تزامناً مع الاتصالات الجارية بين واشنطن وموسكو والدول الكبرى الأخرى حول عقد مؤتمر دولي بشأن سوريا أواخر شهر أيار الحالي يجمع السلطة والمعارضة الى طاولة المفاوضات، تستمر المحاولات في الأمم المتحدة لاستصدار قرار يدين النظام السوري على ممارساته وارتكاباته بحقّ الشعب السوري منذ بدء الثورة السورية، ويقبل بالائتلاف الوطني السوري المعارض بوصفه طرفاً في المرحلة الانتقالية المتوقّعة في البلاد.

وأجرت الجمعية العامة أمس تصويتاً على مشروع القرار الذي صاغته قطر ودول عربية أخرى، وتمّّ توزيعه على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وعددها 193 دولة. علماً أنّ المشروع الذي صدر العام الماضي (في آب 2012) حول الموضوع نفسه قد أيّدته 133 دولة، إلاّ أنّ أي من الدول لا تملك حقّ النقض "الفيتو" في الجمعية العامة، ما يجعل القرار، بحسب مرجع ديبلوماسي، "لا قيمة له ولا يؤثّر في شيء على النظام السوري لجهة إدانته بمفرده دون تحميل المعارضة والجماعات المسلّحة أي مسؤولية عن أعمال العنف والقتل الحاصلة في سوريا". كما وصفه بأنّه "مبادرة فاشلة في غير وقتها، تُظهر بوضوح عدم قراءة الدول التي تقدّمت به وعلى رأسها قطر التطوّرات الحالية على الصعيد الدولي بشأن إيجاد الحلّ للأزمة السورية".

ويمكن القول بأنّ الدول الغربية والعربية المناهضة للنظام السوري تحاول الاستفادة من أي ثغرة قد توصلها الى انتزاع قرار فاعل في إدانة السلطات السورية، غير أنّ ما تقوم به اليوم مع الدعوات المتكرّرة للحوار والتسوية وتقديم الحلّ السلمي على أي حلول أخرى، لا يبدو منسجماً مع ما تدعو اليه. فإدانة سوريا، وهي لن تحصل في الواقع وإن تمّت الموافقة بالإجماع على مشروع قرار من نوع المشروع القطري، من شأنها أن تعرقل التسوية. فالرئيس بشّار الأسد الذي وافق على الحوار مع اطياف المعارضة كافة، بعد أن كان يشترط محاورة معارضة الداخل فقط، وقدّم اليوم الى الجانب الروسي لائحة بأسماء المفاوضين الذين يقترحهم لتمثيله في المؤتمر الدولي الذي يتمّ التحضير له على أعلى المستويات، قد يتراجع خطوة الى الوراء في حال نجح مجلس الأمن في إدانته، وهو لن ينجح في ظلّ استخدام روسيا والصين لحقّ النقض "الفيتو". أمّا قرارات الجمعية العامة فهي غير ملزمة وتبقى مجرد قرارات ومواقف.

في المقابل، تجري الاتصالات مع المعارضات السورية للموافقة على الجلوس الى طاولة المفاوضات مع ممثلي الأسد، رغم إصرارها وتكرارها لشرط تنحّيه قبل ذلك. وهذا الأمر من الصعب حصوله، بحسب المرجع نفسه، لهذا ستقوم الدول التي "تمون" عليها، الطلب اليها بالموافقة على المشاركة في مؤتمر الحوار، ما دام الأسد لن يكون ممثلاً فيه شخصياً بل بالذين ينوبون عنه. وكانت المعارضة قد اقترحت في وقت سابق تنحّي الأسد وحلول نائبه فاروق الشرع مكانه، أي أنّه لا مشكلة لديها مع من ينوب عن الأسد شخصياً.

 

ويجد بأنّ دولاً عدّة في الجمعية العامة قد تراجعت عن تأييد مشروع القرار القطري الذي يدين النظام السوري لا سيما مع تنامي التطرّف الإسلامي وبروزه كعنصر فاعل ومقاتل داخل سوريا وعلى حدودها، وهذا ما لم يكن سائداً العام الماضي، وكانت الدول التي صوّتت على القرار السابق تعتقد أنّها ترجّح كفة الأكثرية دون أن تعلم مخاطر الأصولية التي تأتي من بعض الدول الأوروبية وسترتدّ عليها في المستقبل.

وإذ لا يوازي مشروع القرار بين السلطة والمعارضة بل تميل كفّه الى جهة المعارضة، وتحديداً الى الائتلاف الوطني الذي يصفه بأنّه "محاور فعّال ومطلوب وجوده في عملية التحوّل السياسي"، يرفض كلّ "أشكال العنف أيّاً يكن مصدرها"، غير أنّه يستنكر بالتالي "استمرار السلطات السورية في استخدام الأسلحة الثقيلة وعمليات القصف وإطلاق النار من جانب قوّاتها على الدول المجاورة منتهكة بذلك حقوق الإنسان"، على ما ورد في نصّ مشروع القرار. في حين أنّ بعض الدول لا تزال ماضية في درس إمكانية دعم المعارضة عسكرياً وتزويد مقاتليها بالسلاح لمواجهة النظام.

وفي هذا السياق أعلنت الخارجية الروسية في بيان لها أنّ مشروع القرار هذا "غير موضوعي وآحادي الجانب"، مضيفةً أنه يتجاهل الوقائع في سوريا ويحمّل الحكومة السورية فقط كامل المسؤولية عن زعزعة الوضع في البلاد، في الوقت الذي لم يذكر المشروع فيه شيئاً عن أعمال العنف من جانب الجماعات المعارضة التي تستخدم وسائل الإرهاب. كما جاء في البيان أن تقسيم الإرهابيين إلى "أخيار" و"أشرار" يقوّض العمل على توحيد الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب. واشارت إلى أن الإصرار على إقرار هذا المشروع يدل على عدم الرغبة في المضي نحو حلّ سياسي للأزمة السورية، كما تنص الاتفاقات الروسية الأميركية التي تمّ التوصّل إليها في موسكو في 7 أيار الحالي.

كذلك يطالب المشروع السلطات السورية بتسهيل مهمة لجنة فريق الخبراء المكلّفة إجراء تحقيق على الأرض يتعلّق بالأسلحة الكيماوية خصوصاً وأنّ الاتهامات متبادلة بين السلطة والمعارضة على استخدامها في الهجمات، في حين ينفي الطرفان هذا الأمر. كما يُرحّب بقرارات جامعة الدول العربية فيما يتعلّق باللجوء الى الحلّ السياسي للأزمة السورية، ويجدّد بالتالي تأييده لمهمة الموفد الأممي- العربي الى سوريا الأخضر الإبراهيمي الذي رحّب بالتقارب الأميركي- الروسي لإنهاء الصراع في سوريا ورأى فيه خطوة الى الأمام على طريق الحلّ.

واشار المرجع نفسه الى أنّ المشروع نفسه لم يأتِ على ذكر مسألة دعم تسليح مقاتلي المعارضة للقضاء على النظام لا سيما وأنّ صفقة بيع صواريخ الدفاع الجوّي الروسية "أس300" الى سوريا، تقضّ مضاجع الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل بالدرجة الأولى، وقد باءت محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بثني روسيا عن إتمام الصفقة بالفشل. لهذا فإنّ المضي في استفزاز سوريا عبر غارات وضربات إسرائيلية أو في مواصلة السعي لتسليح الجماعات المسلّحة بأسلحة ثقيلة، لن يؤديا إلاّ للمزيد من النيران في المنطقة التي ستطال الجميع.

فالمطلوب اليوم إذاً بدلاً من التسليح والتسليح المضاد أو القيام بالتهديدات هو إنهاء الصراع ووقف القتال الدائر في سوريا منذ أكثر من عامين، والعمل بكلّ الجهود والوسائل المتاحة للوقف الفوري لإطلاق النار والاتجاه نحو الحلّ السلمي والسياسي عن طريق مشاركة الجميع في المؤتمر الدولي للحوار بشأن سوريا.

ويؤكّد بأنّ المعارضة السورية تدرس كلّ الاحتمالات، وتتناقش فيما بينها لتحديد أسماء الذين سيمثّلونها في المؤتمر الدولي، بعيداً عن شرط تنحّي الأسد، لأنّ عدم مشاركتها فيه سيُظهر للدول التي تدعمها عدم جديتها في البحث عن الحلّ النهائي للأزمة تحت ذريعة تنحّي الأسد التي بدأت الولايات المتحدة تتخلّى عنها رويداً رويداً وتطالب المعارضة بالتنازل عنه لتحقيق بعض المكاسب.
  • فريق ماسة
  • 2013-05-15
  • 8615
  • من الأرشيف

التصويت على إدانة النظام السوري خطوة فاشلة في غير وقتها

تزامناً مع الاتصالات الجارية بين واشنطن وموسكو والدول الكبرى الأخرى حول عقد مؤتمر دولي بشأن سوريا أواخر شهر أيار الحالي يجمع السلطة والمعارضة الى طاولة المفاوضات، تستمر المحاولات في الأمم المتحدة لاستصدار قرار يدين النظام السوري على ممارساته وارتكاباته بحقّ الشعب السوري منذ بدء الثورة السورية، ويقبل بالائتلاف الوطني السوري المعارض بوصفه طرفاً في المرحلة الانتقالية المتوقّعة في البلاد. وأجرت الجمعية العامة أمس تصويتاً على مشروع القرار الذي صاغته قطر ودول عربية أخرى، وتمّّ توزيعه على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وعددها 193 دولة. علماً أنّ المشروع الذي صدر العام الماضي (في آب 2012) حول الموضوع نفسه قد أيّدته 133 دولة، إلاّ أنّ أي من الدول لا تملك حقّ النقض "الفيتو" في الجمعية العامة، ما يجعل القرار، بحسب مرجع ديبلوماسي، "لا قيمة له ولا يؤثّر في شيء على النظام السوري لجهة إدانته بمفرده دون تحميل المعارضة والجماعات المسلّحة أي مسؤولية عن أعمال العنف والقتل الحاصلة في سوريا". كما وصفه بأنّه "مبادرة فاشلة في غير وقتها، تُظهر بوضوح عدم قراءة الدول التي تقدّمت به وعلى رأسها قطر التطوّرات الحالية على الصعيد الدولي بشأن إيجاد الحلّ للأزمة السورية". ويمكن القول بأنّ الدول الغربية والعربية المناهضة للنظام السوري تحاول الاستفادة من أي ثغرة قد توصلها الى انتزاع قرار فاعل في إدانة السلطات السورية، غير أنّ ما تقوم به اليوم مع الدعوات المتكرّرة للحوار والتسوية وتقديم الحلّ السلمي على أي حلول أخرى، لا يبدو منسجماً مع ما تدعو اليه. فإدانة سوريا، وهي لن تحصل في الواقع وإن تمّت الموافقة بالإجماع على مشروع قرار من نوع المشروع القطري، من شأنها أن تعرقل التسوية. فالرئيس بشّار الأسد الذي وافق على الحوار مع اطياف المعارضة كافة، بعد أن كان يشترط محاورة معارضة الداخل فقط، وقدّم اليوم الى الجانب الروسي لائحة بأسماء المفاوضين الذين يقترحهم لتمثيله في المؤتمر الدولي الذي يتمّ التحضير له على أعلى المستويات، قد يتراجع خطوة الى الوراء في حال نجح مجلس الأمن في إدانته، وهو لن ينجح في ظلّ استخدام روسيا والصين لحقّ النقض "الفيتو". أمّا قرارات الجمعية العامة فهي غير ملزمة وتبقى مجرد قرارات ومواقف. في المقابل، تجري الاتصالات مع المعارضات السورية للموافقة على الجلوس الى طاولة المفاوضات مع ممثلي الأسد، رغم إصرارها وتكرارها لشرط تنحّيه قبل ذلك. وهذا الأمر من الصعب حصوله، بحسب المرجع نفسه، لهذا ستقوم الدول التي "تمون" عليها، الطلب اليها بالموافقة على المشاركة في مؤتمر الحوار، ما دام الأسد لن يكون ممثلاً فيه شخصياً بل بالذين ينوبون عنه. وكانت المعارضة قد اقترحت في وقت سابق تنحّي الأسد وحلول نائبه فاروق الشرع مكانه، أي أنّه لا مشكلة لديها مع من ينوب عن الأسد شخصياً.   ويجد بأنّ دولاً عدّة في الجمعية العامة قد تراجعت عن تأييد مشروع القرار القطري الذي يدين النظام السوري لا سيما مع تنامي التطرّف الإسلامي وبروزه كعنصر فاعل ومقاتل داخل سوريا وعلى حدودها، وهذا ما لم يكن سائداً العام الماضي، وكانت الدول التي صوّتت على القرار السابق تعتقد أنّها ترجّح كفة الأكثرية دون أن تعلم مخاطر الأصولية التي تأتي من بعض الدول الأوروبية وسترتدّ عليها في المستقبل. وإذ لا يوازي مشروع القرار بين السلطة والمعارضة بل تميل كفّه الى جهة المعارضة، وتحديداً الى الائتلاف الوطني الذي يصفه بأنّه "محاور فعّال ومطلوب وجوده في عملية التحوّل السياسي"، يرفض كلّ "أشكال العنف أيّاً يكن مصدرها"، غير أنّه يستنكر بالتالي "استمرار السلطات السورية في استخدام الأسلحة الثقيلة وعمليات القصف وإطلاق النار من جانب قوّاتها على الدول المجاورة منتهكة بذلك حقوق الإنسان"، على ما ورد في نصّ مشروع القرار. في حين أنّ بعض الدول لا تزال ماضية في درس إمكانية دعم المعارضة عسكرياً وتزويد مقاتليها بالسلاح لمواجهة النظام. وفي هذا السياق أعلنت الخارجية الروسية في بيان لها أنّ مشروع القرار هذا "غير موضوعي وآحادي الجانب"، مضيفةً أنه يتجاهل الوقائع في سوريا ويحمّل الحكومة السورية فقط كامل المسؤولية عن زعزعة الوضع في البلاد، في الوقت الذي لم يذكر المشروع فيه شيئاً عن أعمال العنف من جانب الجماعات المعارضة التي تستخدم وسائل الإرهاب. كما جاء في البيان أن تقسيم الإرهابيين إلى "أخيار" و"أشرار" يقوّض العمل على توحيد الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب. واشارت إلى أن الإصرار على إقرار هذا المشروع يدل على عدم الرغبة في المضي نحو حلّ سياسي للأزمة السورية، كما تنص الاتفاقات الروسية الأميركية التي تمّ التوصّل إليها في موسكو في 7 أيار الحالي. كذلك يطالب المشروع السلطات السورية بتسهيل مهمة لجنة فريق الخبراء المكلّفة إجراء تحقيق على الأرض يتعلّق بالأسلحة الكيماوية خصوصاً وأنّ الاتهامات متبادلة بين السلطة والمعارضة على استخدامها في الهجمات، في حين ينفي الطرفان هذا الأمر. كما يُرحّب بقرارات جامعة الدول العربية فيما يتعلّق باللجوء الى الحلّ السياسي للأزمة السورية، ويجدّد بالتالي تأييده لمهمة الموفد الأممي- العربي الى سوريا الأخضر الإبراهيمي الذي رحّب بالتقارب الأميركي- الروسي لإنهاء الصراع في سوريا ورأى فيه خطوة الى الأمام على طريق الحلّ. واشار المرجع نفسه الى أنّ المشروع نفسه لم يأتِ على ذكر مسألة دعم تسليح مقاتلي المعارضة للقضاء على النظام لا سيما وأنّ صفقة بيع صواريخ الدفاع الجوّي الروسية "أس300" الى سوريا، تقضّ مضاجع الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل بالدرجة الأولى، وقد باءت محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بثني روسيا عن إتمام الصفقة بالفشل. لهذا فإنّ المضي في استفزاز سوريا عبر غارات وضربات إسرائيلية أو في مواصلة السعي لتسليح الجماعات المسلّحة بأسلحة ثقيلة، لن يؤديا إلاّ للمزيد من النيران في المنطقة التي ستطال الجميع. فالمطلوب اليوم إذاً بدلاً من التسليح والتسليح المضاد أو القيام بالتهديدات هو إنهاء الصراع ووقف القتال الدائر في سوريا منذ أكثر من عامين، والعمل بكلّ الجهود والوسائل المتاحة للوقف الفوري لإطلاق النار والاتجاه نحو الحلّ السلمي والسياسي عن طريق مشاركة الجميع في المؤتمر الدولي للحوار بشأن سوريا. ويؤكّد بأنّ المعارضة السورية تدرس كلّ الاحتمالات، وتتناقش فيما بينها لتحديد أسماء الذين سيمثّلونها في المؤتمر الدولي، بعيداً عن شرط تنحّي الأسد، لأنّ عدم مشاركتها فيه سيُظهر للدول التي تدعمها عدم جديتها في البحث عن الحلّ النهائي للأزمة تحت ذريعة تنحّي الأسد التي بدأت الولايات المتحدة تتخلّى عنها رويداً رويداً وتطالب المعارضة بالتنازل عنه لتحقيق بعض المكاسب.

المصدر : الديار/ دوللي بشعلاني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة