تكثر ظاهرة أولئك اللاعبين الأتراك الناكرين للجميل الذي قدّمته لهم الكرة الألمانية، إذ يديرون ظهرهم لمنتخباتها ويذهبون لاختيار اللعب لبلاد أجدادهم، في ظاهرة بدأت تتنامى أكثر لأسباب

ما يقارب الثلاثة ملايين تركي يعيشون في ألمانيا وينشطون في مختلف القطاعات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والرياضية. إلا أن مشكلة الأتراك الأزلية التي حكى عنها دائماً الإعلام الألماني هي رفضهم الخروج من وطنهم الخاص أو ذاك الصغير الذي رسموه داخل الحدود الألمانية. من هنا، كان للأتراك مدارسهم ومساجدهم ومقاهيهم ومحالّهم وغيرها من جوانب الحياة اليومية، التي رحّب بها كثيرون، وتحديداً أولئك الرافضين للاندماج في الثقافة الألمانية، فأحجم قسمٌ كبير منهم عن التحدث بلغة البلاد التي يقطنون فيها.

إلا أنه على الرغم من تأسيسهم هذا الكيان، لم يكن بمقدور الأتراك بالتأكيد أخذ خطوات كبيرة على الصعيد الرياضي، وتحديداً على الصعيد الكروي حيث لا يكون سهلاً تأسيس نادٍ رياضي يكلّف الملايين، أو بالأحرى مزاحمة الأندية الألمانية التي تتمتع بعراقة استثنائية في هذا المجال. لذا، كان لا بدّ للأتراك من أن يتقبّلوا مجبرين فكرة انغماس أولادهم في أندية ألمانيا والدفاع عن ألوانها، وهذا أمر تطوّر كثيراً بعدما أصبح المجال مفتوحاً بشكلٍ أوسع في نهاية القرن الماضي إثر قرار الاتحاد الألماني للعبة فتح ذراعيه لأبناء المهاجرين من أجل الاستفادة من خدماتهم.

وهذا الأمر بالفعل حصل، إذ يتنعّم المنتخب الألماني حالياً بمواهب قادمة من بلدانٍ عدة رفعته الى أعلى مستوى في كأسي أوروبا والعالم الأخيرتين. إلا أن الأمور تأخذ منحى آخر في أحيانٍ عدة بالنسبة الى اللاعبين الألمان ذوي الأصول التركية، والمثال الأخير على هذه المقولة هو ما أعلنه لاعب شالكه كان آيهان الذي تنقّل بين منتخبات الفئات العمرية في ألمانيا قبل أن يعلن أمس اختياره لمنتخب تركيا الأول للدفاع عن ألوانه مستقبلاً بدلاً من منتخب البلاد الذي ولد وترعرع فيها وشهدت نشأته الكروية وقدّمته على الساحة الدولية.

«كنت أودّ الاستمرار في اللعب لألمانيا، لكن قلبي يدق بقوة لتركيا، لذا قررت اللعب للمنتخب التركي في المستقبل». عبارة قالها آيهان وبدت نسخة عمّا قاله سابقاً لاعب فيردر بريمن الحالي مهمت إيكيسي الذي نشأ وترعرع في بايرن ميونيخ ومثّل ألمانيا في كأس العالم للناشئين، ثم اختار منتخب تركيا.

فعلاً، يبدو مستغرباً ما يفعله هؤلاء الأتراك حالياً مع ارتفاع أعداد الذين تصحو الروح الوطنية في نفوسهم فجأة، إذ ليس مقبولاً بالنسبة الى الكرة الألمانية أن تستثمر أنديتها ومنتخباتها في هؤلاء اللاعبين، إذ تحتضنهم وتصرف الأموال عليهم وتقدّمهم الى ساحة الأضواء ثم يقدمون على رمي قميص «المانشافت» والالتحاق بمنتخبٍ لن يكون قادراً بالتأكيد على منحهم المجد الذي يحتمل أن يقدّمه لهم المنتخب الألماني، فلا مجال للنقاش أو المقارنة حول قدرات منتخبي ألمانيا وتركيا، حيث بإمكان الأول الفوز بأي بطولة يشارك فيها، بينما من سابع المستحيلات أن يكون الثاني مرشحاً فقط لهذا الأمر في أي بطولة يخوضها في المستقبل القريب.

وهذا الأمر ربما فقهه مهمت شول سابقاً، وبعدها مسعود أوزيل، وأخيراً النجم الصاعد سامد ياسيل، فالأول المولود باسم مهمت يوكسيل أخذ شهرة زوج والدته الألمانية هرمان شول واختار من دون تردد «المانشافت». ومثله فعل الثاني بذكاء، حيث وجد فرصة أكبر للبروز مع منتخب ألمانيا الباحثة منذ زمنٍ عن صانع ألعاب يكون محور اللعب ونجم الفريق، وقد فشّل مشروعها هذا التركي - الألماني يلديراي باشتورك بالتحاقه بمنتخب تركيا، ثم نوري شاهين الذي رأى فيه الألمان الغاية المنشودة بعدما ظهر كأصغر لاعبٍ في «البوندسليغا» مع بوروسيا دورتموند عندما كان عمره 16 عاماً و355 يوماً. إلا أن المفاجأة كانت باختياره تركيا عشية لقائها مع ألمانيا، ثم نصّب نفسه مكروهاً عند الجمهور الألماني بتسجيله أول أهدافه الدولية في مرمى الألمان تحديداً.

لكن لا بدّ من التنبّه الى أنّ لاعبين أتراكاً اتّعظوا من دروس قاسية تلقاها مواطنون لهم بسبب اختيارهم ألمانيا، حيث لم يلعبوا لأكثر من مباراتين دوليتين ثم خرجوا من حسابات المنتخب، على غرار ما حصل مع مصطفى دوغان ومالك فتحي...

هؤلاء الأخيرون ندموا، لكن الأكيد أن الندم الأكبر هو لأولئك الذين اختاروا تركيا حديثاً ويشاهدون كرتها تسير انحدارياً وتفشل في التأهل الى المونديال، بينما يسير منتخب ألمانيا بطريقة صاروخية نحو إحكام قبضته على العالم الكروي مجدداً.

تركيا غائبة وحاضرة

يبدو كل لاعبٍ من اصل تركي هدفاً لمنتخب تركيا حالياً، وهو المحرج اصلاً امام جمهوره بعدما فشل في التأهل الى مونديال 2010، وقدّم مستوى متواضعاً في تصفيات مونديال 2014 حيث تلقى 3 هزائم حتى الآن. ويبدو العزاء عند المشجعين الاتراك عندما يتابعون لاعباً من اصل تركي يلمع مع منتخبٍ آخر ويقوده الى الانتصارات، فيشعرون ان تركيا الغائبة هي حاضرة على غرار ما حصل في مونديال جنوب افريقيا بوجود مسعود أوزيل مع المانيا، والثلاثي هاكان ياكين وغوكان إينلر وإيرين ديرديوك مع سويسرا.

  • فريق ماسة
  • 2013-10-07
  • 10170
  • من الأرشيف

ألمانيا صقلتهم وتركيا قطفتهم: لاعبون ناكرون للجميل

تكثر ظاهرة أولئك اللاعبين الأتراك الناكرين للجميل الذي قدّمته لهم الكرة الألمانية، إذ يديرون ظهرهم لمنتخباتها ويذهبون لاختيار اللعب لبلاد أجدادهم، في ظاهرة بدأت تتنامى أكثر لأسباب ما يقارب الثلاثة ملايين تركي يعيشون في ألمانيا وينشطون في مختلف القطاعات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والرياضية. إلا أن مشكلة الأتراك الأزلية التي حكى عنها دائماً الإعلام الألماني هي رفضهم الخروج من وطنهم الخاص أو ذاك الصغير الذي رسموه داخل الحدود الألمانية. من هنا، كان للأتراك مدارسهم ومساجدهم ومقاهيهم ومحالّهم وغيرها من جوانب الحياة اليومية، التي رحّب بها كثيرون، وتحديداً أولئك الرافضين للاندماج في الثقافة الألمانية، فأحجم قسمٌ كبير منهم عن التحدث بلغة البلاد التي يقطنون فيها. إلا أنه على الرغم من تأسيسهم هذا الكيان، لم يكن بمقدور الأتراك بالتأكيد أخذ خطوات كبيرة على الصعيد الرياضي، وتحديداً على الصعيد الكروي حيث لا يكون سهلاً تأسيس نادٍ رياضي يكلّف الملايين، أو بالأحرى مزاحمة الأندية الألمانية التي تتمتع بعراقة استثنائية في هذا المجال. لذا، كان لا بدّ للأتراك من أن يتقبّلوا مجبرين فكرة انغماس أولادهم في أندية ألمانيا والدفاع عن ألوانها، وهذا أمر تطوّر كثيراً بعدما أصبح المجال مفتوحاً بشكلٍ أوسع في نهاية القرن الماضي إثر قرار الاتحاد الألماني للعبة فتح ذراعيه لأبناء المهاجرين من أجل الاستفادة من خدماتهم. وهذا الأمر بالفعل حصل، إذ يتنعّم المنتخب الألماني حالياً بمواهب قادمة من بلدانٍ عدة رفعته الى أعلى مستوى في كأسي أوروبا والعالم الأخيرتين. إلا أن الأمور تأخذ منحى آخر في أحيانٍ عدة بالنسبة الى اللاعبين الألمان ذوي الأصول التركية، والمثال الأخير على هذه المقولة هو ما أعلنه لاعب شالكه كان آيهان الذي تنقّل بين منتخبات الفئات العمرية في ألمانيا قبل أن يعلن أمس اختياره لمنتخب تركيا الأول للدفاع عن ألوانه مستقبلاً بدلاً من منتخب البلاد الذي ولد وترعرع فيها وشهدت نشأته الكروية وقدّمته على الساحة الدولية. «كنت أودّ الاستمرار في اللعب لألمانيا، لكن قلبي يدق بقوة لتركيا، لذا قررت اللعب للمنتخب التركي في المستقبل». عبارة قالها آيهان وبدت نسخة عمّا قاله سابقاً لاعب فيردر بريمن الحالي مهمت إيكيسي الذي نشأ وترعرع في بايرن ميونيخ ومثّل ألمانيا في كأس العالم للناشئين، ثم اختار منتخب تركيا. فعلاً، يبدو مستغرباً ما يفعله هؤلاء الأتراك حالياً مع ارتفاع أعداد الذين تصحو الروح الوطنية في نفوسهم فجأة، إذ ليس مقبولاً بالنسبة الى الكرة الألمانية أن تستثمر أنديتها ومنتخباتها في هؤلاء اللاعبين، إذ تحتضنهم وتصرف الأموال عليهم وتقدّمهم الى ساحة الأضواء ثم يقدمون على رمي قميص «المانشافت» والالتحاق بمنتخبٍ لن يكون قادراً بالتأكيد على منحهم المجد الذي يحتمل أن يقدّمه لهم المنتخب الألماني، فلا مجال للنقاش أو المقارنة حول قدرات منتخبي ألمانيا وتركيا، حيث بإمكان الأول الفوز بأي بطولة يشارك فيها، بينما من سابع المستحيلات أن يكون الثاني مرشحاً فقط لهذا الأمر في أي بطولة يخوضها في المستقبل القريب. وهذا الأمر ربما فقهه مهمت شول سابقاً، وبعدها مسعود أوزيل، وأخيراً النجم الصاعد سامد ياسيل، فالأول المولود باسم مهمت يوكسيل أخذ شهرة زوج والدته الألمانية هرمان شول واختار من دون تردد «المانشافت». ومثله فعل الثاني بذكاء، حيث وجد فرصة أكبر للبروز مع منتخب ألمانيا الباحثة منذ زمنٍ عن صانع ألعاب يكون محور اللعب ونجم الفريق، وقد فشّل مشروعها هذا التركي - الألماني يلديراي باشتورك بالتحاقه بمنتخب تركيا، ثم نوري شاهين الذي رأى فيه الألمان الغاية المنشودة بعدما ظهر كأصغر لاعبٍ في «البوندسليغا» مع بوروسيا دورتموند عندما كان عمره 16 عاماً و355 يوماً. إلا أن المفاجأة كانت باختياره تركيا عشية لقائها مع ألمانيا، ثم نصّب نفسه مكروهاً عند الجمهور الألماني بتسجيله أول أهدافه الدولية في مرمى الألمان تحديداً. لكن لا بدّ من التنبّه الى أنّ لاعبين أتراكاً اتّعظوا من دروس قاسية تلقاها مواطنون لهم بسبب اختيارهم ألمانيا، حيث لم يلعبوا لأكثر من مباراتين دوليتين ثم خرجوا من حسابات المنتخب، على غرار ما حصل مع مصطفى دوغان ومالك فتحي... هؤلاء الأخيرون ندموا، لكن الأكيد أن الندم الأكبر هو لأولئك الذين اختاروا تركيا حديثاً ويشاهدون كرتها تسير انحدارياً وتفشل في التأهل الى المونديال، بينما يسير منتخب ألمانيا بطريقة صاروخية نحو إحكام قبضته على العالم الكروي مجدداً. تركيا غائبة وحاضرة يبدو كل لاعبٍ من اصل تركي هدفاً لمنتخب تركيا حالياً، وهو المحرج اصلاً امام جمهوره بعدما فشل في التأهل الى مونديال 2010، وقدّم مستوى متواضعاً في تصفيات مونديال 2014 حيث تلقى 3 هزائم حتى الآن. ويبدو العزاء عند المشجعين الاتراك عندما يتابعون لاعباً من اصل تركي يلمع مع منتخبٍ آخر ويقوده الى الانتصارات، فيشعرون ان تركيا الغائبة هي حاضرة على غرار ما حصل في مونديال جنوب افريقيا بوجود مسعود أوزيل مع المانيا، والثلاثي هاكان ياكين وغوكان إينلر وإيرين ديرديوك مع سويسرا.

المصدر : شربل كريم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة