«حزب الله» ينجز استعداداته خلف ستارة الصمت على إيقاع التلويح بعدوان أميركي ضد سورية، تتعدد سيناريوهات الحرب وتداعياتها. والمفارقة أن كل طرف لبناني يحاول منذ الآن تطويع مفاعيل الضربة المفترضة مغلبا عواطفه على الاعتبارات الموضوعية.

وليس خافيا، أن البعض في الداخل اللبناني يبني حساباته على أساس أن هذا العدوان سيزعزع أركان النظام السوري، ويمهد لسقوطه، بل إن أصحاب هذا الرهان بدأوا التحضير مبكرا لمعاملات «حصر الإرث» ...

والأرجح، أن هناك في صفوف 14آذار من يتطلع إلى أن يبني على أنقاض الضربة الأميركية المفترضة «أمبراطورية سياسية» تضم حكومة برئاسة سعد الحريري، ورئيسا للجمهورية هو سمير جعجع. ويعتقد المستثمرون في هذا الخيار أن موازين القوى ستتغير حُكما في سورية ولبنان، وان طهران و«حزب الله» سيضعفان إلى الحد الذي يكفي لمحاصرتهما وانتزاع المبادرة منهما.

في المقابل، يلتزم «حزب الله» الصمت المفتوح على كل التفسيرات. لم يفصح الحزب بعد عن الخيارات المتاحة أمامه في حال حصول عدوان على سورية، لكنه درس جميع الاحتمالات والسيناريوهات، وحدد الخيار الذي سيعتمده تبعا لكل فرضية، آخذا بالاعتبار أن أي خطوة سيُقدم عليها تتوقف في نهاية المطاف على حجم العدوان، إذا حصل.

وما يعزز حرص الحزب على التحوط أن أحدا لا يستطيع التحكم بإيقاع التطورات، متى أُطلق الصاروخ الأول باتجاه سورية، وانه لا يمكن بأي حال السيطرة على ما يسمى بـ«الضربة المحدودة» التي تسوّق لها واشنطن، خصوصا أن التعريف الأميركي لهذه الضربة لا يلزم اللاعبين الآخرين، الذين يحتفظون بأوراق رابحة من شأنها أن تمنع باراك أوباما من «إخراج» مشهد النهاية في أي حرب.

والصمت المطبق الذي تعتمده قيادة الحزب، يقابله حراك ميداني مكثف، حيث اتخذ الحزب جميع الإجراءات العملانية اللازمة للتعامل مع أسوأ الاحتمالات، في ظل استنفار غير معلن وجهوزية تامة، تتيح له التحكم بتوقيت رد الفعل وطبيعته وحجمه، متى وجد أن هناك ضرورة للتدخل.

والأرجح أن الأميركيين يدركون هذا الواقع جيدا، عبر أقمارهم الاصطناعية وتقاريرهم الاستخبارية، وبالتالي يعرفون أن الحزب بات يملك من القدرات ما يجعله مؤهلا ليكون رقما صعبا في المعادلة الإقليمية، وصولا إلى التأثير في مسار الأحداث. ولذلك ربما، سعت واشنطن إلى تحييد الحزب وطمأنته، من خلال تأكيد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن الضربة المتوقعة لا تستهدف الحزب وإيران.

والى جانب مسعى التحييد الخارجي للحزب، برزت أيضا محاولة تخدير أو تمويه من نوع آخر، تمثلت في الحديث خلال الأيام الأخيرة عن رفع الرياض وحلفائها اللبنانيين «الفيتو» الذي كان قد وُضع على دخول الحزب إلى الحكومة.

لا يجد الحزب في مقولة رفع «الفيتو» عنه ما يغريه. بالنسبة اليه، من وضع هذا «الفيتو» لا يملك أصلا هذه السلطة أو القدرة. وعليه، يشعر أن هناك من يريد أن يبيعه من كيسه، وان يمننه بقبول انضمامه إلى الحكومة، في حين أن وجوده فيها يجب أن يكون، برأيه، أمرا بديهيا وميثاقيا، لا يحتاج إلى وساطة أحد.

وأخطر ما يجري، من وجهة نظر الحزب، أن فريق 14آذار يحرض على ضرب سورية علنا، إلى درجة انه سيبدو منخرطا في الحرب وليس مجرد صاحب موقف، الأمر الذي من شأنه أن يهدد بتداعيات مضاعفة على الساحة اللبنانية.

والغريب، وفق منطق الحزب، إن الذين يعترضون على تدخله العسكري في سوريا هم أنفسهم من أشد المتحمسين للتدخل العسكري الأميركي، مفترضين أن الضربة ستؤدي إلى سقوط النظام ومن ثم تحقيق مكاسب داخلية على أنقاضه، في حين أن رياح الحرب، إذا هبت، قد تغير معالم المنطقة برمتها، بحيث لن تكون هناك فرصة أمام المصفقين لها في الداخل كي يحتفلوا بها ويستثمروا نتائجها.

  • فريق ماسة
  • 2013-09-05
  • 16102
  • من الأرشيف

حزب الله أنجز استعدادته خلف ستارة الصمت

«حزب الله» ينجز استعداداته خلف ستارة الصمت على إيقاع التلويح بعدوان أميركي ضد سورية، تتعدد سيناريوهات الحرب وتداعياتها. والمفارقة أن كل طرف لبناني يحاول منذ الآن تطويع مفاعيل الضربة المفترضة مغلبا عواطفه على الاعتبارات الموضوعية. وليس خافيا، أن البعض في الداخل اللبناني يبني حساباته على أساس أن هذا العدوان سيزعزع أركان النظام السوري، ويمهد لسقوطه، بل إن أصحاب هذا الرهان بدأوا التحضير مبكرا لمعاملات «حصر الإرث» ... والأرجح، أن هناك في صفوف 14آذار من يتطلع إلى أن يبني على أنقاض الضربة الأميركية المفترضة «أمبراطورية سياسية» تضم حكومة برئاسة سعد الحريري، ورئيسا للجمهورية هو سمير جعجع. ويعتقد المستثمرون في هذا الخيار أن موازين القوى ستتغير حُكما في سورية ولبنان، وان طهران و«حزب الله» سيضعفان إلى الحد الذي يكفي لمحاصرتهما وانتزاع المبادرة منهما. في المقابل، يلتزم «حزب الله» الصمت المفتوح على كل التفسيرات. لم يفصح الحزب بعد عن الخيارات المتاحة أمامه في حال حصول عدوان على سورية، لكنه درس جميع الاحتمالات والسيناريوهات، وحدد الخيار الذي سيعتمده تبعا لكل فرضية، آخذا بالاعتبار أن أي خطوة سيُقدم عليها تتوقف في نهاية المطاف على حجم العدوان، إذا حصل. وما يعزز حرص الحزب على التحوط أن أحدا لا يستطيع التحكم بإيقاع التطورات، متى أُطلق الصاروخ الأول باتجاه سورية، وانه لا يمكن بأي حال السيطرة على ما يسمى بـ«الضربة المحدودة» التي تسوّق لها واشنطن، خصوصا أن التعريف الأميركي لهذه الضربة لا يلزم اللاعبين الآخرين، الذين يحتفظون بأوراق رابحة من شأنها أن تمنع باراك أوباما من «إخراج» مشهد النهاية في أي حرب. والصمت المطبق الذي تعتمده قيادة الحزب، يقابله حراك ميداني مكثف، حيث اتخذ الحزب جميع الإجراءات العملانية اللازمة للتعامل مع أسوأ الاحتمالات، في ظل استنفار غير معلن وجهوزية تامة، تتيح له التحكم بتوقيت رد الفعل وطبيعته وحجمه، متى وجد أن هناك ضرورة للتدخل. والأرجح أن الأميركيين يدركون هذا الواقع جيدا، عبر أقمارهم الاصطناعية وتقاريرهم الاستخبارية، وبالتالي يعرفون أن الحزب بات يملك من القدرات ما يجعله مؤهلا ليكون رقما صعبا في المعادلة الإقليمية، وصولا إلى التأثير في مسار الأحداث. ولذلك ربما، سعت واشنطن إلى تحييد الحزب وطمأنته، من خلال تأكيد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن الضربة المتوقعة لا تستهدف الحزب وإيران. والى جانب مسعى التحييد الخارجي للحزب، برزت أيضا محاولة تخدير أو تمويه من نوع آخر، تمثلت في الحديث خلال الأيام الأخيرة عن رفع الرياض وحلفائها اللبنانيين «الفيتو» الذي كان قد وُضع على دخول الحزب إلى الحكومة. لا يجد الحزب في مقولة رفع «الفيتو» عنه ما يغريه. بالنسبة اليه، من وضع هذا «الفيتو» لا يملك أصلا هذه السلطة أو القدرة. وعليه، يشعر أن هناك من يريد أن يبيعه من كيسه، وان يمننه بقبول انضمامه إلى الحكومة، في حين أن وجوده فيها يجب أن يكون، برأيه، أمرا بديهيا وميثاقيا، لا يحتاج إلى وساطة أحد. وأخطر ما يجري، من وجهة نظر الحزب، أن فريق 14آذار يحرض على ضرب سورية علنا، إلى درجة انه سيبدو منخرطا في الحرب وليس مجرد صاحب موقف، الأمر الذي من شأنه أن يهدد بتداعيات مضاعفة على الساحة اللبنانية. والغريب، وفق منطق الحزب، إن الذين يعترضون على تدخله العسكري في سوريا هم أنفسهم من أشد المتحمسين للتدخل العسكري الأميركي، مفترضين أن الضربة ستؤدي إلى سقوط النظام ومن ثم تحقيق مكاسب داخلية على أنقاضه، في حين أن رياح الحرب، إذا هبت، قد تغير معالم المنطقة برمتها، بحيث لن تكون هناك فرصة أمام المصفقين لها في الداخل كي يحتفلوا بها ويستثمروا نتائجها.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة