حُسمت الأمور على ما يبدو، وستُوجه «البلدان الغربية» ضربة عسكرية إلى سورية خلال أيام. أخبار انعكست على أسواق السلع، وتحديداً النفط الذي ارتفع سعره مباشرة. ورغم المخاوف من تحول الضربة إلى حرب، هناك البعض في المنطقة من يستفيد منها أو من التهويل بها

واترلو | توجّه صديق أخيراً إلى إحدى العيادات العامّة في بلد غربي. هو يعاني ما يُشبه عوارض ضغط الدم المرتفع وتراجع الطاقة. في سياق التشخيص سأله الطبيب عن نشاطاته خلال الفترة الماضية، أجاب أنه كان في زيارة إلى لبنان. فجاءه التعليق التالي: «من حسن حظّك أنك نجوت من كل هذا الرصاص!».

لو أن هذا الطبيب على معرفة أكبر بتفاصيل صراعات المنطقة وبانتقال نشاط السيارات المفخخة إلى لبنان لكان تعليقه أكثر حنكة ربما. غير أنه كما العديد من شعوب الغرب نفسه واع إلى الحرائق المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط. غالبيتهم متنبّهة إلى أن النفط والموارد الطبيعية تلعب دوراً أساسياً في تغذية ألسنة اللهب. «ما دام الصراع قائماً على النفط فسيستمرّ الرصاص»، تابع الطبيب.

المشكلة أنّ اللوحة الإقليمية لم تعد عبارة عن مسارات رصاص، منه الطائش ومنه الجرمي بامتياز. هي مسألة أيام وتنطلق الصواريخ الغربية الأولى التي تستهدف مرافق دمشق ومصالحها، وفقاً لما نقلته التقارير الإعلامية عن «مصادر» البلدان الغربية أمس. الانعكاسات الأولى لوضع كهذا ظهرت في أسواق السلع مباشرة. سعر برميل الخام المتداول في بورصة لندن ــ وهو المزيج المعياري الذي تُسعّر على أساسه المنتجات البترولية ــ ارتفع إلى أعلى مستوى له خلال ستة أشهر حيث بلغ 113.4 دولاراً. كذلك دفعت التطورات سعر أونصة الذهب إلى أعلى مستوى له خلال ثلاثة أشهر ونصف الشهر، حيث فاق 1420 دولاراً في التعاملات المباشرة.

وإذ تسلّم السوق أن المعدن الأصفر هو الخيار الصائب في لحظات التوتّر للتحوّط من تأثير الرصاص والصواريخ على محافظ السندات والأسهم، يعود ارتفاع سعر النفط إلى مسألة حساسة من منظور التجار. أي ضربة عسكرية، حتى إن كانت موضعية، تُوجّه إلى دمشق يُمكن أن تتفاقم إلى حرب كبيرة وتؤثّر على نحو حاد في إمدادات النفط من المنطقة، التي تكتنز أكثر من 60% من احتياطي العالم من الوقود الأحفوري. كذلك فإنّ أقوى بلدان منظمة الدولة المصدرة للنفط (أوبك) تقع في هذه المنطقة. يكفي وجود السعودية التي تُنتج وحدها ما يقارب عشرة ملايين برميل يومياً (يُشار هنا إلى أنّ «أوبك» تؤمّن أكثر من 45% من حاجة العالم يومياً من النفط).

وتتعقد الصورة كثيراً نظراً للتحالفات الإقليمية القائمة وتأثيراتها على الخارطة النفطية وإمداد السوق العالمية. فسورية  متحالفة مع إيران التي تتعرض بدورها لضغوط غربيّة تدفعها إلى الالتفاف على العقوبات لتسويق نفطها الخاص، والذي يُصدّر منه حالياً ما يفوق مليون برميل يومياً. وطهران أعربت عن دعمها الكامل لحليفها تماماً كما فعلت روسيا التي تُعد بدورها بين أبرز اللاعبين في إنتاج الوقود الأحفوري عالمياً.

أما سورية فهي تُنتج النفط عند مستوى منخفض غير أنّها تتمتع باحتياطي يبلغ 2.5 مليار برميل، وهو ما يميزها بين بلدان المشرق (حتى الآن بالحد الأدنى). وبحسب تقديرات هيئة إدارة معلومات الطاقة الأميركية وصل إنتاج النفط السوري في أفضل الأحوال إلى 410 آلاف برميل يومياً، أما معدله فهو 380 ألف برميل. ومنذ بدء الأزمة تراجعت صادرات النفط السوري بسبب الأوضاع على الأرض وحال الآبار وبسبب العقوبات الغربية.

ويُقدر الخبراء أنّ الإنتاج حالياً لا يتجاوز 50 ألف برميل يومياً.

وتأتي هذه المرحلة الخطيرة في مجال الأمن السياسي والطاقوي العالمي، بعدما كان الطلب على المشتقات النفطية قد سجّل مستوى قياسياً عام 2012. فبحسب الهيئة نفسها وصل الطلب العالمي على الوقود، المازوت، الفيول وباقي المشتقات البترولية إلى 88.9 مليون برميل يومياً، تحديداً بسبب النمو المسجل في آسيا. في هذه القارة التي تحوّلت إلى أكبر مستهلك لمنتجات البترول منذ عام 2009 وبين عامي 2008 و2012 ارتفع طلبها بواقع 4.4 ملايين برميل يومياً، تحديداً بسبب شهيّة الصين والهند.

اللافت هو أنه رغم مخاوف شعوب الشرق الأوسط من إمكان تمدّد الحريق الذي يُمكن أن تُطلقه الصواريخ خلال الأيام المقبلة على الأراضي السورية فإنّ بلداناً منتجة للنفط من المنطقة ستجد نفسها مستفيدة من الوضع! فلنأخذ أربعة بلدان فقط من مجلس التعاون الخليجي: السعودية، قطر، الإمارات والكويت. وفقاً لأوبك فإنّ إنتاجها اليومي من النفط يبلغ 16.1 مليون برميل؛ بالأسعار الجارية تبلغ قيمة هذا الإنتاج 1.82 مليار دولار يومياً.

وإذا ارتفع سعر البرميل إلى 120 دولاراً خلال «الضربة المرتقبة» فإنّ تلك القيمة سترتفع مليار دولار (أيضاً يومياً).

وبالاستناد إلى بيانات عام 2012، فإنّ قيمة الصادرات البترولية لتلك البلدان بلغت 683 مليار دولار.

استفادة هذه البلدان من تأثير الحرب السورية وارتداداتها على البلدان المجاورة لا تنحصر في النفط فقط، بل تمتد إلى قطاعات أخرى كانت بلدان مثل لبنان وسورية متميزة فيها ــ طبعاً بمعايير نسبية. ففيما تستمر معاناة لبنان السياحية منذ عام 2011 بسبب الاضطرابات المحلية والإقليمية، تُسجّل منطقة الشرق الأوسط ككلّ نمواً حيث ارتفع عدد السياح الوافدين إليها بنسبة 12.9% خلال النصف الأول من العام الجاري؛ دبي وحدها استقبلت 5.5 ملايين سائح في تلك الفترة!

الشرق الأوسط يسجّل حالياً أعلى معدل نمو في تدفق السياح بين مختلف المناطق في العالم، وفقاً لمنظمة السياحة العالمية. وبدأ بعضه يحسب ارتفاع الإيرادات النفطية. هذا البعض لم يتأثر، حتى الآن بالحد الأدنى، برصاص الأزمة الإقليمية الذي طالت براثنه لبنان منذ زمن بعيد، بل على العكس تماماً يستفيد منها.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-08-27
  • 6306
  • من الأرشيف

الثمار النفطية للصواريخ الموجهة صوب سورية

حُسمت الأمور على ما يبدو، وستُوجه «البلدان الغربية» ضربة عسكرية إلى سورية خلال أيام. أخبار انعكست على أسواق السلع، وتحديداً النفط الذي ارتفع سعره مباشرة. ورغم المخاوف من تحول الضربة إلى حرب، هناك البعض في المنطقة من يستفيد منها أو من التهويل بها واترلو | توجّه صديق أخيراً إلى إحدى العيادات العامّة في بلد غربي. هو يعاني ما يُشبه عوارض ضغط الدم المرتفع وتراجع الطاقة. في سياق التشخيص سأله الطبيب عن نشاطاته خلال الفترة الماضية، أجاب أنه كان في زيارة إلى لبنان. فجاءه التعليق التالي: «من حسن حظّك أنك نجوت من كل هذا الرصاص!». لو أن هذا الطبيب على معرفة أكبر بتفاصيل صراعات المنطقة وبانتقال نشاط السيارات المفخخة إلى لبنان لكان تعليقه أكثر حنكة ربما. غير أنه كما العديد من شعوب الغرب نفسه واع إلى الحرائق المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط. غالبيتهم متنبّهة إلى أن النفط والموارد الطبيعية تلعب دوراً أساسياً في تغذية ألسنة اللهب. «ما دام الصراع قائماً على النفط فسيستمرّ الرصاص»، تابع الطبيب. المشكلة أنّ اللوحة الإقليمية لم تعد عبارة عن مسارات رصاص، منه الطائش ومنه الجرمي بامتياز. هي مسألة أيام وتنطلق الصواريخ الغربية الأولى التي تستهدف مرافق دمشق ومصالحها، وفقاً لما نقلته التقارير الإعلامية عن «مصادر» البلدان الغربية أمس. الانعكاسات الأولى لوضع كهذا ظهرت في أسواق السلع مباشرة. سعر برميل الخام المتداول في بورصة لندن ــ وهو المزيج المعياري الذي تُسعّر على أساسه المنتجات البترولية ــ ارتفع إلى أعلى مستوى له خلال ستة أشهر حيث بلغ 113.4 دولاراً. كذلك دفعت التطورات سعر أونصة الذهب إلى أعلى مستوى له خلال ثلاثة أشهر ونصف الشهر، حيث فاق 1420 دولاراً في التعاملات المباشرة. وإذ تسلّم السوق أن المعدن الأصفر هو الخيار الصائب في لحظات التوتّر للتحوّط من تأثير الرصاص والصواريخ على محافظ السندات والأسهم، يعود ارتفاع سعر النفط إلى مسألة حساسة من منظور التجار. أي ضربة عسكرية، حتى إن كانت موضعية، تُوجّه إلى دمشق يُمكن أن تتفاقم إلى حرب كبيرة وتؤثّر على نحو حاد في إمدادات النفط من المنطقة، التي تكتنز أكثر من 60% من احتياطي العالم من الوقود الأحفوري. كذلك فإنّ أقوى بلدان منظمة الدولة المصدرة للنفط (أوبك) تقع في هذه المنطقة. يكفي وجود السعودية التي تُنتج وحدها ما يقارب عشرة ملايين برميل يومياً (يُشار هنا إلى أنّ «أوبك» تؤمّن أكثر من 45% من حاجة العالم يومياً من النفط). وتتعقد الصورة كثيراً نظراً للتحالفات الإقليمية القائمة وتأثيراتها على الخارطة النفطية وإمداد السوق العالمية. فسورية  متحالفة مع إيران التي تتعرض بدورها لضغوط غربيّة تدفعها إلى الالتفاف على العقوبات لتسويق نفطها الخاص، والذي يُصدّر منه حالياً ما يفوق مليون برميل يومياً. وطهران أعربت عن دعمها الكامل لحليفها تماماً كما فعلت روسيا التي تُعد بدورها بين أبرز اللاعبين في إنتاج الوقود الأحفوري عالمياً. أما سورية فهي تُنتج النفط عند مستوى منخفض غير أنّها تتمتع باحتياطي يبلغ 2.5 مليار برميل، وهو ما يميزها بين بلدان المشرق (حتى الآن بالحد الأدنى). وبحسب تقديرات هيئة إدارة معلومات الطاقة الأميركية وصل إنتاج النفط السوري في أفضل الأحوال إلى 410 آلاف برميل يومياً، أما معدله فهو 380 ألف برميل. ومنذ بدء الأزمة تراجعت صادرات النفط السوري بسبب الأوضاع على الأرض وحال الآبار وبسبب العقوبات الغربية. ويُقدر الخبراء أنّ الإنتاج حالياً لا يتجاوز 50 ألف برميل يومياً. وتأتي هذه المرحلة الخطيرة في مجال الأمن السياسي والطاقوي العالمي، بعدما كان الطلب على المشتقات النفطية قد سجّل مستوى قياسياً عام 2012. فبحسب الهيئة نفسها وصل الطلب العالمي على الوقود، المازوت، الفيول وباقي المشتقات البترولية إلى 88.9 مليون برميل يومياً، تحديداً بسبب النمو المسجل في آسيا. في هذه القارة التي تحوّلت إلى أكبر مستهلك لمنتجات البترول منذ عام 2009 وبين عامي 2008 و2012 ارتفع طلبها بواقع 4.4 ملايين برميل يومياً، تحديداً بسبب شهيّة الصين والهند. اللافت هو أنه رغم مخاوف شعوب الشرق الأوسط من إمكان تمدّد الحريق الذي يُمكن أن تُطلقه الصواريخ خلال الأيام المقبلة على الأراضي السورية فإنّ بلداناً منتجة للنفط من المنطقة ستجد نفسها مستفيدة من الوضع! فلنأخذ أربعة بلدان فقط من مجلس التعاون الخليجي: السعودية، قطر، الإمارات والكويت. وفقاً لأوبك فإنّ إنتاجها اليومي من النفط يبلغ 16.1 مليون برميل؛ بالأسعار الجارية تبلغ قيمة هذا الإنتاج 1.82 مليار دولار يومياً. وإذا ارتفع سعر البرميل إلى 120 دولاراً خلال «الضربة المرتقبة» فإنّ تلك القيمة سترتفع مليار دولار (أيضاً يومياً). وبالاستناد إلى بيانات عام 2012، فإنّ قيمة الصادرات البترولية لتلك البلدان بلغت 683 مليار دولار. استفادة هذه البلدان من تأثير الحرب السورية وارتداداتها على البلدان المجاورة لا تنحصر في النفط فقط، بل تمتد إلى قطاعات أخرى كانت بلدان مثل لبنان وسورية متميزة فيها ــ طبعاً بمعايير نسبية. ففيما تستمر معاناة لبنان السياحية منذ عام 2011 بسبب الاضطرابات المحلية والإقليمية، تُسجّل منطقة الشرق الأوسط ككلّ نمواً حيث ارتفع عدد السياح الوافدين إليها بنسبة 12.9% خلال النصف الأول من العام الجاري؛ دبي وحدها استقبلت 5.5 ملايين سائح في تلك الفترة! الشرق الأوسط يسجّل حالياً أعلى معدل نمو في تدفق السياح بين مختلف المناطق في العالم، وفقاً لمنظمة السياحة العالمية. وبدأ بعضه يحسب ارتفاع الإيرادات النفطية. هذا البعض لم يتأثر، حتى الآن بالحد الأدنى، برصاص الأزمة الإقليمية الذي طالت براثنه لبنان منذ زمن بعيد، بل على العكس تماماً يستفيد منها.  

المصدر : حسن شقراني/ الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة