخيرة لم توصد الباب أمام احد، لكنها عرفت كيف تربط هذه التحولات ـــ على بطئها ــــ في اتجاه تثميرها أولا وأخيرا في الساحة السورية. * سمع الأتراك والقطريون، كما «حماس»، كلاماً إيرانيا واضحاً وحاسماً من أن إيران دولة لها استراتيجيتها. لكنها، في هذه اللحظة، تسعى إلى ترتيب العلاقات ربطا بالملفات المتوترة، وهذا ما دفع إلى شروحات هي عمليا اقرب إلى النصائح بأن تلجأ هذه الأطراف إلى القيام بخطوات عملية في ما خص الأزمة السورية. * تحول القرار الأميركي والغربي بنقل إدارة ملف المعارضة السورية المسلحة من يد الأتراك والقطريين إلى يد السعودية إلى عامل إزعاج في أنقرة والدوحة، خصوصاً أن السعودية جاهرت بعدائها لهما ربطا بالموقف من «الإخوان المسلمين»، وزادت الرياض من عجرفتها بأن أرسلت إلى «حماس» من يقول لها بعد 30 يونيو: «اليوم القاهرة وغدا غزة». وكل ذلك ساهم في جعل تركيا وقطر و«حماس» تسرّع في اتصالاتها مع إيران. * وصلت طهران إلى تفاهمات تتيح توسيع أبواب التواصل مع هذه الأطراف. وشجعت في الوقت نفسه هذه القوى على التوجه صوب بلاد الشام. وقد وجد الأتراك أنهم معنيون، كما قطر، بتوجيه رسالة «حسن نية» كان مدخلها ملف المخطوفين اللبنانيين في إعزاز. وهو ما أتاح بعث رسائل عبر وسطاء وموفدين إلى من يهمه الأمر في دمشق والضاحية الجنوبية. * بدت قطر راغبة في استئناف العلاقة مع حزب الله وعدم ربطها بمصير البحث حول سورية. ذلك أن قطر تعي، كما تعرف دمشق والآخرون، بأنها غير قادرة الآن على تنفيذ استدارة كاملة. وان أعربت من خلال بعض الرسائل عن استعدادها لإدخال تحولات كبيرة، خصوصاً عندما حرص المسؤولون القطريون على تحميل رئيس الحكومة السابق حمد بن جاسم مسؤولية كل السياسات السابقة. وترافق ذلك مع خطوات عملية «ضمن الممكن». * تبين أن الأتراك والقطريين يواجهون استحقاقا في مناطق شمال سوريا، بعدما سارعت السعودية إلى مطالبة الجهات السلفية العاملة تحت إشرافها والتي تملك نفوذا في تيارات «داعش» و«جبهة النصرة» وبعض كتائب المعارضة، بشن عمليات وقائية استهدفت منع «أي بازار قطري ـــــ تركي على رأسها في سوريا». وتبين لاحقا أن الأتراك والقطريين اظهروا ميلا أو استعدادا للتعاون في إقناع قوى المعارضة المسلحة المنتشرة في شمال سوريا إلى الإعراب عن استعدادهم للدخول في حوار مع النظام وفق مقتضيات مؤتمر جنيف. وهو أمر ترافق مع «قليل» من التشدد من الجانب الأمني التركي على الحدود مع سوريا، ومع تقنين آليات الدعم المالي من الجانب القطري لمجموعات مسلحة وسياسية في شمال سوريا، وصولا إلى قرار بتقليص حجم الإنفاق حتى على المعونات للنازحين، وهو أمر حصل في منطقة عكار في لبنان. * لم يقفل حزب الله الباب في وجه الطارق القطري، لكنه لم يفتح الباب كاملا، بل أعطى إشارة بطيئة إلى كونه لا يرفض استئناف التواصل، وان بعث، على طريقته، برسائل تشير إلى أن الموقف من الأزمة السورية أساسي في هذه المسالة. وتم ذلك عبر إعادة الحرارة، ولو بشكل خافت، إلى قنوات تواصل عملت كثيرا في مرحلة ما قبل الأزمة السورية. وهو ما فعله بحذر اكبر الرئيس السوري بشار الأسد الذي تلقى المزيد من الرسائل من قطر وتركيا وحماس، لكنه حرص على انتظار خطوات عملانية قبل أي كلام آخر. * اتضح لجهات إقليمية ودولية أن مؤتمر «جنيف 2»، إذا انعقد، سيكون نقطة تحول تتيح توسيع دائرة التواصل، وقد تسمح بخطوات أكثر دراماتيكية. وهو ما يفسر في رأي القطريين والأتراك، وحتى «حماس»، الإصرار السعودي على عدم عقد اللقاء، والعمل على الأرض للسيطرة على كل المجموعات المسلحة، بما في ذلك كتائب «الجيش الحر» التي تملك صلات بتركيا وقطر. وبحسب متابعين، فان الحساسية القطرية ــــ التركية مع السعودية ارتفعت كثيرا في الآونة الأخيرة، رغم أن أمير قطر الجديد كان حريصا على إبلاغ من يهمه الأمر، بأن قطر ليست دولة مواجهة، وهي لن تكون خارج إجماع مجلس التعاون الخليجي. *أظهرت إحدى الرسائل أن قطر تراهن على التوصل إلى تفاهمات مقبولة من جانبها، تتضمن حصول تغيير ما في الواقع السياسي بين الحكم والمعارضة في سورية، وهي مستعدة في حال حصول ذلك إلى «الكبس على زر» التحول في كل النواحي الإعلامية والسياسية والأمنية، بما في ذلك، الإعلان عن برنامج دعم مالي لإعادة اعمار ما هدمته الحرب السورية. التبدلات الميدانية والسياسية تسير بخطى حثيثة، والإرباك الذي تتسم به السياسة السعودية، تحول عنصر تحفيز لآخرين يسعون إلى عدم دفع الثمن مضاعفاً. ولكن كل ذلك يظل رهن الخطوات الأميركية. ومن استعجل الأمر قبل أوانه، ربما عوقب بحرمانه!

المصدر : الأخبار/ ابراهيم الأمين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة