يبدو أن قرار الاتحاد الأوروبي بشأن المستوطنات أصاب إسرائيل بصدمة جعلت حكومتها أقرب إلى التصرف المجنون منها إلى المعقول. وفيما انطلقت الانتقادات الشديدة لواقع أن وزارة الخارجية الإسرائيلية مشلولة بسبب حجز مقعد الوزير فيها لزعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان الذي يتعرض للمحاكمة، لم يجد قادة اليمين من رد سوى أسلوب الابتزاز. فقد هدد زعيم «البيت اليهودي» وزير الاقتصاد نفتالي بينت بتخريب مساعي وزير الخارجية الأميركية جون كيري لإحياء عملية التسوية مع السلطة الفلسطينية، إذا لم تلغ «العقوبات» الأوروبية.

وقد احتل القرار الأوروبي وعواقبه عناوين الصحف الإسرائيلية، التي اكتفى بعضها بعناوين مثل «المقاطعة الأوروبية»، فيما شددت أخرى على «الأضرار الاقتصادية الكبيرة». واختارت «معاريف» التأكيد على الرد بـ«تقييد حركة الديبلوماسيين الأوروبيين خارج الخط الأخضر». وركزت عناوين صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من حكومة بنيامين نتنياهو على موقف رئيس الحكومة «برفض الإملاءات الأوروبية»، مشيرة إلى أن «أوروبا أعلنت تقسيم البلاد». وبديهي أن غالبية التعليقات تنبأت بمستقبل سيئ للعلاقات الإسرائيلية – الأوروبية، خصوصاً أن أوروبا على وشك إصدار بيان سياسي شديد اللهجة ضد المستوطنات.

غير أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، وبعيداً عن تظاهره بالصلابة حين أعلن بشكل أولي عن رفض الإملاءات الأوروبية، بدأ أمس باتصالات مع القادة الأوروبيين بهدف تأجيل موعد سريان القرار.

ويسعى نتنياهو لتأجيل نشر القرار رسمياً إلى ما بعد إكمال المداولات مع إسرائيل. وبحسب ما نشر، فإن القرار الأوروبي سينشر رسمياً غداً الجمعة وسيدخل حيز التنفيذ مطلع كانون الثاني العام 2014. وأشار مقربون من نتنياهو، في محاولة لتخفيف أثر القرار، أن نتنياهو في مكالماته مع القادة الأوروبيين، علم أنهم ليسوا في صورة القرار وموعد سريانه.

ويركز نتنياهو في اتصالاته مع الأوروبيين على أن القرار الجديد يخرب مساعي كيري لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. وأبلغ نتنياهو صحيفة «دي فيلت» الألمانية أن القرار «يدفع الإسرائيليين لفقدان الثقة بحيادية أوروبا تجاه العملية السلمية». وأكد أن إسرائيل لن تسمح بأن ترسم حدودها «ضغوط اقتصادية خارجية».

وكان رد الفعل الإسرائيلي الأولي على القرار قد تلخص بعقد مشاورات وزارية عاجلة أعلن نتنياهو في ختامها أنه لن يسمح «بالمساس بمئات آلاف الإسرائيليين القاطنين في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وهضبة الجولان والقدس – عاصمتنا الأبدية. فمسألة الحدود لن تحسم إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين».

غير أن الانتقادات كانت شديدة في إسرائيل نظراً لعجز الأجهزة السياسية والأمنية عن تقدير خطورة ما يجري. وبحسب ما نشر في إسرائيل، فإن القرار الأوروبي كان معلوماً لإسرائيل منذ أكثر من عشرة أيام، حيث أطلع رئيس دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الأوروبية كريستيان برجر السفير الإسرائيلي لدى الاتحاد دافيد فيلتسر عليه.

واعترف مسؤولون إسرائيليون أنهم لم يفهموا جيداً المعنى الحقيقي لـ«البند الإقليمي» الوارد في القرار، الذي يعتبر كل ما هو خارج حدود حزيران العام 1967 خارج إسرائيل. وكان نتنياهو الذي اجتمع مع وزيرة خارجية الاتحاد كاترين أشتون قبل أقل من شهر، أكبر المتفاجئين من معنى القرار.

واليوم يتبدى أن واحداً من أشد المخاطر التي يتضمنها القرار هو أن توقف المصارف الأوروبية التعامل مع المصارف والمتاجر والشركات الإسرائيلية، التي تتعامل مع المستوطنات. وليس صدفة أن وزير الاقتصاد، الذي كان قد تباهى قبل أيام قليلة بسخافة الحديث عن فرض عزلة دولية أو مقاطعة على إسرائيل، اضطر للإعلان أن القرار الأوروبي هو «تفجير اقتصادي».

وفي المداولات الوزارية، التي أجراها نتنياهو، تبنى كل من بينت ونائب وزير الخارجية زئيف ألكين خطاً متشدداً، ودعوا إلى الرد بحزم على أوروبا. ووفقاً لصحيفة «هآرتس»، فقد عرض الاثنان على نتنياهو توجيه إنذار للاتحاد الأوروبي يقضي بأن سريان مفعول القرار يعني منع إسرائيل للاتحاد من العمل في الضفة الغربية وحرمانه من المشاركة في عملية السلام مع الفلسطينيين.

ولكن وزيرة العدل تسيبي ليفني دعت إلى عدم التطرف وإلى اعتبار أن أفضل سبيل لتحييد الخطوات الأوروبية هو استئناف العملية السلمية. وقالت «لا تنسوا أننا نحتاج أوروبا في مسائل أمنية حساسة، وخصوصاً في موضوع النووي الإيراني».

ومن جهته، يفكر نتنياهو، وفقاً لـ«معاريف»، بفرض قيود شديدة على حرية عمل الاتحاد الاوروبي في الضفة الغربية. وذكرت الصحيفة أن نتنياهو يعمل على تأجيل سريان القرار وتلطيف بنوده لاحقاً، ولكن إذا فشلت جهوده فإنه ينظر في التوصيات التي قدمت له. وبين هذه التوصيات الوقف التام للتعاون مع مشاريع الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية، فضلاً عن تقييد حركة الديبلوماسيين الأوروبيين المعتمدين لدى السلطة الفلسطينية.

وفي اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري اعتبر نتنياهو أن القرار الأوروبي «يشوش على جهود استئناف المفاوضات». كما بحث نتنياهو القضية مع رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو، بحسب مصدر إسرائيلي. وأجرى اتصالاً مع قادة أوروبيين من بينهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.

ووفقاً للمصدر، قال نتنياهو لمخاطبيه إن «هناك مسائل أهم في المنطقة يتعين الاهتمام بها أولاً مثل الحرب الأهلية في سوريا والبرنامج النووي الإيراني».

وفي أول رد فعل على القرار الأوروبي، قرر وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون تأجيل المداولات في الإدارة المدنية لإقرار بناء 300 وحدة سكنية في مستوطنات خارج الكتل الاستيطانية. ولكن قرار يعلون هذا لا يسري على مداولات الإدارة المدنية بشأن 730 وحدة سكنية في مستوطنات تقع داخل الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية صادقت اللجنة على بنائها. كما أن نائب وزير الخارجية ألكين قرر الاعتراض على القرار الأوروبي بطريقته فقام بالتسلل إلى الحرم القدسي، معلناً من هناك «أننا لن نخضع للضغط الأوروبي».
  • فريق ماسة
  • 2013-07-17
  • 11765
  • من الأرشيف

موقف أوروبا من المستوطنات إسرائيل في صدمة: تهديد وابتزاز

يبدو أن قرار الاتحاد الأوروبي بشأن المستوطنات أصاب إسرائيل بصدمة جعلت حكومتها أقرب إلى التصرف المجنون منها إلى المعقول. وفيما انطلقت الانتقادات الشديدة لواقع أن وزارة الخارجية الإسرائيلية مشلولة بسبب حجز مقعد الوزير فيها لزعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان الذي يتعرض للمحاكمة، لم يجد قادة اليمين من رد سوى أسلوب الابتزاز. فقد هدد زعيم «البيت اليهودي» وزير الاقتصاد نفتالي بينت بتخريب مساعي وزير الخارجية الأميركية جون كيري لإحياء عملية التسوية مع السلطة الفلسطينية، إذا لم تلغ «العقوبات» الأوروبية. وقد احتل القرار الأوروبي وعواقبه عناوين الصحف الإسرائيلية، التي اكتفى بعضها بعناوين مثل «المقاطعة الأوروبية»، فيما شددت أخرى على «الأضرار الاقتصادية الكبيرة». واختارت «معاريف» التأكيد على الرد بـ«تقييد حركة الديبلوماسيين الأوروبيين خارج الخط الأخضر». وركزت عناوين صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من حكومة بنيامين نتنياهو على موقف رئيس الحكومة «برفض الإملاءات الأوروبية»، مشيرة إلى أن «أوروبا أعلنت تقسيم البلاد». وبديهي أن غالبية التعليقات تنبأت بمستقبل سيئ للعلاقات الإسرائيلية – الأوروبية، خصوصاً أن أوروبا على وشك إصدار بيان سياسي شديد اللهجة ضد المستوطنات. غير أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، وبعيداً عن تظاهره بالصلابة حين أعلن بشكل أولي عن رفض الإملاءات الأوروبية، بدأ أمس باتصالات مع القادة الأوروبيين بهدف تأجيل موعد سريان القرار. ويسعى نتنياهو لتأجيل نشر القرار رسمياً إلى ما بعد إكمال المداولات مع إسرائيل. وبحسب ما نشر، فإن القرار الأوروبي سينشر رسمياً غداً الجمعة وسيدخل حيز التنفيذ مطلع كانون الثاني العام 2014. وأشار مقربون من نتنياهو، في محاولة لتخفيف أثر القرار، أن نتنياهو في مكالماته مع القادة الأوروبيين، علم أنهم ليسوا في صورة القرار وموعد سريانه. ويركز نتنياهو في اتصالاته مع الأوروبيين على أن القرار الجديد يخرب مساعي كيري لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. وأبلغ نتنياهو صحيفة «دي فيلت» الألمانية أن القرار «يدفع الإسرائيليين لفقدان الثقة بحيادية أوروبا تجاه العملية السلمية». وأكد أن إسرائيل لن تسمح بأن ترسم حدودها «ضغوط اقتصادية خارجية». وكان رد الفعل الإسرائيلي الأولي على القرار قد تلخص بعقد مشاورات وزارية عاجلة أعلن نتنياهو في ختامها أنه لن يسمح «بالمساس بمئات آلاف الإسرائيليين القاطنين في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وهضبة الجولان والقدس – عاصمتنا الأبدية. فمسألة الحدود لن تحسم إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين». غير أن الانتقادات كانت شديدة في إسرائيل نظراً لعجز الأجهزة السياسية والأمنية عن تقدير خطورة ما يجري. وبحسب ما نشر في إسرائيل، فإن القرار الأوروبي كان معلوماً لإسرائيل منذ أكثر من عشرة أيام، حيث أطلع رئيس دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الأوروبية كريستيان برجر السفير الإسرائيلي لدى الاتحاد دافيد فيلتسر عليه. واعترف مسؤولون إسرائيليون أنهم لم يفهموا جيداً المعنى الحقيقي لـ«البند الإقليمي» الوارد في القرار، الذي يعتبر كل ما هو خارج حدود حزيران العام 1967 خارج إسرائيل. وكان نتنياهو الذي اجتمع مع وزيرة خارجية الاتحاد كاترين أشتون قبل أقل من شهر، أكبر المتفاجئين من معنى القرار. واليوم يتبدى أن واحداً من أشد المخاطر التي يتضمنها القرار هو أن توقف المصارف الأوروبية التعامل مع المصارف والمتاجر والشركات الإسرائيلية، التي تتعامل مع المستوطنات. وليس صدفة أن وزير الاقتصاد، الذي كان قد تباهى قبل أيام قليلة بسخافة الحديث عن فرض عزلة دولية أو مقاطعة على إسرائيل، اضطر للإعلان أن القرار الأوروبي هو «تفجير اقتصادي». وفي المداولات الوزارية، التي أجراها نتنياهو، تبنى كل من بينت ونائب وزير الخارجية زئيف ألكين خطاً متشدداً، ودعوا إلى الرد بحزم على أوروبا. ووفقاً لصحيفة «هآرتس»، فقد عرض الاثنان على نتنياهو توجيه إنذار للاتحاد الأوروبي يقضي بأن سريان مفعول القرار يعني منع إسرائيل للاتحاد من العمل في الضفة الغربية وحرمانه من المشاركة في عملية السلام مع الفلسطينيين. ولكن وزيرة العدل تسيبي ليفني دعت إلى عدم التطرف وإلى اعتبار أن أفضل سبيل لتحييد الخطوات الأوروبية هو استئناف العملية السلمية. وقالت «لا تنسوا أننا نحتاج أوروبا في مسائل أمنية حساسة، وخصوصاً في موضوع النووي الإيراني». ومن جهته، يفكر نتنياهو، وفقاً لـ«معاريف»، بفرض قيود شديدة على حرية عمل الاتحاد الاوروبي في الضفة الغربية. وذكرت الصحيفة أن نتنياهو يعمل على تأجيل سريان القرار وتلطيف بنوده لاحقاً، ولكن إذا فشلت جهوده فإنه ينظر في التوصيات التي قدمت له. وبين هذه التوصيات الوقف التام للتعاون مع مشاريع الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية، فضلاً عن تقييد حركة الديبلوماسيين الأوروبيين المعتمدين لدى السلطة الفلسطينية. وفي اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري اعتبر نتنياهو أن القرار الأوروبي «يشوش على جهود استئناف المفاوضات». كما بحث نتنياهو القضية مع رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو، بحسب مصدر إسرائيلي. وأجرى اتصالاً مع قادة أوروبيين من بينهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. ووفقاً للمصدر، قال نتنياهو لمخاطبيه إن «هناك مسائل أهم في المنطقة يتعين الاهتمام بها أولاً مثل الحرب الأهلية في سوريا والبرنامج النووي الإيراني». وفي أول رد فعل على القرار الأوروبي، قرر وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون تأجيل المداولات في الإدارة المدنية لإقرار بناء 300 وحدة سكنية في مستوطنات خارج الكتل الاستيطانية. ولكن قرار يعلون هذا لا يسري على مداولات الإدارة المدنية بشأن 730 وحدة سكنية في مستوطنات تقع داخل الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية صادقت اللجنة على بنائها. كما أن نائب وزير الخارجية ألكين قرر الاعتراض على القرار الأوروبي بطريقته فقام بالتسلل إلى الحرم القدسي، معلناً من هناك «أننا لن نخضع للضغط الأوروبي».

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة