سعى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أمس، لتحويل مسار الحراك الشعبي في ميدان تقسيم باتجاه صراع بين شارع معارضٍ وآخر موالٍ، متوعداً بأن «صبرنا قد نفد»، ومجدداً وصفه للمحتجين بـ«الرعاع»، مغلقاً أي باب للحوار مع المتظاهرين في ميدان تقسيم، الذي فاض خلال اليومين الماضيين عن قدرته على استيعاب الحشود مع دخول عناصر جديدة على خط الحراك، أبرزها جماهير مشجعي فرق كرة القدم، فيما شهدت شوارع أنقرة تدخلاً عنيفاً من قبل الشرطة لفض آلاف المتظاهرين ضد سياسات «حزب العدالة والتنمية».

وأصدرت قيادة «انتفاضة تقسيم»، أمس الأول، بيانها الثاني، وقد جددت فيه المطالب التي رفعتها الى نائب رئيس الحكومة بولنت ارينتش، لكنها أشارت الى ان الحكومة لم تجب على المطالب، ولم يتغير شيء، بل إن قوات الأمن واصلت التعامل بعنف مع المتظاهرين، ولا سيما في أنقرة، التي شهدت شوارعها ليل امس مواجهات عنيفة بين عناصر الشرطة وآلاف المحتجين.

وأصر البيان على القول إن «الانتفاضة مستمرة» حتى تحقيق المطالب، وحثّ كل الأتراك على التقاطر الى الميدان. ويبدو من خلال المواقف المتبادلة أن المرحلة ليست مرحلة البحث عن حلول، بل إظهار كل طرف - ولا سيما اردوغان - انه قوي بما فيه الكفاية.

ويتأكد ذلك أولا من خلال تأكيد وزير النقل بينالي يلديريم ان الحكومة لن تتراجع عن إطلاق اسم السلطان سليم على الجسر الثالث في البوسفور، وثانياً من خلال قرار «حزب العدالة والتنمية» الذي اجتمعت لجنته المركزية في انقرة برئاسة اردوغان، بإقامة مهرجانين حاشدين في 15 حزيران في أحد ميادين انقرة وفي 16 حزيران في ميدان قازلي تشيشمه الكبير في اسطنبول.

ويهدف اردوغان من وراء التهديد بالشارع الى تقديم نزعة الاستقطاب التي تمنح اردوغان المزيد من أصوات المتشددين من الإسلاميين، وليظهر أنهم مهددون من جانب العلمانيين والعلويين واليساريين.

ويبدو أن محاولة اردوغان هذه تستهدف حرف الصراع عن جوهره المتمثل في تخلي اردوغان عن سياسة التسلط والاستئثار والإلغاء للقوى المعارضة له.

ولا يبدو اردوغان متحمساً لانتخابات نيابية مبكرة، حيث تتوقع معظم الأوساط ان تتراجع شعبية اردوغان، وإن كان سيفوز بها نظراً للفارق الكبير الذي يحظى به من جهة، وبسبب انقسام احزاب المعارضة بصورة تتيح لـ«حزب العدالة والتنمية» الاستمرار في حكم تركيا منفرداً.

ويبدو أن أردوغان قد قرر المضي في طريق اللاعودة مع «انتفاضة تقسيم»، إذ قال، امس، أمام الآلاف من انصاره لدى وصوله الى مطار انقرة «نحن لا نزال نتحلى بالصبر، اننا نصبر دائماً إلا أن لصبرنا حدوداً». وأضاف «لن نحاسب امام مجموعات هامشية بل امام الأمة... الأمة قادتنا الى الحكم وهي وحدها من ستخرجنا منه». واعتبر أن «على تركيا ان ترى الصورة الحقيقية لأنقرة، ليس صورة من يزرعون الفوضى» مجدداً وصف المتظاهرين بأنهم «رعاع». وتابع «اذا كان هذا التوصيف يزعجهم فليتأكدوا من القاموس ماذا تعني كلمة رعاع».

وجدد أردوغان تذكير خصومه بموعد الانتخابات البلدية في آذار العام 2014 قائلا «اصبروا سبعة أشهر إضافية بدل احتلال (حديقة) جيزي (في اسطنبول) او (حديقة) كوغولو (في انقرة). تتحدثون عن الديموقراطية والحريات والحقوق، لكنكم لن تحصلوا عليها بالعنف بل بالقانون».

وبدت تصريحات أردوغان وقرارات «حزب العدالة والتنمية» مناقضة للمرونة النسبية التي أبداها رئيس بلدية اسطنبول كادير توباس، أمس الأول، حين أعرب عن استعداده للتخلي عن بعض اجزاء مشروع تعديل ميدان تقسيم، قائلاً «لا نفكر إطلاقاً في بناء مركز تجاري هناك ولا فندق او مساكن»، ومشيراً الى احتمال تشييد «متحف بلدي» او حتى «مركز عروض». لكنه استدرك قائلاً إن «مشروع إعادة بناء الثكنة يندرج في اطار وعودنا الانتخابية، لقد أعطانا الشعب الإذن للقيام بذلك». وتابع «هناك بالتأكيد عيوب لكن يمكن تسوية كل هذه الأمور بالحوار».

في المقابل، أبدى المحتجون تصميماً أكبر على المضي قدماً في حراكهم، إذ نزل عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى ميدان تقسيم.

والبارز في مسار «انتفاضة تقسيم» أنها لم تتراخ، بل باتت تحظى مع كل يوم يمر بتأييد فئات جديدة اكثرها لفتاً للانتباه تقاطر عشرات الآلاف من مناصري فرق المقدمة في كرة القدم مثل «فنار باهتشه» و«غلطه سراي» و«بشيكتاش» و«طرابزون» الى ساحة تقسيم حاملين أعلام فرقهم ومتخطين عصبياتهم.

وتكتسب تظاهرة مشجعي كرة قدم أهمية رمزية حيث أن اردوغان لاعب كرة قدم سابق، ويهتم بمباريات الكرة، ولكنه ايضا يتدخل كما في قضايا الحريات في شؤون اللعبة الكروية لمصلحة فئات ضد أخرى. وقد دفعته الرغبة في كسب جماهير الكرة إلى أن يرشح للنيابة اشهر لاعب كرة تركي هو حاقان شكر الذي نجح في اسطنبول، وهو نائب في البرلمان الحالي عن «حزب العدالة والتنمية».

ولكن كما ظهر فإن ذلك لم يمنع جماهير الكرة ان تعلن رفضها لسياسات التدخل الأردوغانية.

وخرج اورخان باموق، حائز جائزة نوبل للآداب، بمواقف حادة ضد سياسة اردوغان.

وقال باموق إنه قلق على تركيا، حيث لا توجد أي إشارة الى أن حلاً سلمياً سيحصل للأزمة.

وقال إنه تحدث في تركيا أشياء مهمة وتركيا تمر بنوع من مرحلة تغيير، مضيفاً «بالتأكيد لكل واحد عاش في اسطنبول ذكرى في ذلك الميدان (تقسيم). أنا أفهم هؤلاء الناس وأحتضنهم. أعتقد ان الحكومة بمسارعتها الى قطع الأشجار وإقامة مركز تجاري في ذلك المكان الحساس ارتكبت خطأ كبيراً. كذلك هناك نقطة مهمة جداً وهي ان ميدان تقسيم له ماض سياسي مهم جداً. لقد رأيت كيف مرت جماهير الجميع من هذا الميدان مثل المحافظين والقوميين والاشتراكيين والديموقراطيين الاجتماعيين والعسكر ايضاً. آمل في ان يحل هذا الأمر سلماً».

وتابع باموق «إننا نريد جميعاً إنقاذ الميدان. وأي قرار بشأن الميدان يجب ان يشارك باتخاذه الجميع. وأنا أحترم غضب المحتشدين والعالم كله يفهمهم».

وإذ تحصر الصحف الموالية لأردوغان اسباب الانتفاضة بالعوامل الخارجية التي تريد ان تسقط تركيا وتكبح تطورها، فإن الكم الأكبر من الكتاب وقف الى جانب الحراك الشعبي لانتفاضة تقسيم، خصوصاً انها لم تتسم بصيغة حزبية. وقد رأى البروفيسور المعروف في العلوم السياسية اوميت اوزداغ ان أهم ما في الانتفاضة انها ردة فعل على محاولة اردوغان نقل تركيا من دولة علمانية ووطنية وموحدة الى دولة إتنية ومذهبية.

وكتب جان دوندار في «ميللييت» قائلاً «لقد كبر جيلنا مع اسطورة ربيع براغ 1968 واليوم في آخر عمرنا أهدونا ربيع تقسيم 2013، فحلال عليهم هؤلاء الحرامية»، في إشارة الى وصف اردوغان للمتظاهرين بالحرامية والمخربين، وحيث تحولت كلمة حرامية الى لازمة للعناوين التي تطلق على الدكاكين والمكتبات والمطاعم وما الى ذلك.
  • فريق ماسة
  • 2013-06-09
  • 9915
  • من الأرشيف

أردوغان و«تقسيم»: الشارع في مواجهة الشارع!

سعى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أمس، لتحويل مسار الحراك الشعبي في ميدان تقسيم باتجاه صراع بين شارع معارضٍ وآخر موالٍ، متوعداً بأن «صبرنا قد نفد»، ومجدداً وصفه للمحتجين بـ«الرعاع»، مغلقاً أي باب للحوار مع المتظاهرين في ميدان تقسيم، الذي فاض خلال اليومين الماضيين عن قدرته على استيعاب الحشود مع دخول عناصر جديدة على خط الحراك، أبرزها جماهير مشجعي فرق كرة القدم، فيما شهدت شوارع أنقرة تدخلاً عنيفاً من قبل الشرطة لفض آلاف المتظاهرين ضد سياسات «حزب العدالة والتنمية». وأصدرت قيادة «انتفاضة تقسيم»، أمس الأول، بيانها الثاني، وقد جددت فيه المطالب التي رفعتها الى نائب رئيس الحكومة بولنت ارينتش، لكنها أشارت الى ان الحكومة لم تجب على المطالب، ولم يتغير شيء، بل إن قوات الأمن واصلت التعامل بعنف مع المتظاهرين، ولا سيما في أنقرة، التي شهدت شوارعها ليل امس مواجهات عنيفة بين عناصر الشرطة وآلاف المحتجين. وأصر البيان على القول إن «الانتفاضة مستمرة» حتى تحقيق المطالب، وحثّ كل الأتراك على التقاطر الى الميدان. ويبدو من خلال المواقف المتبادلة أن المرحلة ليست مرحلة البحث عن حلول، بل إظهار كل طرف - ولا سيما اردوغان - انه قوي بما فيه الكفاية. ويتأكد ذلك أولا من خلال تأكيد وزير النقل بينالي يلديريم ان الحكومة لن تتراجع عن إطلاق اسم السلطان سليم على الجسر الثالث في البوسفور، وثانياً من خلال قرار «حزب العدالة والتنمية» الذي اجتمعت لجنته المركزية في انقرة برئاسة اردوغان، بإقامة مهرجانين حاشدين في 15 حزيران في أحد ميادين انقرة وفي 16 حزيران في ميدان قازلي تشيشمه الكبير في اسطنبول. ويهدف اردوغان من وراء التهديد بالشارع الى تقديم نزعة الاستقطاب التي تمنح اردوغان المزيد من أصوات المتشددين من الإسلاميين، وليظهر أنهم مهددون من جانب العلمانيين والعلويين واليساريين. ويبدو أن محاولة اردوغان هذه تستهدف حرف الصراع عن جوهره المتمثل في تخلي اردوغان عن سياسة التسلط والاستئثار والإلغاء للقوى المعارضة له. ولا يبدو اردوغان متحمساً لانتخابات نيابية مبكرة، حيث تتوقع معظم الأوساط ان تتراجع شعبية اردوغان، وإن كان سيفوز بها نظراً للفارق الكبير الذي يحظى به من جهة، وبسبب انقسام احزاب المعارضة بصورة تتيح لـ«حزب العدالة والتنمية» الاستمرار في حكم تركيا منفرداً. ويبدو أن أردوغان قد قرر المضي في طريق اللاعودة مع «انتفاضة تقسيم»، إذ قال، امس، أمام الآلاف من انصاره لدى وصوله الى مطار انقرة «نحن لا نزال نتحلى بالصبر، اننا نصبر دائماً إلا أن لصبرنا حدوداً». وأضاف «لن نحاسب امام مجموعات هامشية بل امام الأمة... الأمة قادتنا الى الحكم وهي وحدها من ستخرجنا منه». واعتبر أن «على تركيا ان ترى الصورة الحقيقية لأنقرة، ليس صورة من يزرعون الفوضى» مجدداً وصف المتظاهرين بأنهم «رعاع». وتابع «اذا كان هذا التوصيف يزعجهم فليتأكدوا من القاموس ماذا تعني كلمة رعاع». وجدد أردوغان تذكير خصومه بموعد الانتخابات البلدية في آذار العام 2014 قائلا «اصبروا سبعة أشهر إضافية بدل احتلال (حديقة) جيزي (في اسطنبول) او (حديقة) كوغولو (في انقرة). تتحدثون عن الديموقراطية والحريات والحقوق، لكنكم لن تحصلوا عليها بالعنف بل بالقانون». وبدت تصريحات أردوغان وقرارات «حزب العدالة والتنمية» مناقضة للمرونة النسبية التي أبداها رئيس بلدية اسطنبول كادير توباس، أمس الأول، حين أعرب عن استعداده للتخلي عن بعض اجزاء مشروع تعديل ميدان تقسيم، قائلاً «لا نفكر إطلاقاً في بناء مركز تجاري هناك ولا فندق او مساكن»، ومشيراً الى احتمال تشييد «متحف بلدي» او حتى «مركز عروض». لكنه استدرك قائلاً إن «مشروع إعادة بناء الثكنة يندرج في اطار وعودنا الانتخابية، لقد أعطانا الشعب الإذن للقيام بذلك». وتابع «هناك بالتأكيد عيوب لكن يمكن تسوية كل هذه الأمور بالحوار». في المقابل، أبدى المحتجون تصميماً أكبر على المضي قدماً في حراكهم، إذ نزل عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى ميدان تقسيم. والبارز في مسار «انتفاضة تقسيم» أنها لم تتراخ، بل باتت تحظى مع كل يوم يمر بتأييد فئات جديدة اكثرها لفتاً للانتباه تقاطر عشرات الآلاف من مناصري فرق المقدمة في كرة القدم مثل «فنار باهتشه» و«غلطه سراي» و«بشيكتاش» و«طرابزون» الى ساحة تقسيم حاملين أعلام فرقهم ومتخطين عصبياتهم. وتكتسب تظاهرة مشجعي كرة قدم أهمية رمزية حيث أن اردوغان لاعب كرة قدم سابق، ويهتم بمباريات الكرة، ولكنه ايضا يتدخل كما في قضايا الحريات في شؤون اللعبة الكروية لمصلحة فئات ضد أخرى. وقد دفعته الرغبة في كسب جماهير الكرة إلى أن يرشح للنيابة اشهر لاعب كرة تركي هو حاقان شكر الذي نجح في اسطنبول، وهو نائب في البرلمان الحالي عن «حزب العدالة والتنمية». ولكن كما ظهر فإن ذلك لم يمنع جماهير الكرة ان تعلن رفضها لسياسات التدخل الأردوغانية. وخرج اورخان باموق، حائز جائزة نوبل للآداب، بمواقف حادة ضد سياسة اردوغان. وقال باموق إنه قلق على تركيا، حيث لا توجد أي إشارة الى أن حلاً سلمياً سيحصل للأزمة. وقال إنه تحدث في تركيا أشياء مهمة وتركيا تمر بنوع من مرحلة تغيير، مضيفاً «بالتأكيد لكل واحد عاش في اسطنبول ذكرى في ذلك الميدان (تقسيم). أنا أفهم هؤلاء الناس وأحتضنهم. أعتقد ان الحكومة بمسارعتها الى قطع الأشجار وإقامة مركز تجاري في ذلك المكان الحساس ارتكبت خطأ كبيراً. كذلك هناك نقطة مهمة جداً وهي ان ميدان تقسيم له ماض سياسي مهم جداً. لقد رأيت كيف مرت جماهير الجميع من هذا الميدان مثل المحافظين والقوميين والاشتراكيين والديموقراطيين الاجتماعيين والعسكر ايضاً. آمل في ان يحل هذا الأمر سلماً». وتابع باموق «إننا نريد جميعاً إنقاذ الميدان. وأي قرار بشأن الميدان يجب ان يشارك باتخاذه الجميع. وأنا أحترم غضب المحتشدين والعالم كله يفهمهم». وإذ تحصر الصحف الموالية لأردوغان اسباب الانتفاضة بالعوامل الخارجية التي تريد ان تسقط تركيا وتكبح تطورها، فإن الكم الأكبر من الكتاب وقف الى جانب الحراك الشعبي لانتفاضة تقسيم، خصوصاً انها لم تتسم بصيغة حزبية. وقد رأى البروفيسور المعروف في العلوم السياسية اوميت اوزداغ ان أهم ما في الانتفاضة انها ردة فعل على محاولة اردوغان نقل تركيا من دولة علمانية ووطنية وموحدة الى دولة إتنية ومذهبية. وكتب جان دوندار في «ميللييت» قائلاً «لقد كبر جيلنا مع اسطورة ربيع براغ 1968 واليوم في آخر عمرنا أهدونا ربيع تقسيم 2013، فحلال عليهم هؤلاء الحرامية»، في إشارة الى وصف اردوغان للمتظاهرين بالحرامية والمخربين، وحيث تحولت كلمة حرامية الى لازمة للعناوين التي تطلق على الدكاكين والمكتبات والمطاعم وما الى ذلك.

المصدر : السفير/ محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة