تجاوز عدد المهرجانات الشعبية التي نظمها رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان خلال أقل من أسبوعين، 15 مهرجاناً. ومع أن مهرجان «أرض روم» الذي نظّم أمس الأول، قد يكون آخرها، لكن ليس هناك ما يضمن ذلك.

والجامع المشترك بين كل هذه المهرجانات هو إعادة استجماع قوة ينظر الكثيرون على أنها اهتزت بقوة بفعل انتفاضة «تقسيم» وحديقة «جيزي».

ولو لم يكن أردوغان يستشعر فعلاً خطورة التهشيم الذي أصاب صورته، لما قام بهذا الكم من المهرجانات التي لم تحصل حتى في فترات الحملات الانتخابية. وهو ما وجد فيه مثلاً رئيس «اتحاد جمعيات بير سلطان عبدال الثقافية العلوية» كمال بلبل أنها مظهر لانتهاء سلطة «حزب العدالة والتنمية».

وهذا يجر إلى تكرار أردوغان التودد إلى العلويين، الذين انفجروا غضباً لتسمية الجسر الثالث على البوسفور باسم «السلطان سليم الأول» الذي تعرّض العلويون في عهده في مطلع القرن السادس عشر إلى مجازر، ذهب ضحيتها أكثر من 40 ألفاً.

وبالإضافة إلى إدراك أردوغان خطأ التعامل مع المحتجين في «تقسيم» من دون الاعتراف بذلك، ومواصلة سياسة القمع، فإن سلوك الحكومة مع العلويين في مسألة تسمية الجسر الثالث كان خطأ أيضاً لم يرغب «العدالة والتنمية» التراجع عنه.

فالرئيس عبد الله غول قال إن التسمية نهائية «ولكن يمكن أن نطلق أسماء رموز علوية بارزة مثل حاجي بكتاش أو بير سلطان عبدال على مشاريع كبيرة لاحقة».

بدوره لم يتزحزح نائب رئيس الحكومة بكر بوزداغ قيد أنملة عن رفض الاعتراف بـ«بيوت الجمع» لدى العلويين على أنها مراكز عبادة، قائلاً إن مركز العبادة لدى المسلمين هو الجامع أو المسجد، فيما بيوت الجمع هي مثل الزوايا والتكايا لدى بعض الفرق الإسلامية. والجدير بالذكر أن بوزداغ لم يتردد عن وصف «حزب الله» بعد معركة القصير بـ«حزب الشيطان» بالرغم من أنه في موقع رسمي رفيع.

محاولة أردوغان التقرب من العلويين لم تجد آذاناً صاغية لأنها اكتفت بالعبارات الإنشائية التي باتت لازمة لخطاب «العدالة والتنمية» منذ عشر سنوات تجاه القضية العلوية، حيث لم يتحقق أي من مطالبهم ومنها: الاعتراف من جانب الدولة ببيوت الجمع كمراكز عبادة، إلغاء رئاسة الشؤون الدينية، إلغاء درس الدين الإجباري في المدارس واستفادة العلويين من تقديمات الدولة التي تخصصها للجوامع والمساواة في المواطنية في الوظائف.

وفي مهرجان في منطقة قاضي كوي في اسطنبول، تحدث الزعيم العلوي كمال بلبل منتقداً غول وأردوغان، قائلاً إن تسمية الجسر كما اقتلاع الأشجار من حديقة «جيزي» وقتل الطبيعة هي نتاج لسياسات الإسلام السياسي، داعياً المعارضة إلى توحيد كلمتها.

وتحدث الفنان عارف صاغ في المهرجان قائلاً «إن شباب تقسيم فعلوا في ليلة واحدة الذي لم نستطع فعله في 70 عاماً».

أما صباحات أق كيراز، الموسيقية والمطربة المشهورة، والنائب عن «حزب الشعب الجمهوري»، فقالت «رئيس الحكومة يقول إخوتنا العلويون، عن أي إخوة يتحدث؟ نحن ما زلنا على قضيتنا وطريقنا ومقاومتنا. انظر إلى الغد أنظر إلى سيواس أنظر إلى كربلاء انظر إلى جيزي. كل مكان تقسيم كل مكان مقاومة».

وكانت آق كيراز اعتبرت أن إطلاق اسم السلطان سليم على الجسر الجديد يهدف إلى إخراج العلويين نهائياً من النظام والتحضير لصدام سني ـ علوي.

وعلى صعيد آخر، أظهرت اشتباكات اليومين الأخيرين في ساحة «تقسيم» استحالة منع عودة المحتجين إلى الساحة، حيث تحوّلت شوارع وساحات أخرى في اسطنبول ومعظم المدن التركية إلى أماكن للاحتجاج، وهو الذي أطلق شعار «كل مكان تقسيم كل مكان مقاومة».

والتقت تعليقات الكتاب المتواصلة حتى من المقرّبين منه على الوضع غير المريح لأردوغان و«حزب العدالة والتنمية» في المرحلة المقبلة.

يكتب الباحث المعروف منصور آق غون في صحيفة «ستار» أن أكبر الأضرار التي تعرضت لها تركيا من جراء احتجاجات «جيزي» وطريقة إدارتها، كانت صورة تركيا في الخارج «الصورة التي كسبتها تركيا بسبب المسلسلات والسياسات السابقة باتت خلال أسابيع قليلة مختلفة كلياً. أخشى أن الدراسات التي نقوم بها في مركز دراسات تركيا حول صورة تركيا في الشرق الأوسط تحديداً، لن تعود كما كانت ولن يعطي المشاركون في الإجابة القيمة نفسها إلى تركيا، وسيتخلون عن تطلعهم اليها كنموذج».

ويضيف «لقد رأوا كيف انتكست الديموقراطية وانهار النموذج. لقد غيرت احتجاجات جيزي الصورة وبات أردوغان سلطاناً، وتركيا بلداً غير ديموقراطي، وحرية التعبير مغطاة بالغاز المسيل للدموع. يجب أن نتعلم كيف ندير الاحتجاجات بدلاً من قمعها».

من جهته يشير قدري غورسيل في صحيفة «ميللييت» إلى أنه قبل شهرين فقط من اندلاع انتفاضة «تقسيم» وحديقة «جيزي»، كتب بوراك جوب كتاباً بعنوان «صعود حزب العدالة والتنمية وانهياره»، كاد يكون نسخة طبق الأصل عما جرى في «تقسيم».

وقال «ففي الوقت الذي وصل فيه الحزب إلى ذروته في العام 2012، بدأت تظهر عليه إمارات السقوط. ليس بمعنى خسارته للانتخابات المقبلة، بل لأنه بعد عشر سنوات لم يعد ممكناً أن يستمر بالنخبة نفسها التي تديره. ولأن الفئات غير المرتاحة له تكبر، والتي تعتبر الجمهورية وأتاتورك وقضية الحرية مركزاً لتحركها، وهو ما يدعو إلى ازدياد حركة الشارع والنقمة على سلطة العدالة والتنمية». وأضاف «لقد أظهرت مقاومة حديقة «جيزي» والديناميات التي ولّدتها حدود قوة أردوغان وحزبه. لقد وصل مجد أردوغان إلى ذروته عشية مقاومة «جيزي»، وهي اللحظة نفسها التي بدأ فيها سقوطه».

أما الكاتب المعتدل طه آقيول فيتطرق في صحيفة «حرييت» إلى نظرية المؤامرة التي أشاعها أردوغان وحزبه، قائلاً «إنها نظرية المؤامرة. أن يكون الإعلام ولاسيما مواقع التواصل الاجتماعي، محرّضة على دعم انقلاب مدني على سلطة حزب العدالة والتنمية. منطق المؤامرة يمتدّ إلى اتهام قوى خارجية ولوبي الفوائد المالية وجورج سوروس».
  • فريق ماسة
  • 2013-06-24
  • 10366
  • من الأرشيف

العلويون يرفضون تودّد أردوغان

تجاوز عدد المهرجانات الشعبية التي نظمها رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان خلال أقل من أسبوعين، 15 مهرجاناً. ومع أن مهرجان «أرض روم» الذي نظّم أمس الأول، قد يكون آخرها، لكن ليس هناك ما يضمن ذلك. والجامع المشترك بين كل هذه المهرجانات هو إعادة استجماع قوة ينظر الكثيرون على أنها اهتزت بقوة بفعل انتفاضة «تقسيم» وحديقة «جيزي». ولو لم يكن أردوغان يستشعر فعلاً خطورة التهشيم الذي أصاب صورته، لما قام بهذا الكم من المهرجانات التي لم تحصل حتى في فترات الحملات الانتخابية. وهو ما وجد فيه مثلاً رئيس «اتحاد جمعيات بير سلطان عبدال الثقافية العلوية» كمال بلبل أنها مظهر لانتهاء سلطة «حزب العدالة والتنمية». وهذا يجر إلى تكرار أردوغان التودد إلى العلويين، الذين انفجروا غضباً لتسمية الجسر الثالث على البوسفور باسم «السلطان سليم الأول» الذي تعرّض العلويون في عهده في مطلع القرن السادس عشر إلى مجازر، ذهب ضحيتها أكثر من 40 ألفاً. وبالإضافة إلى إدراك أردوغان خطأ التعامل مع المحتجين في «تقسيم» من دون الاعتراف بذلك، ومواصلة سياسة القمع، فإن سلوك الحكومة مع العلويين في مسألة تسمية الجسر الثالث كان خطأ أيضاً لم يرغب «العدالة والتنمية» التراجع عنه. فالرئيس عبد الله غول قال إن التسمية نهائية «ولكن يمكن أن نطلق أسماء رموز علوية بارزة مثل حاجي بكتاش أو بير سلطان عبدال على مشاريع كبيرة لاحقة». بدوره لم يتزحزح نائب رئيس الحكومة بكر بوزداغ قيد أنملة عن رفض الاعتراف بـ«بيوت الجمع» لدى العلويين على أنها مراكز عبادة، قائلاً إن مركز العبادة لدى المسلمين هو الجامع أو المسجد، فيما بيوت الجمع هي مثل الزوايا والتكايا لدى بعض الفرق الإسلامية. والجدير بالذكر أن بوزداغ لم يتردد عن وصف «حزب الله» بعد معركة القصير بـ«حزب الشيطان» بالرغم من أنه في موقع رسمي رفيع. محاولة أردوغان التقرب من العلويين لم تجد آذاناً صاغية لأنها اكتفت بالعبارات الإنشائية التي باتت لازمة لخطاب «العدالة والتنمية» منذ عشر سنوات تجاه القضية العلوية، حيث لم يتحقق أي من مطالبهم ومنها: الاعتراف من جانب الدولة ببيوت الجمع كمراكز عبادة، إلغاء رئاسة الشؤون الدينية، إلغاء درس الدين الإجباري في المدارس واستفادة العلويين من تقديمات الدولة التي تخصصها للجوامع والمساواة في المواطنية في الوظائف. وفي مهرجان في منطقة قاضي كوي في اسطنبول، تحدث الزعيم العلوي كمال بلبل منتقداً غول وأردوغان، قائلاً إن تسمية الجسر كما اقتلاع الأشجار من حديقة «جيزي» وقتل الطبيعة هي نتاج لسياسات الإسلام السياسي، داعياً المعارضة إلى توحيد كلمتها. وتحدث الفنان عارف صاغ في المهرجان قائلاً «إن شباب تقسيم فعلوا في ليلة واحدة الذي لم نستطع فعله في 70 عاماً». أما صباحات أق كيراز، الموسيقية والمطربة المشهورة، والنائب عن «حزب الشعب الجمهوري»، فقالت «رئيس الحكومة يقول إخوتنا العلويون، عن أي إخوة يتحدث؟ نحن ما زلنا على قضيتنا وطريقنا ومقاومتنا. انظر إلى الغد أنظر إلى سيواس أنظر إلى كربلاء انظر إلى جيزي. كل مكان تقسيم كل مكان مقاومة». وكانت آق كيراز اعتبرت أن إطلاق اسم السلطان سليم على الجسر الجديد يهدف إلى إخراج العلويين نهائياً من النظام والتحضير لصدام سني ـ علوي. وعلى صعيد آخر، أظهرت اشتباكات اليومين الأخيرين في ساحة «تقسيم» استحالة منع عودة المحتجين إلى الساحة، حيث تحوّلت شوارع وساحات أخرى في اسطنبول ومعظم المدن التركية إلى أماكن للاحتجاج، وهو الذي أطلق شعار «كل مكان تقسيم كل مكان مقاومة». والتقت تعليقات الكتاب المتواصلة حتى من المقرّبين منه على الوضع غير المريح لأردوغان و«حزب العدالة والتنمية» في المرحلة المقبلة. يكتب الباحث المعروف منصور آق غون في صحيفة «ستار» أن أكبر الأضرار التي تعرضت لها تركيا من جراء احتجاجات «جيزي» وطريقة إدارتها، كانت صورة تركيا في الخارج «الصورة التي كسبتها تركيا بسبب المسلسلات والسياسات السابقة باتت خلال أسابيع قليلة مختلفة كلياً. أخشى أن الدراسات التي نقوم بها في مركز دراسات تركيا حول صورة تركيا في الشرق الأوسط تحديداً، لن تعود كما كانت ولن يعطي المشاركون في الإجابة القيمة نفسها إلى تركيا، وسيتخلون عن تطلعهم اليها كنموذج». ويضيف «لقد رأوا كيف انتكست الديموقراطية وانهار النموذج. لقد غيرت احتجاجات جيزي الصورة وبات أردوغان سلطاناً، وتركيا بلداً غير ديموقراطي، وحرية التعبير مغطاة بالغاز المسيل للدموع. يجب أن نتعلم كيف ندير الاحتجاجات بدلاً من قمعها». من جهته يشير قدري غورسيل في صحيفة «ميللييت» إلى أنه قبل شهرين فقط من اندلاع انتفاضة «تقسيم» وحديقة «جيزي»، كتب بوراك جوب كتاباً بعنوان «صعود حزب العدالة والتنمية وانهياره»، كاد يكون نسخة طبق الأصل عما جرى في «تقسيم». وقال «ففي الوقت الذي وصل فيه الحزب إلى ذروته في العام 2012، بدأت تظهر عليه إمارات السقوط. ليس بمعنى خسارته للانتخابات المقبلة، بل لأنه بعد عشر سنوات لم يعد ممكناً أن يستمر بالنخبة نفسها التي تديره. ولأن الفئات غير المرتاحة له تكبر، والتي تعتبر الجمهورية وأتاتورك وقضية الحرية مركزاً لتحركها، وهو ما يدعو إلى ازدياد حركة الشارع والنقمة على سلطة العدالة والتنمية». وأضاف «لقد أظهرت مقاومة حديقة «جيزي» والديناميات التي ولّدتها حدود قوة أردوغان وحزبه. لقد وصل مجد أردوغان إلى ذروته عشية مقاومة «جيزي»، وهي اللحظة نفسها التي بدأ فيها سقوطه». أما الكاتب المعتدل طه آقيول فيتطرق في صحيفة «حرييت» إلى نظرية المؤامرة التي أشاعها أردوغان وحزبه، قائلاً «إنها نظرية المؤامرة. أن يكون الإعلام ولاسيما مواقع التواصل الاجتماعي، محرّضة على دعم انقلاب مدني على سلطة حزب العدالة والتنمية. منطق المؤامرة يمتدّ إلى اتهام قوى خارجية ولوبي الفوائد المالية وجورج سوروس».

المصدر : السفير/ محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة