نجا معظم قادة المجموعات المسلّحة الذين شاركوا في معركة القصير. فرّ هؤلاء إلى الحسية وقارا ويبرود، فيما لاذ الباقون بعرسال. في البلدة اللبنانية، يقضي الناجون وقتهم في سرد تفاصيل «الليلة المشؤومة»، محاولين نقل ما تبقّى من جرحى.

لم تنته معركة القصير بعد. تعيش بلدة عرسال دقائق أيامها الستّة عشر يومياً. ألسنة جرحى المعارضة السورية المسلّحة الذين نُقلوا إليها تلهج بذكر «مآثر المجاهدين وبطولاتهم». يحكون عن «رائحة جثّة أزكى من المسك لشهيد، قُتل أوّل أيّام المعركة، سُحب في اليوم السابع». هواتفهم الخلوية تضجّ بمشاهد للمواجهات التي حصلت. تزخر بصور القتلى والجرحى والغنائم. يتحدثون عن «مئات القتلى الذين سقطوا لحزب الله»، عن الكمائن التي «ألحقت أقسى الخسائر بصفوف المهاجمين»، عن «عمليتين استشهاديتين نفّذهما لبناني وسوري ينتميان إلى النصرة فجّرا نفسيهما برتل عسكري». يحكون عن «الإيرانيين والعراقيين الذين شارك العشرات منهم في القتال ضدنا». يُعزّز أحدهم مزاعمه بعرض مقطع فيديو لجثث يقول إنّها لقتلى عراقيين. يحكي آخر عن جثتين لمقاتلين من حزب الله، يسرد كيف جهدوا في نقلهما وإخفائهما.

يعيش المسلّحون الذين قدموا إلى عرسال حال تأهّب على وقع المعلومات التي يتداولونها عن احتمال دخول الجيش السوري لقتالهم في الأراضي اللبنانية. يتحدّث بعضهم عن إعداد العدّة للثأر واستعادة القصير، مستشهداً بما حصل في بابا عمرو التي تمكّنوا من استعادتها بعدما سقطت في يد النظام. يؤكّد آخر ما يقوله زميله، لكنّه يُعلّق أمله على «الله الذي لن يتركنا». ورغم محاولة بعض هؤلاء شد أزر البعض الآخر، تغلب عليهم الغصّة التي لا تفارق معظمهم. تدمع عينا أحدهم مستذكراً أحد أشقائه الذين قُتلوا في المعركة. يحكون عن خذلان «فصائل الجيش الحر لنا»، مرددين لازمة «المؤامرة الكونية والإسرائيلية ضدّهم». يُدللون على ذلك برفض معظم الدول الغربية حتى اليوم تزويدهم سلاحاً كاسراً للتوازن أو التدخّل لنصرتهم مثلما حصل في ليبيا. يحكي أحدهم عن الجهاد والتضحية في سبيل الأرض والعقيدة، فيما يغوص آخر في الانتقام ثأراً للشقيق والقريب والصديق الذي قُتل في المعركة على أيدي الشيعة.

لا إحصاء دقيقاً لأعداد المسلّحين الهاربين من معارك القصير باتجاه عرسال. يُقدّر أحد الناشطين السوريين عدد الجرحى بتسعين، فيما يرفعه آخر إلى ٣٠٠ جريح. يضيع الحساب في تقدير العدد الفعلي. والأمر نفسه ينسحب على المسلّحين السوريين. تصادف هنا قياديين في المعارضة المسلّحة لمعت أسماؤهم في معارك القصير ومفاوضاتها، لكنّ بعضهم يعاني من إصابات طفيفة. تسأل عن آخرين كالقيادي في كتيبة الفاروق موفق أبو السوس وأبو صقّار الشهير الذي ذاع صيته بعد الفيديو الشهير وهو ينتزع رئة جندي سوري ليأكلها، فيأتيك الجواب أنهما لم يُقتلا لكنّهما مصابان وهما موجودان حالياً في قارا. يردّ آخر بأنهما بخير في منطقة أخرى في الريف الشمالي للقصير. يستعيد أحدهم وقائع ليلة السقوط. تستفسر عن سبب الانهيار المفاجئ وذهاب التحصينات والخنادق والأنفاق التي تمتد على مسافات طويلة. تسأل عن ثمن الصفقة والمفاوضات التي أُشيع عنها، لكن أحدهم ينفي كل ما تردد عن مفاوضات لتسليم القصير، كاشفاً عن «سلاح نوعي استخدمه مقاتلو الحزب قلب الدفة رأساً على عقب». يتحدّث عن عدة صواريخ أرض أرض استخدمها الحزب أحالت بعض المنازل غباراً، لافتاً إلى أنّه «عقب استخدام هذه الصواريخ ترك كثيرون مواقعهم ولاذوا بالفرار من دون علمنا». يُقرّ الرجل بالهزيمة، لكنّه يُلقي باللائمة على السلاح النوعي وخذلان بعض الإخوة.

وبالنسبة إلى الأنفاق، يردّ أحدهم بأنّ هذه الأنفاق أساساً لحزب الله الذي كان يستخدمها لنقل الأسلحة. يتدخّل آخر ليقول إن «الأنفاق بُنيت على أيدي مهندسين فلسطينيين»، لكنّهم وسّعوها واستخدموها في معركتهم، إلّا أن «الحجم الهائل للقذائف التي سقطت والحصار المفروض وتخاذل كثيرين ضيّعت كل الأوراق التي كانت بين أيدينا». ليس هذا فحسب، يتحدث آخرون عن ترك بعضهم الجرحى خلفهم طلباً للنجاة بحياتهم في تلك الليلة. فيتدخّل أحد هؤلاء القياديين مؤكداً أنّ مجموعاته أخرجت معها ما مجموعه ١٠٧٠ جريحاً من مدينة القصير قبل إخلائها. أما اليوم، فمصير الجرحى هو الشغل الشاغل الذي يؤرق ليل هؤلاء. يذكرون أنّ هناك نحو 300 جريح لا يزالون عالقين في بلدة قارا، فضلاً عن آخرين موجودين في يبرود. يقول أحد قادة المجموعات المسلّحة الذي شارك في قتال القصير لـ«الأخبار»: «تعرّضنا لقصف عنيف أثناء محاولتنا نقل عدد من الجرحى من يبرود أوّل من أمس، كاشفاً عن سقوط ستة قتلى في صفوف إحدى مجموعاته في بلدة حسية أثناء محاولتهم نقل جرحى من حسية إلى قارا، علماً بأنّ حسية بلدة صغيرة محاصرة حالياً تقع جغرافياً بالقرب من بلدة الضبعة القريبة من مدينة القصير. كذلك يتحدث عن قصف تعرّضت له إحدى مجموعاته في اليوم الذي تلاه، خلال محاولتها نقل جرحى، أدى إلى مقتل المجموعة، البالغ عددها ١٣ عنصراً، بأكملها. يتطرّق القيادي المذكور إلى ما يتردد عن وساطة للنائب وليد جنبلاط لنقل الجرحى وضمان أمنهم، فيشير إلى أن «الصفقة تقضي بحماية الجرحى إذا ما دخلوا عرسال، في حين تتمثّل الصعوبات لدينا في نقلهم من سورية إلى لبنان». تجدر الإشارة إلى أنّ معظم إصابات الجرحى هي في أقدامهم، إضافة إلى آخرين فقدوا إحدى أعينهم خلال الاشتباكات، فضلاً عن قلّة بينهم إصاباتهم حرجة. ورغم الأرقام التي تداولت عن أعداد القتلى والجرحى، يحكي أحد القياديين عن سقوط نحو ١٨٠٠ قتيل لهم خلال المعارك، كاشفاً عن وجود عشرات المفقودين الذين لم يُعثر لهم على أثر. يتحدّث أحدهم عن «مجزرة موثّقة بالفيديو ارتكبها الجيش السوري بمجموعة من الجرحى اعتقلهم من مستشفى ميداني».

  • فريق ماسة
  • 2013-06-10
  • 10359
  • من الأرشيف

ناجون من القصير: الحق على «السلاح النوعــي»

نجا معظم قادة المجموعات المسلّحة الذين شاركوا في معركة القصير. فرّ هؤلاء إلى الحسية وقارا ويبرود، فيما لاذ الباقون بعرسال. في البلدة اللبنانية، يقضي الناجون وقتهم في سرد تفاصيل «الليلة المشؤومة»، محاولين نقل ما تبقّى من جرحى. لم تنته معركة القصير بعد. تعيش بلدة عرسال دقائق أيامها الستّة عشر يومياً. ألسنة جرحى المعارضة السورية المسلّحة الذين نُقلوا إليها تلهج بذكر «مآثر المجاهدين وبطولاتهم». يحكون عن «رائحة جثّة أزكى من المسك لشهيد، قُتل أوّل أيّام المعركة، سُحب في اليوم السابع». هواتفهم الخلوية تضجّ بمشاهد للمواجهات التي حصلت. تزخر بصور القتلى والجرحى والغنائم. يتحدثون عن «مئات القتلى الذين سقطوا لحزب الله»، عن الكمائن التي «ألحقت أقسى الخسائر بصفوف المهاجمين»، عن «عمليتين استشهاديتين نفّذهما لبناني وسوري ينتميان إلى النصرة فجّرا نفسيهما برتل عسكري». يحكون عن «الإيرانيين والعراقيين الذين شارك العشرات منهم في القتال ضدنا». يُعزّز أحدهم مزاعمه بعرض مقطع فيديو لجثث يقول إنّها لقتلى عراقيين. يحكي آخر عن جثتين لمقاتلين من حزب الله، يسرد كيف جهدوا في نقلهما وإخفائهما. يعيش المسلّحون الذين قدموا إلى عرسال حال تأهّب على وقع المعلومات التي يتداولونها عن احتمال دخول الجيش السوري لقتالهم في الأراضي اللبنانية. يتحدّث بعضهم عن إعداد العدّة للثأر واستعادة القصير، مستشهداً بما حصل في بابا عمرو التي تمكّنوا من استعادتها بعدما سقطت في يد النظام. يؤكّد آخر ما يقوله زميله، لكنّه يُعلّق أمله على «الله الذي لن يتركنا». ورغم محاولة بعض هؤلاء شد أزر البعض الآخر، تغلب عليهم الغصّة التي لا تفارق معظمهم. تدمع عينا أحدهم مستذكراً أحد أشقائه الذين قُتلوا في المعركة. يحكون عن خذلان «فصائل الجيش الحر لنا»، مرددين لازمة «المؤامرة الكونية والإسرائيلية ضدّهم». يُدللون على ذلك برفض معظم الدول الغربية حتى اليوم تزويدهم سلاحاً كاسراً للتوازن أو التدخّل لنصرتهم مثلما حصل في ليبيا. يحكي أحدهم عن الجهاد والتضحية في سبيل الأرض والعقيدة، فيما يغوص آخر في الانتقام ثأراً للشقيق والقريب والصديق الذي قُتل في المعركة على أيدي الشيعة. لا إحصاء دقيقاً لأعداد المسلّحين الهاربين من معارك القصير باتجاه عرسال. يُقدّر أحد الناشطين السوريين عدد الجرحى بتسعين، فيما يرفعه آخر إلى ٣٠٠ جريح. يضيع الحساب في تقدير العدد الفعلي. والأمر نفسه ينسحب على المسلّحين السوريين. تصادف هنا قياديين في المعارضة المسلّحة لمعت أسماؤهم في معارك القصير ومفاوضاتها، لكنّ بعضهم يعاني من إصابات طفيفة. تسأل عن آخرين كالقيادي في كتيبة الفاروق موفق أبو السوس وأبو صقّار الشهير الذي ذاع صيته بعد الفيديو الشهير وهو ينتزع رئة جندي سوري ليأكلها، فيأتيك الجواب أنهما لم يُقتلا لكنّهما مصابان وهما موجودان حالياً في قارا. يردّ آخر بأنهما بخير في منطقة أخرى في الريف الشمالي للقصير. يستعيد أحدهم وقائع ليلة السقوط. تستفسر عن سبب الانهيار المفاجئ وذهاب التحصينات والخنادق والأنفاق التي تمتد على مسافات طويلة. تسأل عن ثمن الصفقة والمفاوضات التي أُشيع عنها، لكن أحدهم ينفي كل ما تردد عن مفاوضات لتسليم القصير، كاشفاً عن «سلاح نوعي استخدمه مقاتلو الحزب قلب الدفة رأساً على عقب». يتحدّث عن عدة صواريخ أرض أرض استخدمها الحزب أحالت بعض المنازل غباراً، لافتاً إلى أنّه «عقب استخدام هذه الصواريخ ترك كثيرون مواقعهم ولاذوا بالفرار من دون علمنا». يُقرّ الرجل بالهزيمة، لكنّه يُلقي باللائمة على السلاح النوعي وخذلان بعض الإخوة. وبالنسبة إلى الأنفاق، يردّ أحدهم بأنّ هذه الأنفاق أساساً لحزب الله الذي كان يستخدمها لنقل الأسلحة. يتدخّل آخر ليقول إن «الأنفاق بُنيت على أيدي مهندسين فلسطينيين»، لكنّهم وسّعوها واستخدموها في معركتهم، إلّا أن «الحجم الهائل للقذائف التي سقطت والحصار المفروض وتخاذل كثيرين ضيّعت كل الأوراق التي كانت بين أيدينا». ليس هذا فحسب، يتحدث آخرون عن ترك بعضهم الجرحى خلفهم طلباً للنجاة بحياتهم في تلك الليلة. فيتدخّل أحد هؤلاء القياديين مؤكداً أنّ مجموعاته أخرجت معها ما مجموعه ١٠٧٠ جريحاً من مدينة القصير قبل إخلائها. أما اليوم، فمصير الجرحى هو الشغل الشاغل الذي يؤرق ليل هؤلاء. يذكرون أنّ هناك نحو 300 جريح لا يزالون عالقين في بلدة قارا، فضلاً عن آخرين موجودين في يبرود. يقول أحد قادة المجموعات المسلّحة الذي شارك في قتال القصير لـ«الأخبار»: «تعرّضنا لقصف عنيف أثناء محاولتنا نقل عدد من الجرحى من يبرود أوّل من أمس، كاشفاً عن سقوط ستة قتلى في صفوف إحدى مجموعاته في بلدة حسية أثناء محاولتهم نقل جرحى من حسية إلى قارا، علماً بأنّ حسية بلدة صغيرة محاصرة حالياً تقع جغرافياً بالقرب من بلدة الضبعة القريبة من مدينة القصير. كذلك يتحدث عن قصف تعرّضت له إحدى مجموعاته في اليوم الذي تلاه، خلال محاولتها نقل جرحى، أدى إلى مقتل المجموعة، البالغ عددها ١٣ عنصراً، بأكملها. يتطرّق القيادي المذكور إلى ما يتردد عن وساطة للنائب وليد جنبلاط لنقل الجرحى وضمان أمنهم، فيشير إلى أن «الصفقة تقضي بحماية الجرحى إذا ما دخلوا عرسال، في حين تتمثّل الصعوبات لدينا في نقلهم من سورية إلى لبنان». تجدر الإشارة إلى أنّ معظم إصابات الجرحى هي في أقدامهم، إضافة إلى آخرين فقدوا إحدى أعينهم خلال الاشتباكات، فضلاً عن قلّة بينهم إصاباتهم حرجة. ورغم الأرقام التي تداولت عن أعداد القتلى والجرحى، يحكي أحد القياديين عن سقوط نحو ١٨٠٠ قتيل لهم خلال المعارك، كاشفاً عن وجود عشرات المفقودين الذين لم يُعثر لهم على أثر. يتحدّث أحدهم عن «مجزرة موثّقة بالفيديو ارتكبها الجيش السوري بمجموعة من الجرحى اعتقلهم من مستشفى ميداني».

المصدر : الأخبار/رضوان مرتضى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة