ــ 1 ــسنحافظ على أمن الخليج..»

هذا ما قاله الرئيس الموقت عدلي منصور قبل سفره إلى الرياض، عائداً في طريق التحالف المصري - الخليجي إلى «حزمة مبارك» أو الاستقرار والأمن مقابل الدعم المالي.

محمد مرسي كانت زيارته الأولى، مثل منصور للسعودية، لكنه انحرف بالحزمة إلى ما هو أكثر خطورة: قيادة حلف سني مقابل ايران. زهوة السلطة جعلت ابن الجماعة يفكر بإمكان أن يكون: الوحش السني... وبرغم أنه لم يكن لدى السعودية مشاكل في فكرة الحلف إلا انها رفضت بتركيبتها أن يقوم وفق تصورات «الجماعة» لا «الدولة» في مصر.

المسافة، ثم العداء من السعودية لحكم الإخوان وتأييدهم من اللحظة الأولى لإسقاط المرسي في 30 حزيران (يونيو) لم يكونا وليد الميل الإخواني إلى قطر، المنافس الأليف للمركز السعودي، لكنه انزعاج «الدولة التقليدية» من إنجازها في نقل العلاقة مع «الدولة» في مصر من الحرب إلى التحالف.

المعركة الثقافية بين «الوهابية» والإسلام المصري كانت غطاءً لحرب سياسية على وراثة الإمبراطورية العثمانية. استمرت الحرب وأخذت أبعاداً جديدة مع وصول جمال عبد الناصر، زعيم الانفلات من الغرب، وصدامه مع الملك فيصل، السياسي المحنّك في دولة اعتمدت على التحالف مع القوة العظمى في العالم (إنكلترا ثم أميركا). المعركة استمرت، وكانت الوهابية تقتسم السلطة مع عائلة آل سعود، التي هُزمت أمام جيش عبد الناصر في اليمن (1962). لكن عندما هُزم عبد الناصر أمام إسرائيل في يونيو 1967، نشرت الوهابية بأن الهزيمة لم تكن خطأً سياسياً أو عسكرياً، بل بسبب الابتعاد عن الدين.

لكن السعودية بعد اختفاء عبد الناصر، استطاعت عبر فيصل بعدما أصبح ملكاً، وبقيادتها حرب البترول في 1973 ان تنقل العلاقة من حرب بين الجمهورية المصدّرة للثورة والملكية المقاتلة للحفاظ على الثروة، أو بين مركز التقدمية العربية ومركز الرجعية العربية... إلى تناغم مستقر (تحالف المعتدلين كما يسمونه.. أحياناً).

الرياض اجتذبت القاهرة لتحالف «الحكمة» الذي يعني «لا شيء يتغيّر... يعني أن العرب بخير».

ــ 2 ــ

هكذا لم يكن من السهل أن تتنازل السعودية عن أن تلعب بثقلها مع المرسي لتنافس خفة قطر... بلا تاريخ طويل ولا موقع اقليمي ولا سياسي ولا كتلة سكانية سهلة التشكيل. خفة تمكّنها من أن تكون مجمع التناقضات في عالم مشحون دائماً بالصراعات... قطر هي خزان كل الكوارث في الإقليم تقريباً (علاقتها بإسرائيل جيدة لكنها تدعم حماس... تجذب مشايخ التعصب السني... لكن خطوطها مفتوحة مع إيران... قومية وإسلامية وأميركية الهوى.. رجعية وحداثية)، وعلى كل لون يمكنه أن يكون مؤثراً في منطقة ما بهذا الإقليم... والأقاليم المجاورة (أفريقيا مثلاً).

وهذه بلد اكتسبت مساحتها في اللعب من قرارها الأول أن تكون ملعباً للجميع (هي مقر مؤتمرات متناقضة...) كي يصبح لها وجود حيث يوجد صراع... من دون أن تشعر بتشوّش في الهويات (لأنها تقوم على الاستفادة من حرب الهويات) أو يكون لها موقف (وجودها مبني على التسلّل بين المواقف).

هنا بدت قطر في البداية «حاضنة» المرسي في لحظة تتخلى فيها الحضانات القديمة (الإمارات والسعودية ) خوفاً من التغلغل الإخواني.

لكنها في الوقت نفسه استغلت أزمة المرسي لتبني منصاتها في مصر... قطر تزرع وجودها في لحظات الأزمات كي ينمو وجودها والحاجة إليها في ما بعد لتؤدي أدواراً (مع الثورة وضدها... دعماً للسلفيين ولأعدائهم معاً.. للقوميين والإخوان معاً... لإسرائيل وحماس معاً..).

وبعدما رحل المرسي بقي لقطر منصة عبر قناة تلفزيونية مصرية، بأموال قطرية (رصدت 150 مليون دولار في السنة الأولى لتنافس المحطة على المرتبة الأولى)، بينما تبحث السعودية عن حصة في قناة مصرية منافسة تمكّنها من الوقوف في حرب المواقع الخليجية في مصر.

ــ 3 ــ

تراهن السعودية على عودة القاهرة إلى حلف «لا تغيير ذلك أفضل جداً..». وتستثمر بكل قوتها في إطار هذه العودة... تسمي أفعال الإخوان «إرهاباً وضلالاً»... وهذا في «حزمة مبارك» تأييد ديني في مواجهة التكفير الإخواني... وهو جزء من «استثمار» النظام الموقت في حرب داخلية عنوانها المستتر: الاقتصاد.

كما يتسع دور السعودية، والامارات مع اختيار الحكومة الموقتة عدم اللجوء إلى إجراءات تقشفية للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، وفي إطار برامج استثمارية (ينتهي في حزيران (يونيو) 2014 حجمه 120 مليار دولار)، فإن دول الخليج ستقدّم دعماً إضافياً لم يحدّد قيمته زياد بهاء الدين نائب رئيس الحكومة.

الاستثمار المالي مفتاح لاستكمال استثمار سياسي اختارت فيه السعودية الوقوف على مسافة من الموقف الاميركي، كما فعلت في 1973، لتكسب القاهرة مرة أخرى، ولتكون في الوقت نفسه جسر التحوّلات في علاقة مصر وأميركا «المضطربة» الآن وليس دائماً
  • فريق ماسة
  • 2013-10-08
  • 11531
  • من الأرشيف

من السعودية إلى قطر وبالعكس

ــ 1 ــسنحافظ على أمن الخليج..» هذا ما قاله الرئيس الموقت عدلي منصور قبل سفره إلى الرياض، عائداً في طريق التحالف المصري - الخليجي إلى «حزمة مبارك» أو الاستقرار والأمن مقابل الدعم المالي. محمد مرسي كانت زيارته الأولى، مثل منصور للسعودية، لكنه انحرف بالحزمة إلى ما هو أكثر خطورة: قيادة حلف سني مقابل ايران. زهوة السلطة جعلت ابن الجماعة يفكر بإمكان أن يكون: الوحش السني... وبرغم أنه لم يكن لدى السعودية مشاكل في فكرة الحلف إلا انها رفضت بتركيبتها أن يقوم وفق تصورات «الجماعة» لا «الدولة» في مصر. المسافة، ثم العداء من السعودية لحكم الإخوان وتأييدهم من اللحظة الأولى لإسقاط المرسي في 30 حزيران (يونيو) لم يكونا وليد الميل الإخواني إلى قطر، المنافس الأليف للمركز السعودي، لكنه انزعاج «الدولة التقليدية» من إنجازها في نقل العلاقة مع «الدولة» في مصر من الحرب إلى التحالف. المعركة الثقافية بين «الوهابية» والإسلام المصري كانت غطاءً لحرب سياسية على وراثة الإمبراطورية العثمانية. استمرت الحرب وأخذت أبعاداً جديدة مع وصول جمال عبد الناصر، زعيم الانفلات من الغرب، وصدامه مع الملك فيصل، السياسي المحنّك في دولة اعتمدت على التحالف مع القوة العظمى في العالم (إنكلترا ثم أميركا). المعركة استمرت، وكانت الوهابية تقتسم السلطة مع عائلة آل سعود، التي هُزمت أمام جيش عبد الناصر في اليمن (1962). لكن عندما هُزم عبد الناصر أمام إسرائيل في يونيو 1967، نشرت الوهابية بأن الهزيمة لم تكن خطأً سياسياً أو عسكرياً، بل بسبب الابتعاد عن الدين. لكن السعودية بعد اختفاء عبد الناصر، استطاعت عبر فيصل بعدما أصبح ملكاً، وبقيادتها حرب البترول في 1973 ان تنقل العلاقة من حرب بين الجمهورية المصدّرة للثورة والملكية المقاتلة للحفاظ على الثروة، أو بين مركز التقدمية العربية ومركز الرجعية العربية... إلى تناغم مستقر (تحالف المعتدلين كما يسمونه.. أحياناً). الرياض اجتذبت القاهرة لتحالف «الحكمة» الذي يعني «لا شيء يتغيّر... يعني أن العرب بخير». ــ 2 ــ هكذا لم يكن من السهل أن تتنازل السعودية عن أن تلعب بثقلها مع المرسي لتنافس خفة قطر... بلا تاريخ طويل ولا موقع اقليمي ولا سياسي ولا كتلة سكانية سهلة التشكيل. خفة تمكّنها من أن تكون مجمع التناقضات في عالم مشحون دائماً بالصراعات... قطر هي خزان كل الكوارث في الإقليم تقريباً (علاقتها بإسرائيل جيدة لكنها تدعم حماس... تجذب مشايخ التعصب السني... لكن خطوطها مفتوحة مع إيران... قومية وإسلامية وأميركية الهوى.. رجعية وحداثية)، وعلى كل لون يمكنه أن يكون مؤثراً في منطقة ما بهذا الإقليم... والأقاليم المجاورة (أفريقيا مثلاً). وهذه بلد اكتسبت مساحتها في اللعب من قرارها الأول أن تكون ملعباً للجميع (هي مقر مؤتمرات متناقضة...) كي يصبح لها وجود حيث يوجد صراع... من دون أن تشعر بتشوّش في الهويات (لأنها تقوم على الاستفادة من حرب الهويات) أو يكون لها موقف (وجودها مبني على التسلّل بين المواقف). هنا بدت قطر في البداية «حاضنة» المرسي في لحظة تتخلى فيها الحضانات القديمة (الإمارات والسعودية ) خوفاً من التغلغل الإخواني. لكنها في الوقت نفسه استغلت أزمة المرسي لتبني منصاتها في مصر... قطر تزرع وجودها في لحظات الأزمات كي ينمو وجودها والحاجة إليها في ما بعد لتؤدي أدواراً (مع الثورة وضدها... دعماً للسلفيين ولأعدائهم معاً.. للقوميين والإخوان معاً... لإسرائيل وحماس معاً..). وبعدما رحل المرسي بقي لقطر منصة عبر قناة تلفزيونية مصرية، بأموال قطرية (رصدت 150 مليون دولار في السنة الأولى لتنافس المحطة على المرتبة الأولى)، بينما تبحث السعودية عن حصة في قناة مصرية منافسة تمكّنها من الوقوف في حرب المواقع الخليجية في مصر. ــ 3 ــ تراهن السعودية على عودة القاهرة إلى حلف «لا تغيير ذلك أفضل جداً..». وتستثمر بكل قوتها في إطار هذه العودة... تسمي أفعال الإخوان «إرهاباً وضلالاً»... وهذا في «حزمة مبارك» تأييد ديني في مواجهة التكفير الإخواني... وهو جزء من «استثمار» النظام الموقت في حرب داخلية عنوانها المستتر: الاقتصاد. كما يتسع دور السعودية، والامارات مع اختيار الحكومة الموقتة عدم اللجوء إلى إجراءات تقشفية للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، وفي إطار برامج استثمارية (ينتهي في حزيران (يونيو) 2014 حجمه 120 مليار دولار)، فإن دول الخليج ستقدّم دعماً إضافياً لم يحدّد قيمته زياد بهاء الدين نائب رئيس الحكومة. الاستثمار المالي مفتاح لاستكمال استثمار سياسي اختارت فيه السعودية الوقوف على مسافة من الموقف الاميركي، كما فعلت في 1973، لتكسب القاهرة مرة أخرى، ولتكون في الوقت نفسه جسر التحوّلات في علاقة مصر وأميركا «المضطربة» الآن وليس دائماً

المصدر : وائل عبد الفتاح


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة