دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في حديث التسوية الكبرى للمنطقة تختلف المقاربات. يقرأ البعض أنَّ واقع المجريات اليوم يشي بإنفراج قد تفرزه اتفاقات لن تكون سهلة، وقد يتطلب إبرامها وقتاً، تسوية تبدأ من سورية لتشمل مساحة التفاوض فيها ملفات المنطقة كرزمة كاملة لها علاقة برسم مستقبل المنطقة برمتها.. فيما يتمهل آخرون قبل المبالغة بالتفاؤل على حد وصفهم.
التقارب الأميركي-الايراني يقر الجميع أن غياب التسوية يعني حتمية وقوع حرب، لطالما سعت لاستجدائها أطراف اقليمية. ولا يختلف اثنان أن الملفات المطروحة على طاولة البحث محورية وبالغة الحساسية. فتصف صحف أجنبية ما جرى بأنه "انعطاف يبدو حافلاً بالإمكانات المحتملة، بما في ذلك (التوصل إلى) حل في سورية. وبالطبع فان مثل نقاط الانعطاف تلك يمكن أن تميل إما نحو حلول جديدة أو نحو مرحلة جديدة من الصراع" (ذي غارديان).
في حين يرجح المحلل السياسي اللبناني حسين خليل في حديثه مع موقع قناة المنار أن الأمور ماضية نحو أفق مسدود، لأن ما يقدمه الأميركي من مطالب لا تقبل المساومة، بحسب الايراني. ويلفت إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لازالت تضع أمن كيان الاحتلال الصهيوني على سلم الأولويات في تعاطيها مع ملفات المنطقة، موضحاً أن هناك قاعدة يدركها الاسرائيلي نفسه مفادها ان قوة إيران تستلزم مزيداً من ضعفه.
وفي دردشة أخرى مع الموقع، يرى الخبير اللبناني في الشؤون التركية محمد نورالدين أن أزمة سورية مرشحة دائماً للمفاجآت رغم تراكم نقاط القوة التي بات يحصدها الجيش السوري على الأرض، إلا أن تداخل عوامل كثيرة في الأزمة، منها ما هو داخلي واقليمي ودولي، يزيد من تعقيداتها.
بالمقابل، يقرأ الخبير الايراني في الشؤون الاستراتيجية أمير موسوي في المشهد مؤشرات من شأنها أن تمهد لتفاهم محتمل ، رغم الملفات العالقة بين البلدين والتي يردها إلى تمسك الجمهورية الاسلامية بمبادئها وتمترس الولايات المتحدة على رأس "محور الاستكبار العالمي".
"التقارب": هرولة أميركية نحو طهران
"المكالمة التي هزت الشرق الأوسط" ودوائر القرار في الخليج كما وصفها الكاتب في صحيفة الشرق الأوسط عبد الرحمن الراشد ، والتي بادر بإجرائها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيره الايراني الشيخ حسن روحاني، بمثابة الاعلان عن بدء حراك سياسي لا يمكن الجزم بنتائجها.
أمير موسوي.. الإدارة الأميركية، التي لا تسيّرها تفاوضات بل الوقائع على الأرض، اقتنعت مؤخراً أن لا مخرج لها من مستنقع الفشل الذي انغمست به في المنطقة، إلا بالعودة إلى طهران - بحسب تقدير د. حسين خليل- فهي صاحبة النفوذ الواسع في العراق والعلاقات المؤثرة في أفغانستان، والحليفة الأولى للدولة السورية الثابتة بوجه الأعاصير الدولية، والداعمة لحركات المقاومة صانعة معادلات القوة في لبنان وفلسطين. وطهران نفسها المتهمة بتحريك ملف الحوثيين في اليمن، والمتعاطفة مع مطالب المعارضة ذات الامتداد الشعبي الواسع في البحرين. خصوصاً أن الرهانات الأميركية –الغربية على وكلائها الإقليميين فشلت على مدى أكثر من سنتين في إسقاط سورية.
ولم يبالغ الايرانيون في الحديث عن "تقارب" جدي، فسارعت وزارة الخارجية الايرانية بعد مكالمة "كسر الجليد" إلى التأكيد أن إتصال أوباما بروحاني لا يعني تطبيع العلاقات بين البلدين. ثم جاء موقف للامام السيد علي الخامنئي، خلال حفل تخريج دفعة من ضباط الجامعات التابعة للجيش الايراني، قال فيه ان "الادارة الأميركية غير جديرة بالثقة.. وناقضة للعهود"، وأن الشعب الايراني أثبت صلابة في الدفاع عن حقوقه ومصالحه، ورغبة في التعايش السلمي.
يقول أمير موسوي إن الجمهورية الاسلامية الايرانية ثمّنت بعض الخطوات التي أقدمت عليها الولايات المتحدة الأميركية ، كعدم توقيع الرئيس الأميركي العقوبات التي صادق عليها الكونغرس والمتعلقة بمبيعات البترول الايراني، كما تقدر موقف الاتحاد الأوروبي بشأن رفع العقوبات عن السفن التجارية الايرانية... إلا أنها ترتقب المزيد كونها أبدت استعدادها للتعاون الكامل مع دول (5+1) والوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق ببرنامجها النووي.
ويفسر الخبير في شؤون المنطقة أنَّ العلاقات الأميركية-الايرانية تتضمن محورين، هما محوري: المواقف والمصالح. ويؤكد أن المحور الأول معلق لأنه لن يقود إلا إلى طريق مسدود، فلا الادارة الأميركية مستعدة للتخلي عن تبنيها للمصالح الصهيونية، ولا ايران بوارد التخلي عن القضية الفلسطينية وحركات المقاوم. لذا فالطرفان مقتنعان اليوم أنَّ أي تفاهم قد يؤسس له عن طريق التوافق على مصالح البلدين أولاً، ليؤسس لتفاهم أشمل لاحقاً. وبالتالي، يشير موسوي إلى أن مرحلة ما قبل "جنيف 2" أهم مما سيُعلن في المؤتمر نفسه، فاليوم يُعد لما سيتم إخراجه في المؤتمر الدولي الذي سيعتبر فرصة لإعلان البيان وأخذ الصور التذكارية.
زيارة روحاني مقابل استبعاد بندر والفيصل
"الكثيرون الذين انتظروا صواريخ «توما هوك»، تأديبا للنظام السوري ورسالة للنظام الإيراني الذي يطور سلاحه النووي، هزتهم أخبار المكالمة الهاتفية"، هذا ما كتبه مدير قناة "العربية" عبد الرحمن الراشد في "الشرق الأوسط" السعودية، موضحاً في المقال نفسه أن المكالمة هزت "دوائر القرار في الخليج والأردن وتركيا وإسرائيل وغيرها".
الكلام تبعه معلومات ذكرتها القناة الإسرائيلية الثانية عن اجتماع خليجي صهيوني جرى في تل أبيب، وهو ما غززه كشف مصادر صحفية عن هوية أعضاء الوفد الخليجي الذي ضم: رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، ومستشار الأمن الوطني ونائب رئيس المجلس التنفيذي في أبو ظبي هزاع بن زياد آل نهيان، إضافة إلى رئيس الاستخبارات في البحرين اللواء عادل بن خليفة الفاضل، الذي يعد من أوثق ضباط المخابرات الخليجيين ارتباطا بجهاز"الموساد".
سعود الفيصل وبندر بن سلطان كما قُرأ في رفض وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إلقاء خطاب المملكة السنوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، رسالة بالغة الوضوح لناحية الاحتجاج على التطور في السياسة الأميركية تجاه إيران.
المواقف السعودية المتصلبة رافقها أخذ ورد إيراني عن نية الرئيس روحاني تلبية دعوة سعودية وُجهت له في 15 أيلول/ سبتمبر الماضي لآداء مناسك الحج، ليحسم قراره فيما بعد بالعدول عن تلبية الدعوة، مقتنعاً بوجهة نظر قالت إن أي مناخ ايجابي يعوّل عليه في الزيارة، ستجهضه سياسات كل من رئيس جهاز الاستخبارات ووزير الخارجية.
يُقر موسوي – في حديثه مع موقع المنار- أن اي تقارب إيراني - سعودي سيحل كثيراً من الملفات العالقة ، وسيساهم بشكل رئيسي في تنفيس الاحتقان المذهبي. لكنه يردف في الوقت نفسه أن الخطاب الايراني المعتدل لا يمكن ان يتلقفه متشددون، فيتحدث بصراحة أن ثمن التقارب ما بين البلدين لن يتحقق قبل تهميش الصقور أمثال بندر بن سلطان وسعود الفيصل، لصالح إعطاء دور أكبر للحمائم من أولاد الملك عبد الله مسمياً الأمير متعب والأمير عبد العزيز بن عبد الله.
فشل المؤامرة ضد سورية يستدعي تنحي بندر..
ويدرك الايرانيون اليوم أنهم بموقع قوة بعد فشل المتآمرين على سورية في اسقاط النظام او تنحية الرئيس بشار الأسد. هذا فيما تشهد الساحة السورية اليوم صراعاً بين الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة لاسيما بين ما يُسمى بـ"الجيش الحر" المحسوب على تركيا وألوية اسلامية يشغلها جهاز الاستخبارات السعودي. وهو صراع يترجم التناحر التركي-القطري من جهة والسعودي من جهة أخرى.
يقول موسوي إن الصراع بين فصائل المعارضة في سورية مستميت، والمعارك بينهم أشرس من تلك التي خاضوها مع جنود الجيش السوري. وبحسب رأيه، فإن الصراع العسكري يحتدم اليوم حول من سيمثل المعارضة في أي تسوية مقبلة، بعد سيطرة السعودية على الائتلاف السوري بترؤس "رجل المملكة" أحمد الجربا له، وابعاد معاذ الخطيب المحسوب على قطر. فبندر بن سلطان يعتقد أنه كلما تمكن من سحق "الجيش الحر" ووضع يده على المنافذ التي تصل الأراضي السورية بتركيا والعراق والأردن، كلما ثبّت مكاناً له في المفاوضات.
إستعارُ المعارك على الأرض وسيطرة الألوية الاسلامية (داعش، جيس الاسلام، لواء التوحيد، جبهة النصرة..)، تؤكدها معلومات سابقة كشف عنها الكاتب البريطاني روبرت فيسك، فكتب عن محادثات أجراها عناصر من "الحر" مع مسؤول رفيع من الدائرة المقربة من الرئيس السوري بشار الأسد، تقضي بأنه يمكن أن يكون هناك مفاوضات بين الحكومة والجيش الحر الذي يؤمن بالحل السوري للحرب. وأعقبت هذه المعلومات أخبار تواترت عن تسليم عدد من عناصر"الحر" أنفسهم للجيش السوري ومؤخراً لفصائل مسلحة كردية تقاتل ضد ألوية إسلامية.
الصراع المستميت اليوم يأتي بعد فشل كلا المحورين في تنفيذ ما رفعوه من شعار في حربهم المحمومة ضد سورية، فلا الجيش السوري انهار ولا الرئيس الأسد تنحى، ولا حتى سورية الدولة أعلنت طلاقها الممانعة وانفصالها عن خيار المقاومة. فمن سيدفع اليوم ثمن فشل مشروع اسقاط سورية؟
يُقال إن الانخراط السعودي في الأزمة السورية أتى لتعزيز نفوذ جناح من أجنحة الجيل الثاني المتصارعة بهدوء على السلطة... وتحديداً جناح أبناء الأمير سلطان بن عبد العزيز. فكان أن امتدت دوامة عنف من سورية إلى العراق ولبنان، للضغط على حلفاء سورية، بغية تعديل موازين القوة بعد حديث امتد لفترة طويلة عن النية في حسم المعركة. فشل المشروع سيدفع ثمنه صقور الأزمة في السعودية وأبناء الأمير سلطان تحديداً الممسكون بالجيش والاستخبارات، لصالح الجناحين المتبقين من أبناء الملك عبد الله والأمير نايف.. يراهن الايرانيون على تغييرات في المملكة بعد تنحي بندر بن سلطان ووزير الخارجية سعود الفيصل -الذي يصفه الايرانيون بالمتشدد
تركيا خسرت... والثمن تدفعه قطر!
وفيما يتعلق بتركيا، فيشير الخبير في الشؤون التركية د. محمد نورالدين أن قياس ربح او خسارة تركيا من التطورات التي تجري في المنطقة، ولاسيما ما يتصل بالأزمة السورية مرتبط بشكل مباشر بعنوان وحيد رفعته السياسة الخارجية التركية وهو رحيل الرئيس الأسد. لذلك فإن أي تسوية لا تستلزم رحيل الرئيس السوري فهي ستكون خسارة واضحة.
يتفق الخبير اللبناني مع من يقول إن تركيا تعد اليوم من الخاسرين الكبار في المنطقة، لاسيما بعد سقوط حكم جماعة الاخوان المسلمين في مصر. ويضيف – في اتصال مع موقع المنار- أن حكومة أردوغان "خسرت المزاج الكردي داخل وخارج تركيا، جراء دعمها المسلحين المعارضين الذي اصطدموا بالأكراد في سورية. كما أنها خسرت محوراً بأكامله على الصعيد السياسي والشعبي والاجتماعي (سورية – لبنان- العراق – ايران(، لقد خسرت ثقة شعبية لن تعوض بسهولة". إلا أن الخسارة الأكبر التي ستُمنى بها تركيا إذا ما انتقلت تداعيات الأزمة السورية على داخلها بشكل أكبر وأقوى، "خصوصاً إذا ما كان تنظيم القاعدة ومن يدور في فلكه هو أحد أطراف الصراع في تركيا"، وفق تقدير نورالدين.
إلى ذلك، يتفق الجميع أن قطر خرجت من المشروع على أنها الخاسر الأكبر، "أسندت لها وظيفة، وعندما فشلت قطر في تأدية دورها كان المطلوب أن تتكبد وحدها الهزيمة"، يقول المحلل السياسي اللبناني حسين خليل.
الهزيمة الغربية والأميركية أُلصقت بقطر، وحاول الأميركيون لاحقاً التملص من كل السياسات التي انتهجتها قطر، يتضح ذلك جلياً فيما كتبه المستشار السابق في وزارة الخارجية الاميركية جيرمي شابيرو في مجلة "فورين بوليسي".
حاول شابيرو أنَّ يحمل قطر مسؤولية فشل المشروع الأميركي في سورية ، فاتهمها بأنها عملت "ضد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة بدعمها لحركة الاخوان المسلمين في مصر وليبيا وسورية"، مضيفاً أن الامارة الخليجية ليست صديقة للولايات المتحدة الأميركية كونها تستخدم ثروتها المالية الضخمة لدعم "المتطرفين الاسلاميين"، مشيراً إلى أن الشيخ تميم "كان مهندس سياسة بلاده في دعم الجماعات الاسلامية في قطر وسورية في العامين الماضيين".
يُرمى الفشل الأميركي اليوم على قطر، فهددها شابيرو قائلاً إن على إدارة بلاده تقليص النفوذ القطري في سورية وتشجيع الدور السعودي في المقابل، وحث المملكة على استضافة القطريين المنشقين والمعارضين الذين لا يعترفون بشرعية النظام الحالي.
وتابع انه ينبغي على الجامعات الأميركية والمعاهد السياسية المتخصصة توجيه دعوات لافراد الاسرة الحاكمة المعارضين للامير الحالي لالقاء محاضرات لاظهار حالة الانقسام داخل الاسرة الحاكمة. كما أنه ينبغي "فضح المعاملات اللاانسانية للعمال الاجانب داخل قطر بما يؤدي الى تشويه صورة قطر في العالم في الوقت الذي تستعد فيه لاستضافة تصفيات كأس العالم عام 2022".
تُدرك قطر جيداً اليوم أنها باتت الورقة الأضعف التي يستسهل الغرب أن يُحرقها في تسويتهم المقبلة. هذا ما تقتنع به الإمارة التي تنقل مصادر عنها أنها باشرت منذ فترة بعملية مراجعة حسابات لإعادة برمجة سياساتها الجديدة في المنطقة. يتسرب من خلف الكواليس أحاديث عن صفقة ترعاها قطر لإطلاق المخطوفين اللبنانيين في اعزاز.. في رسالة ود تعول عليها الإمارة.
في حديث التسوية الكبرى للمنطقة تختلف المقاربات. يقرأ البعض أنَّ واقع المجريات اليوم يشي بإنفراج قد تفرزه اتفاقات لن تكون سهلة، وقد يتطلب إبرامها وقتاً، تسوية تبدأ من سورية لتشمل مساحة التفاوض فيها ملفات المنطقة كرزمة كاملة لها علاقة برسم مستقبل المنطقة برمتها.. فيما يتمهل آخرون قبل المبالغة بالتفاؤل على حد وصفهم.
التقارب الأميركي-الايراني يقر الجميع أن غياب التسوية يعني حتمية وقوع حرب، لطالما سعت لاستجدائها أطراف اقليمية. ولا يختلف اثنان أن الملفات المطروحة على طاولة البحث محورية وبالغة الحساسية. فتصف صحف أجنبية ما جرى بأنه "انعطاف يبدو حافلاً بالإمكانات المحتملة، بما في ذلك (التوصل إلى) حل في سورية. وبالطبع فان مثل نقاط الانعطاف تلك يمكن أن تميل إما نحو حلول جديدة أو نحو مرحلة جديدة من الصراع" (ذي غارديان).
في حين يرجح المحلل السياسي اللبناني حسين خليل في حديثه مع موقع قناة المنار أن الأمور ماضية نحو أفق مسدود، لأن ما يقدمه الأميركي من مطالب لا تقبل المساومة، بحسب الايراني. ويلفت إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لازالت تضع أمن كيان الاحتلال الصهيوني على سلم الأولويات في تعاطيها مع ملفات المنطقة، موضحاً أن هناك قاعدة يدركها الاسرائيلي نفسه مفادها ان قوة إيران تستلزم مزيداً من ضعفه.
وفي دردشة أخرى مع الموقع، يرى الخبير اللبناني في الشؤون التركية محمد نورالدين أن أزمة سورية مرشحة دائماً للمفاجآت رغم تراكم نقاط القوة التي بات يحصدها الجيش السوري على الأرض، إلا أن تداخل عوامل كثيرة في الأزمة، منها ما هو داخلي واقليمي ودولي، يزيد من تعقيداتها.
بالمقابل، يقرأ الخبير الايراني في الشؤون الاستراتيجية أمير موسوي في المشهد مؤشرات من شأنها أن تمهد لتفاهم محتمل ، رغم الملفات العالقة بين البلدين والتي يردها إلى تمسك الجمهورية الاسلامية بمبادئها وتمترس الولايات المتحدة على رأس "محور الاستكبار العالمي".
"التقارب": هرولة أميركية نحو طهران
"المكالمة التي هزت الشرق الأوسط" ودوائر القرار في الخليج كما وصفها الكاتب في صحيفة الشرق الأوسط عبد الرحمن الراشد ، والتي بادر بإجرائها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيره الايراني الشيخ حسن روحاني، بمثابة الاعلان عن بدء حراك سياسي لا يمكن الجزم بنتائجها.
أمير موسوي.. الإدارة الأميركية، التي لا تسيّرها تفاوضات بل الوقائع على الأرض، اقتنعت مؤخراً أن لا مخرج لها من مستنقع الفشل الذي انغمست به في المنطقة، إلا بالعودة إلى طهران - بحسب تقدير د. حسين خليل- فهي صاحبة النفوذ الواسع في العراق والعلاقات المؤثرة في أفغانستان، والحليفة الأولى للدولة السورية الثابتة بوجه الأعاصير الدولية، والداعمة لحركات المقاومة صانعة معادلات القوة في لبنان وفلسطين. وطهران نفسها المتهمة بتحريك ملف الحوثيين في اليمن، والمتعاطفة مع مطالب المعارضة ذات الامتداد الشعبي الواسع في البحرين. خصوصاً أن الرهانات الأميركية –الغربية على وكلائها الإقليميين فشلت على مدى أكثر من سنتين في إسقاط سورية.
ولم يبالغ الايرانيون في الحديث عن "تقارب" جدي، فسارعت وزارة الخارجية الايرانية بعد مكالمة "كسر الجليد" إلى التأكيد أن إتصال أوباما بروحاني لا يعني تطبيع العلاقات بين البلدين. ثم جاء موقف للامام السيد علي الخامنئي، خلال حفل تخريج دفعة من ضباط الجامعات التابعة للجيش الايراني، قال فيه ان "الادارة الأميركية غير جديرة بالثقة.. وناقضة للعهود"، وأن الشعب الايراني أثبت صلابة في الدفاع عن حقوقه ومصالحه، ورغبة في التعايش السلمي.
يقول أمير موسوي إن الجمهورية الاسلامية الايرانية ثمّنت بعض الخطوات التي أقدمت عليها الولايات المتحدة الأميركية ، كعدم توقيع الرئيس الأميركي العقوبات التي صادق عليها الكونغرس والمتعلقة بمبيعات البترول الايراني، كما تقدر موقف الاتحاد الأوروبي بشأن رفع العقوبات عن السفن التجارية الايرانية... إلا أنها ترتقب المزيد كونها أبدت استعدادها للتعاون الكامل مع دول (5+1) والوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق ببرنامجها النووي.
ويفسر الخبير في شؤون المنطقة أنَّ العلاقات الأميركية-الايرانية تتضمن محورين، هما محوري: المواقف والمصالح. ويؤكد أن المحور الأول معلق لأنه لن يقود إلا إلى طريق مسدود، فلا الادارة الأميركية مستعدة للتخلي عن تبنيها للمصالح الصهيونية، ولا ايران بوارد التخلي عن القضية الفلسطينية وحركات المقاوم. لذا فالطرفان مقتنعان اليوم أنَّ أي تفاهم قد يؤسس له عن طريق التوافق على مصالح البلدين أولاً، ليؤسس لتفاهم أشمل لاحقاً. وبالتالي، يشير موسوي إلى أن مرحلة ما قبل "جنيف 2" أهم مما سيُعلن في المؤتمر نفسه، فاليوم يُعد لما سيتم إخراجه في المؤتمر الدولي الذي سيعتبر فرصة لإعلان البيان وأخذ الصور التذكارية.
زيارة روحاني مقابل استبعاد بندر والفيصل
"الكثيرون الذين انتظروا صواريخ «توما هوك»، تأديبا للنظام السوري ورسالة للنظام الإيراني الذي يطور سلاحه النووي، هزتهم أخبار المكالمة الهاتفية"، هذا ما كتبه مدير قناة "العربية" عبد الرحمن الراشد في "الشرق الأوسط" السعودية، موضحاً في المقال نفسه أن المكالمة هزت "دوائر القرار في الخليج والأردن وتركيا وإسرائيل وغيرها".
الكلام تبعه معلومات ذكرتها القناة الإسرائيلية الثانية عن اجتماع خليجي صهيوني جرى في تل أبيب، وهو ما غززه كشف مصادر صحفية عن هوية أعضاء الوفد الخليجي الذي ضم: رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، ومستشار الأمن الوطني ونائب رئيس المجلس التنفيذي في أبو ظبي هزاع بن زياد آل نهيان، إضافة إلى رئيس الاستخبارات في البحرين اللواء عادل بن خليفة الفاضل، الذي يعد من أوثق ضباط المخابرات الخليجيين ارتباطا بجهاز"الموساد".
سعود الفيصل وبندر بن سلطان كما قُرأ في رفض وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إلقاء خطاب المملكة السنوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، رسالة بالغة الوضوح لناحية الاحتجاج على التطور في السياسة الأميركية تجاه إيران.
المواقف السعودية المتصلبة رافقها أخذ ورد إيراني عن نية الرئيس روحاني تلبية دعوة سعودية وُجهت له في 15 أيلول/ سبتمبر الماضي لآداء مناسك الحج، ليحسم قراره فيما بعد بالعدول عن تلبية الدعوة، مقتنعاً بوجهة نظر قالت إن أي مناخ ايجابي يعوّل عليه في الزيارة، ستجهضه سياسات كل من رئيس جهاز الاستخبارات ووزير الخارجية.
يُقر موسوي – في حديثه مع موقع المنار- أن اي تقارب إيراني - سعودي سيحل كثيراً من الملفات العالقة ، وسيساهم بشكل رئيسي في تنفيس الاحتقان المذهبي. لكنه يردف في الوقت نفسه أن الخطاب الايراني المعتدل لا يمكن ان يتلقفه متشددون، فيتحدث بصراحة أن ثمن التقارب ما بين البلدين لن يتحقق قبل تهميش الصقور أمثال بندر بن سلطان وسعود الفيصل، لصالح إعطاء دور أكبر للحمائم من أولاد الملك عبد الله مسمياً الأمير متعب والأمير عبد العزيز بن عبد الله.
فشل المؤامرة ضد سورية يستدعي تنحي بندر..
ويدرك الايرانيون اليوم أنهم بموقع قوة بعد فشل المتآمرين على سورية في اسقاط النظام او تنحية الرئيس بشار الأسد. هذا فيما تشهد الساحة السورية اليوم صراعاً بين الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة لاسيما بين ما يُسمى بـ"الجيش الحر" المحسوب على تركيا وألوية اسلامية يشغلها جهاز الاستخبارات السعودي. وهو صراع يترجم التناحر التركي-القطري من جهة والسعودي من جهة أخرى.
يقول موسوي إن الصراع بين فصائل المعارضة في سورية مستميت، والمعارك بينهم أشرس من تلك التي خاضوها مع جنود الجيش السوري. وبحسب رأيه، فإن الصراع العسكري يحتدم اليوم حول من سيمثل المعارضة في أي تسوية مقبلة، بعد سيطرة السعودية على الائتلاف السوري بترؤس "رجل المملكة" أحمد الجربا له، وابعاد معاذ الخطيب المحسوب على قطر. فبندر بن سلطان يعتقد أنه كلما تمكن من سحق "الجيش الحر" ووضع يده على المنافذ التي تصل الأراضي السورية بتركيا والعراق والأردن، كلما ثبّت مكاناً له في المفاوضات.
إستعارُ المعارك على الأرض وسيطرة الألوية الاسلامية (داعش، جيس الاسلام، لواء التوحيد، جبهة النصرة..)، تؤكدها معلومات سابقة كشف عنها الكاتب البريطاني روبرت فيسك، فكتب عن محادثات أجراها عناصر من "الحر" مع مسؤول رفيع من الدائرة المقربة من الرئيس السوري بشار الأسد، تقضي بأنه يمكن أن يكون هناك مفاوضات بين الحكومة والجيش الحر الذي يؤمن بالحل السوري للحرب. وأعقبت هذه المعلومات أخبار تواترت عن تسليم عدد من عناصر"الحر" أنفسهم للجيش السوري ومؤخراً لفصائل مسلحة كردية تقاتل ضد ألوية إسلامية.
الصراع المستميت اليوم يأتي بعد فشل كلا المحورين في تنفيذ ما رفعوه من شعار في حربهم المحمومة ضد سورية، فلا الجيش السوري انهار ولا الرئيس الأسد تنحى، ولا حتى سورية الدولة أعلنت طلاقها الممانعة وانفصالها عن خيار المقاومة. فمن سيدفع اليوم ثمن فشل مشروع اسقاط سورية؟
يُقال إن الانخراط السعودي في الأزمة السورية أتى لتعزيز نفوذ جناح من أجنحة الجيل الثاني المتصارعة بهدوء على السلطة... وتحديداً جناح أبناء الأمير سلطان بن عبد العزيز. فكان أن امتدت دوامة عنف من سورية إلى العراق ولبنان، للضغط على حلفاء سورية، بغية تعديل موازين القوة بعد حديث امتد لفترة طويلة عن النية في حسم المعركة. فشل المشروع سيدفع ثمنه صقور الأزمة في السعودية وأبناء الأمير سلطان تحديداً الممسكون بالجيش والاستخبارات، لصالح الجناحين المتبقين من أبناء الملك عبد الله والأمير نايف.. يراهن الايرانيون على تغييرات في المملكة بعد تنحي بندر بن سلطان ووزير الخارجية سعود الفيصل -الذي يصفه الايرانيون بالمتشدد
تركيا خسرت... والثمن تدفعه قطر!
وفيما يتعلق بتركيا، فيشير الخبير في الشؤون التركية د. محمد نورالدين أن قياس ربح او خسارة تركيا من التطورات التي تجري في المنطقة، ولاسيما ما يتصل بالأزمة السورية مرتبط بشكل مباشر بعنوان وحيد رفعته السياسة الخارجية التركية وهو رحيل الرئيس الأسد. لذلك فإن أي تسوية لا تستلزم رحيل الرئيس السوري فهي ستكون خسارة واضحة.
يتفق الخبير اللبناني مع من يقول إن تركيا تعد اليوم من الخاسرين الكبار في المنطقة، لاسيما بعد سقوط حكم جماعة الاخوان المسلمين في مصر. ويضيف – في اتصال مع موقع المنار- أن حكومة أردوغان "خسرت المزاج الكردي داخل وخارج تركيا، جراء دعمها المسلحين المعارضين الذي اصطدموا بالأكراد في سورية. كما أنها خسرت محوراً بأكامله على الصعيد السياسي والشعبي والاجتماعي (سورية – لبنان- العراق – ايران(، لقد خسرت ثقة شعبية لن تعوض بسهولة". إلا أن الخسارة الأكبر التي ستُمنى بها تركيا إذا ما انتقلت تداعيات الأزمة السورية على داخلها بشكل أكبر وأقوى، "خصوصاً إذا ما كان تنظيم القاعدة ومن يدور في فلكه هو أحد أطراف الصراع في تركيا"، وفق تقدير نورالدين.
إلى ذلك، يتفق الجميع أن قطر خرجت من المشروع على أنها الخاسر الأكبر، "أسندت لها وظيفة، وعندما فشلت قطر في تأدية دورها كان المطلوب أن تتكبد وحدها الهزيمة"، يقول المحلل السياسي اللبناني حسين خليل.
الهزيمة الغربية والأميركية أُلصقت بقطر، وحاول الأميركيون لاحقاً التملص من كل السياسات التي انتهجتها قطر، يتضح ذلك جلياً فيما كتبه المستشار السابق في وزارة الخارجية الاميركية جيرمي شابيرو في مجلة "فورين بوليسي".
حاول شابيرو أنَّ يحمل قطر مسؤولية فشل المشروع الأميركي في سورية ، فاتهمها بأنها عملت "ضد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة بدعمها لحركة الاخوان المسلمين في مصر وليبيا وسورية"، مضيفاً أن الامارة الخليجية ليست صديقة للولايات المتحدة الأميركية كونها تستخدم ثروتها المالية الضخمة لدعم "المتطرفين الاسلاميين"، مشيراً إلى أن الشيخ تميم "كان مهندس سياسة بلاده في دعم الجماعات الاسلامية في قطر وسورية في العامين الماضيين".
يُرمى الفشل الأميركي اليوم على قطر، فهددها شابيرو قائلاً إن على إدارة بلاده تقليص النفوذ القطري في سورية وتشجيع الدور السعودي في المقابل، وحث المملكة على استضافة القطريين المنشقين والمعارضين الذين لا يعترفون بشرعية النظام الحالي.
وتابع انه ينبغي على الجامعات الأميركية والمعاهد السياسية المتخصصة توجيه دعوات لافراد الاسرة الحاكمة المعارضين للامير الحالي لالقاء محاضرات لاظهار حالة الانقسام داخل الاسرة الحاكمة. كما أنه ينبغي "فضح المعاملات اللاانسانية للعمال الاجانب داخل قطر بما يؤدي الى تشويه صورة قطر في العالم في الوقت الذي تستعد فيه لاستضافة تصفيات كأس العالم عام 2022".
تُدرك قطر جيداً اليوم أنها باتت الورقة الأضعف التي يستسهل الغرب أن يُحرقها في تسويتهم المقبلة. هذا ما تقتنع به الإمارة التي تنقل مصادر عنها أنها باشرت منذ فترة بعملية مراجعة حسابات لإعادة برمجة سياساتها الجديدة في المنطقة. يتسرب من خلف الكواليس أحاديث عن صفقة ترعاها قطر لإطلاق المخطوفين اللبنانيين في اعزاز.. في رسالة ود تعول عليها الإمارة.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة