هناك عدد متزايد من المتابعين والمحللين باتت لديهم قناعة شبه مؤكدة ان سقوط الانظمة الحاكمة في الخليج اضحت وشيكة وان السؤال لم يعد هل ستسقط هذه الانظمة ؟ وانما السؤال الطاغي متى ستسقط ؟

صدر الكثير من الكتب ونشرت دراسات عديدة حول مضمون هذه الفكرة ولعل من ابرز هذه الكتب ما اصدره كريستوفر ديفيدسون الباحث المتخصص في شؤون الخليج  تحت عنوان: «ما بعد الشيوخ: السقوط القادم لملوك الخليج»، وغلاف الكتاب عبارة عن صورة لقطع «دومينوز» تقف على هيئة طابور ومرسوم على كل قطعة صورة حاكم من حكام الخليج. في كتابه، يتنبأ ديفيدسون بحدوث تغيير كبير يؤدي إلى سقوط الأنظمة الحاكمة وهم السعودية والاعضاء الخمسة الاخرون في مجلس التعاون الخليجي في فترة زمنية تترواح بين سنتين وخمس سنوات. ان الكثير من النقاد يعتبرون تحليلات ديفيدسون دقيقة وقريبة من الواقع لكونه من تنبأ بالأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم وأصابت دبي عام 2009، ويراهنون على أن دقة تنبؤات ديفيدسون قد تتكرر في رؤيته لمستقبل الأنظمة الحاكمة في دول الخليج.
 ودفيدسون يرى أنه رغم كون أنظمة دول الخليج  مستقرة ولم تتأثر أمام موجة  مايسمى«الربيع العربي»، فإن مسألة سقوطها باتت مجرد عامل وقت، بمعنى أن السؤال هو (متى ستسقط؟) وليس (هل ستسقط؟) بحسب وصف المؤلف. ويذهب ديفيدسون إلى أن معطيات السقوط  بدأت تتوافر اكثر فاكثر في دول الخليج، وأن المسألة قادمة لا محالة.

وبغض النظر عن استنتاجات الكتاب والمحللين حول هذه المسألة فان المشهد الدولي الجديد يميل بصورة متسارعة الى صحتها وحتمية حصولها فالمعروف ان هذه الانظمة عبارة عن هياكل لاتمتمع باية شعبية ولا تستمد شرعيتها من صناديق الانتخابات وليس بها اي نوع من انواع الديموقراطية وتقوم على خليط عجيب من المفاهيم القبلية والعشائرية والدينية واساسها الوحيد المعتبر التقاليد والاعراف المستهلكة بحكم الزمن واعتبارات التطور والتقدم ومن المعروف ايضا ان استمراريتها على التسلط والامساك بالسلطة والبلاد والعباد قائم بحكم تبعيتها المطلقة للقوى الاجنبية فقد انتقلت حمايتها من اليد البريطانية الى اليد الامريكية وباتت من الالف الى الياء تسيطر عليها وعلى مصيرها وقدرها الادارات الامريكية سواء كانت ديموقراطية او جمهورية وهي مستسلمة استسلاما مطلقا لمشيئة هذه الادارات المتعاقبة وسياساستها الاقليمية والدولية ومصالحها الاقتصادية والنفطية في المنطقة وملتزمة بتوجيهات واشنطن فيما يتعلق بتوفير الامن والامان والتفوق لاسرائيل ..

 لقد برزت تطورات كبيرة في موازيين القوى على الصعيدين الاقليمي والدولي جعلت الحماية الامريكية للانظمة الحاكمة في الخليج غير كافية ان لم نقل انها مرشحة للتضاؤل الشديد في السنوات القليلة القادمة ويبدو ان هذا من اهم دوافع تلك الانظمة لفتح كل خزائنها واستخدام كل ثرواتها الاسطورية لتدمير الدول العربية  تحت شعارات مايسمى الربيع العربي خدمة لاسرائيل وخوفا من وصول رياح التغيير اليها ووصل بها الامر مؤخرا بعد التطورات الجديدة بين ايران والولايات المتحدة لاقامة حلف اسرائيلي  خليجي لضرب ايران ومحور المقاومة  في المنطقة .

لايختلف اثنان ان استقرار السعودية هو اساس استقرار دول مجلس التعاون الخليجي كلها وليس العكس وان الحماية الامريكية هي اساس استقرار السعودية وعندما تضعف هذه الحماية يهتز استقرار السعودية وبالتالي تهتز انظمة الخليج كلها ويبدو ان زمن الحماية الامريكية المطلقة قد تراجع كثيرا بعد فشلها الذريع واضطرارها لسحب قواتها من العراق وقريبا من افغانستان واتخاذ ادارة اوباما شعارا بعدم شن حروب جديدة بعد الان واعتبار حروب بوش السابقة السبب الاساس في الازمة المالية المريرة التي تضرب الاقتصاد الامريكي هذه الايام والتي بالكاد تم حلها جزئيا ومؤقتا وهذا سيؤدي الى ضعف تدريجي في الحماية الامريكية لممالك الملح في السعودية والخليج ..

وبالاجمال يمكن ايجاز أهم التطورات في الواقع الدولي الجديد التي انعكست على قوة حماية واشنطن لهذه الانظمة النفطية الاكثر ظلاما واستبدادا في العالم بما يلي :

اولا- تراجع واضح وملحوظ للولايات المتحدة كقطب وحيد على المسرح الدولي وبروز لاعبين جدد وولادة عالم متعدد الاقطاب من روسيا والصين وبعض دول البريكس ولعل الازمة في سورية قد اظهرت هذه الصورة وسرعت في اكتمالها وافشلت رهان السعودية بعد قطر وتركيا على اسقاط الدولة السورية .

ثانيا – تراجع امريكي على صعيد الاقتصاد العالمي فالازمة المالية التي زلزلزت اقتصادها جعلتها تتخلى اضطرارا عن مكانتها الاولى في الاقتصاد العالمي الامر الذي جعلها اقل قدرة على تمويل حروب جديدة وتوفير الحماية العسكرية لحلفائها ومن ابرز هؤلاء عملائها من انظمة الخليج وفي المقدمة السعودية المملكة الاغنى والاشد ظلاما واستبدادا في العالم .

ثالثا - تعاظم القدرات العلمية والعسكرية لايران وظهورها كقوة اقليمية لايمكن تجاوزها في التاثير على قضايا المنطقة وبالاخص على قضايا الامن والاستقرار في الخليج مما يجعل ظهر الانظمة الحاكمة  هناك مكشوفا واكثر قابلية للسقوط  واستبدالها بانظمة يرضى عنها الناس في تللك البلدان بعد ان ضعفت القبضة العسكرية الامريكية في المنطقة كلها .

رابعا- تراجع الاهتمام الامريكي بالنفط السعودي والخليجي بعد اكتشاف كميات هائلة من النفط والغاز في الولايات المتحدة الامريكية الامر الذي يخفض من منسوب اهتمام واشنطن بمنطقة الخليج وربما يتحول الاهتمام الاكبر نحو ايران وتحسين العلاقات معها ويعتقد محللون ان العجلة بدأت بالدوران  وان كان بحذر بعد الاتصالات رفيعة المستوى بين الطرفين على هامش دورة الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك .

خامسا - فشل مشروع الشرق الاوسط الكبير نتيجة الصمود السوري وسقوط التجربة الاخوانية في مصر ونشوب خلافات حادة بين اطراف المعسكر المعادي لمحور المقاومة أدى الى انقلاب على حكام قطر وبروز خلاف تركي قطري مع السعودية حول التحولات الجديدة في مصر وخلاف بين السعودية وامريكا بشأن مصر ايضا واخفاق سعودي حتى الان في احتواء مصراو شرائها تعويضا لهزيمتها في اخضاع سورية وتركيعها .

هذه المعطيات والتطورات سيكون لها تفاعلات مؤثرة على صعيد رفع الحماية الامريكية عن الانظمة الحاكمة في الخليج حيث بدأت مشاعر الاحباط تتزايد وبدأ الاحساس المر من قبل الحكام هناك بتخلي واشنطن عن هذه الانظمة المتعفنة لان الاهم للولايات المتحدة بعد النفط هو امن اسرئيل وباعتبار امكانية الاستغناء عن نفط الخليج قد اضحت متاحة فيبقى الهدف الثاني  هو مركز الاهتمام الامريكي على المدى المنظور ويغدو سيان لدى واشنطن سقوط هذه الانظمة او بقائها بل تغدو كلفة حمايتها اكبر والخسارة الامريكية بسقوطها اقل مما يعني ان المنطقة امام عصر جديد لن تنفع معه انظمة تجاوزها الزمن واصبحت صفحات سوداء في تاريخ الامة المعاصر..

  • فريق ماسة
  • 2013-10-26
  • 6715
  • من الأرشيف

هل بات سقوط الانظمة الحاكمة في الخليج مسألة وقت ..؟؟

هناك عدد متزايد من المتابعين والمحللين باتت لديهم قناعة شبه مؤكدة ان سقوط الانظمة الحاكمة في الخليج اضحت وشيكة وان السؤال لم يعد هل ستسقط هذه الانظمة ؟ وانما السؤال الطاغي متى ستسقط ؟ صدر الكثير من الكتب ونشرت دراسات عديدة حول مضمون هذه الفكرة ولعل من ابرز هذه الكتب ما اصدره كريستوفر ديفيدسون الباحث المتخصص في شؤون الخليج  تحت عنوان: «ما بعد الشيوخ: السقوط القادم لملوك الخليج»، وغلاف الكتاب عبارة عن صورة لقطع «دومينوز» تقف على هيئة طابور ومرسوم على كل قطعة صورة حاكم من حكام الخليج. في كتابه، يتنبأ ديفيدسون بحدوث تغيير كبير يؤدي إلى سقوط الأنظمة الحاكمة وهم السعودية والاعضاء الخمسة الاخرون في مجلس التعاون الخليجي في فترة زمنية تترواح بين سنتين وخمس سنوات. ان الكثير من النقاد يعتبرون تحليلات ديفيدسون دقيقة وقريبة من الواقع لكونه من تنبأ بالأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم وأصابت دبي عام 2009، ويراهنون على أن دقة تنبؤات ديفيدسون قد تتكرر في رؤيته لمستقبل الأنظمة الحاكمة في دول الخليج.  ودفيدسون يرى أنه رغم كون أنظمة دول الخليج  مستقرة ولم تتأثر أمام موجة  مايسمى«الربيع العربي»، فإن مسألة سقوطها باتت مجرد عامل وقت، بمعنى أن السؤال هو (متى ستسقط؟) وليس (هل ستسقط؟) بحسب وصف المؤلف. ويذهب ديفيدسون إلى أن معطيات السقوط  بدأت تتوافر اكثر فاكثر في دول الخليج، وأن المسألة قادمة لا محالة. وبغض النظر عن استنتاجات الكتاب والمحللين حول هذه المسألة فان المشهد الدولي الجديد يميل بصورة متسارعة الى صحتها وحتمية حصولها فالمعروف ان هذه الانظمة عبارة عن هياكل لاتمتمع باية شعبية ولا تستمد شرعيتها من صناديق الانتخابات وليس بها اي نوع من انواع الديموقراطية وتقوم على خليط عجيب من المفاهيم القبلية والعشائرية والدينية واساسها الوحيد المعتبر التقاليد والاعراف المستهلكة بحكم الزمن واعتبارات التطور والتقدم ومن المعروف ايضا ان استمراريتها على التسلط والامساك بالسلطة والبلاد والعباد قائم بحكم تبعيتها المطلقة للقوى الاجنبية فقد انتقلت حمايتها من اليد البريطانية الى اليد الامريكية وباتت من الالف الى الياء تسيطر عليها وعلى مصيرها وقدرها الادارات الامريكية سواء كانت ديموقراطية او جمهورية وهي مستسلمة استسلاما مطلقا لمشيئة هذه الادارات المتعاقبة وسياساستها الاقليمية والدولية ومصالحها الاقتصادية والنفطية في المنطقة وملتزمة بتوجيهات واشنطن فيما يتعلق بتوفير الامن والامان والتفوق لاسرائيل ..  لقد برزت تطورات كبيرة في موازيين القوى على الصعيدين الاقليمي والدولي جعلت الحماية الامريكية للانظمة الحاكمة في الخليج غير كافية ان لم نقل انها مرشحة للتضاؤل الشديد في السنوات القليلة القادمة ويبدو ان هذا من اهم دوافع تلك الانظمة لفتح كل خزائنها واستخدام كل ثرواتها الاسطورية لتدمير الدول العربية  تحت شعارات مايسمى الربيع العربي خدمة لاسرائيل وخوفا من وصول رياح التغيير اليها ووصل بها الامر مؤخرا بعد التطورات الجديدة بين ايران والولايات المتحدة لاقامة حلف اسرائيلي  خليجي لضرب ايران ومحور المقاومة  في المنطقة . لايختلف اثنان ان استقرار السعودية هو اساس استقرار دول مجلس التعاون الخليجي كلها وليس العكس وان الحماية الامريكية هي اساس استقرار السعودية وعندما تضعف هذه الحماية يهتز استقرار السعودية وبالتالي تهتز انظمة الخليج كلها ويبدو ان زمن الحماية الامريكية المطلقة قد تراجع كثيرا بعد فشلها الذريع واضطرارها لسحب قواتها من العراق وقريبا من افغانستان واتخاذ ادارة اوباما شعارا بعدم شن حروب جديدة بعد الان واعتبار حروب بوش السابقة السبب الاساس في الازمة المالية المريرة التي تضرب الاقتصاد الامريكي هذه الايام والتي بالكاد تم حلها جزئيا ومؤقتا وهذا سيؤدي الى ضعف تدريجي في الحماية الامريكية لممالك الملح في السعودية والخليج .. وبالاجمال يمكن ايجاز أهم التطورات في الواقع الدولي الجديد التي انعكست على قوة حماية واشنطن لهذه الانظمة النفطية الاكثر ظلاما واستبدادا في العالم بما يلي : اولا- تراجع واضح وملحوظ للولايات المتحدة كقطب وحيد على المسرح الدولي وبروز لاعبين جدد وولادة عالم متعدد الاقطاب من روسيا والصين وبعض دول البريكس ولعل الازمة في سورية قد اظهرت هذه الصورة وسرعت في اكتمالها وافشلت رهان السعودية بعد قطر وتركيا على اسقاط الدولة السورية . ثانيا – تراجع امريكي على صعيد الاقتصاد العالمي فالازمة المالية التي زلزلزت اقتصادها جعلتها تتخلى اضطرارا عن مكانتها الاولى في الاقتصاد العالمي الامر الذي جعلها اقل قدرة على تمويل حروب جديدة وتوفير الحماية العسكرية لحلفائها ومن ابرز هؤلاء عملائها من انظمة الخليج وفي المقدمة السعودية المملكة الاغنى والاشد ظلاما واستبدادا في العالم . ثالثا - تعاظم القدرات العلمية والعسكرية لايران وظهورها كقوة اقليمية لايمكن تجاوزها في التاثير على قضايا المنطقة وبالاخص على قضايا الامن والاستقرار في الخليج مما يجعل ظهر الانظمة الحاكمة  هناك مكشوفا واكثر قابلية للسقوط  واستبدالها بانظمة يرضى عنها الناس في تللك البلدان بعد ان ضعفت القبضة العسكرية الامريكية في المنطقة كلها . رابعا- تراجع الاهتمام الامريكي بالنفط السعودي والخليجي بعد اكتشاف كميات هائلة من النفط والغاز في الولايات المتحدة الامريكية الامر الذي يخفض من منسوب اهتمام واشنطن بمنطقة الخليج وربما يتحول الاهتمام الاكبر نحو ايران وتحسين العلاقات معها ويعتقد محللون ان العجلة بدأت بالدوران  وان كان بحذر بعد الاتصالات رفيعة المستوى بين الطرفين على هامش دورة الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك . خامسا - فشل مشروع الشرق الاوسط الكبير نتيجة الصمود السوري وسقوط التجربة الاخوانية في مصر ونشوب خلافات حادة بين اطراف المعسكر المعادي لمحور المقاومة أدى الى انقلاب على حكام قطر وبروز خلاف تركي قطري مع السعودية حول التحولات الجديدة في مصر وخلاف بين السعودية وامريكا بشأن مصر ايضا واخفاق سعودي حتى الان في احتواء مصراو شرائها تعويضا لهزيمتها في اخضاع سورية وتركيعها . هذه المعطيات والتطورات سيكون لها تفاعلات مؤثرة على صعيد رفع الحماية الامريكية عن الانظمة الحاكمة في الخليج حيث بدأت مشاعر الاحباط تتزايد وبدأ الاحساس المر من قبل الحكام هناك بتخلي واشنطن عن هذه الانظمة المتعفنة لان الاهم للولايات المتحدة بعد النفط هو امن اسرئيل وباعتبار امكانية الاستغناء عن نفط الخليج قد اضحت متاحة فيبقى الهدف الثاني  هو مركز الاهتمام الامريكي على المدى المنظور ويغدو سيان لدى واشنطن سقوط هذه الانظمة او بقائها بل تغدو كلفة حمايتها اكبر والخسارة الامريكية بسقوطها اقل مما يعني ان المنطقة امام عصر جديد لن تنفع معه انظمة تجاوزها الزمن واصبحت صفحات سوداء في تاريخ الامة المعاصر..

المصدر : الماسة السورية/ د.تركي صقر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة