أطلقت قيادة انتفاضة «ميدان تقسيم» في اسطنبول، أمس، مرحلة جديدة من حراكها، عبر الـ«مانيفستو» الذي قدمته الى نائب رئيس الحكومة بولنت ارينتش خلال لقائها معه.

ويُعدّ هذا أول اجتماع تعقده قيادة «انتفاضة تقسيم» مع مسؤول رسمي على هذا المستوى، منذ بدء الحراك الشعبي ضد حكومة رجب طيب أردوغان، الذي يعود اليوم الى تركيا، بعد جولة قادته إلى المغرب والجزائر وتونس.

وتبدو المواجهة بين «ميدان تقسيم» وحكومة أردوغان قد اتخذت منحى متقدماً بعد هذا «المانيفستو»، الذي تضمّن مطالب تمس مباشرة المشروع العام لـ«حزب العدالة والتنمية» سواء في الداخل أو في الخارج.

ويكمن الاختبار الحقيقي لهذه المواجهة في المواقف التي سيصدرها أردوغان من «انتفاضة تقسيم» بعد عودته إلى البلاد، علماً بأنّ اللهجة التصالحية التي تحدّث بها نائبه بولنت ارينتش أمس الأول، لم تثن المحتجين عن مواصلة التعبئة الجماهيرية لحراكهم المستمرّ الذي ينهي اليوم أسبوعه الأول.

وبناء على دعوة أطلقتها نقابتان بارزتان في البلاد، انضم عشرات آلاف الاشخاص الى المتظاهرين المطالبين منذ ستة ايام باستقالة رئيس الوزراء التركي.

وفي اليوم السادس من التظاهرات، نظم اتحاد نقابات القطاع العام واتحاد نقابات العمال مسيرات احتجاج ظهراً واضرابات في كبرى مدن البلاد.

وفي اسطنبول، اندمج موكبا النقابتين بعد الظهر في ساحة تقسيم. وردد المشاركون «قاومي يا ساحة تقسيم، العمال وصلوا».

وجرت المشاهد نفسها في العاصمة انقرة، حيث تظاهر أكثر من 10 آلاف شخص مردّدين «افتحوا الطرق، وصل الثوار».

وعلى غرار الأيام السابقة، اندلعت مواجهات جديدة في انقرة مساء أمس، وفرقت قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع وخراطيم الماء آلاف المتظاهرين.

وفي ازمير أوقفت الشرطة ما لا يقلّ عن 25 شخصاً بتهمة بث تغريدات على موقع «تويتر» تتضمّن «معلومات مضللة وكاذبة».

في هذا الوقت، أجرى وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو اتصالاً هاتفياً مع نظيره الأميركي جون كيري لإبلاغه استياء انقرة من سلسلة التعليقات التي ادلت بها واشنطن حول التظاهرات في تركيا. ذكرت مصادر تركية أن داود أوغلو أبلغ كيري بأن «تركيا ليست ديموقراطية من الدرجة الثانية»، آخذاً على الولايات المتحدة وصفها التظاهرات المناهضة للحكومة التي تعصف بتركيا منذ ستة ايام بأنها «وضع استثنائي»، ومعتبراً أن تظاهرات احتجاج مماثلة حصلت في بلدان اخرى مثل «حركة احتلوا وول ستريت» في الولايات المتحدة في العام 2011.

وكان لافتاً بالأمس ارتفاع السقف السياسي لـ«انتفاضة تقسيم» وهي تقترب من أسبوعها الثاني، فالمطالب التي تقدّمت قيادة الانتفاضة إلى أرينتش، بالأمس، تضمنت شقين: الأول يتعلق بالمستجدات المباشرة التي أشعلت شرارة الانتفاضة، والثاني يتعلق بالقضايا الأساسية التي ترفعها الشرائح المعارضة لسياسة «حزب العدالة والتنمية».

وفي الشق المباشر أصرّت قيادة «الانتفاضة» على تراجع الحكومة عن مشروع تغيير معالم ميدان تقسيم في قلب اسطنبول، وإلغاء إقامة مركز تجاري وثكنة على النمط المعماري العثماني وجامع، والتراجع عن قرار هدم «مركز اتاتورك الثقافي» الذي ينتصب شمال ميدان تقسيم، ويرمز الى الطابع العلماني لتركيا. وشددت قيادة «الانتفاضة» على ضرورة أن تتراجع الحكومة عن هذه المشاريع عبر بيان رسمي يصدر عنها.

كذلك طالبت قيادة «الانتفاضة» بإقالة المحافظين ومدراء الأمن في اسطنبول وانقرة وهاتاي (الاسكندرون) وكل من كان شريكاً في قمع المتظاهرين بالقوة، مشددة على ضرورة إطلاق سراح جميع الذين اعتقلوا خلال حركة الاحتجاج الأخيرة، وعدم فتح أي تحقيق قضائي بحق اي مشارك.

كما طالبت بإزالة كل العقبات امام الاجتماعات والتظاهرات والتحركات وحريات التعبير، والنظر في مطالب الناس وعدم تجاهلها، وفهم روح المطالب التي ترتفع في كل الشوارع والساحات.

كذلك، دعت قيادة «الانتفاضة» إلى انهاء التدخل في نمط حياة الناس ومعتقداتهم.

واحتوت مطالب «الانتفاضة» مطالب أخرى، من بينها وقف المشاريع المغيّرة للبيئة، مثل الجسر الثالث على مضيق البوسفور، والمطار الثالث، وشق قناة اسطنبول المائية.

وارتفع سقف المطالب عندما دعت «الانتفاضة» حكومة «حزب العدالة والتنمية» الى الانسحاب من مشاريع الحروب الإقليمية والتي تتصل بتركيا، في ما بدا إشارة واضحة الى التدخل التركي في الشأن السوري.

وطالبت قيادة «الانتفاضة» أيضاً باحترام الحساسيات العلوية، ووقف السياسات الذكورية المحافظة المعادية للمرأة، ووقف كل الضغوط التي يتعرض لها الفنانون والصحافيون والجامعيون والقضاة وكل أشكال التمييز على اساس الجنس، وازالة كل العقبات أمام حق كل مواطن في الوصول الى حقه في الطبابة والتعليم.

وتتسم المطالب التي رفعتها قيادة «الانتفاضة» بأهمية كبيرة، فهي انطلقت من حادثة تغيير معالم ميدان تقسيم لتطال الاعتراضات الأساسية لكل الفئات المعارضة لسياسات «حزب العدالة والتنمية».

وكان معبّراً للغاية شمول المطالب انسحاب تركيا من الحروب الإقليمية، في إشارة مباشرة إلى أن «الانتفاضة» ليست موضعية أو ذات بعد بيئي فقط، وإنما تعكس كل الاحتقان التي يعتمل في قلوب فئات واسعة تزيد على نصف المجتمع التركي (بحسب الأرقام الانتخابية على الأقل) وتشمل أيضاً شرائح أيّدت «حزب العدالة والتنمية» بسبب وعوده في الإصلاح، ومن أجل تحسين ظروفها المعيشية، وليس لتوريط تركيا في نزاعات إقليمية.

في العموم، فإن أردوغان سبق أن أكد أنه لن يتراجع عن مشروع ساحة تقسيم، حتى أنه وصف المحتجين بـ«اللصوص». وبذلك، يبدو من الصعب أن تلبي الحكومة هذه المطالب حتى في شقها المتعلق فقط بمعالم ساحة تقسيم، فكيف بتلك المتعلقة بالسياسة الخارجية؟

وفي ظلّ هذه المناخات، وفي ضوء مطالب المحتجين وفي كل المدن التركية، يتوقع البعض أن مرحلة جديدة وطويلة وصعبة تنتظر المشهد الداخلي على أكثر من صعيد ومستوى، ومفتوحة على كل الاحتمالات، برغم محاولات الالتفاف التي يقوم بها نائب رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.

  • فريق ماسة
  • 2013-06-06
  • 10716
  • من الأرشيف

«ميدان تقسيم» يحدّد مطالبه: طيّ مشروع «العدالة والتنمية»

أطلقت قيادة انتفاضة «ميدان تقسيم» في اسطنبول، أمس، مرحلة جديدة من حراكها، عبر الـ«مانيفستو» الذي قدمته الى نائب رئيس الحكومة بولنت ارينتش خلال لقائها معه. ويُعدّ هذا أول اجتماع تعقده قيادة «انتفاضة تقسيم» مع مسؤول رسمي على هذا المستوى، منذ بدء الحراك الشعبي ضد حكومة رجب طيب أردوغان، الذي يعود اليوم الى تركيا، بعد جولة قادته إلى المغرب والجزائر وتونس. وتبدو المواجهة بين «ميدان تقسيم» وحكومة أردوغان قد اتخذت منحى متقدماً بعد هذا «المانيفستو»، الذي تضمّن مطالب تمس مباشرة المشروع العام لـ«حزب العدالة والتنمية» سواء في الداخل أو في الخارج. ويكمن الاختبار الحقيقي لهذه المواجهة في المواقف التي سيصدرها أردوغان من «انتفاضة تقسيم» بعد عودته إلى البلاد، علماً بأنّ اللهجة التصالحية التي تحدّث بها نائبه بولنت ارينتش أمس الأول، لم تثن المحتجين عن مواصلة التعبئة الجماهيرية لحراكهم المستمرّ الذي ينهي اليوم أسبوعه الأول. وبناء على دعوة أطلقتها نقابتان بارزتان في البلاد، انضم عشرات آلاف الاشخاص الى المتظاهرين المطالبين منذ ستة ايام باستقالة رئيس الوزراء التركي. وفي اليوم السادس من التظاهرات، نظم اتحاد نقابات القطاع العام واتحاد نقابات العمال مسيرات احتجاج ظهراً واضرابات في كبرى مدن البلاد. وفي اسطنبول، اندمج موكبا النقابتين بعد الظهر في ساحة تقسيم. وردد المشاركون «قاومي يا ساحة تقسيم، العمال وصلوا». وجرت المشاهد نفسها في العاصمة انقرة، حيث تظاهر أكثر من 10 آلاف شخص مردّدين «افتحوا الطرق، وصل الثوار». وعلى غرار الأيام السابقة، اندلعت مواجهات جديدة في انقرة مساء أمس، وفرقت قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع وخراطيم الماء آلاف المتظاهرين. وفي ازمير أوقفت الشرطة ما لا يقلّ عن 25 شخصاً بتهمة بث تغريدات على موقع «تويتر» تتضمّن «معلومات مضللة وكاذبة». في هذا الوقت، أجرى وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو اتصالاً هاتفياً مع نظيره الأميركي جون كيري لإبلاغه استياء انقرة من سلسلة التعليقات التي ادلت بها واشنطن حول التظاهرات في تركيا. ذكرت مصادر تركية أن داود أوغلو أبلغ كيري بأن «تركيا ليست ديموقراطية من الدرجة الثانية»، آخذاً على الولايات المتحدة وصفها التظاهرات المناهضة للحكومة التي تعصف بتركيا منذ ستة ايام بأنها «وضع استثنائي»، ومعتبراً أن تظاهرات احتجاج مماثلة حصلت في بلدان اخرى مثل «حركة احتلوا وول ستريت» في الولايات المتحدة في العام 2011. وكان لافتاً بالأمس ارتفاع السقف السياسي لـ«انتفاضة تقسيم» وهي تقترب من أسبوعها الثاني، فالمطالب التي تقدّمت قيادة الانتفاضة إلى أرينتش، بالأمس، تضمنت شقين: الأول يتعلق بالمستجدات المباشرة التي أشعلت شرارة الانتفاضة، والثاني يتعلق بالقضايا الأساسية التي ترفعها الشرائح المعارضة لسياسة «حزب العدالة والتنمية». وفي الشق المباشر أصرّت قيادة «الانتفاضة» على تراجع الحكومة عن مشروع تغيير معالم ميدان تقسيم في قلب اسطنبول، وإلغاء إقامة مركز تجاري وثكنة على النمط المعماري العثماني وجامع، والتراجع عن قرار هدم «مركز اتاتورك الثقافي» الذي ينتصب شمال ميدان تقسيم، ويرمز الى الطابع العلماني لتركيا. وشددت قيادة «الانتفاضة» على ضرورة أن تتراجع الحكومة عن هذه المشاريع عبر بيان رسمي يصدر عنها. كذلك طالبت قيادة «الانتفاضة» بإقالة المحافظين ومدراء الأمن في اسطنبول وانقرة وهاتاي (الاسكندرون) وكل من كان شريكاً في قمع المتظاهرين بالقوة، مشددة على ضرورة إطلاق سراح جميع الذين اعتقلوا خلال حركة الاحتجاج الأخيرة، وعدم فتح أي تحقيق قضائي بحق اي مشارك. كما طالبت بإزالة كل العقبات امام الاجتماعات والتظاهرات والتحركات وحريات التعبير، والنظر في مطالب الناس وعدم تجاهلها، وفهم روح المطالب التي ترتفع في كل الشوارع والساحات. كذلك، دعت قيادة «الانتفاضة» إلى انهاء التدخل في نمط حياة الناس ومعتقداتهم. واحتوت مطالب «الانتفاضة» مطالب أخرى، من بينها وقف المشاريع المغيّرة للبيئة، مثل الجسر الثالث على مضيق البوسفور، والمطار الثالث، وشق قناة اسطنبول المائية. وارتفع سقف المطالب عندما دعت «الانتفاضة» حكومة «حزب العدالة والتنمية» الى الانسحاب من مشاريع الحروب الإقليمية والتي تتصل بتركيا، في ما بدا إشارة واضحة الى التدخل التركي في الشأن السوري. وطالبت قيادة «الانتفاضة» أيضاً باحترام الحساسيات العلوية، ووقف السياسات الذكورية المحافظة المعادية للمرأة، ووقف كل الضغوط التي يتعرض لها الفنانون والصحافيون والجامعيون والقضاة وكل أشكال التمييز على اساس الجنس، وازالة كل العقبات أمام حق كل مواطن في الوصول الى حقه في الطبابة والتعليم. وتتسم المطالب التي رفعتها قيادة «الانتفاضة» بأهمية كبيرة، فهي انطلقت من حادثة تغيير معالم ميدان تقسيم لتطال الاعتراضات الأساسية لكل الفئات المعارضة لسياسات «حزب العدالة والتنمية». وكان معبّراً للغاية شمول المطالب انسحاب تركيا من الحروب الإقليمية، في إشارة مباشرة إلى أن «الانتفاضة» ليست موضعية أو ذات بعد بيئي فقط، وإنما تعكس كل الاحتقان التي يعتمل في قلوب فئات واسعة تزيد على نصف المجتمع التركي (بحسب الأرقام الانتخابية على الأقل) وتشمل أيضاً شرائح أيّدت «حزب العدالة والتنمية» بسبب وعوده في الإصلاح، ومن أجل تحسين ظروفها المعيشية، وليس لتوريط تركيا في نزاعات إقليمية. في العموم، فإن أردوغان سبق أن أكد أنه لن يتراجع عن مشروع ساحة تقسيم، حتى أنه وصف المحتجين بـ«اللصوص». وبذلك، يبدو من الصعب أن تلبي الحكومة هذه المطالب حتى في شقها المتعلق فقط بمعالم ساحة تقسيم، فكيف بتلك المتعلقة بالسياسة الخارجية؟ وفي ظلّ هذه المناخات، وفي ضوء مطالب المحتجين وفي كل المدن التركية، يتوقع البعض أن مرحلة جديدة وطويلة وصعبة تنتظر المشهد الداخلي على أكثر من صعيد ومستوى، ومفتوحة على كل الاحتمالات، برغم محاولات الالتفاف التي يقوم بها نائب رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.

المصدر : الماسة السورية/محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة