تستحق صيدا الحقيقة، مثلما يستحق لبنان الحقيقة، لا بل مثلما يستحق اهل السنّة، وهم اهل الامة، الحقيقة. ودعونا نسأل بادىء بدء كيف ظهر الشيخ احمد الاسير؟ ولماذا؟ وكيف رفع تلك الشعارات الراعبة واقام تلك المستوطنة الافغانية في مدينة لم يخفق قلبها الا للقضايا العربية الكبرى، ولم تعرف في اي يوم من الايام لا ثقافة تورا بورا ولا ثقافة الانغلاق والتعصب والضغينة؟

سؤالنا الآن، وبالصوت العالي: هل يمثل الشيخ الاسير السنّة، وهم اصحاب مدرسة الانفتاح، والتفاعل، والاعتدال، والعقلانية، وتقبل الآخر؟ فقط لتسأل الاجيال الجديدة التي أخذ بعضها بتلك الصيحات البدائية، الآتية من وثنية ما، كيف كان يعامل اليهود في صيدا. مقبرتهم التي لا تزال حتى الآن شاهد على مدينة عريقة في انسانيتها وعلو شأنها…

اجل، هل يمثل امام مسجد بلال بن رباح السنّة، وقد دعا بالفم الملآن اشراف صيدا الى عدم تأجير الشيعة او بيعهم، قبل ان يدعو الى طردهم من المدينة؟ ولماذا لا تكشف الجهات الامنية تلك المعلومات التي لا يعتريها اي شك في انه عهد الى بعض رجاله بتحديد منازل الشيعة في ارجاء صيدا للانقضاض عليهم في ليلة ليلاء، آخذاً بالتجربة النازية في 10 تشرين الثاني 1938 "ليلة الكريستال"ضد اليهود…

من قال ذلك الكلام، ومن كان يخطط لما يخطط له (وعلناً وعلى رؤوس الاشهاد)، هل يمثل اهل السنّة؟ ولو كان هناك الحد الادنى من الدولة، ولو كان هناك الحد الادنى من السلطة، هل كان يمكن ان يترك الشيخ الاسير دون محاكمة بانتهاك القانون وبانتهاك الدستور ام ان اعتمار العمامة واطلاق اللحية وارتداء الجلباب يجعل من الشخص فوق الدولة، وفوق السلطة، وفوق القانون وفوق الدستور بل وفوق الله؟

مرة اخرى، لا احد يعترض على ان يكون الشيخ ضد "حزب الله"، وان يكون ضد سرايا المقاومة التي يقول الكثيرون من اهل صيدا انها تحوّلت الى ظاهرة استعراضية وحتى الى ظاهرة شوارعية، وان كان في شتائمه وتهديداته تعدى كل القيم الدينية والاخلاقية والسياسية، فهل سمعتم رجل دين آخر، رجل سياسة آخر، رجل شارع آخر، يتفوه بتلك العبارات؟

كلنا ضد الانتهاكات وضد الارتكابات وضد العنتريات التي يمارسها البعض في صيدا وضد اهل صيدا، ويفترض ان تصل التحقيقات الى نهايتها اي الى الحقيقة، وبالتالي الى العقاب. هذه مسألة بديهية، اما ان يتم تطويب الشيخ الاسير ولياً ووالياً، فهذا لا يمكن ان يتفق مع اخلاقيات المدينة ومناقبيتها…

الذي يمثل عاصمة الجنوب هو الشيخ الجليل سليم سوسان الذي بأدائه الراقي، وبلهجته الحازمة، وقف في خطبة الجمعة (وكان يحمل المنطق لا البندقية ولا الساطور) ليعيد الى المدينة بهاءها، ويضع حداً لهواة الحرائق، ولهواة الجثث، وفي قناعتنا ان الاكثرية الساحقة من اهالي صيدا هم على صورة مفتي المدينة، لا على صورة اولئك الذين قتلوا بدم بارد، او بدم مصاصي الدماء، الملازم اول جورج ابي صعب وجنوده. وكنا، للمصادفة، قد شاهدناه وجنوده عند الحاجز الذي امام المجمع قبل ايام قليلة من استشهاده.

كان الضابط الذي من رأس بعلبك يقف مثل النمر، وكان جنوده الى جانبه في العراء، ولم يكونوا يتوقعون، وهم الذين يقومون بمهمتهم في منع الانفجار في المنطقة، ان يأتيهم الرصاص من المكان الذي يتولون حمايته. ومع ذلك، لاحظنا ان هناك من يدافع عن القتلة ودون الحد الادنى من الخجل، مع محاولة اشاعة الضبابية حول الاسباب. ولا ريب ان اهل عبرا يعرفون اين كان يقف الضابط وجنوده وكيف استهدفوا بالرصاص…

لا احد يمكن ان يتصور ان الشيخ احمد الاسير، القاتل بكل المعايير، المهرج بكل المعايير، التكفيري بكل المعايير، النازي بكل المعايير، يمثل اهل السنّة، وان حاول البعض، بمن فيهم حزب التحرير الذي لا يعترف بالدولة اللبنانية، بل يعتبر لبنان ولاية من ولايات مولانا الخليفة الذي لا بد ان يظهر في وقت قريب (على الطريقة الافغانية كما على الطريقة الصومالية)، توظيف الحادثة طائفياً او مذهبياً بتلك الشعارات والالفاظ المقززة.

ندرك اننا في زمن الاثارة بأكثر اشكالها جنوناً، وان اهل السياسة لا يستطيعون الا ان يلحقوا او على الاقل ان يماشوا اهل الشارع، ولكن كيف يمكن الدفاع عن رجل دين (اخترع نفسه بنفسه) عندما يدعو السنّة في الجيش الى الانشقاق، وحتى قبل وقت طويل من الاحداث الاخيرة، فيما السنّة هم عصب رئيسي في المؤسسة العسكرية بل وفي الدولة اللبنانية،بل وفي العقل وفي الضمير اللبناني…؟

لماذا لا يقال ان صيدا مدينة حساسة جداً. انفجارها، كما حدث في عام 1975، يفجر لبنان؟ هي نقطة التقاطع السني- الشيعي، وهي نقطة التقاطع اللبناني – الفلسطيني، وما تعنيه الحالتان حالياً في الحالة اللبنانية، وكان لا بد من اجتثاث تلك الظاهرة التي لا يمكن ان تكون نشأت، بالصدفة، او من اجل غاية فولكلورية، اي ان تجعل قيادات معينة ترى "نجوم الظهر"، كما كاد يهدد في خطبه…

 

اذا كان هناك من يقول بتحقيق شفاف، وهو ضروري جداً واساسي جداً، فليشمل ايضا تلك المعلومات التي بحوزة اجهزة امنية حول ما كان قد تم اعداده في بعض احياء مخيم عين الحلوة، وبالتنسيق مع الشيخ المختبىء، من اجل اشعال كل الجبهات في صيدا وحول صيدا لو لم تكن هناك معالجة سريعة وحاسمة للوضع، ونحن نعلم ماذا جرى في تلك الساعات العصيبة وكيف واي انذارات حالت دون الانفجار الكبير في المدينة بل وفي الجمهورية..

لو بقي الشيخ احمد الاسير هناك، وهو الذي خنق عبرا، وخنق صيدا، لقتل عبرا ولقتل صيدا، بل ولقتل لبنان لاننا ندرك ما هي صيدا التي عندما تكون بوابة الجنوب، وعندما يكون مخيم عين الحلوة جزءاً منها، لا بد ان تكون على تماس هائل مع ازمة الشرق الاوسط…

لا يعنينا اين يختبىء المهرج. يعنينا اين يختبىء القاتل!

  • فريق ماسة
  • 2013-06-30
  • 12359
  • من الأرشيف

صيدا لن تكون مستوطنة افغانية

تستحق صيدا الحقيقة، مثلما يستحق لبنان الحقيقة، لا بل مثلما يستحق اهل السنّة، وهم اهل الامة، الحقيقة. ودعونا نسأل بادىء بدء كيف ظهر الشيخ احمد الاسير؟ ولماذا؟ وكيف رفع تلك الشعارات الراعبة واقام تلك المستوطنة الافغانية في مدينة لم يخفق قلبها الا للقضايا العربية الكبرى، ولم تعرف في اي يوم من الايام لا ثقافة تورا بورا ولا ثقافة الانغلاق والتعصب والضغينة؟ سؤالنا الآن، وبالصوت العالي: هل يمثل الشيخ الاسير السنّة، وهم اصحاب مدرسة الانفتاح، والتفاعل، والاعتدال، والعقلانية، وتقبل الآخر؟ فقط لتسأل الاجيال الجديدة التي أخذ بعضها بتلك الصيحات البدائية، الآتية من وثنية ما، كيف كان يعامل اليهود في صيدا. مقبرتهم التي لا تزال حتى الآن شاهد على مدينة عريقة في انسانيتها وعلو شأنها… اجل، هل يمثل امام مسجد بلال بن رباح السنّة، وقد دعا بالفم الملآن اشراف صيدا الى عدم تأجير الشيعة او بيعهم، قبل ان يدعو الى طردهم من المدينة؟ ولماذا لا تكشف الجهات الامنية تلك المعلومات التي لا يعتريها اي شك في انه عهد الى بعض رجاله بتحديد منازل الشيعة في ارجاء صيدا للانقضاض عليهم في ليلة ليلاء، آخذاً بالتجربة النازية في 10 تشرين الثاني 1938 "ليلة الكريستال"ضد اليهود… من قال ذلك الكلام، ومن كان يخطط لما يخطط له (وعلناً وعلى رؤوس الاشهاد)، هل يمثل اهل السنّة؟ ولو كان هناك الحد الادنى من الدولة، ولو كان هناك الحد الادنى من السلطة، هل كان يمكن ان يترك الشيخ الاسير دون محاكمة بانتهاك القانون وبانتهاك الدستور ام ان اعتمار العمامة واطلاق اللحية وارتداء الجلباب يجعل من الشخص فوق الدولة، وفوق السلطة، وفوق القانون وفوق الدستور بل وفوق الله؟ مرة اخرى، لا احد يعترض على ان يكون الشيخ ضد "حزب الله"، وان يكون ضد سرايا المقاومة التي يقول الكثيرون من اهل صيدا انها تحوّلت الى ظاهرة استعراضية وحتى الى ظاهرة شوارعية، وان كان في شتائمه وتهديداته تعدى كل القيم الدينية والاخلاقية والسياسية، فهل سمعتم رجل دين آخر، رجل سياسة آخر، رجل شارع آخر، يتفوه بتلك العبارات؟ كلنا ضد الانتهاكات وضد الارتكابات وضد العنتريات التي يمارسها البعض في صيدا وضد اهل صيدا، ويفترض ان تصل التحقيقات الى نهايتها اي الى الحقيقة، وبالتالي الى العقاب. هذه مسألة بديهية، اما ان يتم تطويب الشيخ الاسير ولياً ووالياً، فهذا لا يمكن ان يتفق مع اخلاقيات المدينة ومناقبيتها… الذي يمثل عاصمة الجنوب هو الشيخ الجليل سليم سوسان الذي بأدائه الراقي، وبلهجته الحازمة، وقف في خطبة الجمعة (وكان يحمل المنطق لا البندقية ولا الساطور) ليعيد الى المدينة بهاءها، ويضع حداً لهواة الحرائق، ولهواة الجثث، وفي قناعتنا ان الاكثرية الساحقة من اهالي صيدا هم على صورة مفتي المدينة، لا على صورة اولئك الذين قتلوا بدم بارد، او بدم مصاصي الدماء، الملازم اول جورج ابي صعب وجنوده. وكنا، للمصادفة، قد شاهدناه وجنوده عند الحاجز الذي امام المجمع قبل ايام قليلة من استشهاده. كان الضابط الذي من رأس بعلبك يقف مثل النمر، وكان جنوده الى جانبه في العراء، ولم يكونوا يتوقعون، وهم الذين يقومون بمهمتهم في منع الانفجار في المنطقة، ان يأتيهم الرصاص من المكان الذي يتولون حمايته. ومع ذلك، لاحظنا ان هناك من يدافع عن القتلة ودون الحد الادنى من الخجل، مع محاولة اشاعة الضبابية حول الاسباب. ولا ريب ان اهل عبرا يعرفون اين كان يقف الضابط وجنوده وكيف استهدفوا بالرصاص… لا احد يمكن ان يتصور ان الشيخ احمد الاسير، القاتل بكل المعايير، المهرج بكل المعايير، التكفيري بكل المعايير، النازي بكل المعايير، يمثل اهل السنّة، وان حاول البعض، بمن فيهم حزب التحرير الذي لا يعترف بالدولة اللبنانية، بل يعتبر لبنان ولاية من ولايات مولانا الخليفة الذي لا بد ان يظهر في وقت قريب (على الطريقة الافغانية كما على الطريقة الصومالية)، توظيف الحادثة طائفياً او مذهبياً بتلك الشعارات والالفاظ المقززة. ندرك اننا في زمن الاثارة بأكثر اشكالها جنوناً، وان اهل السياسة لا يستطيعون الا ان يلحقوا او على الاقل ان يماشوا اهل الشارع، ولكن كيف يمكن الدفاع عن رجل دين (اخترع نفسه بنفسه) عندما يدعو السنّة في الجيش الى الانشقاق، وحتى قبل وقت طويل من الاحداث الاخيرة، فيما السنّة هم عصب رئيسي في المؤسسة العسكرية بل وفي الدولة اللبنانية،بل وفي العقل وفي الضمير اللبناني…؟ لماذا لا يقال ان صيدا مدينة حساسة جداً. انفجارها، كما حدث في عام 1975، يفجر لبنان؟ هي نقطة التقاطع السني- الشيعي، وهي نقطة التقاطع اللبناني – الفلسطيني، وما تعنيه الحالتان حالياً في الحالة اللبنانية، وكان لا بد من اجتثاث تلك الظاهرة التي لا يمكن ان تكون نشأت، بالصدفة، او من اجل غاية فولكلورية، اي ان تجعل قيادات معينة ترى "نجوم الظهر"، كما كاد يهدد في خطبه…   اذا كان هناك من يقول بتحقيق شفاف، وهو ضروري جداً واساسي جداً، فليشمل ايضا تلك المعلومات التي بحوزة اجهزة امنية حول ما كان قد تم اعداده في بعض احياء مخيم عين الحلوة، وبالتنسيق مع الشيخ المختبىء، من اجل اشعال كل الجبهات في صيدا وحول صيدا لو لم تكن هناك معالجة سريعة وحاسمة للوضع، ونحن نعلم ماذا جرى في تلك الساعات العصيبة وكيف واي انذارات حالت دون الانفجار الكبير في المدينة بل وفي الجمهورية.. لو بقي الشيخ احمد الاسير هناك، وهو الذي خنق عبرا، وخنق صيدا، لقتل عبرا ولقتل صيدا، بل ولقتل لبنان لاننا ندرك ما هي صيدا التي عندما تكون بوابة الجنوب، وعندما يكون مخيم عين الحلوة جزءاً منها، لا بد ان تكون على تماس هائل مع ازمة الشرق الاوسط… لا يعنينا اين يختبىء المهرج. يعنينا اين يختبىء القاتل!

المصدر : نبيه البرجي/ الديار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة