وكأن البلاد محكومة بأجندة دولية وإقليمية فائقة الدقة ومضمونة الفاعلية، حتى أنّ موقفا صغيرا يغدو الشغل الشاغل لغالبية اللبنانيين وينسيهم ضحايا الاشتباكات المتنقلة بين جبل محسن من جهة وباب التبانة من جهة ثانية. فبعد موجة الترشيحات التي استهلها صباحا حزب الرمنغفار الارمني بترشيح سيبوه مخجيان للمقعد الارمني في دائرة بيروت الثالثة، كرت سبحة الترشيحات الممتدة من الرابية مرورا بمعراب وليس انتهاء بعين التينة وحارة حريك وبعبدا، وانشغلت الاوساط السياسية بالتحضير للانتخابات في سباق محموم بين تكريسها كامر واقع ملزم في وقت استمرّت التحضيرات لمؤتمر جنيف الذي تتحضر عواصم القرار لانعقاده في النصف الاول من حزيران المقبل، اي عشية المواعيد الدستورية المفترضة للانطلاق بعملية انتاج تركيبة سياسية تأخذ على عاتقها قيادة البلاد في السنوات العشر المقبلة.

وبالرغم من تحديد عصر الاثنين المقبل موعدا للم شمل حكومة تصريف الاعمال للخروج بلجنة مراقبة الانتخابات وابتداع طرق لتمويل العملية الانتخابية، تخفف مصادر قيادية واسعة الاطلاع من اهمية التطورات الانتخابية، وتؤكد على استحالة اجرائها في المواعيد المحددة لاسباب تقنية وسياسية وامنية بامتياز. بيد أنّ الوضع الامني في طرابلس خصوصا والشمال الذي يضم دائرتين انتخابيتين الى جانب دائرة عاصمة الشمال لا يسمح باجراء انتخابات اختيارية، او حتى نقابية، فكيف الحال اذا كانت انتخابات نيابية مفصلية من شأن نتائجها ان تحدد مسار المستقبل القريب والبعيد باعتبارها ستنتج حكومة انتخاب رئيس للجمهورية ربيع العام المقبل، وذلك في ظل ادراج مادة على متن قانون الستين تنص بوضوح على الزامية اجراء الانتخابات على الارض اللبنانية كافة في يوم واحد. وبالتالي، فان عجز القوى الامنية على تأمين حسن سير العملية الانتخابية يصبح امرا مفروغا منه لسبب جوهري وهو اتساع رقعة عمل الجيش اللبناني لتطاول غالبية الاراضي اللبنانية، فضلا عن كثافة عدد النازحين والمسلحين السوريين والفلسطينيين على ارض الشمال بما يؤثر على حسن سير العملية الانتخابية ويعرض نتائجها للطعن، هذا اذا سلمنا جدلا بان الاوضاع الامنية في عاصمة الجنوب صيدا وقرى البقاع الشمالي تسمح بالاعتراف بنزاهة الانتخابات.

غير أنّ للمتصلين بواشنطن رأيا آخر واجتهادات لا تصب في هذه الخانة، إذ ينقلون عن أصحاب القرار أمثلة لانتخابات جرت في بلدان الربيع العربي في ظروف أصعب وأدق وأكثر حساسية، فضلا عن عوامل سياسية واستراتيجية تدفع بالادارة الاميركية إلى الضغط باتجاه تنفيذ الاستحقاق باسرع وقت، لاسيما أنّ التطورات السياسية والميدانية لا تصب على الاطلاق في مصلحتها، بل على العكس، فانها تدفعها الى خسارة نقاط حاسمة في صراعها مع موسكو على اعادة اقتسام الشرق الاوسط الذي اصبح امرا واقعا مهما قيل في هذا الاطار، ومهما حملت المواقف المعلنة من نفي لهذا الواقع الملموس المتحول تدريجيا الى امر واقع من شأنه ان يعيد انتاج قواعد وشروط للعبة الجديدة المفترضة.

ولكن الأمور لا تبدو مطلقا بهذه البساطة، لاسيما أنّ الساحة اللبنانية محكومة بلاعبين كبيرين هما واشنطن وموسكو فضلا عن ادوات متصارعة ومتناحرة في ما بينها، بما يعني ان القرار ليس بيد واحدة، وبالتالي فان الامور تبقى مرهونة بساعاتها ودقائقها طالما ان الازمة السورية ما زالت مفتوحة على الاحتمالات كافة بما فيها تطيير الاستحقاقات في ظل اعتقاد يسود الاوساط العليمة ببواطن الامور وهو ان موجة الترشيحات لا تنم الا عن اتساع دائرة المناورة وتوسيع هوامش الضغط المتبادل.

  • فريق ماسة
  • 2013-05-25
  • 10794
  • من الأرشيف

واشنطن تضغط لاجراء الانتخابات اللبنانية في مواعيدها تعويضا عن النقاط الساقطة في سورية

وكأن البلاد محكومة بأجندة دولية وإقليمية فائقة الدقة ومضمونة الفاعلية، حتى أنّ موقفا صغيرا يغدو الشغل الشاغل لغالبية اللبنانيين وينسيهم ضحايا الاشتباكات المتنقلة بين جبل محسن من جهة وباب التبانة من جهة ثانية. فبعد موجة الترشيحات التي استهلها صباحا حزب الرمنغفار الارمني بترشيح سيبوه مخجيان للمقعد الارمني في دائرة بيروت الثالثة، كرت سبحة الترشيحات الممتدة من الرابية مرورا بمعراب وليس انتهاء بعين التينة وحارة حريك وبعبدا، وانشغلت الاوساط السياسية بالتحضير للانتخابات في سباق محموم بين تكريسها كامر واقع ملزم في وقت استمرّت التحضيرات لمؤتمر جنيف الذي تتحضر عواصم القرار لانعقاده في النصف الاول من حزيران المقبل، اي عشية المواعيد الدستورية المفترضة للانطلاق بعملية انتاج تركيبة سياسية تأخذ على عاتقها قيادة البلاد في السنوات العشر المقبلة. وبالرغم من تحديد عصر الاثنين المقبل موعدا للم شمل حكومة تصريف الاعمال للخروج بلجنة مراقبة الانتخابات وابتداع طرق لتمويل العملية الانتخابية، تخفف مصادر قيادية واسعة الاطلاع من اهمية التطورات الانتخابية، وتؤكد على استحالة اجرائها في المواعيد المحددة لاسباب تقنية وسياسية وامنية بامتياز. بيد أنّ الوضع الامني في طرابلس خصوصا والشمال الذي يضم دائرتين انتخابيتين الى جانب دائرة عاصمة الشمال لا يسمح باجراء انتخابات اختيارية، او حتى نقابية، فكيف الحال اذا كانت انتخابات نيابية مفصلية من شأن نتائجها ان تحدد مسار المستقبل القريب والبعيد باعتبارها ستنتج حكومة انتخاب رئيس للجمهورية ربيع العام المقبل، وذلك في ظل ادراج مادة على متن قانون الستين تنص بوضوح على الزامية اجراء الانتخابات على الارض اللبنانية كافة في يوم واحد. وبالتالي، فان عجز القوى الامنية على تأمين حسن سير العملية الانتخابية يصبح امرا مفروغا منه لسبب جوهري وهو اتساع رقعة عمل الجيش اللبناني لتطاول غالبية الاراضي اللبنانية، فضلا عن كثافة عدد النازحين والمسلحين السوريين والفلسطينيين على ارض الشمال بما يؤثر على حسن سير العملية الانتخابية ويعرض نتائجها للطعن، هذا اذا سلمنا جدلا بان الاوضاع الامنية في عاصمة الجنوب صيدا وقرى البقاع الشمالي تسمح بالاعتراف بنزاهة الانتخابات. غير أنّ للمتصلين بواشنطن رأيا آخر واجتهادات لا تصب في هذه الخانة، إذ ينقلون عن أصحاب القرار أمثلة لانتخابات جرت في بلدان الربيع العربي في ظروف أصعب وأدق وأكثر حساسية، فضلا عن عوامل سياسية واستراتيجية تدفع بالادارة الاميركية إلى الضغط باتجاه تنفيذ الاستحقاق باسرع وقت، لاسيما أنّ التطورات السياسية والميدانية لا تصب على الاطلاق في مصلحتها، بل على العكس، فانها تدفعها الى خسارة نقاط حاسمة في صراعها مع موسكو على اعادة اقتسام الشرق الاوسط الذي اصبح امرا واقعا مهما قيل في هذا الاطار، ومهما حملت المواقف المعلنة من نفي لهذا الواقع الملموس المتحول تدريجيا الى امر واقع من شأنه ان يعيد انتاج قواعد وشروط للعبة الجديدة المفترضة. ولكن الأمور لا تبدو مطلقا بهذه البساطة، لاسيما أنّ الساحة اللبنانية محكومة بلاعبين كبيرين هما واشنطن وموسكو فضلا عن ادوات متصارعة ومتناحرة في ما بينها، بما يعني ان القرار ليس بيد واحدة، وبالتالي فان الامور تبقى مرهونة بساعاتها ودقائقها طالما ان الازمة السورية ما زالت مفتوحة على الاحتمالات كافة بما فيها تطيير الاستحقاقات في ظل اعتقاد يسود الاوساط العليمة ببواطن الامور وهو ان موجة الترشيحات لا تنم الا عن اتساع دائرة المناورة وتوسيع هوامش الضغط المتبادل.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة