تمكّنت القيادة السورية بفطنتها المعهودة من إستيعاب الغارة الإسرائيلية التي شُنّت على أراضيها فجر أمس الأحد، والتي كان الغرض منها تشتيت قواتها في حروب على جبهات متعددة من أجل إضعافها ورفع معنويات المسلحين السوريين المنهارة في ظل الضربات التي يتلقونها حيثما حلّوا وتشجيعهم قدماً على إحراز تقدم ميداني.

بل وعلى العكس من ذلك، إستطاعت سوريا أن توقد الخوف من جديد في قلوب الكيان العبري بعد الرسائل المبطّنة التي كان عنوانها الأساسي ربط الغارة الإسرائيلية بما يتعرض له المسلحون في سوريا من إنتكاسات ميدانية وبالتالي، تجديد القيادة السورية عزمها حسم المعارك مع الإرهابيين بوتيرة أسرع على كامل الجغرافيا السورية، وإعلانها الإستعداد الكامل لتزويد المقاومة في لبنان بكل أنواع الأسلحة التي تطلبها، فضلاً عن نصب بطاريات صواريخ "تشرين" وتوجيهها نحو فلسطين المحتلة إستعداداً لدك المستوطنات الصهيونية عند أي هجوم جديد تتعرض له البلاد.

هذه العناوين كانت كافية لتثير في "إسرائيل" الكثير من التساؤلات والمخاوف حول ما إذا كانت الغارة نفّذت الأهداف المرجوة منها أم أنها كما قيل ستزيد من تقوقع البلاد وتمترسها وراء التحصينات وجدران الفصل التي أوجدتها، وبداية الغيث كانت من إعلان سلطاتها الإستنفار العام في جميع سفاراتها وقنصلياتها وممثلياتها في العالم تحسباً للإنتقام السوري، ونصب بطارية القبة الحديدية في "حيفا" بهدف حماية المنشآت الإستراتيجية في خليج المدينة المحتلّة، وتزايد المطالبات الداخلية باخلاء خزانات الأمونيا الموجودة في "حيفا" خشية ان تكون هدفاً لصواريخ معادية، وإغلاق السلطات المجال الجوي فوق المناطق الشمالية من فلسطين المحتلّة وإعلانها عن بدء الإستعداد لسيناريو حالة الطوارئ.

ولغرض ثني سورية عن ردّها العنيف، بعثت "اسرائيل" برسالة عاجلة لطمأنة الرئيس السوري بشار الاسد عبر قنوات دبلوماسية، توضح فيها أنها لا تنوي التدخل في الاحداث الداخلية السورية، وبأن هدف الغارتين الاخيرتين كان ضرب قواعد لحزب الله داخل سورية ومنظومات صواريخ ايرانية موضوعة فيها، على حد ما نقلت صحيفة هآرتس عن مضمون هذه الرسالة.

وفيما لم يعلن أي وزير اسرائيلي، شارك في اجتماع المجلس الوزاري المصغر لحكومة بنيامين نتانياهو، الذي عقد قبل سفر رئيس الحكومة الصهيونية الى الصين عن مضمون الاجتماع وقراراته، اوضح مسؤول في الحكومة ان "ابرز القرارات التي اتخذها المجلس الوزاري هو طمانة الاسد، منعاً لاستمرار التصعيد الجبهة الشمالية".

وذكرت الاذاعة الاسرائيلية ان "الرسالة التي وجهتها اسرائيل تؤكد ان الضربة لم تكن تستهدف النظام السوري وانما كانت تستهدف صواريخ ايرانية متطورة في طريقها الى "حزب الله" في لبنان وبأن الحزب اقام له قواعد في سورية، باتت مليئة بالصواريخ الايرانية، التي بحسب الاسرائيليين، تغير موازين قوى الردع في المنطقة".

ومن جهته رأى الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية في "اسرائيل" عاموس يدلين، ان "الاعلان السوري بالتعرض لقصف اسرائيلي والتهديد بالرد، في حال تكررت عمليات القصف يستدعي اتخاذ الحيطة والاستعداد لاحتمال رد سوري مستقبلي غير متوقع خلال هذه الايام في اعقاب الضربة الاخيرة".

هذه المعلومات تقاطعت مع أخرى كشفت عنها مصادر مقرّبة من الرئيس السوري بشار الأسد مفادها أن الأخير أبلغ الروس أنه يريد جواباً خلال أربع وعشرين ساعة على رسالة بعث بها الى الأميركيين عبر موسكو.

وتشير الرسالة الى أنه في حال عاودت "إسرائيل" عدوانها فسيكون الأمر بمثابة إعلان حرب وتالياً لن يكون هناك إنذار أو دراسة لردّ الفعل، مشدداً على أن الأوامر أُعطيت لنشر بطاريات صواريخ روسية حديثة جو - أرض وأرض - أرض، وأن ردّها سيكون فورياً ومن دون العودة الى القيادة.

وبموازاة ذلك، نقلت مصادر مطّلعة على الشأن السوري أن موسكو إستمهلت دمشق القيام بردّ على الكيان الاسرائيلي لاجراء اتصالات بالقيادة الأميركية حول هذا الموضوع.

وقالت المصادر أن اتصالات متتابعة أبلغت الرئيس الاسد جواباً أميركياً واضحاً في هذا الصدد لا يزال مضمونه سريّاً، مرجّحة أن يكون إما تعهد أميركي - روسي مشترك بخروج الاسرائيلي وانسحابه من المواجهة في سوريا بشكل كامل، أو جواب "ملتو" لن يعطّل مسار الردّ السوري الذي بات على السكّة بإنتظار اللحظة المرجوّة.

 

غير أن المصادر رجّحت كفّة الخيار الأول لاسيما في ظلّ التنصّل الأميركي من المعرفة المسبقة بالعدوان الإسرائيلي على سوريا، حيث قال مسؤول مخابراتي امريكي إنه "لم يتم اعطاء الولايات المتحدة اي تحذير قبل الهجمات الجوية التي وقعت في سوريا ضد اسلحة كانت في طريقها الى مقاتلي حزب الله".

وقال المسؤول انه "تم ابلاغ الولايات المتحدة بهذه الغارات الجوية بعد حدوثها وتم اخطارها في الوقت الذي كانت القنابل تنفجر فيه".

ولاشك أن هذه القضية، كما الشأن السوري بأكمله، سيحضران في المحادثات التي من المزمع أن يجريها وزيري خارجية روسيا وأميركا في موسكو، بعدما كشفت مصادر ديبلوماسية أن كيري سيتبلّغ من القيادة الروسية (حيث أنه من المرجّح أن يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) رسالة حول التطورات المتسارعة في الشأن السوري لطرح افكار جديدة تهدف إلى تهدئة الموقف.

ومما سبق يبدو أن الرد السوري على تمادي الكيان الصهيوني في عدوانه سيأتي عاجلاً أم آجلاً، والكرة الآن في الملعب الروسي الأميركي، فهل يلجمان التصعيد وتقبل واشنطن بالعودة إلى الحل السياسي أم تتسع رقعة الحرب؟ الاحتمالان واردان وبقوة.

  • فريق ماسة
  • 2013-05-06
  • 12091
  • من الأرشيف

"إسرائيل" ترسل رسائل تطمين لسورية خشية الرد

تمكّنت القيادة السورية بفطنتها المعهودة من إستيعاب الغارة الإسرائيلية التي شُنّت على أراضيها فجر أمس الأحد، والتي كان الغرض منها تشتيت قواتها في حروب على جبهات متعددة من أجل إضعافها ورفع معنويات المسلحين السوريين المنهارة في ظل الضربات التي يتلقونها حيثما حلّوا وتشجيعهم قدماً على إحراز تقدم ميداني. بل وعلى العكس من ذلك، إستطاعت سوريا أن توقد الخوف من جديد في قلوب الكيان العبري بعد الرسائل المبطّنة التي كان عنوانها الأساسي ربط الغارة الإسرائيلية بما يتعرض له المسلحون في سوريا من إنتكاسات ميدانية وبالتالي، تجديد القيادة السورية عزمها حسم المعارك مع الإرهابيين بوتيرة أسرع على كامل الجغرافيا السورية، وإعلانها الإستعداد الكامل لتزويد المقاومة في لبنان بكل أنواع الأسلحة التي تطلبها، فضلاً عن نصب بطاريات صواريخ "تشرين" وتوجيهها نحو فلسطين المحتلة إستعداداً لدك المستوطنات الصهيونية عند أي هجوم جديد تتعرض له البلاد. هذه العناوين كانت كافية لتثير في "إسرائيل" الكثير من التساؤلات والمخاوف حول ما إذا كانت الغارة نفّذت الأهداف المرجوة منها أم أنها كما قيل ستزيد من تقوقع البلاد وتمترسها وراء التحصينات وجدران الفصل التي أوجدتها، وبداية الغيث كانت من إعلان سلطاتها الإستنفار العام في جميع سفاراتها وقنصلياتها وممثلياتها في العالم تحسباً للإنتقام السوري، ونصب بطارية القبة الحديدية في "حيفا" بهدف حماية المنشآت الإستراتيجية في خليج المدينة المحتلّة، وتزايد المطالبات الداخلية باخلاء خزانات الأمونيا الموجودة في "حيفا" خشية ان تكون هدفاً لصواريخ معادية، وإغلاق السلطات المجال الجوي فوق المناطق الشمالية من فلسطين المحتلّة وإعلانها عن بدء الإستعداد لسيناريو حالة الطوارئ. ولغرض ثني سورية عن ردّها العنيف، بعثت "اسرائيل" برسالة عاجلة لطمأنة الرئيس السوري بشار الاسد عبر قنوات دبلوماسية، توضح فيها أنها لا تنوي التدخل في الاحداث الداخلية السورية، وبأن هدف الغارتين الاخيرتين كان ضرب قواعد لحزب الله داخل سورية ومنظومات صواريخ ايرانية موضوعة فيها، على حد ما نقلت صحيفة هآرتس عن مضمون هذه الرسالة. وفيما لم يعلن أي وزير اسرائيلي، شارك في اجتماع المجلس الوزاري المصغر لحكومة بنيامين نتانياهو، الذي عقد قبل سفر رئيس الحكومة الصهيونية الى الصين عن مضمون الاجتماع وقراراته، اوضح مسؤول في الحكومة ان "ابرز القرارات التي اتخذها المجلس الوزاري هو طمانة الاسد، منعاً لاستمرار التصعيد الجبهة الشمالية". وذكرت الاذاعة الاسرائيلية ان "الرسالة التي وجهتها اسرائيل تؤكد ان الضربة لم تكن تستهدف النظام السوري وانما كانت تستهدف صواريخ ايرانية متطورة في طريقها الى "حزب الله" في لبنان وبأن الحزب اقام له قواعد في سورية، باتت مليئة بالصواريخ الايرانية، التي بحسب الاسرائيليين، تغير موازين قوى الردع في المنطقة". ومن جهته رأى الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية في "اسرائيل" عاموس يدلين، ان "الاعلان السوري بالتعرض لقصف اسرائيلي والتهديد بالرد، في حال تكررت عمليات القصف يستدعي اتخاذ الحيطة والاستعداد لاحتمال رد سوري مستقبلي غير متوقع خلال هذه الايام في اعقاب الضربة الاخيرة". هذه المعلومات تقاطعت مع أخرى كشفت عنها مصادر مقرّبة من الرئيس السوري بشار الأسد مفادها أن الأخير أبلغ الروس أنه يريد جواباً خلال أربع وعشرين ساعة على رسالة بعث بها الى الأميركيين عبر موسكو. وتشير الرسالة الى أنه في حال عاودت "إسرائيل" عدوانها فسيكون الأمر بمثابة إعلان حرب وتالياً لن يكون هناك إنذار أو دراسة لردّ الفعل، مشدداً على أن الأوامر أُعطيت لنشر بطاريات صواريخ روسية حديثة جو - أرض وأرض - أرض، وأن ردّها سيكون فورياً ومن دون العودة الى القيادة. وبموازاة ذلك، نقلت مصادر مطّلعة على الشأن السوري أن موسكو إستمهلت دمشق القيام بردّ على الكيان الاسرائيلي لاجراء اتصالات بالقيادة الأميركية حول هذا الموضوع. وقالت المصادر أن اتصالات متتابعة أبلغت الرئيس الاسد جواباً أميركياً واضحاً في هذا الصدد لا يزال مضمونه سريّاً، مرجّحة أن يكون إما تعهد أميركي - روسي مشترك بخروج الاسرائيلي وانسحابه من المواجهة في سوريا بشكل كامل، أو جواب "ملتو" لن يعطّل مسار الردّ السوري الذي بات على السكّة بإنتظار اللحظة المرجوّة.   غير أن المصادر رجّحت كفّة الخيار الأول لاسيما في ظلّ التنصّل الأميركي من المعرفة المسبقة بالعدوان الإسرائيلي على سوريا، حيث قال مسؤول مخابراتي امريكي إنه "لم يتم اعطاء الولايات المتحدة اي تحذير قبل الهجمات الجوية التي وقعت في سوريا ضد اسلحة كانت في طريقها الى مقاتلي حزب الله". وقال المسؤول انه "تم ابلاغ الولايات المتحدة بهذه الغارات الجوية بعد حدوثها وتم اخطارها في الوقت الذي كانت القنابل تنفجر فيه". ولاشك أن هذه القضية، كما الشأن السوري بأكمله، سيحضران في المحادثات التي من المزمع أن يجريها وزيري خارجية روسيا وأميركا في موسكو، بعدما كشفت مصادر ديبلوماسية أن كيري سيتبلّغ من القيادة الروسية (حيث أنه من المرجّح أن يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) رسالة حول التطورات المتسارعة في الشأن السوري لطرح افكار جديدة تهدف إلى تهدئة الموقف. ومما سبق يبدو أن الرد السوري على تمادي الكيان الصهيوني في عدوانه سيأتي عاجلاً أم آجلاً، والكرة الآن في الملعب الروسي الأميركي، فهل يلجمان التصعيد وتقبل واشنطن بالعودة إلى الحل السياسي أم تتسع رقعة الحرب؟ الاحتمالان واردان وبقوة.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة