وصل الوضع في الوطن العربي الى نقطة صار من الصعب فيها ـ ربما الى حد الاستحالة ـ القول أي الصراعات هي الأخطر.

وعلى سبيل المثال لا نستطيع الجزم بما اذا كان اخطر انباء الصراع في الاسبوع الماضي هو نبأ استعادة الحكومة السورية زمام المبادرة في القتال الدائر مع الجماعات الارهابية المتطرفة المسلحة، واستعادة سيطرتها في ميادين القتال... ام انه الهجوم الجوي الإسرائيلي على هدف في العاصمة السورية دمشق. كما لا نستطيع الجزم بما اذا كان اخطر الأنباء هو ذلك الذي يعطي اشارات ومؤشرات الى ان الولايات المتحدة تستعد لتدخل عسكري مباشر في الصراع المدمر الدائر في سوريا، بعد طول تردد او خوف من التورط في هذا الصراع، وهي ـ اي الولايات المتحدة ـ التي خافت من التورط المباشر بقواتها العسكرية في ليبيا حينما كان الصراع في ليبيا يمثل اولوية لها، اختارت ترك حلف الاطلسي يقوم بالدور العسكري الرئيسي في حسم الصراع في ليبيا.

لا يمكن التأكيد أن نبأ ظهور الأدلة على استخدام للأسلحة الكيماوية في الصراع السوري من جانب القوى والتنظيمات المناهضة للنظام هو الدال على اخطر التطورات في هذا الصراع الدامي. او اذا كان الأخطر منه محاولة إلصاق اتهام استخدام السلاح الكيماوي بقوات النظام، على الرغم من تأكيدها بأنها لا تنوي استخدام هذا السلاح في اي صراع حتى اذا كان ضد اسرائيل.

بالمثل لا نستطيع الجزم بما اذا كانت الأوضاع المضطربة الراهنة في مصر تنبئ بأنها اخطر الأوضاع في المنطقة العربية بما يمكن ان يحمله تطورها الى استئناف لثورة «25 يناير»، او تفجر لثورة جديدة لإسقاط حكم «الإخوان المسلمين» الذي برهن على فشله ومحاولته التقرب الى اسرائيل والولايات المتحدة ضد كل الاحتمالات الأخرى.

نستطيع الجزم والتأكيد والبرهنة على ان اخطر تطورات الصراع في المنطقة العربية يتمثل الآن بشكل خاص في النبأ الذي نشر في منتصف الاسبوع المنقضي والقائل إن الولايات المتحدة قد وصل تأييدها ودعمها لتنظيم «القاعدة» الإرهابي الى حد الدفع به لمحاربة «حزب الله»، حزب المقاومة العربي الرئيسي ضد اسرائيل.

هذا هو النبأ الأشد خطورة في تطورات الصراعات التي تلف الوطن العربي في دواماتها. وقد اذاعه الباحث الصحافي الاميركي فرانكلين لامب الذي اختار بملء إرادته وعن فهم عميق لتطورات الأوضاع العربية ان يكون مقره ونقطة الإطلالة البحثية الصحافية الواعية على هذه التطورات في العاصمة اللبنانية بيروت. منذ سنوات ولامب يرصد التطورات العربية والتطورات العربية -الاسرائيلية من بيروت. وبطبيعة الحال فإن تحليلاته كثيراً ما اثبتت صحة رؤيته الإخبارية لتطورات المنطقة، وبالأخص اهتمامه الاول بها وهو الصراع العربي - الاسرائيلي.

مع ذلك فإن التحليل الجديد الذي كتبه فرانكلين لامب من بيروت انطلق من قول لدينيس روس مستشار «معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى» ـ وهو المعهد الذي يتولى مهمة الدفاع من وراء هويته الاميركية عن اسرائيل وسياساتها وعن التحالف الاستراتيجي في الشرق الاوسط بين اسرائيل والولايات المتحدة. قال دينيس روس ـ وانقضَّ لامب على قوله محللا ـ ان الفكرة الجديدة هي «تسهيل الأمر للقاعدة لكي تشن حرباً جهادية ضد حزب الله»، وذلك من خلال قول روس «إن الشيعة ليسوا وحدهم الذين يسعون الى الموت للبرهنة على ان مقاومتهم لأي كان. إن كثيرين من المسلمين ايضاً يريدون ان يموتوا، وقد رأينا في الاسبوع الماضي في بوسطن ما يدل على ذلك». وهو هنا يشير الى التفجير الذي احدثه الارهابي الشيشاني في داخل حدث رياضي في بوسطن. وأضاف لامب الى ذلك «ان الامور تزداد جنوناً عما كانت في اي وقت داخل مصانع الأفكار الموالية لإسرائيل في هذا المكان» (يقصد الولايات المتحدة).

كذلك يضيف لامب من بيروت ان صحيفة «واشنطن تايمز» تتبنى آراء دانييل بايبس، الكاتب اليميني الاميركي الذي يلتصق بأفكار اسرائيل والذي يعتبر من أكثر المهتمين بالإسلاميات في الفترة الاخيرة، وذلك بأن «تحاول الولايات المتحدة ان تحتفظ بالجانبين المتحاربين في سوريا يتقاتلان لأطول وقت ممكن لكي يدمر كل منهما الآخر». ويشير لامب في هذا الصدد الى ان بايبس يعمل الآن مستشاراً للسناتور الجمهوري جون ماكين. وكان ماكين قد زار مصر وأجرى محادثات مع الرئيس الإخواني المصري محمد مرسي مرتين خلال الاشهر القليلة الاخيرة. كما يشير الى ان جيفري فيلتمان، النائب الاول الأميركي للأمين العام للامم المتحدة، والسيدة سوزان رايس رئيسة الوفد الاميركي في المنظمة الدولية قد تبنيا وجهة النظر التي ترى تسليط تنظيم «جبهة النصرة» (الموالي لتنظيم القاعدة) ضد «حزب الله» من منطلق «ان فيلتمان حاول من قبل اربع عشرة مرة إسقاط «حزب الله» وإلحاق الهزيمة بالمقاومة الوطنية اللبنانية منذ ان وصل الى بيروت قادماً من تل ابيب في العام 2005 ليصبح سفيراً للولايات المتحدة لدى لبنان ... والحقيقة ان فيلتمان لم يغادر الشأن اللبناني، ولم يغادر منصب السفير الاميركي لدى لبنان، بل إنه لا يزال يشغله من منصبه في الامم المتحدة».

من ناحيتها فإن رايس رددت أصداء ما يقول فيلتمان حينما ادانت «حزب الله» بانتهاج سياسة تحطيم لسياسة النأي بالنفس التي يريد لبنان الرسمي انتهاجها بالنسبة للمقاومة العربية لإسرائيل والولايات المتحدة. وفي خطاب لرايس امام مجلس الأمن قالت «إن «حزب الله» يمكن (الرئيس السوري بشار الأسد) من ان يشن حرباً على "الشعب" عن طريق تقديم المال والأسلحة والخبرة للنظام الحاكم بالتنسيق مع ايران». وقد سبق ان عبر عن هذا الرأي الناطق الرسمي بلسان وزارة الخارجية الاميركية باتريك فينتريل الذي قال إن واشنطن «كانت واضحة دائما في ما يتعلق بدور حزب الله  والتأييد الذي يقدمه للحكم السوري » وفق تعبيرها.

فلا غرابة إذاً ان تدعم اسرائيل وعملاؤها في الكونغرس الاميركي في الوقت الحاضر حرب «جبهة النصرة»، حتى في الوقت الذي يضع فيه الرئيس الاميركي باراك اوباما هذه الجبهة على قائمة المنظمات الارهابية. إن عملاء اسرائيل لا يكفون عن التأكيد، خاصة داخل الكونغرس، بأن «ما ان يسقط الحكم في سوريا ويصبح «حزب الله» خارج الصورة حتى يصبح بإمكاننا ان نتعامل مع هؤلاء الرفاق الجهاديين»، على حد قول السناتور اليميني لندساي غراهام.

وربما يكون صحيحاً ان تنظيم «جبهة النصرة» يبدي اهتماماً يفوق اي اهتمام آخر بأن يقاتل ضد «حزب الله» على اساس اعتقاد بأن هذا القتال انما يكسب «النصرة» تأييداً واسع النطاق. وهذا يدل على ان الدعوة الى محاربة «حزب الله» هي دعوة سياسية مؤيدة لإسرائيل بالدرجة الاولى، وأن «النصرة» لا تقيّم مواقف المسلمين "شيعة كانوا او سنة" من زاوية الموقف من اسرائيل، ولكن من زاوية ما يقسم المسلمين مذهبياً.

إن الواقع الحقيقي للدعوة الى استبدال الحرب في مواجهة اسرائيل بحرب على «حزب الله» انما يؤكد أنه يتخذ المواقف القومية الصحيحة، ولا يرى تعارضاً بينها وبين اعتقاداته الدينية. ان الحملة من أجل شن حرب على «حزب الله» تخفق في إدراك قدراته القتالية، على الرغم من ان الدافع الرئيسي وراء الدعوة الى محاربة «حزب الله» ناتج بالأساس عن نجاحه في تغيير موازين القوى ضد القوى التي اصبحت تجاهر باستعدادها لوئام تام مع اسرائيل، ورغبة الداعين الى محاربة «حزب الله» في إخفاء ما اتضح من قدراته على تحقيق انتصارات حاسمة في مواجهة اولئك الذين يهددون بإحراق بيروت. وهذا هو بالتحديد المعنى الذي يتضح في قول السيد حسن نصر الله الأمين العام لـ«حزب الله» مؤخراً، شارحاً وجهة نظر «حزب الله» بشأن ما يتردد في هذه الدوائر عن حرب سنية - شيعية - إن ما اراده اولئك الذين ارسلوا هؤلاء الى سوريا انما قصد الى ان يُقتلوا وأن يتم قتلهم في مذبحة لن تخدم إلا أعداء العرب والمسلمين.

من المؤكد ان خطة اسرائيل والولايات المتحدة الرامية الى تحويل المنطقة العربية نحو حروب بين قواها القومية والاسلامية لن تختفي فجأة، ذلك انها تمثل الأمل الوحيد لإسرائيل في شغل البلدان العربية وجماهيرها بأكملها عن مواجهة الخطر الاسرائيلي. وقد بدا الاهتمام الاميركي واضحاً بهذا المخطط الاسرائيلي فأيدته الولايات المتحدة. وما يبدو ظاهرا حتى الآن ان النظم العربية الحاكمة ـ وبصفة خاصة النظم النفطية الخليجية الحاكمة ـ مستعدة للدخول في هذه المعمعة بأموالها وبالأسلحة المشتراة من الولايات المتحدة.

ان الدعوة الصريحة الى شن حرب ضد «حزب الله» لا تزيد كثيرا عن كونها دعوة اخرى الى الانشغال عن اسرائيل والدعم الاميركي لها ولدورها. ولعل هذا هو الخطأ الرئيسي الذي ترتكبه القوى المؤيدة لإسرائيل في المنطقة.

ان «حزب الله» قادر على مواجهة هذا النوع من الأخطار، وقادر في الوقت نفسه على الاستمرار في تشكيل تحد لاسرائيل الى حين تستقيم الأوضاع في الوطن العربي.

  • فريق ماسة
  • 2013-05-03
  • 8972
  • من الأرشيف

حزب الله في بؤرة الصراع

وصل الوضع في الوطن العربي الى نقطة صار من الصعب فيها ـ ربما الى حد الاستحالة ـ القول أي الصراعات هي الأخطر. وعلى سبيل المثال لا نستطيع الجزم بما اذا كان اخطر انباء الصراع في الاسبوع الماضي هو نبأ استعادة الحكومة السورية زمام المبادرة في القتال الدائر مع الجماعات الارهابية المتطرفة المسلحة، واستعادة سيطرتها في ميادين القتال... ام انه الهجوم الجوي الإسرائيلي على هدف في العاصمة السورية دمشق. كما لا نستطيع الجزم بما اذا كان اخطر الأنباء هو ذلك الذي يعطي اشارات ومؤشرات الى ان الولايات المتحدة تستعد لتدخل عسكري مباشر في الصراع المدمر الدائر في سوريا، بعد طول تردد او خوف من التورط في هذا الصراع، وهي ـ اي الولايات المتحدة ـ التي خافت من التورط المباشر بقواتها العسكرية في ليبيا حينما كان الصراع في ليبيا يمثل اولوية لها، اختارت ترك حلف الاطلسي يقوم بالدور العسكري الرئيسي في حسم الصراع في ليبيا. لا يمكن التأكيد أن نبأ ظهور الأدلة على استخدام للأسلحة الكيماوية في الصراع السوري من جانب القوى والتنظيمات المناهضة للنظام هو الدال على اخطر التطورات في هذا الصراع الدامي. او اذا كان الأخطر منه محاولة إلصاق اتهام استخدام السلاح الكيماوي بقوات النظام، على الرغم من تأكيدها بأنها لا تنوي استخدام هذا السلاح في اي صراع حتى اذا كان ضد اسرائيل. بالمثل لا نستطيع الجزم بما اذا كانت الأوضاع المضطربة الراهنة في مصر تنبئ بأنها اخطر الأوضاع في المنطقة العربية بما يمكن ان يحمله تطورها الى استئناف لثورة «25 يناير»، او تفجر لثورة جديدة لإسقاط حكم «الإخوان المسلمين» الذي برهن على فشله ومحاولته التقرب الى اسرائيل والولايات المتحدة ضد كل الاحتمالات الأخرى. نستطيع الجزم والتأكيد والبرهنة على ان اخطر تطورات الصراع في المنطقة العربية يتمثل الآن بشكل خاص في النبأ الذي نشر في منتصف الاسبوع المنقضي والقائل إن الولايات المتحدة قد وصل تأييدها ودعمها لتنظيم «القاعدة» الإرهابي الى حد الدفع به لمحاربة «حزب الله»، حزب المقاومة العربي الرئيسي ضد اسرائيل. هذا هو النبأ الأشد خطورة في تطورات الصراعات التي تلف الوطن العربي في دواماتها. وقد اذاعه الباحث الصحافي الاميركي فرانكلين لامب الذي اختار بملء إرادته وعن فهم عميق لتطورات الأوضاع العربية ان يكون مقره ونقطة الإطلالة البحثية الصحافية الواعية على هذه التطورات في العاصمة اللبنانية بيروت. منذ سنوات ولامب يرصد التطورات العربية والتطورات العربية -الاسرائيلية من بيروت. وبطبيعة الحال فإن تحليلاته كثيراً ما اثبتت صحة رؤيته الإخبارية لتطورات المنطقة، وبالأخص اهتمامه الاول بها وهو الصراع العربي - الاسرائيلي. مع ذلك فإن التحليل الجديد الذي كتبه فرانكلين لامب من بيروت انطلق من قول لدينيس روس مستشار «معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى» ـ وهو المعهد الذي يتولى مهمة الدفاع من وراء هويته الاميركية عن اسرائيل وسياساتها وعن التحالف الاستراتيجي في الشرق الاوسط بين اسرائيل والولايات المتحدة. قال دينيس روس ـ وانقضَّ لامب على قوله محللا ـ ان الفكرة الجديدة هي «تسهيل الأمر للقاعدة لكي تشن حرباً جهادية ضد حزب الله»، وذلك من خلال قول روس «إن الشيعة ليسوا وحدهم الذين يسعون الى الموت للبرهنة على ان مقاومتهم لأي كان. إن كثيرين من المسلمين ايضاً يريدون ان يموتوا، وقد رأينا في الاسبوع الماضي في بوسطن ما يدل على ذلك». وهو هنا يشير الى التفجير الذي احدثه الارهابي الشيشاني في داخل حدث رياضي في بوسطن. وأضاف لامب الى ذلك «ان الامور تزداد جنوناً عما كانت في اي وقت داخل مصانع الأفكار الموالية لإسرائيل في هذا المكان» (يقصد الولايات المتحدة). كذلك يضيف لامب من بيروت ان صحيفة «واشنطن تايمز» تتبنى آراء دانييل بايبس، الكاتب اليميني الاميركي الذي يلتصق بأفكار اسرائيل والذي يعتبر من أكثر المهتمين بالإسلاميات في الفترة الاخيرة، وذلك بأن «تحاول الولايات المتحدة ان تحتفظ بالجانبين المتحاربين في سوريا يتقاتلان لأطول وقت ممكن لكي يدمر كل منهما الآخر». ويشير لامب في هذا الصدد الى ان بايبس يعمل الآن مستشاراً للسناتور الجمهوري جون ماكين. وكان ماكين قد زار مصر وأجرى محادثات مع الرئيس الإخواني المصري محمد مرسي مرتين خلال الاشهر القليلة الاخيرة. كما يشير الى ان جيفري فيلتمان، النائب الاول الأميركي للأمين العام للامم المتحدة، والسيدة سوزان رايس رئيسة الوفد الاميركي في المنظمة الدولية قد تبنيا وجهة النظر التي ترى تسليط تنظيم «جبهة النصرة» (الموالي لتنظيم القاعدة) ضد «حزب الله» من منطلق «ان فيلتمان حاول من قبل اربع عشرة مرة إسقاط «حزب الله» وإلحاق الهزيمة بالمقاومة الوطنية اللبنانية منذ ان وصل الى بيروت قادماً من تل ابيب في العام 2005 ليصبح سفيراً للولايات المتحدة لدى لبنان ... والحقيقة ان فيلتمان لم يغادر الشأن اللبناني، ولم يغادر منصب السفير الاميركي لدى لبنان، بل إنه لا يزال يشغله من منصبه في الامم المتحدة». من ناحيتها فإن رايس رددت أصداء ما يقول فيلتمان حينما ادانت «حزب الله» بانتهاج سياسة تحطيم لسياسة النأي بالنفس التي يريد لبنان الرسمي انتهاجها بالنسبة للمقاومة العربية لإسرائيل والولايات المتحدة. وفي خطاب لرايس امام مجلس الأمن قالت «إن «حزب الله» يمكن (الرئيس السوري بشار الأسد) من ان يشن حرباً على "الشعب" عن طريق تقديم المال والأسلحة والخبرة للنظام الحاكم بالتنسيق مع ايران». وقد سبق ان عبر عن هذا الرأي الناطق الرسمي بلسان وزارة الخارجية الاميركية باتريك فينتريل الذي قال إن واشنطن «كانت واضحة دائما في ما يتعلق بدور حزب الله  والتأييد الذي يقدمه للحكم السوري » وفق تعبيرها. فلا غرابة إذاً ان تدعم اسرائيل وعملاؤها في الكونغرس الاميركي في الوقت الحاضر حرب «جبهة النصرة»، حتى في الوقت الذي يضع فيه الرئيس الاميركي باراك اوباما هذه الجبهة على قائمة المنظمات الارهابية. إن عملاء اسرائيل لا يكفون عن التأكيد، خاصة داخل الكونغرس، بأن «ما ان يسقط الحكم في سوريا ويصبح «حزب الله» خارج الصورة حتى يصبح بإمكاننا ان نتعامل مع هؤلاء الرفاق الجهاديين»، على حد قول السناتور اليميني لندساي غراهام. وربما يكون صحيحاً ان تنظيم «جبهة النصرة» يبدي اهتماماً يفوق اي اهتمام آخر بأن يقاتل ضد «حزب الله» على اساس اعتقاد بأن هذا القتال انما يكسب «النصرة» تأييداً واسع النطاق. وهذا يدل على ان الدعوة الى محاربة «حزب الله» هي دعوة سياسية مؤيدة لإسرائيل بالدرجة الاولى، وأن «النصرة» لا تقيّم مواقف المسلمين "شيعة كانوا او سنة" من زاوية الموقف من اسرائيل، ولكن من زاوية ما يقسم المسلمين مذهبياً. إن الواقع الحقيقي للدعوة الى استبدال الحرب في مواجهة اسرائيل بحرب على «حزب الله» انما يؤكد أنه يتخذ المواقف القومية الصحيحة، ولا يرى تعارضاً بينها وبين اعتقاداته الدينية. ان الحملة من أجل شن حرب على «حزب الله» تخفق في إدراك قدراته القتالية، على الرغم من ان الدافع الرئيسي وراء الدعوة الى محاربة «حزب الله» ناتج بالأساس عن نجاحه في تغيير موازين القوى ضد القوى التي اصبحت تجاهر باستعدادها لوئام تام مع اسرائيل، ورغبة الداعين الى محاربة «حزب الله» في إخفاء ما اتضح من قدراته على تحقيق انتصارات حاسمة في مواجهة اولئك الذين يهددون بإحراق بيروت. وهذا هو بالتحديد المعنى الذي يتضح في قول السيد حسن نصر الله الأمين العام لـ«حزب الله» مؤخراً، شارحاً وجهة نظر «حزب الله» بشأن ما يتردد في هذه الدوائر عن حرب سنية - شيعية - إن ما اراده اولئك الذين ارسلوا هؤلاء الى سوريا انما قصد الى ان يُقتلوا وأن يتم قتلهم في مذبحة لن تخدم إلا أعداء العرب والمسلمين. من المؤكد ان خطة اسرائيل والولايات المتحدة الرامية الى تحويل المنطقة العربية نحو حروب بين قواها القومية والاسلامية لن تختفي فجأة، ذلك انها تمثل الأمل الوحيد لإسرائيل في شغل البلدان العربية وجماهيرها بأكملها عن مواجهة الخطر الاسرائيلي. وقد بدا الاهتمام الاميركي واضحاً بهذا المخطط الاسرائيلي فأيدته الولايات المتحدة. وما يبدو ظاهرا حتى الآن ان النظم العربية الحاكمة ـ وبصفة خاصة النظم النفطية الخليجية الحاكمة ـ مستعدة للدخول في هذه المعمعة بأموالها وبالأسلحة المشتراة من الولايات المتحدة. ان الدعوة الصريحة الى شن حرب ضد «حزب الله» لا تزيد كثيرا عن كونها دعوة اخرى الى الانشغال عن اسرائيل والدعم الاميركي لها ولدورها. ولعل هذا هو الخطأ الرئيسي الذي ترتكبه القوى المؤيدة لإسرائيل في المنطقة. ان «حزب الله» قادر على مواجهة هذا النوع من الأخطار، وقادر في الوقت نفسه على الاستمرار في تشكيل تحد لاسرائيل الى حين تستقيم الأوضاع في الوطن العربي.

المصدر : السفير \سمير كرم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة