دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كان مقرراً أن يكون «لقاء بيروت» السري بين دمشق وواشنطن، الصيف الماضي، بداية عودة الحرارة الى العلاقة بين الطرفين. «طار» اللقاء بسبب تصاعد أزمة الكيميائي. لكن خاتمتها السعيدة قد تعيد إحياء فكرته، وهو ما يفسّر أحد وجوه الغضب السعودي على الولايات المتحدة والانزعاج الآذاري منها
نهاية آب الماضي، كان احد مساعدي النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات الاميركية (سي اي ايه) مايكل موريل (الذي تقاعد في 9 آب بعد 33 عاماً من العمل في الوكالة)، على وشك ان يصل الى بيروت للاجتماع سراً مع موفد عن النظام السوري. لكن تزامن موعد اللقاء مع الانفجار المفاجئ لقضية اتهام دمشق باستخدام السلاح الكيميائي، أدّى الى إلغائه، وأخذ المشهد السوري برمّته الى خضمّ أزمة دولية حادة بلغت ذروتها مع اعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عزمه على توجيه ضربة عسكرية لسوريا.
وتقول مصادر مواكبة للاتصالات السرية التي مهّدت لـ«لقاء بيروت» ان التحضيرات له بلغت ذروتها مع حلول النصف الثاني من شهر آب. إذ حدّد الأميركيون اسم موفدهم، وهو موظف ينتمي الى بيئة موريل، أعرق افراد اسرة «سي اي ايه»، فيما سمّت دمشق شخصية من خارج البيئة الامنية للنظام، ولكنها من ابرز الناشطين في «خلية الازمة» التي يقودها الرئيس بشار الاسد.
وتؤكد المصادر ان الاتفاق على اللقاء جاء بمبادرة من شخصية سياسية لبنانية على علاقة بموريل، وأن الموظف السابق أشرف على متابعة التحضير للقاء كآخر إنجازاته وخدماته للوكالة. وترجّح أن اختياره لهذه المهمة جاء لأنه لم يعد له ارتباط عضوي رسمي بوكالة الاستخبارات الاميركية، ولكنه، من جهة أخرى، لا يزال ــــ رغم تقاعده ـــــ على صلة وثيقة بالمطبخ السري للوكالة، ما يؤهّله للاستمرار، في مرحلة تقاعده، بتنفيذ مهمات غير رسمية على صلة بملفات امنية وسياسية حساسة. وتخلص المصادر الى ان اختيار موريل، الخارج للتو من الوكالة، للإشراف على تنسيق «لقاء بيروت»، تم لأنه يؤمّن لـ «سي آي ايه» قناة استخباراتية نشطة ومحترفة تواكب عن كثب الحراك المتعاظم لتنظيم «القاعدة» داخل سوريا، ويشكّل قناة غير رسمية للحوار مع دمشق، ما يدفع أي إحراج اميركي قد يتأتى عن انكشاف اللقاء وظروفه.
وتلفت المصادر الى ان النقاط التي كان موفد موريل معنياً بطرحها مع الموفد الدمشقي، يمكن استشرافها عبر العودة الى تصريح أدلى به الأخير، خلال فترة نضوج ترتيبات الاجتماع، الى صحيفة «وول ستريت جورنال» وشدّد فيه على، اولاً، ضرورة التنبه الى مخاطر انهيار النظام السوري، ما قد يحوّل سوريا ملجأ لـ«لقاعدة»، معتبراً أن هذا السيناريو هو الخطر الأول على الأمن القومي الأميركي؛ وثانياً، ضرورة مواجهة تطورات خطرة حصلت داخل «القاعدة» التي تحوّلت الى تنظيم يقوده الظواهري ولكنه يتشكل من مجموعات كثيرة مستقلة؛ وثالثاً، تأمين الاسلحة الكيميائية التي يملكها النظام.
ولا تستبعد المصادر ان تكون الاتصالات السرية لتحديد موعد جديد للاجتماع قد استؤنفت بعد عبور سحابة ازمة تهديد أوباما بضرب سوريا وبعد انتهاء قضية السلاح الكيميائي على خاتمة سعيدة. وبحسب المصادر نفسها، فان عقد اللقاء سيشكل اول اختراق من قبل «سي اي ايه» للقطيعة مع النظام السوري منذ بدء الاحداث في سوريا. كما انه سيشكل فضّاً لـ«الشراكة» التي سادت مؤخراً بين أجندتي الوكالة الأميركية وجهاز الاستخبارات السعودي بزعامة بندر بن سلطان، والتي نجح الأخير عبرها في توحيد رؤيتي عملهما لتنفيذ خطط لوجستية واستخباراتية في سوريا انطلاقا من الحدود الاردنية. وتعزو هذه المصادر كلام بندر الاخير، العلني، عن افتراق سياسي مع واشنطن، الى إدراكه أن شراكته الشخصية مع «سي اي ايه» تجاه سوريا بدأت تشهد مراجعة أميركية تماشي التغيرات التي بدأت تطرأ على سياسة الادارة الاميركية التي يعبّر المستوى السياسي السعودي عن انزعاجه منها علناً.
هيل الانفتاحي
وفي سياق آخر متصل، تلاحظ المصادر نفسها ان ظاهرة الاستشعار بوجود تغيرات في الموقف الاميركي تجاه الملف السوري، بدأت تسود ايضاً فريق ١٤ آذار في لبنان. وتنقل عن أقطاب في هذا الفريق نقاشاً يفيد بأن سياسة واشنطن في لبنان يمكن قراءة مضمونها السياسي انطلاقاً من شخصية السفير الذي تعيّنه في بيروت. فانتقاء السفير السابق جيفري فيلتمان كان يعبّر عن رغبة واشنطن في شدّ عضد ١٤ آذار لاستكمال الانقلاب السياسي الذي حصل في شباط عام ٢٠٠٥. اما المعنى الذي أرادت واشنطن الإيحاء به من تعيينها السفيرة مورا كونيلي فهو «ادارة تفليسة» مرحلة ١٤ آذار في لبنان. فيما جاء تعيين السفير هيل المشهود بأنه رجل الصلات السياسية الانفتاحية، ليلبي رغبة اميركا بمواكبة التغيرات المقبلة في السياسة الاميركية تجاه ملفات كبرى، من بينها الملف السوري.
وبحسب هذه المصادر، فان انزعاجاً صامتاً يسود داخل فريق ١٤ آذار من طروحات هيل التي يطلقها في لقاءاته الخاصة معهم، وخلاصتها ان واشنطن ذهبت الى ابعد مدى ممكن في الازمة السورية، ولم يعد يجدر بهم توقع خطوات ابعد اثراً ضد النظام في دمشق، وأن سياسة واشنطن تجاه لبنان لن تشتمل على تغيرات راديكالية ضد فريق ٨ آذار. ويلاحظ اقطاب ١٤ آذار ان هيل بدأ، منذ وصوله، سياسة انفتاح على كل القوى السياسية اللبنانية من دون مراعاة لثوابت سابقة كما كان الوضع ايام فيلتمان، والى حدّ ما في عهد كونيلي.
المصدر :
الاخبار/ ناصر شرارة
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة