منذ الصغر والوطن الكبير مغروس في قلوبنا والضمائر وفلسطين راية الحق المرفوعة فوق أحلامنا وأسوار المنازل والدخول إلى مرابع الصحوة الوطنية هو الطريق الآمنة لتسوية المسارات المخلخلة كلّها والشعر متنفس الضمائر والعقول المزهرة على المنابر وأناشيد الوطن نبيذ الحقول المترعة بصوابية الرؤى المدوّنة على حفافي العمر أما مصادر الوجع وحالات القهر ومساوئ الظلم فهي صحائفنا السوداء التي تلقيناها في العصور الاستعمارية الظلامية سابقاً ولاحقاً وما أكثرها حتى اليوم.

ترانا اليوم ننام ونصحو والمدن حزينة والناس مربكة والغيوم في سماء الوطن تشتهي بياض اللون والريح صرصر والعصف المجنون مرميّ كأشلاء حطام على الوقت المستفزّ باستمرار والمواسم من سيء إلى أسوء فالنبت مدجّج بالشوك وسنون العمر تهرول بين المسافات ترفع مناديل الفراق حيث لا مال ولا بنون فالكل في ديار الانتشار والوطن ضعيف لا يقوى على احتضان أبنائه وقدراتهم الخلاقة المبدعة والمسؤول قابع على العرش الصدئ وقلوب الأمهات تشرب العلقم كل يوم لأن جداول الماء في الوطن الجميل ملوّثة وما من رقيب أو حسيب والمال في الجيوب قليل والشراء عملية لا يقوى عليها سوى من فسد في الأرض واعتلى المناصب زوراً وحلّل مال الدولة ملكاً خاصاً له ولعشيرته وأهله الأقربين.

نعرفهم كلّهم نعرف تواريخهم نعرف قيمة مدّخراتهم السابقة والحالية نعرف محتويات جيوبهم من قبل ومن بعد ومع كل هذا هُم الأعلون المستقوون على خيرات الوطن حيث لا يرفض لهم مطلب ولا يخيب بهم ظن ولا يحمد على عمل سواهم اشتروا المناصب بالمال المستورد واقتنصوا حق المواطن في الرتب والمراتب وفاقوا الأربعين حرامي وعلي بابا في السرقة والفساد والإفساد ومع هذا كلّه على الشعب المسكين أن يخضع وأن يقبّل الأيادي وأن يحسن السجود أما صولجان حكمهم ودولتهم العلية فهُم ظل الله على الأرض والدستور كلام منمّق لا معنى له إلا في ضمائر من أعدّوه وكتبوه والوطن يرتدي حطام الكلام فكلامهم في المناسبات يقزّز الأنفس التوّاقة إلى مجد لبنان الغابر حيث القصيدة عنوان الأمة وقهرها وعذابها والشرّ الواقع عليها وحيث الأقلام سيوف في حومة الميدان وحيث الأدباء هم فوارس الساح لأنّ التاريخ واقف في المرصاد في يده ريشة وقرطاس بهما تبسط الأرياح أنفاسها اشتهاءات رؤى على المدارات المتقلّبة والمتغيّرة حيث لا يبقى في النهاية بين الصحائف سوى حملة الفكر النيّر والإبداع المزهر على مرّ العصور وتاريخ لبنان يشهد على عظمة أبنائه من أهل الفكر والقلم والإبداع فأين من هم اليوم على الساحة السياسية؟ وأين من سبقهم ومن سيأتي بعدهم؟ أين جبران وابراهيم اليازجي والبساتنة والمعالفة وشبلي الشميّل ومي زيادة وميخائيل نعيمة ومارون عبّود والرحابنة وتوفيق الباشا وفيروز وسعاد محمد وصباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين ومصطفى فرّوخ وداود قرم وقيصر الجميّل وعمر الأنسي ورشيد وهبي وغيرهم وغيرهم ممّن لا تتّسع له الصفحات؟

لقد تعبنا من حراسة المسارات الملوّنة بالعذاب تعبنا من تخاذل حكّامنا أمام مجريات الأحداث الجسام تعبنا من العمالة المكشوفة الفاضحة تعبنا من هرولة بعض رجال السياسة خلف المشاريع المشبوهة تعبنا من اقتصاد الوطن المنهار بسبب ضعف الخبرة في إدارة شؤون البلاد تعبنا من مشاهد الوطن الذي حوّله الجميع إلى مزرعة طوائف ومذاهب ونعرات فتنوية تعبنا من الرايات الملوّنة المرتفعة في كلّ مكان واشتقنا إلى نشيد «موطني موطني الجلال والجمال في علاك في علاك» يعلو من حناجر أطفالنا وإلى مضمون نشيدنا الوطني: «كلّنا للوطن للعلى للعلم» الذي بات في أذهان البعض من الماضي السحيق حيث لا رقابة على المدارس الخاصة والرسمية التي باتت لا تحسن تعليم التلامذة إنشاده لدى الدخول الصباحي إلى قاعات الصفوف وبالتالي غير قادرة على إنزال العقوبة بحقّ كل من يخالف هذا الفعل الوطني بامتياز.

بالفعل اشتقنا إلى الوحدة الوطنية اشتقت إلى هويتي اللبنانية واشتقت إلى لغتي العربية اشتقت إلى أشكال التضامن الوطني كلّها اشتقت إلى الرموزالوطنية الحكيمة اشتقت إلى شاعر ينزل حاكم عن عرشه بقصيدة بل اشتقنا جميعاً إلى الحارات القديمة التي عرفت المسلم والمسيحي متجاورين في السكن متلازمين في الأفراح والأتراح اشتقنا إلى ملاعب الطفولة حيث الهمّ الأكبر في مشهديات أحلامنا كانت فلسطين المغتصبة وجميلة بوحيرد والجزائر وثورة المليون شهيد وجمال عبد الناصر وأنطون سعاده وميشال عفلق وسلطان باشا الأطرش والروّاد الذين استشهدوا من أجل صون كرامات الوطن وناسه الخلّص الأوفياء.

تُرى بأيّ حق يرتفع صوت الرئيس المصري محمد مرسي مصدراً الأمر بإغلاق السفارة السورية في مصر؟ والسفارة «الإسرائيلية» على باب قوسين أو أدنى من مكان احتفاله الملوّث بالغضب والعمالة للأميركي والصهيوني هل نسي في تلك اللحظات مصر العظيمة أمّ الدنيا والعروبة والناصرية؟ هل نسي تاريخ سعد زغلول وأحمد عرابي؟ هل نسي جيش مصر وفوارسه الشجعان في معارك بور سعيد إبان العدوان الثلاثي اللعين على بلده؟ هل هذا الدور المكتوب له هو من أجل شطب هذا التاريخ العربي المجيد؟ هل كل من يقف مقاوماً لـ«إسرائيل» مغتصِبة الأرض الفلسطينية هو خائن وعميل وتجوز محاسبته؟ هل أرواح الشهداء من شباب المقاومة في لبنان التي بذلت الدم فداء عن فلسطين وعن لبنان وعن سورية تستوجب العقاب؟

نحن في ظلّ أزمة تجاوزت حدود سورية ولبنان ودخلت في عمق التوجّه العربي من حيث رسم أطروحات جديدة معولمة غايتها تمزيق الهوية القومية والعربية والقضاء على سيادة الوطن والاستقلال الناجز بنضال الآباء والأجداد وجعله كياناً مشغولاً بقواطع ترفع شعارات: «الشعب يريد» حيث الأهداف واضحة والرؤى لم تعد ملتبسة والمشهديات التي لوّنت المسارات من تونس حتى مصر وليبيا والعراق وصولاً إلى سورية ومنها إلى لبنان أصبحت مشاريع تقسيم وتفتيت وفتن شريرة لهذا يجب أن ترتفع الخيارات المقاومة لهذه المخططات المرسومة بدقة في دوائر القرار العالمي التي تحاكي بمضامينها الواقع المرحلي والمستقبلي من حيث العمل على إثبات يهودية الدولة «الإسرائيلية» ومن ثم إحاطتها بدول إثنية مشرذمة تسقط هوياتها القومية والوطنية والعربية وتتنافس على نشر الدين الحنيف بأوجهه الظلامية التكفيرية التي ترسم النهايات أشكال إبادات جماعية بِاسم الدين.

إنّ الدين بأشكاله المطروحة هو الشرّ المستطير لهذا نجد الوطن أصبح ملاذاً آمناً لمن يدّعي في الدين معرفة فيلوذ به قاتلاً وسفّاحاً ومنتقماً ومكبّراً وهو على خطأ من أمره وضلالة عقله فلبنان اليوم أصبح مرتعاً للغرباء الضالين ما يستوجب الموقف السياسي الموحّد وعدم التلهّي بالنقاشات الخبيثة التي تدين كلّ من يقاوم «إسرائيل» وأعداء الأمة لأنّ الثورة في النفوس بركان يتهيّأ والأرض خصبة والسلاح موجود بكثرة والخاسر الأكبر من عمل وما زال على رفع مقام الوطن إلى القمم العاليات.. لهذا المطلوب الحذر والانتباه.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-06-17
  • 12397
  • من الأرشيف

هل أصبح الوطن ممالك للغرباء؟

منذ الصغر والوطن الكبير مغروس في قلوبنا والضمائر وفلسطين راية الحق المرفوعة فوق أحلامنا وأسوار المنازل والدخول إلى مرابع الصحوة الوطنية هو الطريق الآمنة لتسوية المسارات المخلخلة كلّها والشعر متنفس الضمائر والعقول المزهرة على المنابر وأناشيد الوطن نبيذ الحقول المترعة بصوابية الرؤى المدوّنة على حفافي العمر أما مصادر الوجع وحالات القهر ومساوئ الظلم فهي صحائفنا السوداء التي تلقيناها في العصور الاستعمارية الظلامية سابقاً ولاحقاً وما أكثرها حتى اليوم. ترانا اليوم ننام ونصحو والمدن حزينة والناس مربكة والغيوم في سماء الوطن تشتهي بياض اللون والريح صرصر والعصف المجنون مرميّ كأشلاء حطام على الوقت المستفزّ باستمرار والمواسم من سيء إلى أسوء فالنبت مدجّج بالشوك وسنون العمر تهرول بين المسافات ترفع مناديل الفراق حيث لا مال ولا بنون فالكل في ديار الانتشار والوطن ضعيف لا يقوى على احتضان أبنائه وقدراتهم الخلاقة المبدعة والمسؤول قابع على العرش الصدئ وقلوب الأمهات تشرب العلقم كل يوم لأن جداول الماء في الوطن الجميل ملوّثة وما من رقيب أو حسيب والمال في الجيوب قليل والشراء عملية لا يقوى عليها سوى من فسد في الأرض واعتلى المناصب زوراً وحلّل مال الدولة ملكاً خاصاً له ولعشيرته وأهله الأقربين. نعرفهم كلّهم نعرف تواريخهم نعرف قيمة مدّخراتهم السابقة والحالية نعرف محتويات جيوبهم من قبل ومن بعد ومع كل هذا هُم الأعلون المستقوون على خيرات الوطن حيث لا يرفض لهم مطلب ولا يخيب بهم ظن ولا يحمد على عمل سواهم اشتروا المناصب بالمال المستورد واقتنصوا حق المواطن في الرتب والمراتب وفاقوا الأربعين حرامي وعلي بابا في السرقة والفساد والإفساد ومع هذا كلّه على الشعب المسكين أن يخضع وأن يقبّل الأيادي وأن يحسن السجود أما صولجان حكمهم ودولتهم العلية فهُم ظل الله على الأرض والدستور كلام منمّق لا معنى له إلا في ضمائر من أعدّوه وكتبوه والوطن يرتدي حطام الكلام فكلامهم في المناسبات يقزّز الأنفس التوّاقة إلى مجد لبنان الغابر حيث القصيدة عنوان الأمة وقهرها وعذابها والشرّ الواقع عليها وحيث الأقلام سيوف في حومة الميدان وحيث الأدباء هم فوارس الساح لأنّ التاريخ واقف في المرصاد في يده ريشة وقرطاس بهما تبسط الأرياح أنفاسها اشتهاءات رؤى على المدارات المتقلّبة والمتغيّرة حيث لا يبقى في النهاية بين الصحائف سوى حملة الفكر النيّر والإبداع المزهر على مرّ العصور وتاريخ لبنان يشهد على عظمة أبنائه من أهل الفكر والقلم والإبداع فأين من هم اليوم على الساحة السياسية؟ وأين من سبقهم ومن سيأتي بعدهم؟ أين جبران وابراهيم اليازجي والبساتنة والمعالفة وشبلي الشميّل ومي زيادة وميخائيل نعيمة ومارون عبّود والرحابنة وتوفيق الباشا وفيروز وسعاد محمد وصباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين ومصطفى فرّوخ وداود قرم وقيصر الجميّل وعمر الأنسي ورشيد وهبي وغيرهم وغيرهم ممّن لا تتّسع له الصفحات؟ لقد تعبنا من حراسة المسارات الملوّنة بالعذاب تعبنا من تخاذل حكّامنا أمام مجريات الأحداث الجسام تعبنا من العمالة المكشوفة الفاضحة تعبنا من هرولة بعض رجال السياسة خلف المشاريع المشبوهة تعبنا من اقتصاد الوطن المنهار بسبب ضعف الخبرة في إدارة شؤون البلاد تعبنا من مشاهد الوطن الذي حوّله الجميع إلى مزرعة طوائف ومذاهب ونعرات فتنوية تعبنا من الرايات الملوّنة المرتفعة في كلّ مكان واشتقنا إلى نشيد «موطني موطني الجلال والجمال في علاك في علاك» يعلو من حناجر أطفالنا وإلى مضمون نشيدنا الوطني: «كلّنا للوطن للعلى للعلم» الذي بات في أذهان البعض من الماضي السحيق حيث لا رقابة على المدارس الخاصة والرسمية التي باتت لا تحسن تعليم التلامذة إنشاده لدى الدخول الصباحي إلى قاعات الصفوف وبالتالي غير قادرة على إنزال العقوبة بحقّ كل من يخالف هذا الفعل الوطني بامتياز. بالفعل اشتقنا إلى الوحدة الوطنية اشتقت إلى هويتي اللبنانية واشتقت إلى لغتي العربية اشتقت إلى أشكال التضامن الوطني كلّها اشتقت إلى الرموزالوطنية الحكيمة اشتقت إلى شاعر ينزل حاكم عن عرشه بقصيدة بل اشتقنا جميعاً إلى الحارات القديمة التي عرفت المسلم والمسيحي متجاورين في السكن متلازمين في الأفراح والأتراح اشتقنا إلى ملاعب الطفولة حيث الهمّ الأكبر في مشهديات أحلامنا كانت فلسطين المغتصبة وجميلة بوحيرد والجزائر وثورة المليون شهيد وجمال عبد الناصر وأنطون سعاده وميشال عفلق وسلطان باشا الأطرش والروّاد الذين استشهدوا من أجل صون كرامات الوطن وناسه الخلّص الأوفياء. تُرى بأيّ حق يرتفع صوت الرئيس المصري محمد مرسي مصدراً الأمر بإغلاق السفارة السورية في مصر؟ والسفارة «الإسرائيلية» على باب قوسين أو أدنى من مكان احتفاله الملوّث بالغضب والعمالة للأميركي والصهيوني هل نسي في تلك اللحظات مصر العظيمة أمّ الدنيا والعروبة والناصرية؟ هل نسي تاريخ سعد زغلول وأحمد عرابي؟ هل نسي جيش مصر وفوارسه الشجعان في معارك بور سعيد إبان العدوان الثلاثي اللعين على بلده؟ هل هذا الدور المكتوب له هو من أجل شطب هذا التاريخ العربي المجيد؟ هل كل من يقف مقاوماً لـ«إسرائيل» مغتصِبة الأرض الفلسطينية هو خائن وعميل وتجوز محاسبته؟ هل أرواح الشهداء من شباب المقاومة في لبنان التي بذلت الدم فداء عن فلسطين وعن لبنان وعن سورية تستوجب العقاب؟ نحن في ظلّ أزمة تجاوزت حدود سورية ولبنان ودخلت في عمق التوجّه العربي من حيث رسم أطروحات جديدة معولمة غايتها تمزيق الهوية القومية والعربية والقضاء على سيادة الوطن والاستقلال الناجز بنضال الآباء والأجداد وجعله كياناً مشغولاً بقواطع ترفع شعارات: «الشعب يريد» حيث الأهداف واضحة والرؤى لم تعد ملتبسة والمشهديات التي لوّنت المسارات من تونس حتى مصر وليبيا والعراق وصولاً إلى سورية ومنها إلى لبنان أصبحت مشاريع تقسيم وتفتيت وفتن شريرة لهذا يجب أن ترتفع الخيارات المقاومة لهذه المخططات المرسومة بدقة في دوائر القرار العالمي التي تحاكي بمضامينها الواقع المرحلي والمستقبلي من حيث العمل على إثبات يهودية الدولة «الإسرائيلية» ومن ثم إحاطتها بدول إثنية مشرذمة تسقط هوياتها القومية والوطنية والعربية وتتنافس على نشر الدين الحنيف بأوجهه الظلامية التكفيرية التي ترسم النهايات أشكال إبادات جماعية بِاسم الدين. إنّ الدين بأشكاله المطروحة هو الشرّ المستطير لهذا نجد الوطن أصبح ملاذاً آمناً لمن يدّعي في الدين معرفة فيلوذ به قاتلاً وسفّاحاً ومنتقماً ومكبّراً وهو على خطأ من أمره وضلالة عقله فلبنان اليوم أصبح مرتعاً للغرباء الضالين ما يستوجب الموقف السياسي الموحّد وعدم التلهّي بالنقاشات الخبيثة التي تدين كلّ من يقاوم «إسرائيل» وأعداء الأمة لأنّ الثورة في النفوس بركان يتهيّأ والأرض خصبة والسلاح موجود بكثرة والخاسر الأكبر من عمل وما زال على رفع مقام الوطن إلى القمم العاليات.. لهذا المطلوب الحذر والانتباه.  

المصدر : د. سلوى الخليل الأمين/ البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة