لا ينفك الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، ومعهما حلفاؤهما الغربيون، يلوّحون بتهدياتهم الجوفاء لسورية، ما يضطر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، وعدداً آخر من كبار المسؤولين الروس، إلى الرد على هذه التهديدات بنفي وجودها ضمن الاتفاق الروسي - الأميركي، وبالإعلان أن التلويح بها يمكن أن يخرب الاتفاق من أساسه.

لم يكتف الروس بإسقاط الاقتراح الفرنسي باعتماد البند السابع ضد سورية، حيث سارع لافروف إلى القول "إنه مرفوض"، وإن المطلوب بيان رئاسي فقط وليس قراراً، بل حذروا من أن إصدار قرار دولي بشأن "الترسانة الكيميائية السورية" تحت "الفصل السابع" قد يؤدي إلى إفشال عقد مؤتمر جنيف، لأن المعارضة سترى فيه «إشارة وكأننا ننتظر منهم استفزازات جديدة"، وكان كلام لافروف حاسماً، إذ قال إن «زملاءنا الأميركيين يرغبون بشدة أن يتم اعتماد هذا القرار بموجب الفصل السابع، لكن الوثيقة النهائية التي وافقنا عليها، والتي تشكل خريطة الطريق لدينا والتزاماً مشتركاً، لا تتضمن مثل هذه الإشارة»، حتى لو فشل تطبيق الاتفاق المذكور، بل إن الرئيس الروسي بنفسه لم ينسَ الإشارة إلى "أن المسلحين في سورية استعملوا السلاح الكيماوي، لدفع أميركا إلى التدخل ضد الجيش السوري".

قد يُفهم من إصرار الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين على الادعاء بقدرتهم على تمرير قرار ضد سورية في مجلس الأمن، أنه استكمال لعملية الإخراج التي غطت التراجع الأميركي عن توجيه ضربة عسكرية إلى سورية، لكن ما لا يمكن فهمه هو إصرار بعض الحكام العرب والسياسيين اللبنانيين على التمسك برهانهم الفاشل والخاسر على شن حرب أميركية مباشرة على سورية، بعد أن فشلت كل الحروب التي شنوها بالواسطة عليها، واستعملوا فيها كل قدراتهم المالية والإعلامية والتحريضية والتسليحية، إضافة إلى تعبئة عشرات آلاف المسلحين من كل أصقاع الدنيا، ورغم ذلك فشلوا.. ومن يتابع غضب حكام دويلات الخليج، وخيبة أمل قادة النظام التركي، وعويل رموز قوى 14 آذار في لبنان، يكتشف عمق المأزق الذي وقع فيه هؤلاء في حربهم الإجرامية ضد الشعب السوري ودولته، كذلك يكشف هذا الواقع نوعية هؤلاء الساسة والحكام الذين راهنوا على سراب، كان يمكن لأعينهم أن ترصده لولا حقدهم الأعمى من جهة، وتبعيتهم المطلقة للإملاءات الأميركية التي تستهلكهم في كل ما له علاقة بهيمنتها على مصادر النفط العربي الأساسية، وحماية أمن وبقاء الكيان الصهيوني في فلسطين.

الأخطر بالنسبة إلى الساسة اللبنانيين والعرب أنهم كانوا يراهنون على حرب كان وقوعها شبه مستحيل، إذ إن سورية حافظت طوال الفترة الماضية على قواتها الأساسية، وواصلت صمودها وانتصاراتها على العصابات المسلحة المدعومة من الخارج، وأعلنت أنها ستقاتل في وجه الضرية الأميركية بما يتوفر لديها من أدوات القتال، وهي بعلم الجميع كثيرة وحديثة وفعالة، وفّرها لها حلفاؤها، وفي مقدمهم الروس والإيرانيون. وفيما كان الروس يعلنون أنهم لن يقاتلوا عن أحد، كانوا يضاعفون أعداد أسطولهم مقابل السواحل السورية، وكانوا يزوّدون سورية بكل ما تحتاج إليه من سلاح حديث لرد "الغزوة" الأميركية - الأطلسية، التي كانت تركيا أعلنت أنها ستشارك فيها، حتى أن جنرالاً أميركياً قال: "إن روسيا تقدم لسورية أحدث منظومات الدفاع الجوي والبحري وصواريخ أرض - أرض في العالم"، وإنها تقدم لها "جواهر السلاح الروسي وأقواها في المجالات الدفاعية والصاروخية".

كذلك، كرّرت إيران إسماع صوتها بأنها معنية بالدفاع عن سورية، ومنع استفرادها من الأميركيين والغرب و"إسرائيل" وأتباعهم من التكفيريين، في حين شكّل صمت المقاومة في لبنان، وتحركها الميداني، رسالة جدية لكل من يفكر في توسيع دائرة المعركة الجارية ضد سورية وداخلها.

هذا التماسك الذي ندر أن شهدته منطقتنا في وجه الهجمة الغربية - الصهيونية، كان رسالة واضحة بأن استهداف سورية من قبَل الأميركيين والأطلسيين، سيلقى رداً باستهداف مصالح أميركا والغرب في منطقتنا، وبالتالي سيعني إخراج هؤلاء من حسابات المنطقة، كما أن تدمير سورية وغيرها لن يمر من دون تدمير مقابل، سيطال "إسرائيل" ومنابع النفط، وأماكن انتشار القواعد الأميركية وعواصم أتباعها، وهذا ما كان سيهدد بحرب نووية وعالمية، لا يعتقد أحمق أنها يمكن أن تحدث في ظل هذه الظروف الدولية التي تشهد تراجعاً أميركياً وغربياً، وتقدماً للروس والصينيين وحلفائهم الإقليميين، وهذا ما دفع كثيراً من المحللين والمتابعين إلى اليقين بأن ما شهدناه خلال الأسبوعين الماضيين كان محاولة للعب بالتوازنات عبر الضغط والتهديد وصولاً إلى حافة الهاوية، لكن من دون السقوط فيها.

المثير في مجمل هذه التطورات، أنها جددت التأكيد على حقيقة لا يجرؤ أتباع الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة العربية على الإقرار بها، وهي أن الأميركي باعهم عندما اقتضت مصلحته ذلك، لأن مصالحه الحقيقية التي لا يتنازل عنها هي كما سبق أن حددها رؤساء أميركيون في أكثر من محطة: "إسرائيلنا ونفطنا"، وما عدا الكيان الصهيوني والنفط في منطقتنا، بالنسبة إلى الأميركيين، هو من سقط المتاع الذي لا يستحق أي التفاتة، ولا يترك له غير العويل وكتابة مقالات النحيب، ورسائل استجداء التدخل، مثلما فعل "قادة" 14 آذار.
  • فريق ماسة
  • 2013-09-18
  • 10940
  • من الأرشيف

جبهة المقاومة صمدت.. والأميركي باع أتباعه / عدنان الساحلي

لا ينفك الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، ومعهما حلفاؤهما الغربيون، يلوّحون بتهدياتهم الجوفاء لسورية، ما يضطر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، وعدداً آخر من كبار المسؤولين الروس، إلى الرد على هذه التهديدات بنفي وجودها ضمن الاتفاق الروسي - الأميركي، وبالإعلان أن التلويح بها يمكن أن يخرب الاتفاق من أساسه. لم يكتف الروس بإسقاط الاقتراح الفرنسي باعتماد البند السابع ضد سورية، حيث سارع لافروف إلى القول "إنه مرفوض"، وإن المطلوب بيان رئاسي فقط وليس قراراً، بل حذروا من أن إصدار قرار دولي بشأن "الترسانة الكيميائية السورية" تحت "الفصل السابع" قد يؤدي إلى إفشال عقد مؤتمر جنيف، لأن المعارضة سترى فيه «إشارة وكأننا ننتظر منهم استفزازات جديدة"، وكان كلام لافروف حاسماً، إذ قال إن «زملاءنا الأميركيين يرغبون بشدة أن يتم اعتماد هذا القرار بموجب الفصل السابع، لكن الوثيقة النهائية التي وافقنا عليها، والتي تشكل خريطة الطريق لدينا والتزاماً مشتركاً، لا تتضمن مثل هذه الإشارة»، حتى لو فشل تطبيق الاتفاق المذكور، بل إن الرئيس الروسي بنفسه لم ينسَ الإشارة إلى "أن المسلحين في سورية استعملوا السلاح الكيماوي، لدفع أميركا إلى التدخل ضد الجيش السوري". قد يُفهم من إصرار الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين على الادعاء بقدرتهم على تمرير قرار ضد سورية في مجلس الأمن، أنه استكمال لعملية الإخراج التي غطت التراجع الأميركي عن توجيه ضربة عسكرية إلى سورية، لكن ما لا يمكن فهمه هو إصرار بعض الحكام العرب والسياسيين اللبنانيين على التمسك برهانهم الفاشل والخاسر على شن حرب أميركية مباشرة على سورية، بعد أن فشلت كل الحروب التي شنوها بالواسطة عليها، واستعملوا فيها كل قدراتهم المالية والإعلامية والتحريضية والتسليحية، إضافة إلى تعبئة عشرات آلاف المسلحين من كل أصقاع الدنيا، ورغم ذلك فشلوا.. ومن يتابع غضب حكام دويلات الخليج، وخيبة أمل قادة النظام التركي، وعويل رموز قوى 14 آذار في لبنان، يكتشف عمق المأزق الذي وقع فيه هؤلاء في حربهم الإجرامية ضد الشعب السوري ودولته، كذلك يكشف هذا الواقع نوعية هؤلاء الساسة والحكام الذين راهنوا على سراب، كان يمكن لأعينهم أن ترصده لولا حقدهم الأعمى من جهة، وتبعيتهم المطلقة للإملاءات الأميركية التي تستهلكهم في كل ما له علاقة بهيمنتها على مصادر النفط العربي الأساسية، وحماية أمن وبقاء الكيان الصهيوني في فلسطين. الأخطر بالنسبة إلى الساسة اللبنانيين والعرب أنهم كانوا يراهنون على حرب كان وقوعها شبه مستحيل، إذ إن سورية حافظت طوال الفترة الماضية على قواتها الأساسية، وواصلت صمودها وانتصاراتها على العصابات المسلحة المدعومة من الخارج، وأعلنت أنها ستقاتل في وجه الضرية الأميركية بما يتوفر لديها من أدوات القتال، وهي بعلم الجميع كثيرة وحديثة وفعالة، وفّرها لها حلفاؤها، وفي مقدمهم الروس والإيرانيون. وفيما كان الروس يعلنون أنهم لن يقاتلوا عن أحد، كانوا يضاعفون أعداد أسطولهم مقابل السواحل السورية، وكانوا يزوّدون سورية بكل ما تحتاج إليه من سلاح حديث لرد "الغزوة" الأميركية - الأطلسية، التي كانت تركيا أعلنت أنها ستشارك فيها، حتى أن جنرالاً أميركياً قال: "إن روسيا تقدم لسورية أحدث منظومات الدفاع الجوي والبحري وصواريخ أرض - أرض في العالم"، وإنها تقدم لها "جواهر السلاح الروسي وأقواها في المجالات الدفاعية والصاروخية". كذلك، كرّرت إيران إسماع صوتها بأنها معنية بالدفاع عن سورية، ومنع استفرادها من الأميركيين والغرب و"إسرائيل" وأتباعهم من التكفيريين، في حين شكّل صمت المقاومة في لبنان، وتحركها الميداني، رسالة جدية لكل من يفكر في توسيع دائرة المعركة الجارية ضد سورية وداخلها. هذا التماسك الذي ندر أن شهدته منطقتنا في وجه الهجمة الغربية - الصهيونية، كان رسالة واضحة بأن استهداف سورية من قبَل الأميركيين والأطلسيين، سيلقى رداً باستهداف مصالح أميركا والغرب في منطقتنا، وبالتالي سيعني إخراج هؤلاء من حسابات المنطقة، كما أن تدمير سورية وغيرها لن يمر من دون تدمير مقابل، سيطال "إسرائيل" ومنابع النفط، وأماكن انتشار القواعد الأميركية وعواصم أتباعها، وهذا ما كان سيهدد بحرب نووية وعالمية، لا يعتقد أحمق أنها يمكن أن تحدث في ظل هذه الظروف الدولية التي تشهد تراجعاً أميركياً وغربياً، وتقدماً للروس والصينيين وحلفائهم الإقليميين، وهذا ما دفع كثيراً من المحللين والمتابعين إلى اليقين بأن ما شهدناه خلال الأسبوعين الماضيين كان محاولة للعب بالتوازنات عبر الضغط والتهديد وصولاً إلى حافة الهاوية، لكن من دون السقوط فيها. المثير في مجمل هذه التطورات، أنها جددت التأكيد على حقيقة لا يجرؤ أتباع الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة العربية على الإقرار بها، وهي أن الأميركي باعهم عندما اقتضت مصلحته ذلك، لأن مصالحه الحقيقية التي لا يتنازل عنها هي كما سبق أن حددها رؤساء أميركيون في أكثر من محطة: "إسرائيلنا ونفطنا"، وما عدا الكيان الصهيوني والنفط في منطقتنا، بالنسبة إلى الأميركيين، هو من سقط المتاع الذي لا يستحق أي التفاتة، ولا يترك له غير العويل وكتابة مقالات النحيب، ورسائل استجداء التدخل، مثلما فعل "قادة" 14 آذار.

المصدر : الثبات/ عدنان الساحلي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة